قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن الحكومة الإيرانية واجهت موجة غضب شعبي عارمة بسبب المليارات التي أنفقتها والدماء الإيرانية التي أُريقت لدعم نظام بشار الأسد في سوريا.

 

وذكرت الصحيفة في تقرير لها ترجم أبرز مضمونه إلى العربية "الموقع بوست" في الأيام التي تلت الإطاحة المفاجئة وغير المتوقعة لإيران كقوة مهيمنة في سوريا، جاءت الانتقادات من زوايا غير متوقعة، بما في ذلك المحافظون، وتدفقت بحرية على القنوات التلفزيونية والبرامج الحوارية، وفي المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي والندوات الافتراضية التي حضرها آلاف الإيرانيين، كما ظهرت على الصفحات الأولى للصحف يوميًا.

 

وقال النائب السابق هشمت الله فلاحت بيشه في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي إن الإيرانيين يجب أن يحتفلوا بسقوط حليف إيران الطويل الأمد، الرئيس بشار الأسد وأضاف: “لن يتمكن أحد بعد الآن من تبديد دولارات إيران للحفاظ على شبكة عنكبوتية".

 

وأعرب معارضو الحكومة منذ فترة طويلة عن غضبهم من الأموال التي أرسلتها إيران إلى أنحاء الشرق الأوسط، ويبدو أن هذا الشعور قد انتشر الآن، حتى البعض ممن قاتلوا نيابة عن حكومتهم في سوريا أو فقدوا أفراد عائلاتهم في الحرب الأهلية هناك، يتساءلون الآن عما إذا كان الأمر يستحق ذلك، وأشار البعض إلى أن نظام الأسد لم يكن الخاسر الوحيد الذي برز من الانتفاضة.

 

وقال إبراهيم متقي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة طهران، في برنامج حواري إن إيران قد تراجعت من كونها قوة إقليمية إلى مجرد دولة أخرى.

 

وتساءل البعض عن أساس استراتيجية إيران على مدى العقود الماضية لجعل نفسها قوة إقليمية مهيمنة تواجه إسرائيل وراعيها الرئيسي، الولايات المتحدة: دعم طهران لمجموعة من الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط التي أطلقت عليها محور المقاومة.

 

وشن محمد شريعتي دهقان ممثل إيران السابق لدى منظمة التعاون الإسلامي هجومًا على حكومته في مقال رأي بالصفحة الأولى في صحيفة “هم‌ميهن”، قائلا إن هزيمة الأسد كشفت أن استراتيجية إيران كانت مضللة و”بنيت على أسس ضعيفة".

 

وطالب شريعتي دهقان بنهج جديد يعطي الأولوية لبناء تحالفات مع الدول بدلاً من دعم الجماعات المسلحة، وتحويل الأموال والموارد مرة أخرى إلى الشعب الإيراني.

 

ويعد النقاش العلني الجريء هذا أمرًا غير عادي تمامًا، بالنظر إلى أنه على مدى سنوات صوّر القادة الإيرانيون دعمهم لسوريا والجماعات المسلحة المتحالفة التي تقاتل إسرائيل كواحدة من المبادئ غير القابلة للتفاوض للثورة الإسلامية وضرورية للأمن القومي.

 

وقال حسن شمشادي، المحلل البارز القريب من الحكومة والذي شغل حتى العام الماضي منصب رئيس غرفة التجارة الإيرانية-السورية المشتركة، في مقابلة هاتفية من طهران: “النقاش بشأن سوريا يجري على جميع مستويات المجتمع، ليس فقط في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ولكن في التفاعلات اليومية في كل مكان"، وأضاف: “الناس يسألون: لماذا أنفقنا كل هذه الأموال هناك؟ ماذا حققنا؟ ما هو مبررنا الآن بعد أن انتهى كل شيء؟”

 

وقال شمشادي إنه على الرغم من أن شكل العلاقات المستقبلية بين إيران وسوريا أصبح الآن غير مؤكد، فإن شراكة استراتيجية بُنيت على مدى أربعة عقود أصبحت الآن من التاريخ وأضاف أن الوصول غير المقيد الذي كانت تتمتع به إيران منذ فترة طويلة إلى طرق الإمداد في سوريا لتزويد الجماعات المسلحة عبر المنطقة بالأسلحة والمواد الأخرى قد انتهى أيضًا.

 

رد فعل إيران الرسمي كان متناقضًا، فقد سعى الرئيس مسعود بزشكيان ووزير الخارجية عباس عراقجي إلى النأي بأنفسهم عن الأحداث في الجوار.

 

وقال الرئيس ووزير الخارجية إن للشعب السوري الحق في تحديد مستقبله السياسي، وقال نائب الرئيس الاستراتيجي الإيراني محمد جواد ظريف إن بلاده “مستعدة لإقامة علاقات جيدة مع الحكومة السورية المستقبلية، وكنا دائمًا نقف إلى جانب الشعب السوري".

