روشتة لعلاج الوسواس والتخلص من الخوف
تاريخ النشر: 13th, December 2024 GMT
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق إن الترغيب والترهيب، الرجاء والخوف، البسط والقبض، كلها أمور من الله سبحانه وتعالى، وهو القابض الباسط، وهو النافع الضار، وهو المحيي المميت، وهو الأول الآخر، إلى ما لا يتناهى من صفاته العظيمة.
وأضاف جمعة أن الله قد خلق الإنسان وجعل في قلبه مشاعر متنوعة، منها الخوف والرجاء، وهما شعوران جميلان في حياتنا كمسلمين، إلا أن الأمر يتطلب منا التوازن بينهما.
وتابع جمعة أن الخوف من الله هو شعور ضروري في حياة المؤمن، فكما قال الله تعالى في كتابه الكريم، "إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ"، فهذا الخوف هو الذي يبعث في قلب المسلم الوعي بمقام ربه، ويجعله يراقب أفعاله وتوجهاته في حياته. ولكن، هذا الخوف يجب أن يكون في مكانه الصحيح، فلا يذهب إلى درجة الوسوسة التي تُفضي إلى الإحباط أو اليأس.
ما الذي يجب فعله عندما يزداد الوسواس؟وأشار جمعة إلى أنه إذا شعرتَ بأنك دخلت في دائرة الخوف، وبدأت الأمور تُغلَق عليك، وبدأ الوسواس يتسرب إلى قلبك حتى يحقق الإحباط، فاعلم أن هذا ليس وقت اليأس. في تلك اللحظات، تذكّر قوله تعالى: "وَلَا يَيْأَسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ"، فاليأس من رحمة الله أمر محرم ومصيبة عظيمة، لأن الله سبحانه وتعالى واسع المغفرة، رحيم بعباده. وبالتالي، يجب على المسلم أن يتجنب هذا اليأس بكل الطرق.
إذا كنت تجد نفسك محاصراً بالوساوس، وكان الخوف يزداد يوماً بعد يوم، وتُحاسب نفسك أكثر من اللازم حتى أوشكت أن تدخل في حالة مرضية، فافتح الباب الذي يخرجك من هذه الدائرة. فما هو هذا الباب؟ إنه باب الرجاء، وهو الباب الذي يؤدي بك إلى التوازن الروحي.
فتح باب الرجاء: سبيل التوازنوأجاب جمعة على سؤال هام: كيف تفتح باب الرجاء؟ ببساطة، تأمل نعم الله عليك، حاول أن تستحضر منن الله التي لا تُحصى، ستجد نفسك تردد في قلبك: "إن الله كريم، عفو، غفور، ولم يفعل كل ذلك لي إلا لأنه يحبني." هذا التأمل يُعيد التوازن إلى قلبك، ويجعلك تخرج من دائرة الخوف المفرط إلى رحاب الرجاء في رحمة الله عز وجل.
حين يتجاوز الرجاء حدوده: العودة إلى الخوف
لكن إذا وجدت نفسك في حالة من الرجاء الدائم، وبدأت تتجاوز حدود الحذر والتوبة، وأصبحت لا تبالي بالذنب ولا بالقصور في الطاعات، فقد دخلت الرجاء من أوسع أبوابه. وفي تلك اللحظات، إذا شعرت أن الرجاء بدأ يُطمس تمامًا وتحتاج إلى تذكير نفسك بمقام الله، افتح باب الخوف. تأمل في معاصيك وما قد ترتكب من تقصير، فتُفزعك حالتك. تساءل في قلبك: "لماذا أنت صابر عليَّ يا رب؟" وفي هذه اللحظة، تتذكر قدرة الله وعظمته، وأنه سبحانه سيأخذك أخذ عزيز مقتدر إن استمريت في هذا الطريق. هذا الخوف يكون فزعًا يدفعك إلى التوبة والعودة بسرعة إلى الله.
الأمة الوسط: نهج الإسلامإذن، ينبغي أن تكون دائمًا في الأمة الوسط. كما قال تعالى: "وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ". الوسط هو مكان التوازن بين الإفراط والتفريط. ولا ينبغي للإنسان أن يكون في أحد الطرفين، فلا يُفرط في الرجاء حتى يغفل عن التقوى ولا يُفرط في الخوف حتى ييأس من رحمة الله. إذا اختل الميزان في جانب الرجاء، افتح باب الخوف بالتفكر في مصائب الدنيا، فتشعر بالخوف من غضب الله. وإذا اختل الميزان في جانب الخوف، افتح باب الرجاء بتذكير نفسك بمنَّ الله عليك، فتعلم أن رحمة الله وسعت كل شيء.
