خطة عمل مُشتركة بين مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية و” الألكسو “
تاريخ النشر: 17th, August 2023 GMT
أعلن مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) البدء بتفعيل خطة عمل مُشتركة؛ عبر إطلاق منصة “معجم المصطلحات العربية الموحدة”، وبناء ” منظومة السياسات اللغوية في الدول العربية “، وذلك بالتنسيق مع اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم.
يأتي ذلك بعد موافقة مجلس الوزراء على مذكرة التفاهم المبرمة بين وزارة الثقافة والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)، التي تضمنت أوجه التعاون في تعزيز اللغة العربية، وأُسند تنفيذها بحكم الاختصاص إلى مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية.
وقدم الأمين العام المكلف لمجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية الدكتور عبد الله بن صالح الوشمي، شكره للقيادة الرشيدة على دورها المحوري والمحلي والإقليمي والدولي في خدمة اللغة العربية، والعناية بها، كما ثمَّن التوجيه والدعم غير المحدود المُقدم من سمو وزير الثقافة رئيس مجلس أمناء المجمع، رئيس اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم في إطلاق المشروعين المُشتركين، اللذين سيعززان حضور اللغة العربية واستخدامها محليًّا وعالميًّا.
كما أثنى الأمين العام المكلف للمجمع، على الأدوار الريادية للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) في خدمة اللغة العربية ونشرها، مبينًا أن خطة العمل المشتركة بين المجمع والمنظمة وجه من أوجه التعاون التي تعزز العناية باللغة العربية وتدعم حضورها عالميًّا.
من جانبه رحب معالي المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) الدكتور محمد ولد أعمر، بالتعاون الإستراتيجي مع مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، والنهوض التنموي للغة العربية، مشيرًا إلى أن المبادرتين المشتركتين المتمثلتين في إنشاء منصة “معجم المصطلحات العربية الموحدة”، وبناء “منظومة السياسات اللغوية في الدول العربية”، سيكون لهما انعكاسات إيجابية مثمرة على الأمن اللغوي في جميع البلدان العربية، وتنمية اللغة العربية والثقافة العربية الإسلامية داخل الوطن العربي وخارجه.
وأكد الدكتور أعمر، دور اللجان الوطنية في الدول العربية في هذا المشروع الرائد الذي يضمن صحة المعلومات ودقتها، والإسهامات المميزة في العمل على نشر وتسويق منصة معجم المصطلحات العربية الموحدة، ومنظومة السياسات اللغوية في الدول العربية، إضافةً إلى عرض مخرجات المشروع على مؤتمر “الألكسو” لوزراء التعليم العالي والبحث العلمي، ومؤتمر الألكسو لوزراء التربية والتعليم، مع المتابعة المستمرة من اللجان الاستشارية المختلفة في إدارة التربية بالألكسو.
ومن المُقرر إطلاق النسخة الأولى لمنصة ” معجم المصطلحات العربية الموحدة ” بصيغة رقمية نهاية عام 2023؛ بهدف تسهيل وصول المستفيدين إليها، وسهولة تطويرها، وتحديث بياناتها بما يستجد من مصطلحات، وزيادة على دورها في بناء معاجم جديدة للعلوم المختلفة، حيث ستتضمن نشر جميع ما أصدرته منظمة (الألكسو) من معاجم للمصطلحات على شكل معجم موحد يخدم ترجمة المصطلحات وتعريبها في جميع البلدان العربية، كما يجري توحيد أكثر من 60 معجمًا مكونًا من أكثر من مليون مصطلح في منصة رقمية حاسوبية واحدة، تتمتع بوظائف فريدة غير متوفرة في مواقع المعاجم الحالية، علاوةً على سهولة استخدام أدواتها من مؤلفي المعاجم والمختصين في المصطلحات العلمية؛ وهو ما سيعمل على الإثراء المستمر للمعجم، وتوحيد الجهود.
يذكر أنه للمرة الأولى في تاريخ اللغة العربية يجري إعداد بيانات السياسات اللغوية لـ 22 دولة عربية في مدونة واحدة؛ وذلك عن طريق بناء ” منظومة السياسات اللغوية في الدول العربية “، التي ستفتح المجال أمام المختصين والباحثين لعمل لغوي إستراتيجي فاعل على المستويين الإقليمي والدولي، عبر إتاحة مادة ضخمة بالغة الأهمية.