 

 لكن المرشد الأعلى الإيراني، آية الله خامنئي، اتخذ لهجة أكثر صرامة في خطابه العام الأول بشأن الأحداث في سوريا، حيث ألقى باللوم على الولايات المتحدة وإسرائيل في سقوط الأسد، واصفًا المتمردين الذين أطاحوا به بأنهم “معتدون” لديهم دوافع متنافسة ويخدمون أسيادهم، وألمح أيضًا إلى دعم تركيا لبعض المتمردين في سوريا.

 

وقال خامنئي: “ببركة الله، سيتم تحرير الأراضي المحتلة في سوريا على يد الشباب الشجعان في سوريا"، وأضاف: “لا شك أن هذا سيحدث"، وتوقع أن “المقاومة” ستنتشر على نطاق واسع في المنطقة، وستزداد إيران قوة.

 

لكن خطاب خامنئي تعارض مع الواقع على الأرض في سوريا، حيث انهار الجيش بسرعة مع تقدم المتمردين، واحتفل السوريون - صغارًا وكبارًا، رجالًا ونساءً - بسقوط حاكم طاغية بالرقص في الشوارع وهم يهتفون: “حرية".

 

واصدرت حماس، التي خاطرت من أجلها إيران وحليفها حزب الله في لبنان، بيانًا هنأت فيه المتمردين السوريين على انتصارهم وأعلنت أنها تقف مع الشعب السوري.

 

وبدا أن خامنئي مستاء من الانتقادات العلنية، وقال إن هذه التعليقات “جريمة” لأنها تثير الخوف بين الناس.

 

وفي غضون ساعات، أعلنت السلطة القضائية الإيرانية عن فتح تحقيق جنائي في قائمة من الشخصيات البارزة والمؤسسات الإعلامية التي قادت الانتقادات، وضمت القائمة فلاحت بيشه، النائب السابق، الذي كشف أن ديون سوريا لإيران بلغت حوالي 30 مليار دولار.

 

كانت سوريا بمثابة القاعدة المركزية لإيران في المنطقة لأكثر من 40 عامًا، وكان وصولها إلى الأراضي والموانئ والمطارات بلا قيود لدرجة أن قائدًا عسكريًا كبيرًا وصف سوريا يومًا بأنها محافظة من محافظات إيران.

 

وسيطرت إيران على قواعد عسكرية ومصانع صواريخ وأنفاق ومستودعات كانت تخدم سلسلة التوريد لشبكتها من الجماعات المسلحة.

 

ومن سوريا، قامت إيران بتهريب الأسلحة والأموال والدعم اللوجستي إلى حزب الله في لبنان، وحماس في غزة، والجماعات المسلحة في الضفة الغربية المحتلة من قبل إسرائيل والعراق.

 

وقال ماثيو ليفيت، مدير برنامج مكافحة الإرهاب في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “كانت سوريا حجر الزاوية في خطة إيران الإقليمية، تطويق إسرائيل بحزام ناري"، وأضاف: “محور المقاومة كان بمثابة كرسي بثلاثة أرجل: إيران، سوريا، وحزب الله، لكنه لم يعد قائمًا".

 

وقال ليفيت إن إيران كانت تعتمد أيضًا على سوريا اقتصاديًا، وكانت مشترياتها من النفط الخام والمكرر الإيراني، رغم العقوبات الأميركية، تساعد طهران على دفع تكاليف عملياتها العسكرية في المنطقة.

 

وقال خمسة مسؤولين إيرانيين إنه بعد سقوط سوريا، كشف العديد من زملائهم بشكل خاص أن إيران فقدت كل شيء في 11 يومًا فقط، وقال المسؤولون إن الحكومة ما زالت “مرتبكة” و”مشوشة” وتحاول إيجاد طريق للمضي قدمًا مع سوريا.

 

وأكد رحمن قهرمانبور، المحلل السياسي في طهران، أن الأولوية الآن هي ضمان ألا تتحول سوريا إلى قاعدة ضد إيران ومنصة للهجوم على مصالحها في العراق أو لبنان.

 

وأضاف: “لا يمكن احتواء الحساب العلني الذي اندلع بشأن سلوك إيران في سوريا، ولن يخفف أي تبرير رسمي من الضربة القاسية".

 

 

 


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: الجماعات المسلحة فی سوریا

إقرأ أيضاً:

غزة: مدنيون جائعون يستولون على عشرات الشاحنات المحملة بالغذاء

(CNN)-- أعلن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، السبت، أن 77 شاحنة مساعدات في جنوب ووسط غزة، تعرضت للنهب على يد مدنيين يائسين.

وقال برنامج الغذاء العالمي في بيان على منصة "إكس"، تويتر سابقا، إن 77 شاحنة دخلت غزة محملة بالدقيق. جميعها "أُوقفت على طول الطريق، حيث سُلب الطعام بشكل أساسي من قبل أشخاص جائعين يحاولون إطعام عائلاتهم".

