عمار يا مصر | إيمان كمال تكتب: القوى الناعمة.. أصالة وتأثير تخطى الحدود
تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT
على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ماشاء
أنا مصر عندى أحب وأجمل الأشياء
بحبها وهى مالكة الأرض شرق وغرب
وبحبها وهى مرمية جريحة حرب
بحبها بعنف وبرقة وعلى استحياء
فى قصيدة «على اسم مصر» للمبدع صلاح جاهين تجسيد حقيقى لـ«أدق مشاعر المصريين» تجاه مصر، التى تمتلك مكانة فريدة فى تاريخ الحضارة الإنسانية، وقوة ثقافية مؤثرة فى الشرق الأوسط والعالم بالفن والسينما والإبداع والأدب والموسيقى والثقافة، فالقوى الناعمة كانت سببا قويا فى المكانة التى تتمتع بها مصر، ويمكن اعتبارها هى الميزة التى منحت مصر تلك المكانة والصدارة، رغم الأحداث المريرة والأزمات المتعاقبة خلال السنوات.
أسماء عظيمة عززت تلك المكانة على أصعدة عالمية وعربية، نجيب محفوظ الذى جعل الأدب المصرى الأصيل جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافى العالمى، وغيره من الأدباء عبر أجيال متعاقبة، يوسف السباعى، أنيس منصور، إحسان عبد القدوس، يوسف إدريس، خيرى شلبى، إبراهيم أصلان، وشعراء مثل أمل دنقل وصلاح جاهين أسهموا فى تعزيز صورة مصر كمصدر إبداع أدبى وفكرى لا ينضب.
أما السينما المصرية فتعد واحدة من أبرز أدوات القوى الناعمة، جعلت مصر تُعرف بـ«هوليوود الشرق»، منذ تأسيسها فى أوائل القرن العشرين، قدمت مصر أفلامًا أثرت فى المشهد الثقافى العربى. وأسماء ملهمة ومؤثرة مثل يوسف شاهين، صلاح أبو سيف، وفاتن حمامة، سعاد حسنى، شادية وعادل إمام، جسدت الحلم والواقع العربيين، مما جعل السينما المصرية مركزًا للإلهام والتأثير، ونفس الحال فى الدراما التليفزيونية التى صنعتها أسماء كبيرة -على سبيل المثال- أسامة أنور عكاشة، يحيى العلمى، محمد صفاء عامر، إسماعيل عبد الحافظ ومحمد فاضل وآخرون عبر أجيال وأجيال حققت لمصر الريادة فى الفن والإبداع.
بينما تخطت الموسيقى والأصوات المصرية لغة الحدود، وضعت مصر على الخريطة الموسيقية فى العالم بأسماء أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم ومحمد فوزى.
حتى اليوم، تواصل الأجيال الجديدة مثل عمرو دياب وشيرين عبد الوهاب تمثيل الموسيقى المصرية، وهى مجرد نماذج من مئات النماذج الأخرى من القوى الناعمة المؤثرة فى عالم الإبداع والفنون.
نجحت أياد مبدعة فى الرسم والتخطيط وغيرها من الحرف الإبداعية أيضا أن تشكل نسيجا يكمل الصورة الإبداعية التى تتمتع بها مصر.
الآلاف بل ملايين المبدعين فى المجالات المختلفة، فالأسماء فى هذا المقال ما هى إلا نماذج فقط لأسماء أخرى لا تقل فى التأثير الإبداعى والموهبة.
على الرغم من هذا الإرث الإبداعى المتواصل عبر السنوات، تواجه القوى الناعمة المصرية تحديات فى الحفاظ على مكانتها وسط المنافسة الإقليمية والدولية، مثل ضعف الإنتاج مقارنة بالعقود الذهبية، وتراجع دور الأدب فى الحياة اليومية وغيرها من التحديات التى لا تزال تلك القوى تعمل على الحفاظ على دورها، فالأمر ليس مجرد خيار، بل ضرورة لتحقيق التقدم والاستقرار.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: مصر صلاح جاهين على اسم مصر القوى الناعمة السينما المصرية هوليوود الشرق الأدب المصري نجيب محفوظ يوسف شاهين فاتن حمامة ام كلثوم محمد عبد الوهاب عبد الحليم حافظ عمرو دياب شيرين عبد الوهاب امل دنقل اسامة انور عكاشة الثقافة المصرية الإبداع الفني الموسيقى المصرية التراث الثقافي الدراما التليفزيونية الفن المصري القوى الناعمة
إقرأ أيضاً:
شروط نتنياهو تكتب الفشل للمرحلة الثانية في غزة
كرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هذا الأسبوع، القول إنّ المرحلة الأولى لتنفيذ خطّة ترامب في غزة أشرفت على الانتهاء، وأنّه «يركّز الآن على المهمة المقبلة وهي، تجريد حركة حماس من أسلحتها ونزع السلاح في غزة. وهذا سيحدث إمّا بالطريقة السهلة (اتفاق) أو بالطريقة الصعبة (حرب)». جاء ذلك في خطابه في الكنيست الاثنين الماضي وفي مؤتمره الصحافي مع المستشار الألماني ميرتس. وأكد نتنياهو وغيره من المسؤولين الإسرائيليين، أن الانتهاء الرسمي للمرحلة الأولى مشروط بإعادة جثة الإسرائيلي الأخيرة المتبقيّة في غزة.
