تطغى الأحداث المتسارعة في سوريا على ما سواها من أزمات المنطقة، لما تحمله من تطورات خطيرة وتداعيات أخطر، تسعى إلى التغطية على الجرائم الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة والمخططات الاستيطانية لضم الضفة الغربية والجرح المفتوح في لبنان، وخلق حالة من الفوضى الإقليمية، التي جرى التخطيط لها منذ أمد لصناعة دوامة جديدة من انعدام الاستقرار.
وكل ما ظهر من تفاصيل يظهر أن ما يجري، لم يكن وليد أيام أو أشهر، بل يحيل على سلسلة طويلة من المخططات لاستهداف الدول الوطنية في العالم العربي، مثلما حدث في الجولة الأولى مما يسمى «الربيع العربي» قبل أربعة عشر عاماً، حين ضاع أكثر من بلد وجرى تدمير مقوماته وانتهاك سيادته ودفعه إلى حالة من الفوضى المفتوحة على المجهول، وهو ما عانته سوريا على مدى سنوات، وكادت أن تتعافى، لكنّ أطرافاً إقليمية ودولية حافظت على قنابلها الموقوتة، وارتأت أن تفجرها في هذا التوقيت، مستغلة حالة القلق والهواجس التي تعصف بالمنطقة جراء الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، وما رافقها من جولة قتال مع لبنان ومواجهة بين تل أبيب وطهران، حتى هذا التصعيد الجاري في سوريا، الذي لا يمكن لعاقل أن يفصله عن الأزمات الأخرى، بل هو حلقة مكملة لما سبق ومقدمة لما قد يأتي.
الآن، وفي خضم هذا المشهد، تقف سوريا، التي يجب أن تكون وحدتها خطاً أحمر غير مسموح بتجاوزه، في لحظة مصيرية، بعدما عادت مشاهد التحشيد المسلح على أكثر من جبهة، وبدأت تتشكل مخاطر تقسيم للوحدة الترابية ومآس إنسانية ونذر فتنة طائفية وتهديدات صريحة لضرب مؤسسات الدولة ومركزيتها، وكلها تطرح نقاط استفهام حول النتيجة النهائية ومآلات هذا المشهد المربك والمثير للفزع، الذي سيؤثر في مجمل الأزمات في المنطقة، ويعود إلى تسميم الأجواء الإقليمية التي حاولت في السنوات الماضية العمل على تجاوز جراحات الماضي، وإشاعة أجواء من التفاؤل والأمل في بناء إقليم مزدهر ومستقر ويعمل للمستقبل بعد التحرر من الصراعات الأهلية والفتن الطائفية ونزعات الإرهاب.
أخطر ما يمكن أن تواجهه المنطقة أن تعود مكرهة إلى ذلك الوضع المؤلم، الذي كان قبل بضع سنوات، حين سادت الكراهية وانتشرت الانقسامات وعمت الفوضى. ولتجنب تكرار التجارب المؤلمة، يستوجب هذا الوضع مواقف عربية أكثر قوة وصراحة في الدفاع عن الدولة الوطنية ومستقبل الشعوب، والرفض المطلق للإرهاب ولكل محاولات تجميله وسيناريوهات إعادته إلى المشهد، وعدم تمكينه من تحقيق أهدافه الخبيثة، وكل هذا يتطلب مقاربة إقليمية واضحة ترسم خطاً فاصلاً بين الوطنية والارتزاق، وتعمل على إعادة الأمل إلى شعوب عربية عانت طويلاً، ولا يجب أن تقع مجدداً في ذات الأخطاء والمآسي، لأن العاقبة ستكون أسوأ مما سبق.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الحرب في سوريا
إقرأ أيضاً:
المرصد السوري: إنفلات أمني يهدد المدنيين ويُنذر بمزيد من الفوضى في اللاذقية
الثورة نت/وكالات تشهد محافظة اللاذقية غربي سوريا منذ مطلع ديسمبر الجاري ، تصاعداً لافتاً في الهجمات الانتقامية والجرائم ذات البعد الطائفي، في مؤشر واضح على هشاشة الواقع الأمني وانتشار القتل والفوضى. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان على موقعه الإلكتروني ، اليوم الخميس ، إن “المدنيين يتخوفون من تفاقم هذه الحوادث، خصوصاً مع تصاعد خطابات الكراهية والتحريض الصادرة عن مسلحين مجهولين” ، مضيفا أن “هذه الهجمات غالبا ماتُنفذ بتهمة “فلول النظام” أو بدوافع طائفية بحتة”. ووثّق المرصد السوري 4 جرائم قتل طائفية في اللاذقية وريفها خلال عشرة أيام، إضافة إلى جريمة قتل جنائية واحدة، لترتفع حصيلة جرائم القتل الناجمة عن السلوكيات الانتقامية والتصفيات منذ مطلع العام إلى 109 حالات، من بينهم 99 رجلاً و4 سيدات و6 أطفال، بينهم 84 قُتلوا على خلفية الانتماء الطائفي. وأضاف أن “هذا التصاعد يؤكد استمرار دائرة القتل واتساع مخاوف المدنيين، ما يستدعي تحركاً عاجلاً لوقف الانفلات الأمني”. وطالب المرصد “الجهات المعنية باتخاذ إجراءات أمنية فورية وفعّالة لوقف جرائم القتل ذات الطابع الطائفي، وتعزيز حماية المدنيين”، كما دعا “إلى فتح تحقيقات شفافة ومحاسبة جميع المتورطين في هذه الجرائم لوضع حد للفوضى ومنع تكرارها”.