التوازن بين الخوف والرجاءوانتهى جمعة إلى أن الإسلام لا يُرغب في أن تكون حياتنا قائمة على الخوف فقط، ولا على الرجاء فقط، بل علينا أن نعيش بينهما، في وسط من التوازن، حيث نسعى للعمل الصالح في الدنيا ونحن بين الخوف من الله ورجاء مغفرته. وهذا ما علمنا إياه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: "أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني." فزيادة الأعمال عن السنة هي نوع من الإفراط، كما أن التفريط في الطاعات هو نقص في اتباع السنة. لذا، علينا أن نكون في الوسط، نتوازن بين الخوف من الله ورجائه، لنعيش حياة تليق بعبوديتنا لله سبحانه وتعالى.
فالخوف والرجاء ليسا أمرين متناقضين، بل هما معًا الطريق إلى الله، والسبيل إلى أن نكون عبادًا معتدلين، يسيرون على صراطه المستقيم.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الإسلام جمعة الوسواس الله الرجاء الخوف باب الرجاء رحمة الله الخوف من من الله
إقرأ أيضاً:
الحرب تلتهم الأرواح!
«الخوف.. ليس تهديدًا أعمى، وإنما يعرف وجهته إلى أرواحنا ويتسلل إليها بسهولة مطلقة».. استوقفتني هذه المقولة كثيرا وأنا أحاول أن أطرد الخوف الذي يعتريني كلما لاحت في الأفق صور الدمار التي تخلفها الحروب في العالم.
وكم أدركت يوما بأن هذا الخوف لا يأتي في كل مرة على شاكلة واحدة أو من منبع واحد، بل تتعدد فيه المخارج والصور، وأغلب الخوف ينجح كثيرا في الوصول إلى هدفه كصاروخ قطع أميالًا طويلة ليصل إلى مبتغاه بدقة متناهية.
الخوف هذا القلق الدائم الذي ينبعث كدخان أسود يملأ السماء التي نراها والأرض التي نمشي عليها، لذا يزداد الخوف أكثر عندما نشعر بأننا قريبا سوف نختنق تدريجيا مما نتخيل الوصول إليه، وعليه لا أحد منا يعلم ما الذي يختمر في الأفق بعد أن تلبدت السماء بغيوم الخوف والرهبة من القادم.
من يتابع بشغف تام، وتعمق متقد لما يدور في العالم من احتدام للنزاع المسلح، ويكشف عن النوايا السيئة التي تحاك في جنح الظلام لغزة والأقوياء لمدن العالم الآخر، يقرأ سيناريو الواقع قبل وقوعه، فمن لحظة إلى أخرى، يبدأ الاقتتال المستميت، كل شيء يتهاوى في غضون دقائق معدودة، والنجاة أو الموت لا تحتاج إلى وقت طويل للكشف عن الأرواح بين أنقاض المباني والساحات.
ألم تلاحظ أنك عندما تتحدث عن تجربة مؤلمة مر بها الجنس البشري لا تجد فيها أي معنى يختبرك عن القيم الإنسانية التي ينادي بها البشر منذ زمن طويل، بل تقابلها أفعال ترتكب بمنتهى الوحشية، لذا نتفق مع كل الذين يرون بأن ضعفنا الإنساني يأتي من قراراتنا وليس من أقوالنا!
من المفاجآت أننا نسكن جغرافيا بعيدة عن موطن النزاعات إلا أن هذه الصراعات تصل إلينا بأي حال من الأحوال، وبالطريقة نفسها، سواء أردنا ذلك أو لم نُرِد، فنحن لا نسعى في كثير من الأحيان إلى معرفة الكثير عن البعض ولا الجهل على الإطلاق بما يحدث للآخرين، لكننا كجنس بشري يتأثر بما يدور حوله، هكذا خُلقنا، وهكذا نظل حتى النهاية.