المصدر: صحيفة الجزيرة
كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية مجمع الملک سلمان العالمی للغة العربیة اللغة العربیة
إقرأ أيضاً:
موقع اللغة العربية في التعليم
قرأت قبل فترة مقالا -نُشرَ في موقع ثمانية- للأكاديمي السعودي الدكتور عبدالله بن حمدان بعنوان «هل يجب أن ندرّس العربية في جامعتنا؟ ولعلّ ثمّة مقاربات تخصصية وما يتعلق بالتجربة العلمية والأكاديمية تجمعني بالكاتب تتوافق مع حدوث انسجام فيما طرحه؛ فأيقظ في داخلي بركان الحماس في العودة إلى نبش هذا الموضوع الذي سبق لي -قبل عام- تناوله من حيث تحديد أزمة اللغة والهُوية الثقافية في العالم العربي، ولكن الدكتور عبدالله بمقاله هذا أشعل جذوة الأفكار في قضيّة اللغة العربية وانطلق بمقترحاته الكثيرة في بعث روح اللغة العربية في جامعاتنا العربية التي فقدت -إلا ما رحم ربي- هُويتها العربية وآثرت أن تُبقى لغتها الأم بعيدا عن مواضع التأثير العلمي في العالم، وكأنها نست أو تناست أن التعليم ومؤسساته شرارةُ البعث الأولى لكل ما يصل بالبناء الحضاري للأمم والدول. لا أرغب في إعادة ما طرحه الدكتور عبدالله، ولكنني لا أجد أنني سأبتعد كثيرا عن مذهبه، وسأحاول أن أتناول الموضوع بأسلوبي الخاص بغيةً في إيصال هدف المقال وطرح حلوله وبدائله الممكنة.
أسترجع -وأنا أكتب هذا المقال- قرارا مشرّفًا أصدرته الأمانة العامة لمجلس الوزراء في سلطنة عُمان بعنوان «أحوال وجوبية استعمال اللغة العربية»؛ فجاء البيان واضحا وموضحا أهمية الالتزام باستعمال اللغة العربية السليمة في جميع الأعمال الرسمية للوحدات الحكومية التي تشمل المؤتمرات واللقاءات والندوات والاجتماعات وما يضارعها، وكذلك تُعتمد العربيةُ لغة تدريس في جميع مؤسسات التعليم المدرسية والجامعية -الحكومية والخاصة- مع وجود الاستثناءات وفقَ الضرورات المصاحبة، وكذلك اعتمادها لغةً مكتوبةً للتقارير الطبية والعلمية ولأسماء المشروعات الحكومية ذات الطابع الحكومي. يستوقفني هذا القرار -رغم مرور فترة زمنية منذ صدوره واعتماده- مسجلا حالة الوعي الوطني العُماني المستمر والمتجدد لأجل صون الهُوية العربية ولغتها.
في خضّم هذه المراجعة والدعوة الجادة لإعادة العربية لغةً وهُويةً إلى ميادين المعرفة والتعليم؛ فإنني أؤكد ما سبق أن ذكرته -في مقالات سابقة- بأننا لسنا في حرب مع اللغات الأخرى مثل الإنجليزية؛ فهي لغة ما زلت أعتمدها في عملي الأكاديمي والبحث العلمي، وأكتب بها أوراقي العلمية وأنشرها في مجلات علمية محكّمة تعتمد الإنجليزية لغةً للنشر، وهذا ما يستدعي الوقوف عليه؛ لنؤكد أن آلية تفعيل اللغة العربية ممكنة مع مواصلتنا الالتقاء باللغات الأخرى التي تبرز فيها القوة العلمية؛ فكل ما نحتاجه أن نصنع واقعا متوازنا نحفظ فيه اتصالنا بالعالم وعلومه ونحفظ في الوقت نفسه علاقتنا بلغتنا العربية وممارساتها السليمة في جميع مفاصل حياتنا بما فيها العلمية والتعليمية؛ فلا يمنع أن نَطَّلِعَ على تجارب الأمم الأخرى في العلوم ومستجداته المتصاعدة وننهل من ما يملكونه من محصول علمي بكل السبل المتاحة منها تعلّم اللغة المستعملة في تلك العلوم، ويشمل ذلك تشجيع الابتعاث التعليمي للجامعات الخارجية؛ فإن كان الابتعاث -مثلا- إلى بريطانيا أو أمريكا؛ فستكون اللغة الممارسة والمُلزم تعلمها الإنجليزية، وإن كان الابتعاث إلى الصين أو اليابان؛ فنجد أن اللغتين الصينية واليابانية حاضرتان في التعليم الجامعي في هاتين الدولتين -مع بعض الاستثناء لعدد قليل من الجامعات التي تعتمد الإنجليزية لارتباطات خارجية ودولية-؛ فيعود كل المبتعثين بالحصيلة العلمية المطلوبة التي يمكن توطينها وتفعيل مخرجاتها في أرض الوطن بملامحها المتعددة دون أن نجعل من هاجس اللغة حاجزا يعوق عملية الإنتاج أو التواصل؛ فيمتلك الطالب المبتعث عقلا مشبّعًا بالتأسيس العلمي الجاهز إلى التحوّل المهني بأنواعه؛ فنفترض -بدهيّةً- أن لغته العربية كفيلة وكافية لإجراء عمليات التواصل المهني بكل يسر، بما في ذلك مع غير المتحدثين بالعربية عبر تقنيات الترجمة؛ لتكون العربية لغة التواصل الرسمية؛ فنحفظ لها هيبتها ومركزيتها على أرضها العربية، ويمكن للمؤسسات المعنية الأخرى أن تكمل هذا المشوار الذي بدأته وزارات التعليم العالي عبر إلزام الخرّيج أن يعتمد لغته العربية في ممارسة تخصصه وتيسير سبل تحويل المكتسبات العلمية من اللغة المُتعلم بها إلى اللغة العربية عبر عملية التعريب الإلزامية، ولعلّ ذلك يمكن أن يكون شرطا تضعه وزارات التعليم العالي -كما يقترح الدكتور عبدالله بن حمدان- عن طريق إلزام كل مبتعث بترجمة مخرجات التعليم النهائية بأنواعها مثل رسائل الماجستير أو الدكتوراة إلى اللغة العربية وإدراجها كنوزا معرفيةً في المكتبات الوطنية؛ لتكون مرجعا يمكننا بواسطته وضع اللبنة لإعادة البعث العلمي للعربية وأمتها المغيّبة عن المشهد العلمي في العالم؛ لتذكّرنا هذه الممارسة بنشاط الترجمة العربية للمخطوطات اليونانية وكتبها الذي قام به العرب في أواخر الدولة الأموية والعصر العباسي الأول؛ فساهم في تأسيس الحضارة العلمية العربية والإسلامية التي عمّ خيرها العالم أجمع.
