أبوظبي.. تراث غني نتشاركه مع العالم
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
محمد خليفة المبارك *
نجحت أبوظبي على مدار العقدين الماضيين، في مشاركة قصتها مع العالم والتعريف بمعالمها وصروحها وقيمها الثقافية، وشهدت تزايداً كبيراً في أعداد الزوار من مختلف أنحاء العالم، بفضل أجندة فعالياتها المتميزة والغنية بالأنشطة والبرامج الثقافية والترفيهية.
ومع هذا النمو والتطور السريع الذي تشهده إمارتنا، يصبح من المهم أكثر من أي وقت مضى أن نعود إلى البدايات، وأن نتذكّر ماضي أبوظبي التي تتمتع بتراث غني وأصيل، تراث نحفظه في قلوبنا ونعيشه كلّ يوم في حياتنا اليومية، فهو إرثنا النابض بالحياة الذي يحمل هويتنا الوطنية الفريدة وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا التي نعتزُّ بها.
ومما يدعونا إلى هذا الاعتزاز والفخر، أننا نمتلك ثروة ثقافية يمكننا أن نشاركها مع العالم، لنسلّط الضوء على ملامح هويتنا الثقافية وما كانت عليه حياة أسلافنا من عاداتٍ وتقاليد وقيم نستطيع أن نتعلّم منها الكثير. فمن فنّ القهوة العربية الأصيلة، نتعلم دروساً في الكرم والضيافة والتواضع، ومن الصقارة أي الصيد بالصقور، ننمّي لدينا احترام التوازن في الطبيعة، ومن زراعة التمور نتعلم أسرار بناء مستقبل أكثر استدامة، أمّا شِعرنا القديم، فيعلّمنا كيف نثري لغتنا ومفرداتنا وقدرتنا على التعبير.
كل هذه العناصر أشكال حية من التراث، ما زالت تسري في دمائنا، معاهدين أنفسنا على أن ننقلها للأجيال القادمة، لكي تبقى قصّة أبوظبي حيّة في قلوب وأذهان أبنائنا وأحفادنا.
وإلى جانب ذلك، هناك العديد من الأشكال الأخرى للتراث غير المادي التي لم تعد شائعة في المجتمع، وهي تتطلب كثيراً من الرعاية والحماية للحفاظ عليها بشكل دائم. فعلى سبيل المثال، يشكّل «السدو» الذي يعكس ملامح فنّ النسيج الأصيل في منطقتنا، واحداً من أهم العناصر التراثية التي نحرص اليوم على الاحتفال بها وتوثيقها، إلى جانب الفنون الشفهية التي تجسّدُ جزءاً مهمّاً من موروثنا الثقافي مثل «الحداء» للتواصل مع قطعان الإبل، وشعر «العازي» الذي يعدّ واحداً من أهم الفنون الأدائية التراثية، وغير ذلك من العناصر المعنوية والمادية التي وصلت إلينا عبر آلاف السنين، لأنّ أسلافنا حرصوا عليها ونجحوا في حفظها وصونها ونقلها لنا، لتبقى راسخة في أذهاننا فننقلها بدورنا للأجيال القادمة، ولاسيما في هذا العصر الذي يتّسم بسيطرة التكنولوجيا الحديثة والعولمة، ما يجعل الحفاظ على التراث مسألة أصعب من أي وقت مضى، إلّا أننا حريصون على مواكبة التقدّم الذي يشهده العالم والاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل والاتصال الحديثة التي تمدّ جسراً بيننا وبين العالم، ليكون هذا الجسر وسيلتنا للتعريف بثروتنا الثقافية وموروثنا الأصيل الذي نفخر به.
وتأتي هذه المهمة في صميم عمل دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي عبر سياساتها ومبادراتها وبرامجها الهادفة، حيث أطلقت مؤخّراً حملة جديدة بعنوان «تقاليدنا راسخة»، لتسليط الضوء على تراثنا الثقافي غير المادي الذي يحدّد هويتنا وإرث أجدادنا الحي، للتعريف به وتعزيزه والحفاظ عليه، وذلك من خلال أدوات ووسائل مبتكرة تستكشف جوانب مختلفة من الثقافة الإماراتية.
ركائز أساسية
ومن خلال سياساتنا ومبادراتنا وحملاتنا نقدّم للمشاهدين العناصر الأصيلة لقيمنا وهويتنا، مثل فنّ «العيّالة» الشعبي الذي ما زال حيّاً إلى يومنا هذا، ومنسوجات «التلي» اليدوية الجميلة المفعمة بالألوان، وأشعار «التغرودة» التي ينشدها الرحالة، إلى جانب «الصقّارة» وغيرها من الفنون والتقاليد والحرف التي يحملها تراثنا الغني، والتي يمكن الاطلاع عليها في مقاطع الفيديو التي تواصل دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي إصدارها على مدار العام.
فقصصنا وأشعارنا وتقاليدنا تستحق أن تصل للعالم، لتعريفه بما نمتلكه من ثروة وجمال كامن في كل جزء من موروثنا الثقافي الذي أسهم بشكل جوهري في صناعة التحوّل الثقافي طويل الأمد الذي أوصل أبوظبي إلى ما هي عليه اليوم، والذي نحرص على حمايته وحفظه للأجيال القادمة.
لقد اعتبر الوالد المؤسس لدولة الإمارات العربية المتحدة، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، عناصر الثقافة والتراث ركائزَ أساسية لنمو الدولة، ووضع خططاً للحفاظ على التراث الثقافي للدولة. وقد تخلل هذه الرحلة تأسيس العديد من المعالم والصروح الرئيسة والمؤسسات الثقافية التي تهدف إلى عرض تاريخ وتراث ومشهد أبوظبي الفنّي، مثل المجمّع الثقافي في أبوظبي ومتحف العين الوطني وقلعة الجاهلي وقصر الحصن، إلى جانب الإنجاز الرائع المرتقب في تطوير المنطقة الثقافية في السعديات مع افتتاح متحف زايد الوطني هذا العام، بالإضافة إلى متحف جوجنهايم أبوظبي ومتحف التاريخ الطبيعي وتيم لاب فينومينا أبوظبي نهاية عام 2025.
إنجازات متميزة
هذه الإنجازات المتميزة تعزّز مكانة أبوظبي كمركز ثقافي حيوي وشامل يحتفي بالتراث المحلي ويبرزه عالمياً، ومن خلال تواصلنا وتقاربنا مع الثقافات العالمية، فإننا نثري المشهد العالمي ونعزز بيئة مرحّبة بجميع الزوار للاستمتاع بعروضنا الثقافية.
ويظهر التقدم الذي أحرزناه في تبادل التراث الثقافي من خلال زيادة التقدير العالمي لموروثنا الغني، حيث تمّ تصنيف المواقع الثقافية في العين، وهي حفيت وهيلي وبدع بنت سعود والواحات، كأول مواقع للتراث العالمي لليونسكو في الدولة في عام 2011. إذ تشير اليونسكو إلى أن «الآثار الرائعة» في هذه المناطق مثل الآبار والأبراج الحجرية الدائرية تؤكّد أنّها كانت عامرة بالاستيطان البشري منذ العصر الحجري الحديث. وعلى الرغم من أن الكثيرين يرون أن أبوظبي عاصمة شابة، فإنّ هذه المواقع تدلّ على عمق تاريخنا الضارب في القدم.
كما تمّ أيضاً، منذ عام 2011، إدراج ما مجموعه 15 عنصراً من عناصر التراث غير المادي لدولة الإمارات العربية المتحدة، في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونسكو، أربعة منها خاصة بالإمارات، و11 عنصراً مشتركاً مع دول أخرى.
وفي وقت تواجه فيه العديد من الجهات الثقافية في جميع أنحاء العالم، تحدّياً كبيراً في الحفاظ على التراث كممارسة ثقافية وعادة حياتية يومية، نواجه في أبوظبي هذا التحدي من خلال إقامة مهرجانات ثقافية على مدار العام، وتنظيم طيف واسع من المبادرات الأخرى التي تهدف إلى تعزيز مكانة التراث الإماراتي، من بينها مهرجان الشيخ زايد، ومهرجان الحصن، ومهرجان الحرف اليدوية التقليدية، وبيت الحرفيين، وسجل أبوظبي للحرفيين، ومنصة أبوظبي للحرف، بالإضافة إلى مهرجان التراث البحري.
وختاماً، ومن خلال النظر إلى الماضي، نخلق مستقبلاً أكثر إشراقاً للجميع. ونحن ملتزمون بمواصلة رسم آفاق جديدة للأجيال القادمة، في وقت نكرّم فيه إرث أسلافنا الذين نفخر بهم. وكما قال الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه: «من لا يعرف ماضيه لا يستطيع أن يعيش حاضره ومستقبله، فمن الماضي نتعلم ونكتسب الخبرة ونستفيد من الدروس والنتائج».
* رئيس دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الإمارات الثقافة محمد خليفة المبارك التراث التراث الإماراتي للأجیال القادمة غیر المادی إلى جانب من خلال
إقرأ أيضاً:
أغلى مكان للموت في العالم.. الضريبة التي دفعت الأثرياء للهروب السريع!
#سواليف
في #تحول_دراماتيكي، تواجه حكومة حزب العمال البريطاني #أزمة_متصاعدة بعد #موجة_نزوح #غير_مسبوقة #للأثرياء من البلاد، على خلفية تغييرات ضريبية جذرية قلبت صورة المملكة المتحدة من “جنة ضريبية” إلى واحدة من أكثر الدول تكلفة للأثرياء.
فقد كشفت تقارير حديثة أن أكثر من 10,800 مليونير غادروا بريطانيا في عام 2024، وسط توقعات بارتفاع العدد إلى 16,500 خلال 2025، ما يجعلها الدولة الأولى عالميًا في خسارة أصحاب الثروات، باستثناء الصين، وفقاً لما ذكرته شبكة “CNBC”، واطلعت عليه “العربية Business”.
لخص الوزير البارز في حكومتي توني بلير وغوردون براون العماليتين، بيتر ماندلسون، والذي يشغل حالياً منصب سفير المملكة المتحدة لدى الولايات المتحدة، نهج المملكة المتحدة في هذه الفترة على أفضل وجه. ففي عام 1998، قال لمجموعة من قادة الأعمال في وادي السيليكون: “نحن متساهلون للغاية بشأن ثراء الناس الفاحش طالما أنهم يدفعون ضرائبهم”.
مقالات ذات صلةومع ذلك، يتغير هذا الوضع الآن مع فرار الأثرياء من نظام ضريبي عقابي جديد، مع عواقب وخيمة محتملة على البلاد.
ضريبة الموت.. القشة التي قصمت ظهر “لندنغـراد”
قدّر وكيل العقارات الفاخر أستون تشيس أنه في وقت الغزو الروسي لأوكرانيا، كان حوالي 150 ألف روسي يعيشون في “لندن غراد” ويمتلكون عقارات سكنية بقيمة 1.1 مليار جنيه إسترليني (1.5 مليار دولار). لكن خروج الأولغاريشية الروسية لم يكن مؤثراً بصورة كبيرة ولم يحزن عليهم الكثير.
لكن الشرارة الفعلية انطلقت حين ألغت الحكومة البريطانية وضع “غير المقيم ضريبيًا” (non-dom)، الذي كان يسمح للأثرياء بتجنب دفع الضرائب على أصولهم الخارجية. لكن ما زاد الطين بلة هو قرار وزيرة المالية الجديدة، رايتشل ريفز، بإلغاء الإعفاءات على الصناديق الخارجية، ما يعني أن ثروات هؤلاء أصبحت عرضة لضريبة الميراث بنسبة 40%.
وكانت النتيجة نزوح جماعي لأسماء بارزة مثل ناصف ساويرس، أغنى رجل في مصر، وريتشارد جنود نائب رئيس “غولدمان ساكس”، وجون فريدريكسن قطب الشحن النرويجي. حتى لاكشمي ميتال، عملاق صناعة الصلب، يُقال إنه يدرس مغادرة البلاد.
ضربة مزدوجة للاقتصاد البريطاني
التداعيات لا تقتصر على الضرائب المفقودة فقط، بل تمتد إلى آلاف الوظائف في قطاعات مثل العقارات الفاخرة، الضيافة، الخدمات القانونية، والسلع الفاخرة. كما أن العديد من المؤسسات الخيرية والثقافية تعتمد على تبرعات هؤلاء الأثرياء.
ورغم أن الحكومة كانت تأمل بجني 2.7 مليار جنيه إسترليني سنويًا من هذه التعديلات، إلا أن دراسات مثل تلك الصادرة عن “أوكسفورد إيكونوميكس” تحذر من أن السياسة قد تنقلب على الحكومة وتكلفها خسائر صافية.
بدأت الأمور تتغير على نطاق أوسع خلال الفترة التي سبقت الانتخابات العامة العام الماضي، عندما سعى جيريمي هانت، وزير الخزانة آنذاك، إلى التفوق على منافسيه من حزب العمال في ميزانيته لشهر مارس 2024.
عيب في النظام الضريبي يعود إلى عام 1799
أعلن أنه اعتباراً من أبريل 2025، ستلغي المملكة المتحدة ما يسمى بوضع “غير المقيمين” – وهو عيب في النظام الضريبي يعود تاريخه إلى عام 1799، والذي سمح للأثرياء المقيمين في بريطانيا ولكنهم لا يعتبرونها موطنهم الدائم، أو “موطنهم”، بدفع ضريبة المملكة المتحدة فقط على الدخل المكتسب في البلاد أو المحول إليها.
كانت هذه سياسةً رائدةً لحزب العمال، وقد استغلّ الحزب نجاحه من كون أكشاتا مورتي، المولودة في الهند، زوجة رئيس الوزراء السابق ريشي سوناك، واحدةً من حوالي 74 ألف شخص تمتّعوا بوضعية غير المقيمين في السنة المالية 2022-2023 (وهي آخر سنة ضريبية تتوفر عنها أرقام).
ولكن عندما فاز حزب العمال في الانتخابات، في يوليو من العام الماضي، قررت المستشارة المعينة حديثاً، راشيل ريفز، أنها بحاجة إلى الحفاظ على قيادة الحزب في هذه القضية. لذلك ألغت الإعفاء على الصناديق الاستئمانية الخارجية – مما قد يُعرّض كامل الثروة العالمية لهؤلاء الأفراد لضريبة الـ 40%.
بين عشية وضحاها، حوّلت المملكة المتحدة من واحدة من أكثر الوجهات جاذبيةً لأثرياء العالم إلى واحدة من أغلى الأماكن للموت في العالم.
انخفاض المعاملات المتعلقة بمنازل الأثرياء
تُقدر شركة لونريس، التي تتتبع نشاط أسواق العقارات الرئيسية في لندن، أن عدد المعاملات المتعلقة بمنازل الأثرياء انخفض بنسبة 36% في مايو من هذا العام مقارنةً بالشهر نفسه من العام الماضي. في الوقت نفسه، تُشير بيانات سجل الشركات إلى أن أكثر من 4,400 مدير قد غادروا المملكة المتحدة في العام الماضي، مع تسارع وتيرة المغادرة في الأشهر الأخيرة.
بينما أشارت دراسةٌ نشرتها شركة الاستشارات “أكسفورد إيكونوميكس” في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، استناداً إلى استطلاعٍ شمل غير المقيمين ومستشاريهم، إلى أن 63% منهم سيغادرون خلال عامين من تطبيق الإجراء. وبغض النظر عن الاستطلاعات، تتوقع “أكسفورد إيكونوميكس” مغادرة ما يصل إلى 32% من غير المقيمين، وفي ظل هذا السيناريو، ومع دفع غير المقيمين 8.9 مليار جنيه إسترليني كضرائب في الفترة 2022-2023، ستبدأ هذه السياسة في تكبد الخزانة العامة تكاليف باهظة.
أدركت الحكومة، متأخرةً، أنها تواجه مشكلة. للأسف، ربما فات الأوان لجذب غير المقيمين الذين غادروا البلاد بالفعل، إلى جانب آخرين غادروا البلاد بسبب فرض ضريبة القيمة المضافة على الرسوم المدرسية، والتغييرات في إعفاءات الممتلكات الزراعية والتجارية، التي عرّضت العقارات والشركات التي كانت معفاة سابقاً لضريبة الميراث لأول مرة.
هل تتراجع حكومة العمال؟
رغم الشعبية التي تحظى بها سياسات “العدالة الضريبية” بين ناخبي حزب العمال، إلا أن الضغوط تتزايد على الحكومة لإعادة النظر في بعض الإجراءات، خصوصًا مع اقتراب العام الدراسي الجديد، حيث يخطط كثير من الأثرياء للرحيل قبل سبتمبر.
لكن التحدي الأكبر أمام ريفز هو التراجع دون أن يبدو وكأنه تراجع، في وقت تتزايد فيه الأصوات المحذرة من أن “العدالة الضريبية” قد تتحول إلى كارثة اقتصادية صامتة.