يتجاهل نتنياهو أن وتيرة إعادة المحتجزين الإسرائيليين الأحياء والأموات فاقت كل التوقّعات الإسرائيلية والأمريكية. فقد صرّح ترامب أن هناك أقل من 20 محتجزا إسرائيليا حيا، وأن قسما منهم فقد الحياة، وتبين أن هذا غير صحيح، فقد عادوا جميعا. كما ردد مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون، أنّ حماس لن تعيدهم جميعا لتبقى عندها ورقة للمساومة، ولم يحدث هذا. وشكّكت إسرائيل بإمكانية انتشال جثث الإسرائيليين من تحت الركام في غزّة، خلال فترة قصيرة، وتوقع مسؤولوها أنّ هذا سوف يستغرق أشهرا طويلة وربّما سنوات، وجرى الحديث حتى عن إمكانية فقدان آثار عدد منهم إلى الأبد.
وقد أثبتت التطورات المتوالية في هذا الملف بطلان الادعاءات الإسرائيلية المتكررة، أن حماس «تماطل في إعادة المحتجزين وتخرق الاتفاق».
خروقات متواصلة
لقد بررت إسرائيل العقوبات الجماعية التي فرضتها على أهالي غزة، بالادعاء أن «حماس تخرق الاتفاق»، في حين أن الحركة التزمت به بالكامل من حيث تسليم المحتجزين، والالتزام التام بوقف إطلاق النار، حتى بعد أن خرقته إسرائيل مرارا وتكرارا. في مقابل التزام الطرف الفلسطيني، لم تف إسرائيل بتعهداتها، وخرقت اتفاق وقف إطلاق النار 738 مرّة، وبلغ عدد الضحايا 386 شهيدا و987 جريحا. كما أنّها لم تفتح المعابر ولم تسمح بدخول «مساعدات كاملة» كما وعدت والتزمت، إذ تدخل القطاع يوميا 145 شاحنة بالمعدّل من أصل 600 شاحنة نص عليها الاتفاق. وبالنسبة للوقود فقد دخلت غزة منذ وقف إطلاق النار 115 شاحنة فقط بنسبة حوالي 10% من 1100 شاحنة اتفق على إدخالها. وبعد هذا كلّه يردد نتنياهو، بوقاحته المعهودة، أنّ «حماس تخرق وقف إطلاق النار»، وتلحقه الإدارة الأمريكية، إمّا بإبداء التفهّم لما تفعله إسرائيل «دفاعا عن نفسها» أو بسكوت يعبّر عن الرضى أو عدم الاكتراث، ما بقيت الأمور تحت السيطرة ولم تنزلق إلى انهيار الاتفاق.
يبدو أن السلوك الإسرائيلي في المرحلة الأولى، لن يتغيّر في المرحلة الثانية لتنفيذ اتفاق ترامب. ولا مؤشّرات أنّ حكومة نتنياهو ستبدّل تعاملها في المرحلة المقبلة. العكس هو الصحيح، فهي ستواصل خرقها لوقف إطلاق النار والتضييق على المساعدات وعلى فتح المعابر، وسوف تنقل خروقات المرحلة الأولى كأدوات ضغط ومناورة في المرحلة الثانية. لقد كان من المفروض أن يكون دخول لمساعدات إنسانية كاملة، وفتح للمعابر ووقف فعلي لإطلاق النار، مقابل تسليم المحتجزين، لكن إسرائيل استلمتهم كما نص الاتفاق، لكنّها لم تدفع «الثمن»، إلا جزئيا واحتفظت لنفسها بالجزء الأكبر للمقايضة به لاحقا.
شروط نتنياهو
مع الحديث عن قرب إجراء مفاوضات حول المرحلة الثانية في غزّة صرّح نتنياهو أنها ستكون صعبة جدّا. قال ذلك لأنّه يعرف أن الاتفاق أصلا صعب على الهضم فلسطينيا، وأكثر من ذلك لأنّه يعرف أن شروطه هو لا يمكن أن يقبل بها الفلسطينيون. وفي كل يوم يطلع نتنياهو ومن حوله بشرط جديد ليس موجودا في الاتفاق أصلا، أو بصياغة أكثر تشددا لشرط قائم. ويمكن تلخيص شروط نتنياهو، كما هي اليوم، بالتالي:
أولا، تجريد حركة حماس من أسلحتها. وهذا هو الشرط الأهم بالنسبة للمؤسستين السياسية والأمنية في إسرائيل. ويعتبره نتنياهو مفتاحا لإعلان النصر في غزة، فقد قال مرارا وتكرارا أنه حقق الانتصارات على إيران ولبنان وسوريا وبقي عليه غزّة، وهو يصر على نزع حماس من أسلحتها الثقيلة والخفيفة بلا استثناء، وخلال فترة وجيزة. ويبدو أن الولايات المتحدة تكتفي بنزع الأسلحة الثقيلة بشكل متدرّج، لكن لن نستغرب إن هي غيّرت موقفها وتبنت الموقف الإسرائيلي.
ثانيا، نزع السلاح عن غزة: والمقصود بهذا الشرط الإسرائيلي اتخاذ خطوات تمنع إدخال الأسلحة إلى غزة، وتشمل إنشاء جهاز مراقبة لضمان هذا الأمر. وفي مؤتمر صحافي مشترك مع المستشار الألماني، قال نتنياهو إن ترتيبات نزع السلاح واجتثاث التطرف في غزة تشبه تلك التي فرضت على ألمانيا واليابان عند انتهاء الحرب العالمية الثانية متجاهلا انهما بقيتا دولتان مستقلتان وهو يرفض بشدة فلسطين المستقلة.
ثالثا، حكم غزة: ما زال نتنياهو يصر على مبدأ ألا تحكم غزة لا حماس ولا السلطة الفلسطينية، وألا يشارك في إدارة شؤونها من له علاقة بالفصائل الفلسطينية. وهو يقبل بسلطة حكم دولية مثل «مجلس السلام»، شرط أن يقبل هذا الجسم الشروط الإسرائيلية بخصوص «الإدارة الفلسطينية»، والقوات الدولية والشرطة المحلية.
رابعا، اجتثاث التطرف: وهذا شرط يضعه نتنياهو من حين لآخر على الطاولة ويربطه بالانسحاب الإسرائيلي من غزة، وهو يمكنه من الادعاء دوما أن شروط الانسحاب لم تكتمل. ويعني هذا البند إحداث انقلاب في برامج التعليم وفي وسائل الإعلام وخطاب المسؤولين، بما يتلاءم ليس بالاعتراف بإسرائيل فحسب، بل بالاعتراف بها كدولة يهودية وكدولة اليهود، واجتثاث أي خطاب يناقض «حقها في الوجود كدولة يهودية».
خامسا، سيطرة أمنية كاملة: منذ بداية الحرب تردد إسرائيل أن أي تسوية في غزة تشمل هيمنة أمنية إسرائيلية مطلقة في الجو والبحر وعلى طول الحدود وفي داخل غزة، وسيطرة على المنافذ كافة وإخضاع كل ما يخرج أو يدخل القطاع لرقابة إسرائيلية مشددة.
سادسا، عدم الانسحاب الكامل: ترفض إسرائيل مبدأ الانسحاب الشامل من غزة، وتصر على الاحتفاظ ـ على الأقل – بشريط أمني على طول حدود قطاع غزة، وتروّج بأنه ضرورة أمنية لا تستطيع التنازل عنها. ويشكل هذا الشريط ما يقارب 15-20% من مساحة غزة.
سابعا، تركيبة القوات الدولية: تصر إسرائيل على حقها في قبول أو رفض مشاركة أي دولة في القوات الدولية، المزمع نشرها في غزة. وقد أعلنت أنها لن تقبل بقوات قطرية وتركية. وهناك قلق إسرائيلي من أن بعض الجهات في الإدارة الأمريكية ترى ضرورة مشاركة تركيا.
ثامنا، إعادة الإعمار: تريد إسرائيل أن تتحكم بمشروع إعادة إعمار غزة، من حيث الذين «تسمح» لهم بالمساهمة في إعادة الإعمار ومن حيث الأمكنة التي تأذن بإعمارها، إضافة إلى قيود بشأن مواد البناء والإنشاء وطرق إدخالها والرقابة عليها.
وإذا جمعنا هذه الشروط وغيرها من العراقيل والإملاءات الإسرائيلية، فإن إمكانية التقدم في المرحلة الثانية ليست صعبة فحسب، بل شبه مستحيلة. والذي قد يحدث في حال انسداد الأبواب السياسية هو العودة إلى الحرب الشاملة في غزة، بكل ما يعنيه ذلك من المزيد من الكوارث والدمار. هنا يلزم إعداد خطة فلسطينية – عربية بديلة، إذ لا يعقل أن تبقى خطة ترامب المجحفة هي الوحيدة المطروحة. ويجب الشروع في إعداد البديل فورا، لأن فشل خطة ترامب مصيبة إذا لم يتوفّر البديل، وقد يكون هذا البديل هو حبل النجاة.
القدس العربي