إعادة تقييم حزب المؤتمر الوطني ومستقبل السياسة السودانية
تاريخ النشر: 13th, December 2024 GMT
زهير عثمان
من المؤكد أن الشعب السوداني لا يُعنى كثيرًا بالأخبار المتداولة هذه الأيام حول الصراع الداخلي بين جناحين من حزب المؤتمر الوطني على "ورثة" الحزب. فالحزب طُويت صفحاته فعليًا صباح الخميس 11 أبريل 2019، بعد سقوط نظامه بثورة شعبية عارمة، وأُسدل الستار على تاريخه الطويل دون الحاجة لمزيد من الجدل القانوني.
مراجعات ضرورية ىوم إذا ما عقلت قيادة حزب المؤتمر الوطني المحلول فإن باب التوبة مفتوح دائمًا. لكن البداية تتطلب إغلاق الدفاتر القديمة وتجاوز الاسم القديم، فاللغة العربية تتسع لإيجاد أسماء جديدة تحمل أفقًا مختلفًا. إلا أن تغيير الاسم وحده لا يكفي؛ المطلوب هو تغيير حقيقي للمنهج والعقلية التي حكم بها الحزب السودان لثلاثين عامًا، ثم أضاف إليها خمس سنوات أخرى بعد الثورة، عبر محاولاته المستمرة للتشبث بالمشهد السياسي.
إن الثورة السودانية في ديسمبر 2018 التي صنعها الشعب بمختلف أطيافه، بما في ذلك عضوية الإسلاميين أنفسهم، لم تُثمر حتى الآن دولةً ديمقراطية مستقرة. يعود ذلك إلى عجز مكونات "قوى إعلان الحرية والتغيير" عن التحول من قيادة ثورة إلى بناء دولة، فضلاً عن ميل بعض القيادات إلى استسهال الشعارات والهتافات بدلًا من العمل الجاد والفكر الخلاق.
الحزب بين الإرث والإصلاح ويجب أن يدرك حزب المؤتمر الوطني المحلول أن إلغاء التاريخ واعتبار ما حدث مجرد "فاصل ونواصل" هو خطأ استراتيجي. الإصرار على القيادة ذاتها، والاسم ذاته، والسياسات ذاتها، بل وحتى الأخطاء ذاتها، يعكس افتقارًا إلى الوعي بما تطلبه المرحلة الراهنة.
لو كان لدى الحزب الحد الأدنى من الرشد، لاستفاد من تجربة السقوط كفرصة لمراجعة أدائه ودراسة مواطن الخلل. ليس من أجل البقاء في السلطة فقط، بل من أجل السودان وشعبه. إعادة إنتاج الحزب بشكل جديد يعتمد على خبرة عقود من العمل السياسي والتنفيذي، مع تقديم نقد ذاتي حقيقي، قد يُساهم في ترسيخ رؤية ناضجة تخدم البلاد.
مشهد سياسي هش , أن المشكلة لا تقتصر على حزب المؤتمر الوطني وحده. فالساحة السياسية السودانية برمتها تعاني من ضعف الأحزاب ومؤسساتها. حزب الأمة القومي، على سبيل المثال، يبلغ من العمر أكثر من ثمانين عامًا، لكنه لا يزال يعاني من قصور في التفكير والتنظيم. المؤسسات الحزبية في السودان غالبًا ما تكون ضعيفة، وهياكلها التنظيمية هشة، مما ينعكس سلبًا على قدرتها على صياغة رؤى وطنية شاملة.
كيف يمكن للسودان بناء نظام ديمقراطي مستقر وقوي إذا كانت مكوناته الحزبية بهذه الهشاشة؟ المشهد السياسي بحاجة إلى إعادة هيكلة جذرية، تبدأ من الأحزاب نفسها، لتتمكن من مواكبة التحديات المتزايدة التي يواجهها الوطن.
دور المؤتمر الوطني المحلول في المشهد المستقبلي
بالرغم من كل الانتقادات، فإن حزب المؤتمر الوطني يمتلك ميزات تجعله قادرًا على لعب دور إيجابي إذا ما قرر تبني إصلاحات حقيقية. فهو الحزب الأكثر تنظيمًا وعضوية وانتشارًا. ولعل من الحكمة أن يتصرف الحزب بعقلية "كبير البيت"، فيتعامل مع بقية الأحزاب كجزء من فريق وطني واحد. يجب أن ينظر إلى المشهد السياسي كمجال تعاون، لا صراع. وكما قال الشاعر محمود درويش:
على هذه الأرض ما يستحق الحياة: تردد إبريل، رائحة الخبز في الفجر، آراء امرأة في الرجال، كتابات أسخيليوس، أول الحب، عشب على حجر، أمهات يقفن على خيط ناي، وخوف الغزاة من الذكريات.