وأضاف البرنامج أنه "بعد 80 يوما من الحصار الشامل، أصبحت المجتمعات المحلية تتضور جوعا- ولم تعد ترغب في السماح بمرور الطعام".

وأوضح برنامج الأغذية العالمي أن "الوضع الإنساني في غزة يتفاقم. إغلاق الحدود والجوع واليأس يجعل إيصال المساعدات غير مستقر – ويتم نهب الشاحنات، ويخاطر الناس بكل شيء من أجل كيس دقيق".

وأكد البرنامج أنه من أجل "استعادة الأمل وتبديد الخوف ومنع المزيد من الفوضى، يجب توفير الطعام بوفرة للسكان- الآن".

وقال ناهد شحيبر، رئيس جمعية اتحاد النقل في غزة لشبكة CNN، إن 20 شاحنة محملة بالدقيق تعرضت للنهب بالقرب من معبر نتساريم وسط غزة، وإنه تم سلب حمولة حوالي 50 شاحنة دقيق في خان يونس جنوب غزة.

وأضاف شحيبر أن القوافل كانت تحمل مواد غذائية لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.

وأظهرت مقاطع فيديو عشرات الأشخاص في خان يونس وهم يحملون أكياس الدقيق. ووقعت مشاهد مماثلة في نتساريم، حيث سُمع دوي إطلاق النار بينما كانت الحشود تهرع للاستيلاء على أكياس الدقيق.

وتفشى الجوع في غزة، وحذرت وكالات الأمم المتحدة من مجاعة وشيكة ما لم يتم زيادة إدخال المساعدات بشكل كبير وتوزيعها في جميع أنحاء القطاع. ووقعت حوادث نهب متعددة. وقالت الإمارات العربية المتحدة الأسبوع الماضي إن شاحنة واحدة فقط من أصل 24 شاحنة أرسلتها وصلت إلى وجهتها المخطط لها.

وقال فيليب لازاريني، المدير التنفيذي لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، إن 900 شاحنة أُرسلت إلى غزة خلال الأسبوعين الماضيين، منذ تخفيف الحصار الإسرائيلي بشكل جزئي.

وكتب لازاريني على منصة "إكس": "هذا يمثل أكثر من 10% بقليل من الاحتياجات اليومية لسكان غزة. فالمساعدات التي تصل الآن تستهزئ بالمأساة الجماعية التي تتكشف أمام أعيننا".

وقال إنه قارن ذلك بـ600 إلى 800 شاحنة كانت تصل إلى غزة يوميا خلال وقف إطلاق النار في وقت سابق من هذا العام. وأضاف: "يمكن وقف المجاعة الجماعية الحالية. الأمر يتطلب إرادة سياسية".

وتقول "مؤسسة غزة الإنسانية" الخاصة المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة إنها تواصل توسيع نطاق التوزيع في مراكزها الأربعة بوسط وجنوب قطاع غزة. وقالت المؤسسة إنها قامت بتوزيع 30 شاحنة محملة بالمواد الغذائية بإجمالي 28,800 صندوق في مركزها في رفح جنوب قطاع غزة، السبت، وأوضحت: "كان توزيع الوجبات اليوم هو الأكبر حتى الآن وأكثر بخمسة أضعاف من أمس".

مقالات مشابهة

  • الليلة المخيبة لا تمحو الإنجازات.. إنزاجي خارج دائرة التقييمات!
  • تركيا.. تراجع ملحوظ في أعداد السوريين بعد سقوط نظام الأسد
  • موقع أمريكي: إسرائيل تشعر بتداعيات وقف إطلاق النار الذي أعلنه ترامب مع الحوثيين (ترجمة خاصة)
  • غزة: مدنيون جائعون يستولون على عشرات الشاحنات المحملة بالغذاء
  • إيران تضع «خطوط حمراء» بالمفاوضات النووية وتكشف عن تقدّم بطيء
  • الجميّل من بودابست: آن الأوان لإعادة اللاجئين السوريين بعد زوال نظام الأسد
  • العدالة تعود بعد طول انتظار: سوريا تعيد حقوق الموظفين المفصولين في عهد الأسد
  • وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة: إلى العاملين في الجيش والقوات المسلحة، إن التزامكم بلوائح السلوك والانضباط -التي ستصدر بعد قليل- يعكس الصورة المشرقة التي نسعى لرسمها في جيش سوريا، بعدما شوّهه النظام البائد وجعله أداةً لقتل الشعب السوري، فيما نعم
  • داعش يتبنى أول هجوم ضد الجيش السوري الجديد منذ سقوط نظام الأسد
  • اكتشاف أثري تحت الركام.. ما مصير القرى الأثرية بعد سقوط نظام الأسد؟