يقول الكاتب الألماني جورج لوفيش في مقال ترجمته عن الألمانية شيرين ماهر بعنوان «ماذا تفعل بنا الحروب..؟!» وتم نشره في مجلة الفلق قبل ثلاثة أعوام تقريبا: «(الحرب تلتهم الأرواح) هكذا يرى الناجون من براثنها، عندما يُقصفون كيف ظلوا أمدًا يرتجفون ويصرخون في أحلامهم بعد أن فشلوا في التحرر من حرائق الذكرى. وهناك أيضًا من التزموا الصمت، ولم يستطيعوا حتى التعبير عن خوفهم الكامن أسفل جلودهم.. لقد حان الوقت الذي يجب أن نحمي فيه أرواحنا من جحافل الخوف المطبِقة. فالتاريخ يقص لنا الكثير عن مآسي الشعوب تحت وطأة الحروب.. ودروس الماضي لا يمحوها الزمان ولا تَسقُط بالتقادُم، بل على العكس، يضاعِف من أهميتها وضرورة الأخذ بها، خاصة عندما يعيد التاريخ نفسه بصور جديدة، كالتي يعيشها العالم الآن.. لقد صار من الأجدر بنا أن ندثر أرواحنا أولًا، قبل أجسادنا، من بطش الحروب. فهي تنال من أرواحنا، عن بعد، وتتركنا أشباحًا قبل الموت».
وفي السياق ذاته، عندما نتعمق في رؤية الواقع وبكل تفاصيله المؤلمة نكتشف أن ثمة حقائق مخفية لم تصل إلى درجة العلن بل تتوارى خلف الستار لتظل شيئا مجهولا بالنسبة لنا، ومن بين تلك الحقائق: من هم الذين يدفعون فاتورة الحروب في العالم؟
قد ترى بأن الأوطان هي من تدمر منشآتها وبناها التحتية ومرافقها المتعددة، لكن الواقع أن الشعوب هي من تتضرر أكثر من المنشآت والمباني، فكم يموت من البشر سنويا في العالم نتيجة النزاعات المسلحة التي تشعل فتيل الحرب ما بين دول وجماعات متفرقة!
إن ما يفعله جيش الاحتلال الإسرائيلي بغزة وأهلها من جرائم حرب وإبادة جماعية يجعلنا أمام واقع مؤلم وحرب ظالمة وقدر زاحف بكل ما فيه من قسوة ومشاهد العذاب اليومية، المعاناة هي جزء من قصة كفاح شعب وحرية وطن مغتصب، عندما نتابع كأفراد طبيعيين نشعر بالغضب لدرجة أننا نظن أنه يجب أن يتذوق مجرمو الحروب نفس الكأس الذي أذاقوه للأبرياء، لكن عدل الأرض لا ينصف الضعفاء والمستضعفين في كل مرة، ولكن في الأفق ثمة عدل منتظر سينزل من السماء ذات يوم «إن غدًا لناظره قريب».
حرفيا الحرب تحركنا دائما نحو أعماق البحار، وتوقظ بداخلنا شيئًا مخفيًّا غير ملموس.. تُرى ما الذي تطلقه الحرب في بهو أرواحنا من مشاعر تختلج برائحة الموت والدم؟ بالطبع، الواقع بحسب ما تم الاتفاق عليه دوليا يقول: «الحروب هي تهديد واضح وصريح لأرواحنا حتى وإن كانت على بعد مسافات طويلة منا، فهذا ليس بالشيء الجديد، ولذا ستظل الحروب وإن اشتعلت وانطفأت هي رمز للدمار والخراب على الإنسانية».
يقول أحد الأدباء: «دائما ما ينشأ التعاطف مع كل الحروب. وهذا يعتمد على مدى الدمار الذي تخلفه وما نراه على الشاشات، ونسأل أنفسنا كيف يعيش الناس في بلد تحت وطأة القصف؟ وكذلك يزاد خوفنا كلما اقتربت الحرب من المحيط الذي نعيش فيه».
ربما لم نعِش الحرب على أرض الواقع -الحمد لله-، ولكن وصلتنا سمعيا ومرئيا فقط. ومن ثم، لا يصح لنا أن نتحدث عنها كما لو أننا عشنا أجواءها القاسية، ولكن ربما هناك إدراك نفسي وحسي يدفعنا نحو القول بقناعة تامة بأن «الحرب بدرجاتها وشدتها رمز للوحشية»، وهذا القول قد يؤثر على الأشخاص الذين لم يتأثروا -فعليا- بالحروب بصورة مباشرة.
في المطلق العام، البشرية تظل تنظر «للحرب» بشيء من الخوف والجزع والصدمة جراء ما يرونه من صور قاتمة تنتهي فيها مظاهر الحياة اليومية الطبيعية، لذا قد ينهار الشغف والدافع عندما تتلبد السماء بغيوم الحرب، وتنهار الحياة تدريجيا بالنسبة للبعض الذين يقتنعون بأن الحرب ستقضي على الأخضر واليابس!