نحو بناء وطن مستقر
إذا أراد المؤتمر الوطني المحلول ، أو أي حزب سياسي آخر، أن يساهم في بناء وطن ديمقراطي مستقر، فعليه تجاوز عقلية الإقصاء والتشبث بالماضي. الأحزاب السياسية بحاجة إلى تطوير قيادات جديدة قادرة على التفكير الاستراتيجي، والعمل بروح وطنية حقيقية. كما أن بناء الثقة مع الشعب السوداني يجب أن يكون في صلب أي رؤية سياسية مستقبلية.
ختامًا، فإن السودان يواجه تحديات جسيمة، وأي محاولة لتجاوز هذه التحديات دون إصلاح جذري للمشهد السياسي ستبوء بالفشل. الطريق طويل وشاق، لكنه ليس مستحيلًا إذا ما توافرت الإرادة الصادقة والإيمان بوحدة المصير الوطني.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المؤتمر الوطنی المحلول حزب المؤتمر الوطنی
إقرأ أيضاً:
الداخلية السورية: نسعى لنقل التجربة السعودية في بناء المؤسسات الأمنية وضبط الأمن
في ظل التعاون الأمني المتنامي بين سوريا والمملكة العربية السعودية، تسعى دمشق لنقل الخبرات السعودية في بناء المؤسسات الأمنية وتعزيز الاستقرار الداخلي، عبر ورش عمل وتدريب متخصص، بهدف إعادة الثقة للمجتمع السوري والنهوض بالوضع الأمني. اعلان
في إطار تعزيز العلاقات الأمنية بين المملكة العربية السعودية وسوريا، أعلنت وزارة الداخلية السورية عن نيتها الاستفادة من التجربة السعودية في مجال بناء المؤسسات الأمنية وضبط الأمن الداخلي.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، نور الدين البابا في تصريحات صحفية، إن اللقاء الذي جمع وزيري الداخلية السعودي والأمير عبد العزيز بن سعود ونظيره السوري أنس خطاب في جدة، شكل محطة مهمة في تفعيل آليات التعاون الأمني بين البلدين.
وأشار البابا إلى أن الاجتماع أسفر عن اتفاق على تنظيم سلسلة من الورش التدريبية التي ستركز على نقل المعرفة والخبرات السعودية في المجال الأمني إلى الكوادر السورية، بهدف دعم جهود إعادة هيكلة القطاع الأمني الداخلي في سوريا.
من جانبه، أكد الأمير عبد العزيز بن سعود استعداد المملكة لتقديم كل أشكال الدعم الفني والاستشاري، بما يتناسب مع أولويات الجانب السوري ويحقق متطلبات الأمن الإقليمي المشترك.
Relatedدُمرت محالّهم وطُلب منهم دفع الجزية.. مسيحيو سوريا ضحايا انتهاكات الفصائل المتطرفةوسط صمت رسمي.. اختفاء جماعي يثير الذعر في "حي عش الورور" بدمشقمن ساحات القتال إلى أسواق إدلب: "الجهاديون الأجانب" يبحثون عن وطن في سوريابدوره، أوضح وزير الداخلية السوري، أنس خطاب، عبر منصته على موقع "إكس"، أن اللقاء ركز على بناء شراكة استراتيجية تهدف إلى تقوية البنية الأمنية في سوريا من خلال استلهام الخبرات السعودية، ونقلها بشكل مباشر إلى الفرق العاملة في هذا المجال.
تشهد المؤسسة الأمنية في سوريا تحديات كبيرة، خصوصًا بعد إعادة هيكلتها وإدخال عناصر جديدة تفتقر إلى الخبرة العملية الطويلة، مما زاد من الحاجة إلى دعم فني وتدريبي سريع.
وقد طالب عدد كبير من الضباط السابقين، الذين تم إعفائهم من الخدمة خلال السنوات الماضية، بإعادة النظر في أوضاعهم نظرًا لما يمتلكونه من مؤهلات علمية وكفاءات عملية عالية.
إلا أن هذا المطلب لا يقتصر فقط على صفوف الضباط، بل يعبر عن رأي غالبية الشارع السوري، الذي يرى أن استبعاد الكوادر الأمنية المؤهلة ساهم بشكل مباشر في تردي الوضع الأمني في العديد من المناطق، وسط مطالبات بضرورة الجمع بين إعادة الخبرات القديمة وتأهيل العناصر الجديدة لبناء جهاز أمني قادر على استعادة الثقة المجتمعية واستتباب الأمن.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة