ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (لماذا تجلى الله عند جبل الطور، ووقع فيه تكليم سيدنا موسى عليه السلام دون بقية البقاع المباركة الأخرى؟

وأضافت دار الإفتاء أنه قد جرت حكمة الله تعالى وإرادته أن يفاضل في خلقه بما يشاء وكيفما شاء، فمن البشر: فضَّلَ الأنبياءَ والرسل والأولياء على سائر خلقه، ومن البلاد: فضَّل مكةَ المكرمة والمدينة المنورة على سائر البلدان -على ما ورد فيه التفاضلُ بينهما-، ومِن الشهور: فضَّل شهرَ رمضان على ما عداه من الأشهر، وكذا الأشهر الحرم، ومِن الليالي فضَّلَ ليلةَ القدر على سائر الليالي، ومِن الأيام فضَّلَ يومَ عرفات على سائر الأيام، ومن الجبال: فضَّلَ جبلَ الطور بتجليه عليه، والكلُّ خلقُ الله سبحانه وتعالى، يفعل فيه ما يشاء ويحكم فيه بما يريد.

وتابعت: ولمّا كان القصد من إرسال الرسل لأقوامهم هو الإيمان بالله تعالى، اقتضى ذلك تأييدهم بالمعجزات التي يظهرها الله على أيديهم -تكرمًا منه وإحسانًا، تصديقًا لهم في دعواهم النبوة والرسالة، وفيما يبلغونه عن الله تعالي، فمعجزات الأنبياء دليلٌ على صدق وصحة ما جاءوا به، فإذا أتى بالمعجزة فقد ثبت صدقه؛ لأنها الدليل الذي يفصل بين الصادق والكاذب في ادعاء الرسالة، وهي قائمة مقام قول الله تعالى: صدق عبدي في كل ما يبلغ عني.

وذكرت أنه إذا ثبت صدقه فقد وجب اتباعه، قال تعالى: ﴿لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِ﴾ [الحديد: 25].

وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ البَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ القِيَامَةِ» متفق عليه.

ثم خصَّهُم الله سبحانه بمزيد فضل وإحسان؛ ليزداد الناس يقينًا في صدقهم، وإيمانًا بما جاءوا به، وتسليمًا لأحكامهم، واتباعًا لشرائعهم، فمع ما أعطاهم من المعجزات الباهرات منحهم من الخصائص والتكريم والتفضيل ما يتيسر معه أمر الدعوة إلى الله تعالى.

وفضل الله بعض النبيين على بعض، فقال جل شأنه: ﴿تِلۡكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۘ مِّنۡهُم مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُۖ وَرَفَعَ بَعۡضَهُمۡ دَرَجَٰتٍ﴾ [البقرة: 253].

وخصَّ الله نبيه موسى عليه السلام بأنه كلمه تكليمًا، قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (7/ 280، ط. دار الكتب المصرية): [قوله تعالى: ﴿يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّي ٱصۡطَفَيۡتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَٰلَٰتِي وَبِكَلَٰمِي﴾ الاصطفاء: الاجتباء، أي فضلتك، ولم يقل على الخلق؛ لأن من هذا الاصطفاء أنه كلمه، وقد كلم الملائكة وأرسله وأرسل غيره. فالمراد ﴿عَلَى ٱلنَّاسِ﴾ المرسل إليهم] اهـ.

أما عن تخصيص الله سبحانه وتعالى جبل الطور بالتجلي عنده دون بقية البقاع المباركة، فكان تشريفًا لهذه البقعة وتكريمًا وتذكيرًا لما وقع فيها من الآيات.

قال الإمام القرطبي في: "الجامع لأحكام القرآن" (17/ 58): [قوله تعالى: ﴿وَٱلطُّورِ﴾ الطور اسم الجبل الذي كلم الله عليه موسى، أقسم الله به تشريفًا له وتكريمًا وتذكيرًا لما فيه من الآيات، وهو أحد جبال الجنة] اهـ.

وعن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَرْبَعَةُ أَجْبَالٍ مِنْ أَجْبَالِ الْجَنَّةِ، وَأَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ، فَأَمَّا الْأَجْبَالُ: فَالطُّورُ، ولُبْنَانُ، وطورُ سَيْنَاءَ، وطورُ زَيْتًا، وَالْأَنْهَارُ مِنَ الْجَنَّةِ: الْفُرَاتُ، وَالنِّيلُ، وَسَيْحَانُ، وَجَيْحَانُ» أخرجه الطبراني في "معجمه الأوسط"، وابن شبة في "تاريخ المدينة"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق".

قال العلامة نور الدين الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 71، ط. مكتبة القدسي) معلقًا على هذه الرواية: [قلت: حديثه في الأنهار في "الصحيح". رواه الطبراني في الأوسط، وفيه من لم أعرفهم] اهـ.

ومما يُبيِّن فضل جبل الطور ما جاء في حديث الدجال الطويل، وأنَّ هذا الجبل سيكون حرزًا لعباد الله المؤمنين من فتنة يأجوج ومأجوج، وذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فَبيْنَما هو كَذلكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إلى عِيسَى: إنِّي قدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لا يَدَانِ لأَحَدٍ بقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إلى الطُّورِ، وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ» رواه مسلم في "صحيحه".

وكما سيُمنع يأجوج ومأجوج من دخول الطور، كذلك ورد في الحديث الشريف أن الله تعالى حرمه على الدجال، فقد جاء في "المسند" للإمام أحمد، و"المصنف" للإمام ابن أبي شيبة، ونعيم بن حماد في "الفتن"، أن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال عن الدجال: "لَا يَقْرَبُ أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ: مَسْجِدَ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدَ الرَّسُولِ، وَمَسْجِدَ الْمَقْدِسِ وَالطُّورِ".

وجاء في بعض الآثار أن الجبل تواضع لله تعالى، واستسلم لقدرته، ورضِيَ بقضائه ومشيئته، فلما تواضع الجبل لله تعالى ناسب أن يتجلى الله تعالى لسيدنا موسى عليه السلام عليه، ويكلمه عنده دون بقية الجبال، فقد أخرج الإمام أحمد في "الزهد"، وأبو نُعيم في "الِحلية"، وعبد الرزاق الصنعاني في "التفسير"، وأبو الشيخ الأصفهاني "العظمة" بإسنادٍ حسنٍ عن نوفٍ البكالي، قال: "أوحى الله إلى الجبال إني نازل على جبل منكم فشمخت الجبال كلها إلا جبل الطور فإنه تواضع وقال: أرضى بما قسم الله لي، قال: فكان الأمر عليه".

فهذه الفضائل تضاف إلى الفضيلة الكبري المذكورة في القرآن الكريم من تكليم سيدنا موسى عنده، كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمًا﴾ [النساء: 164]، وكما في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًاۚ﴾ [الأعراف:143]، وكما في قوله تعالى: ﴿وَنَٰدَيۡنَٰهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلۡأَيۡمَنِ وَقَرَّبۡنَٰهُ نَجِيًّا﴾ [مريم: 52].

وبناءً على ما سبق وفي السؤال: فاختصاص الله تعالى لأيِّ مخلوق من مخلوقاته بفضيلة أو ميزة، هو محضُ فضلٍ وتكرُّمٍ من الله تعالى، فهو سبحانه يفضل ما يشاء ويختار، واختصاص جبل الطور بالتجلي دون بقية البقاع الطاهرة من باب هذا التَّفضُّل والتكرم والتذكير بما وقع فيها من الآيات.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: دار الإفتاء الإيمان الأشهر الحرم النبوة جبل الطور المزيد المزيد ى الله علیه الله تعالى قوله تعالى جبل الطور على سائر م الله

إقرأ أيضاً:

هل قول صدق الله العظيم بعد قراءة القرآن بدعة؟.. اعرف رأي الشرع

هل قول صدق الله العظيم بعد قراءة القرآن بدعة.. يكثر هذا التساؤل بين الناس ويرغب قطاع كبير من قراء القرآن الكريم في معرفة الحكم الشرعي حول هذا المسألة، وهو ما كشفت عنه دار الإفتاء المصرية وفي السطور التالية نتعرف على الحكم الشرعي..

حكم قول صدق الله العظيم

في هاذ السياق، قال الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، إن قول صدق الله العظيم بعد قراءة القرآن لا يتعارض مع تعاليم الدين، لافتا إلى أن العبارة ليست بدعة أو محرمة بل جاءت لتعبر عن تصديق ما جاء فى القرآن.

وأشار أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية إلى أن قول صدق الله العظيم ليس تضييقًا على الناس، بل هو تعبير عن الإيمان بصدق ما جاء فى القرآن، مشيرًا إلى أن العديد من العلماء الكبار يستخدمون هذه العبارة بعد القراءة.

الزلزال في القرآن والسنة.. ماذا قال النبي عن الحكمة من وقوعها؟حكم قراءة القرآن أثناء الجلوس على السرير .. الإفتاء تجيبهل يجوز قول صدق الله العظيم بعد قراءة القرآن؟

وكانت دار الإفتاء المصرية أشارت عبر موقعها الإلكتروني، إلى أن قول صدق الله العظيم بعد قراءة القرآن جائزٌ شرعًا ولا شيء فيه، ومستشهدة بأنها من مطلق الذكر الذي أمرنا الله تعالى به في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 41]، ومن خصوص الذكر في خطاب الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: ﴿قُلْ صَدَقَ اللهُ﴾ [آل عمران: 95].

المقصود بقول صدق الله العظيم

وأوضحت دار الإفتاء أن قول صدق الله العظيم مطلق ذكر لله تعالى؛ ولا يقال إن هذا إحداث في الدين ما ليس منه، بل هو إحداث فيه ما هو منه. 

وتابعت أن هذا يُفهم من فعل الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين؛ ففي "صحيح البخاري" عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال: كنا يومًا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ»، قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: «مَنِ المُتَكَلِّمُ» قَالَ: أَنَا، قَالَ: «رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ». 

طباعة شارك قول صدق الله العظيم قول صدق الله العظيم بعد قراءة القرآن هل قول صدق الله العظيم بعد قراءة القرآن بدعة حكم قول صدق الله العظيم هل يجوز قول صدق الله العظيم بعد قراءة القرآن المقصود بقول صدق الله العظيم الإفتاء دار الإفتاء

مقالات مشابهة

  • علي جمعة مهنئا بـ عيد الأضحى: تعرضوا لنفحات الله في هذه الأيام المباركة
  • مشروعية الفرح في العيد.. ولتكبّروا الله
  • دعاء يوم عرفة للمظلوم .. 4 كلمات قرآنية تنصرك على الظالم مهما بلغ جبروته
  • تأملات قرآنية
  • نداء الإسلام من جبل الرحمة
  • وقفات إيمانية من الرحاب الطاهرة
  • هل قول صدق الله العظيم بعد قراءة القرآن بدعة؟.. اعرف رأي الشرع
  • أذكار الصباح مكتوبة.. لا تتكاسل عن ترديدها فى هذه الأيام المباركة
  • معنى قوله تعالى إليه يصعد الكلم الطيب.. وهل يفيد إثبات جهة معينة لله؟
  • قائد الثورة : الله سبحانه وتعالى اختار لنبيه إبراهيم أن تكون هجرته إلى الأرض المباركة