صحيفة الاتحاد:
2025-12-13@05:59:56 GMT

أبوظبي.. تراث غني نتشاركه مع العالم

تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT

محمد خليفة المبارك *
نجحت أبوظبي على مدار العقدين الماضيين، في مشاركة قصتها مع العالم والتعريف بمعالمها وصروحها وقيمها الثقافية، وشهدت تزايداً كبيراً في أعداد الزوار من مختلف أنحاء العالم، بفضل أجندة فعالياتها المتميزة والغنية بالأنشطة والبرامج الثقافية والترفيهية.
ومع هذا النمو والتطور السريع الذي تشهده إمارتنا، يصبح من المهم أكثر من أي وقت مضى أن نعود إلى البدايات، وأن نتذكّر ماضي أبوظبي التي تتمتع بتراث غني وأصيل، تراث نحفظه في قلوبنا ونعيشه كلّ يوم في حياتنا اليومية، فهو إرثنا النابض بالحياة الذي يحمل هويتنا الوطنية الفريدة وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا التي نعتزُّ بها.


ومما يدعونا إلى هذا الاعتزاز والفخر، أننا نمتلك ثروة ثقافية يمكننا أن نشاركها مع العالم، لنسلّط الضوء على ملامح هويتنا الثقافية وما كانت عليه حياة أسلافنا من عاداتٍ وتقاليد وقيم نستطيع أن نتعلّم منها الكثير. فمن فنّ القهوة العربية الأصيلة، نتعلم دروساً في الكرم والضيافة والتواضع، ومن الصقارة أي الصيد بالصقور، ننمّي لدينا احترام التوازن في الطبيعة، ومن زراعة التمور نتعلم أسرار بناء مستقبل أكثر استدامة، أمّا شِعرنا القديم، فيعلّمنا كيف نثري لغتنا ومفرداتنا وقدرتنا على التعبير.
كل هذه العناصر أشكال حية من التراث، ما زالت تسري في دمائنا، معاهدين أنفسنا على أن ننقلها للأجيال القادمة، لكي تبقى قصّة أبوظبي حيّة في قلوب وأذهان أبنائنا وأحفادنا.
وإلى جانب ذلك، هناك العديد من الأشكال الأخرى للتراث غير المادي التي لم تعد شائعة في المجتمع، وهي تتطلب كثيراً من الرعاية والحماية للحفاظ عليها بشكل دائم. فعلى سبيل المثال، يشكّل «السدو» الذي يعكس ملامح فنّ النسيج الأصيل في منطقتنا، واحداً من أهم العناصر التراثية التي نحرص اليوم على الاحتفال بها وتوثيقها، إلى جانب الفنون الشفهية التي تجسّدُ جزءاً مهمّاً من موروثنا الثقافي مثل «الحداء» للتواصل مع قطعان الإبل، وشعر «العازي» الذي يعدّ واحداً من أهم الفنون الأدائية التراثية، وغير ذلك من العناصر المعنوية والمادية التي وصلت إلينا عبر آلاف السنين، لأنّ أسلافنا حرصوا عليها ونجحوا في حفظها وصونها ونقلها لنا، لتبقى راسخة في أذهاننا فننقلها بدورنا للأجيال القادمة، ولاسيما في هذا العصر الذي يتّسم بسيطرة التكنولوجيا الحديثة والعولمة، ما يجعل الحفاظ على التراث مسألة أصعب من أي وقت مضى، إلّا أننا حريصون على مواكبة التقدّم الذي يشهده العالم والاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل والاتصال الحديثة التي تمدّ جسراً بيننا وبين العالم، ليكون هذا الجسر وسيلتنا للتعريف بثروتنا الثقافية وموروثنا الأصيل الذي نفخر به.
وتأتي هذه المهمة في صميم عمل دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي عبر سياساتها ومبادراتها وبرامجها الهادفة، حيث أطلقت مؤخّراً حملة جديدة بعنوان «تقاليدنا راسخة»، لتسليط الضوء على تراثنا الثقافي غير المادي الذي يحدّد هويتنا وإرث أجدادنا الحي، للتعريف به وتعزيزه والحفاظ عليه، وذلك من خلال أدوات ووسائل مبتكرة تستكشف جوانب مختلفة من الثقافة الإماراتية.
ركائز أساسية
ومن خلال سياساتنا ومبادراتنا وحملاتنا نقدّم للمشاهدين العناصر الأصيلة لقيمنا وهويتنا، مثل فنّ «العيّالة» الشعبي الذي ما زال حيّاً إلى يومنا هذا، ومنسوجات «التلي» اليدوية الجميلة المفعمة بالألوان، وأشعار «التغرودة» التي ينشدها الرحالة، إلى جانب «الصقّارة» وغيرها من الفنون والتقاليد والحرف التي يحملها تراثنا الغني، والتي يمكن الاطلاع عليها في مقاطع الفيديو التي تواصل دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي إصدارها على مدار العام. 
فقصصنا وأشعارنا وتقاليدنا تستحق أن تصل للعالم، لتعريفه بما نمتلكه من ثروة وجمال كامن في كل جزء من موروثنا الثقافي الذي أسهم بشكل جوهري في صناعة التحوّل الثقافي طويل الأمد الذي أوصل أبوظبي إلى ما هي عليه اليوم، والذي نحرص على حمايته وحفظه للأجيال القادمة.
لقد اعتبر الوالد المؤسس لدولة الإمارات العربية المتحدة، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، عناصر الثقافة والتراث ركائزَ أساسية لنمو الدولة، ووضع خططاً للحفاظ على التراث الثقافي للدولة. وقد تخلل هذه الرحلة تأسيس العديد من المعالم والصروح الرئيسة والمؤسسات الثقافية التي تهدف إلى عرض تاريخ وتراث ومشهد أبوظبي الفنّي، مثل المجمّع الثقافي في أبوظبي ومتحف العين الوطني وقلعة الجاهلي وقصر الحصن، إلى جانب الإنجاز الرائع المرتقب في تطوير المنطقة الثقافية في السعديات مع افتتاح متحف زايد الوطني هذا العام، بالإضافة إلى متحف جوجنهايم أبوظبي ومتحف التاريخ الطبيعي وتيم لاب فينومينا أبوظبي نهاية عام 2025.
إنجازات متميزة
هذه الإنجازات المتميزة تعزّز مكانة أبوظبي كمركز ثقافي حيوي وشامل يحتفي بالتراث المحلي ويبرزه عالمياً، ومن خلال تواصلنا وتقاربنا مع الثقافات العالمية، فإننا نثري المشهد العالمي ونعزز بيئة مرحّبة بجميع الزوار للاستمتاع بعروضنا الثقافية.
ويظهر التقدم الذي أحرزناه في تبادل التراث الثقافي من خلال زيادة التقدير العالمي لموروثنا الغني، حيث تمّ تصنيف المواقع الثقافية في العين، وهي حفيت وهيلي وبدع بنت سعود والواحات، كأول مواقع للتراث العالمي لليونسكو في الدولة في عام 2011. إذ تشير اليونسكو إلى أن «الآثار الرائعة» في هذه المناطق مثل الآبار والأبراج الحجرية الدائرية تؤكّد أنّها كانت عامرة بالاستيطان البشري منذ العصر الحجري الحديث. وعلى الرغم من أن الكثيرين يرون أن أبوظبي عاصمة شابة، فإنّ هذه المواقع تدلّ على عمق تاريخنا الضارب في القدم.
كما تمّ أيضاً، منذ عام 2011، إدراج ما مجموعه 15 عنصراً من عناصر التراث غير المادي لدولة الإمارات العربية المتحدة، في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونسكو، أربعة منها خاصة بالإمارات، و11 عنصراً مشتركاً مع دول أخرى.
وفي وقت تواجه فيه العديد من الجهات الثقافية في جميع أنحاء العالم، تحدّياً كبيراً في الحفاظ على التراث كممارسة ثقافية وعادة حياتية يومية، نواجه في أبوظبي هذا التحدي من خلال إقامة مهرجانات ثقافية على مدار العام، وتنظيم طيف واسع من المبادرات الأخرى التي تهدف إلى تعزيز مكانة التراث الإماراتي، من بينها مهرجان الشيخ زايد، ومهرجان الحصن، ومهرجان الحرف اليدوية التقليدية، وبيت الحرفيين، وسجل أبوظبي للحرفيين، ومنصة أبوظبي للحرف، بالإضافة إلى مهرجان التراث البحري.
وختاماً، ومن خلال النظر إلى الماضي، نخلق مستقبلاً أكثر إشراقاً للجميع. ونحن ملتزمون بمواصلة رسم آفاق جديدة للأجيال القادمة، في وقت نكرّم فيه إرث أسلافنا الذين نفخر بهم. وكما قال الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه: «من لا يعرف ماضيه لا يستطيع أن يعيش حاضره ومستقبله، فمن الماضي نتعلم ونكتسب الخبرة ونستفيد من الدروس والنتائج».
* رئيس دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي

أخبار ذات صلة «بطاقة» لتثقيف شباب ألمانيا الأرشيف والمكتبة الوطنية يثري صالات الفورمولا -1 بصور تاريخية

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الإمارات الثقافة محمد خليفة المبارك التراث التراث الإماراتي للأجیال القادمة غیر المادی إلى جانب من خلال

إقرأ أيضاً:

ترميم المعالم الإسلامية.. بلدية الفاتح في إسطنبول تحاول استعادة ذاكرتها الثقافية

في إطار سعي المدن التركية لتثبيت حضورها الثقافي، تسعى بلدية الفاتح في إسطنبول لاستعادة ما تسميه "الذاكرة الثقافية الضائعة" للمنطقة عبر مشروع أطلقته لإعادة إحياء العديد من المساجد والمعالم الأثرية التي فقدت أو تعرضت للهدم على مر السنين.

وأوضح رئيس بلدية الفاتح محمد أرغون طوران، أنه في إطار الجهود المستمرة لإحياء التراث الثقافي، بدأت البلدية في ترميم وإعادة إحياء العديد من المساجد والتكايا والنافورات التاريخية التي تشكل جزءا من الهوية التاريخية للمدينة العريقة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2“درب المماليك” من أرض الأهرامات إلى المدينة الشامية الأبرز في شرق المتوسطlist 2 of 2معالم الكويت.. صروح تمزج روح الحداثة وعبق التاريخend of list

ويجري ذلك بإشراف "مديرية حماية التراث الثقافي" التي أسستها بلدية الفاتح.

وبحسب طوران، لا يقتصر المشروع على إجراء إصلاحات على المباني والآثار فقط، بل يهدف إلى الحفاظ على الهوية الثقافية ونقل النسيج التاريخي والإرث الثقافي والمعنوي للمنطقة إلى الأجيال القادمة.

ويشمل المشروع أيضا ترميم النسيج الحضري والتاريخي للمناطق المحيطة بالمعالم الأثرية، بما يساهم في الحفاظ على المعالم الثقافية في سياقها التاريخي، وفق رئيس بلدية الفاتح.

رئيس بلدية الفاتح محمد أرغون طوران يتحدث عن إعادة "الذاكرة الثقافية الضائعة" للمنطقة (الأناضول )مساجد ومصليات تاريخية

ولفت طوران إلى أن منطقة الفاتح لها مكانة خاصة لما تحتويه من معالم أثرية هامة جدا من الحضارة التركية الإسلامية، إضافة إلى تراثها الثقافي الكبير.

وأوضح أن البلدية تتبع خطوات عملية وفقا لقرارات اللجنة العلمية المختصة، منها المسح البنائي للأثر لإعداد الرسومات الهندسية، ودراسات الإعادة للأصل وإعادة البناء بما يتناسب مع القيمة التاريخية للأثر.

وذكر طوران أن المنطقة تضم 12 ألف معلم ثقافي مسجل، منها معالم أثرية كبيرة مثل قصر طوب قابي، وآيا صوفيا، ومسجد السلطان أحمد، ومسجد بايزيد، إضافة إلى مساجد صغيرة وآثار متعددة، كالنوافير التي يمكن أن نراها وسط الشارع، أو الكتاتيب الأثرية أو مبان خشبية أثرية، ومرافق أصغر كانت جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية في بلدية الفاتح.

بلدية الفاتح تزخر بعدد كبير من المساجد التاريخية (الأناضول)استعادة الهوية التاريخية

وأشار رئيس بلدية الفاتح إلى أن العديد من المساجد والنافورات التاريخية في إسطنبول فُقدت على مر السنين بسبب الزلازل والحرائق، وبعضها هدم من أجل تشييد بعض الطرق في الخمسينيات.

إعلان

وأضاف أن الخرائط التاريخية توضح أماكن هذه الآثار بالضبط، وأن هناك صورا قديمة توضح أشكالها وستتم إعادة إنشائها وفقا لشكلها الأصلي.

وذكر أن مشروعات إعادة إحياء المساجد التاريخية تتواصل بالتبرعات دون استخدام تمويل من خزانة الدولة.

وبيّن أنهم يواصلون العمل حاليا على إعادة إحياء وترميم 125 مسجدا تاريخيا انتهى العمل في 6 مساجد منها مسجد "أبو الفتح" الذي يعد من أول المساجد في إسطنبول يعود تاريخه إلى عام 1460.

وشدد على أن المشروع لا يهدف فقط لإعادة البناء، بل يهدف أيضًا إلى إحياء المعالم التاريخية والتأكد من عودتها من جديد لأداء وظيفتها الأصلية.

وتابع "نعمل على استعادة التاريخ بإعادة بناء هذه المعالم، ونعتبر هذه الجهود مسؤولية عظيمة تجاه أجدادنا وأجيالنا القادمة".

أشغال الترميم جارية بإشراف "مديرية حماية التراث الثقافي" التي أسستها بلدية الفاتح (الأناضول)ترميم النافورات التاريخية

وأوضح طوران أن البلدية أعادت تشغيل 125 نافورة تاريخية حتى اليوم، مشيرًا إلى أن هذه النوافير لها أهمية كبيرة في الحفاظ على التراث الثقافي للمدينة.

وأردف "الآباء والأجداد، عملوا على تشكيل هذه الأرض وتوزيع معالمها بدقة، والنافورات جزء أساسي من هذا التراث. قمنا بترميم وتشغيل هذه النافورات للحفاظ على هذا التراث الغني، وهو ما سيظل حيًا للأجيال القادمة".

وأفاد طوران، أن هذه المشروعات لاقت اهتمامًا دوليًا، إذ تتابع العديد من الدول عمليات الترميم في الفاتح باهتمام كبير، وهو "ما يبرز دور تركيا بوصفها إحدى الدول الرائدة في مجال الترميم وإعادة بناء المعالم التاريخية"، حسب قوله.

مقالات مشابهة

  • الكشري المصري.. كيف تحول من وجبة شعبية إلى تراث عالمي؟
  • المستشار الثقافي الروسي يناقش العلاقات الثقافية والتعليمية بين مصر وروسيا على الهواء
  • الجوائز الثقافية الوطنية: منظومة تكرّم المبدعين وتوثّق الحراك الثقافي
  • التراث العربي: إدراج الكشري في قائمة اليونسكو خطوة مبهجة تعزز الهوية الثقافية المصرية
  • طبق المصريين الشعبي يخطف الأضواء عالميا.. الكشري تراث إنساني معتمد
  • لجنة تراث مطروح تقيم مسابقة للشعر الشعبي بمناسبة ذكرى معركة وادي ماجد
  • مستشار وزير الثقافة: إدارج "الكشري" في قائمة تراث اليونسكو يمثل اعترافًا دوليًا بهويتنا وثقافتنا
  • ترميم المعالم الإسلامية.. بلدية الفاتح في إسطنبول تحاول استعادة ذاكرتها الثقافية
  • «الثقافة والسياحة - أبوظبي» تُطلق مشروع «المسارات الثقافية في العين»
  • تراث حضرموت يصل العالمية: الدان الحضرمي على قائمة اليونسكو