عطفا على ما أوردناه آنفا؛ فإنني لست مع إلغاء اكتشاف الثقافات الأخرى وتعلّم لغاتها وتعليمها، ولكنني مع المذهب المؤيّد لفصل تعلّم اللغات وما يتصل بها من أدب وثقافة عن التعليم التخصصي مثل الهندسة والطب والإدارة وغيرها من التخصصات التي لا يحتاج تعلمها إلى لغة أجنبية؛ فاللغة العربية بثرائها اللغوي المدهش كفيلة أن ترفد هذه التخصصات وتزيد من كفاءة مخرجاتها العربية البشرية؛ فتؤكد المؤشرات العلمية التي أجرتها كثيرٌ من الدراسات أن الإنسانَ يبدع في التخصص العلمي أكثر حال استعماله لغته الأم في التعلّم، وأن الدول الرائدة في العلوم والصناعة -في وقتنا الحاضر- تعتمد لغتها الأم في تعليمها المدرسي والجامعي التخصصي دون أن تفقد تواصلها بالعالم الخارجي ومستجداته العلمية، وهذا ما نلمسه بأنفسنا في مؤسسات التعليم الجامعي؛ فنضطر أحيانا -بعد الانتهاء من المحاضرات التي نلقيها للطلبة باللغة الإنجليزية- أن نستقبل استفسارات بعض الطلبة خارج قاعات الدراسة؛ فنختصر شرح بعض المفاهيم العلمية وتبسيطها باللغة العربية؛ لنجد أن الطالب العربي أكثر قدرةً على الانسجام مع المادة العلمية.
نحتاج أن نعامل اللغةَ الأجنبية -بجانب أنها جسر يصل العقول بعضها بعضا- باعتبارها تخصصا وأن نسوقها إلى حيّزها التخصصي الصحيح مثل الأدب، ولنعد اللغةَ العربية إلى موقعها المستحق في الحقل العلمي التخصصي باعتبارها أداة نفهم بواسطتها معارفنا ونتواصل عن طريقها ونتطور؛ لتكون بدايةً نحو إعادة النهضة العربية في العلوم؛ فاللغة وسيلة للتواصل ولمنح الدماغ سبلا لفك «الشفرات» العلمية، وكلما كانت اللغة أقرب وأيسر للدماغ البشري؛ كانت معينة له في فهم العلم وتخصصاته، وكانت معينة على تسريع الارتباط المعرفي ومضاعفة فهمه والشروع في تطبيقه واقعا. نحن في عصر رقمي تقني متطور؛ فأصبح من السهل أن نترجم أيّ لغة في العالم إلى لغتنا الأم ونفهم الإنسانَ الآخر مختلفَ اللسان عنا في غضون ثوانٍ قليلة عبر تطبيق هاتفي ذكي وفي أيّ بقعة جغرافية في العالم.
تتجدد هذه الدعوة من قبل أكاديميين ومتخصصين درس كثيرٌ منهم في جامعات غربية -وأنا منهم- ويجيدون لغة أو لغات بجانب لغتهم العربية الأم؛ لأهمية هذا المشروع الذي نسعى بواسطته أن نعيد للعربية وهُويتها دورها المسلوب؛ فلا ينبغي أن تكون هذه اللغة الجميلة الثرية محصورةً في حدود التعاملات الاجتماعية التي هي الأخرى لم تسلم من التداخلات اللغوية والثقافية غير العربية؛ فأفسدت اللسان العربي وأعجمته بدخول المصطلحات الأجنبية، وأركست الثقافة العربية المتمثلة في الفنون والسلوك واللباس والعادات، وتتطلب هذه كلها معالجة عاجلة تبدأ من التعليم الذي نراه بحاجة أن نعيد نقله إلى تربة عربية صميمة؛ فتحرث وتزرع وتسقى بوسائل وبذور وماء عربي فصيح؛ لنجد التغييرات المجتمعية والثقافية تطرأ بشكل تلقائي بعد ذلك ولو بعد عدد من السنين.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني