مشروع التفكيك الإقليمي: خطورة تطبيع مصطلح الشرق الأوسط في العالم العربي
تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT
محمد الصالحي
يُعتبر مصطلح “الشرق الأوسط” من أكثر المصطلحات التي تستخدم في الأوساط السياسية والإعلامية حول العالم، ويغفل الكثيرون عن أنه يحمل في طياته رسائل ضمنية تساهم في تطبيع غير مباشر مع الكيان الإسرائيلي. فهذا المصطلح ليس مجرد تسمية جغرافية أو ثقافية، بل يُعد جزءاً من مشروع سياسي كبير، يهدف إلى تغيير ملامح المنطقة العربية بشكل جذري.
فهدف هذا المشروع يتجاوز حدود التقسيم الجغرافي ليصل إلى فصل المشرق العربي عن المغرب العربي، مما يعني أن كل جزء من العالم العربي سيظل قائماً في إطار نظام إقليمي منفصل عن الآخر، بعيداً عن أي شكل من أشكال التنسيق أو التعاون العربي المشترك. وهذا الفارق الجغرافي يعكس، بدوره، محاولة لتقويض الوحدة العربية التي لطالما سعى العرب إلى تحقيقها، سواء في المجالات السياسية أو الاقتصادية. وفي هذا الصدد، لا يمكن تجاهل الهدف الأكبر الذي يسعى إليه المشروع، وهو دمج الكيان الإسرائيلي في قلب النظام الإقليمي العربي، بحيث يصبح جزءاً لا يتجزأ من هذا الشرق الأوسط الجديد.
فما يسعى إليه هذا المشروع هو استبدال الهوية العربية بهوية “شرق أوسطية” تشمل جميع الدول في المنطقة، بما في ذلك إسرائيل، مما يؤدي إلى محو الهوية الثقافية والتاريخية للعرب لصالح هوية جديدة تكون إسرائيل في مركزها. بذلك، يتأكد أن الكيان الإسرائيلي سيحتل مكانة مهيمنة في هذا النظام الإقليمي، وهو ما يمثل خطوة كبيرة نحو فرض النفوذ الإسرائيلي على باقي الدول العربية. ولعل ما يفاقم هذه المخاوف هو أن هذا المشروع لا يقتصر فقط على البعد السياسي، بل يمتد إلى المجال الاقتصادي أيضاً، حيث يهدف إلي أن يصبح الكيان الإسرائيلي مركزاً اقتصادياً متميزاً في المنطقة، متفوقاً على جميع الدول العربية. من خلال تكريس مكانته الاقتصادية، وسيكون لإسرائيل دور بارز في تشكيل النظام الاقتصادي الإقليمي، مما يعزز مكانتها السياسية في المنطقة.
إلى جانب ذلك، هناك دور محوري تلعبه تركيا في هذا المشروع، حيث يُراد لها أن تكون “الوجه الآخر” للغرب في المنطقة العربية. فعن طريق دمج تركيا في هذا النظام الإقليمي، يزداد التأثير الغربي على دول المنطقة، ويصبح لهذا التحالف الإقليمي دور أكبر في فرض السياسات الغربية على الدول العربية. وبذلك، يتم تعزيز النفوذ الغربي في المنطقة عبر ما يمكن تسميته بـ “الشرق الأوسط الكبير”، وهو ما يهدد بشكل أساسي مصالح العرب، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي.
إن ما يثير القلق بشكل خاص في هذه المرحلة هو استخدام المصطلحات التي تعكس هذه الأهداف، مثل “الشرق الأوسط”، والتي تُروج لها العديد من الأوساط الدولية والعربية. من هنا، يجب أن نكون حذرين في استخدام هذه المصطلحات، لأنها قد تحمل في طياتها اعترافاً ضمنياً بمشروع يسعى إلى إعادة تشكيل المنطقة بما يتناسب مع الأهداف التي يسعى الآخرون لتحقيقها. لذا، من الضروري تجنب تبني هذا المصطلح بصيغته التي يريد البعض تعميمها في الأوساط العربية، لأنه في النهاية يمثل جزءاً من حرب المصطلحات التي يخوضها الآخرون لتمرير أجنداتهم.
وفي خضم هذه المخاطر، تبرز ضرورة الحفاظ على الهوية العربية وعدم الانجرار وراء المصطلحات التي تسعى إلى تغيير ملامح المنطقة. فالتوعية بخطورة تبني هذه المصطلحات تُعد جزءاً مهماً من النضال ضد محاولات فرض النفوذ والتقسيم في المنطقة. كما أن تجنب استخدامها هو وسيلة هامة للحفاظ على الوحدة العربية والدفاع عن مصالح العرب في مواجهة مشاريع قد تُمهد الطريق للهيمنة الأجنبية على المنطقة.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الکیان الإسرائیلی المصطلحات التی الشرق الأوسط هذا المشروع فی المنطقة فی هذا
إقرأ أيضاً:
خطورة استمرار العدوان واقتحامات المستوطنين للأقصى
مواصلة سلطات الاحتلال عدوانها على الشعب الفلسطيني سواء بالإبادة في قطاع غزة، أو ما يجري في الضفة والقدس المحتلة من اقتحام للمسجد الأقصى ورفع علم دولة الاحتلال وإقامة الطقوس الدينية في باحاته حيث تنطوي خطورة هذه الممارسات على المنطقة بأسرها.
التصعيد الممنهج والخطير الذي تمضي فيه حكومة الاحتلال، بقيادة تحالف يميني متطرف يتزعمه بنيامين نتنياهو، ويغذيه خطاب تحريضي يتبناه وزراء في حكومته وقيادات التيارات الدينية المتطرفة وإن هذا السلوك العدواني لا يفهم إلا في سياق مخطط مدروس لتكريس واقع الصراع كحرب دينية شاملة، بما ينذر بتداعيات كارثية على المنطقة برمتها.
اقتحام وزراء وأعضاء كنيست عنصريين باحات المسجد الأقصى وجماعات إرهابية يهودية متطرفة ورفع علم دولة الاحتلال على يد عضو الكنيست المتطرف تسفي سوكوت بمناسبة احتلال الشطر الشرقي للمدينة، ومهاجمة مقر وكالة الأونروا في حي الشيخ جراح من قبل مستعمرين بتغطية سياسية، تمثلت بمشاركة نائبة في الكنيست يشكل تصعيدا خطيرا ضمن استراتيجيه تهويدية ممنهجة تستهدف طمس الهوية الوطنية والدينية لمدينة القدس، وتمثل تعديا سافرا على القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية في ظل صمت دولي مريب لم يعد يحتمل.
هذه الممارسات العنصرية التي تتم تحت حماية مشددة من قوات الاحتلال، في ظل مواصلة حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة تمثل تصعيدا خطيرا في سياسة التهويد الممنهجة والتي تستهدف القدس الشرقية المحتلة ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك، في تحد صارخ للوضع القانوني والتاريخي القائم، وللإرادة الدولية التي أكدت مرارا أن القدس الشرقية هي أرض فلسطينية محتلة.
ويجب احترام الوصاية الهاشمية الأردنية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، بصفتها الجهة الشرعية الوحيدة المخولة بإدارة شؤون المسجد الأقصى، في ظل خطورة تداعيات استمرار الاحتلال في انتهاك الوضع الراهن ومحاولة فرض وقائع جديدة بقوة السلاح والغطرسة الإسرائيلية.
لغة القوة والتجاذب القائم بين أقطاب حكومة الاحتلال والكنيست الإسرائيلي العنصري واستعراض خطابات التطرف والتحريض العلني، يكشف بوضوح أن حكومة الاحتلال لا تسعى إلى تحقيق الأمن أو الاستقرار او السلام، بل تؤسس لمرحلة من الفوضى الدموية وتغذي بيئة خصبة لنمو جماعات دينية يهودية متطرفة ذات طابع عنصري، تهدد السلم الدولي والإنساني.
إن أمن المنطقة واستقرارها مرتبط بحل عادل للقضية الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية، وإن المنطقة ستبقى في دوامة من العنف حتى حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، وعلى رأسها حق تقرير المصير وتجسيد قيام دولته الفلسطينية المستقلة.
حكومة الاحتلال تتحمل كامل المسؤولية عن هذا التصعيد الخطير، ويجب على المجتمع الدولي ومجلس الأمن الخروج من دائرة التردد والشلل السياسي والتحرك العاجل والفاعل لوقف هذا الانفلات الذي قد يقود المنطقة نحو انفجار شامل، ستكون عواقبه وخيمة على الأمن والسلم الدوليين، ولا بد من الإدارة الأميركية بذل كامل الجهود وبشكل جدي والعمل على وقف حرب الإبادة الجماعية على شعبنا في قطاع غزة، والاعتداءات الخطيرة في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة.
ولا بد من مواصلة الجهود من اجل ضمان نجاح المؤتمر الدولي بشأن فلسطين المقرر منتصف الشهر المقبل في نيويورك، ومن المهم استمرار التحضيرات لإنجاحه عبر دعم حل الدولتين وفق مبادرة السلام العربية، واعتراف الدول التي لم تعترف بدولة فلسطين بهدف تجسيدها على الأرض.
الدستور الأردنية