الجزيرة:
2025-06-19@10:17:22 GMT

بداية النهاية.. غروب شمس فرنسا في أفريقيا

تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT

بداية النهاية.. غروب شمس فرنسا في أفريقيا

إنها بداية النهاية للوجود الفرنسي في أفريقيا، هكذا يمكن وصف التطورات المتلاحقة التي تشهدها علاقات فرنسا في القارة السمراء، إذ تتوالى الانهيارات بشكل متسارع. كانت تشاد، في الماضي، بمنزلة حاملةِ طائرات للجيش الفرنسي، وكانت مقرًا لوجيستيًا حيويًا، إلى أن قررت السلطات التشادية إنهاء الوجود العسكري الفرنسي على أراضيها.

هذا القرار يشكل ضربة موجعة لقدرات الجيش الفرنسي على إدارة عملياته العسكرية في المنطقة.

وازداد الوضع سوءًا بطلب الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي من فرنسا سحب 350 جنديًا من بلاده. ليكون بذلك الأحدث في قائمة متتابعة من الدول، اضطرت فرنسا إلى سحب قواتها منها عقب انقلابات عسكرية شهدتها تلك الدول، تواكبت مع تصاعد نبرة العداء الشعبي تجاه فرنسا، وتضم تلك القائمة مالي، وبوركينا، فاسو، والنيجر.

هذا كله يجسد واقع فرنسا المضطربة سياسيًا، الواقعة تحت ضغط تضخم ديونها، وفقدان طبقتها السياسية المخضرمة. لم تعد فرنسا الدولة التي تستطيع أن تقدم شيئًا لأفريقيا.

في الوقت الذي يتصاعد فيه نفوذ "المغرب" في غرب أفريقيا، و"جنوب أفريقيا" في وسط القارة وجنوبها، برزت رواندا كنموذج اقتصادي رائد، ما يعيد تشكيل ملامح أفريقيا الجديدة.

إعلان

لم تعد القارة السمراء تلك التي عرفها العالم في حقبة ما بعد الاستعمار، كما لم تعد فرنسا النموذج الذي يتطلع إليه الأفارقة، في ظل صعود نماذج بديلة أكثر جذبًا، مثل: الصين، وروسيا، والبرازيل، التي تقدم شراكات اقتصادية وتجارية مغايرة.

فرنسا المنشغلة بذاتها والمنخرطة في أزمة أوكرانيا، باتت بلا خيال سياسي لتنشيط وجودها في أفريقيا، حتى إن سياستها التقليدية تجاه القارة السمراء وصلت إلى طريق مسدود. حاول ماكرون إثارة حماسة الأفارقة بسياسة رد القطع الأثرية المنهوبة من أفريقيا أثناء الحقبة الاستعمارية، وكان آخرها إعادة قطع أثرية إلى إثيوبيا، إلا أن ردود الفعل الأفريقية جاءت باهتة.

تدير الدول الأفريقية ظهرها لفرنسا، فمالي اعتمدت دستورًا جديدًا في 2023 يتخلى عن اللغة الفرنسية كلغة رسمية، كما استبدلت رواندا اللغة الفرنسية باللغة الإنجليزية في المدارس والجامعات، في حين انضمت توغو والغابون إلى الكومنولث في عام 2022.

لكن، بالرغم من هذا، تظل اللغة الفرنسية أداة توحيد لعدد من الدول الأفريقية متعددة الثقافات واللغات المحلية، والتي تفتقد إلى لغة مشتركة، في الوقت الذي يستقر فيه 200 ألف فرنسي في العديد من الدول الأفريقية.

كل ما سبق يؤثر على القوتين؛ الصلبة والناعمة لفرنسا في أفريقيا، ويؤكد هشاشة سيطرة فرنسا على اقتصاد العديد من الدول الأفريقية. كان للنخب المتفرنسة التي نالت تعليمًا في مدارس وجامعات فرنسية تأثير في تكريس التبعية الاقتصادية والثقافية لفرنسا، ولكن مع زيادة المنح من دول أخرى منذ ثلاثة عقود، أتت هذه السياسة بنتائج عكسية على نفوذ فرنسا.

فقد بدأت الولايات المتحدة، والصين، وروسيا في حصد ثمار ذلك على حساب فرنسا. وعلى الصعيد الاقتصادي، تعاني شركة توتال، التي لها فروع في 40 دولة أفريقية كمورد للطاقة، في الدول الأفريقية الفرنكوفونية، فيما لا تواجه نفس المعاناة في دول أفريقيا الأخرى. وجاء تأميم اليورانيوم في النيجر والذهب في بوركينا فاسو ليذهب نحو المدار الروسي، حيث تدور الموارد الاقتصادية الأفريقية في فلك السياسة.

إعلان

أفريقيا، التي ظلت منذ عقود مجالًا جيوسياسيًا لفرنسا، أصبحت ذات نزعة عدائية تجاه فرنسا. لم تدرك فرنسا أن الجامعات الأفريقية ستنتج نخبًا لديها القدرة على التفكير والتحليل بصورة مستقلة عن التأثير الفرنسي.

تشكل هذه النخب وعيًا عامًا باستقلال أفريقيا وبضرورة إدارة الموارد الوطنية، وهذه النقطة بالذات هي التي يتجاهلها المحللون الغربيون. فقد نضجت أفريقيا إلى الحد الذي أصبحت معه المشاعر المعادية لفرنسا، لا سيما بين الشباب غير المقيد بالماضي، أكثر حضورًا، حيث يدرك هؤلاء أن فرنسا استنزفت موارد بلادهم عبر السيطرة على التعدين والبترول والنقد، عبر الفرنك الأفريقي الذي يستلزم وضع نصف الاحتياطات النقدية في فرنسا، وعبر دعم حكام دكتاتوريين ونخب فاسدة.

كل ما سبق ولد مظالم شعبية وحالة من الاستياء طويل الأمد من فرنسا، فقد صارت فضائح رشوة الحكام الأفارقة والتدخل العسكري الفرنسي لدعمهم مثار تساؤلات. ويظن الروس، ومعهم الصين، أن هذا هو أيضًا السبيل لأفريقيا، متجاهلين نمو الوعي العام والرغبة المتزايدة في بناء الذات الأفريقية بعيدًا عن الهيمنة أيًا كان مصدرها. لذا، فإن النماذج الصاعدة في أفريقيا ضمن هذا الإطار تشكل تحديًا لأي نفوذ مرتبط بالهيمنة والسيطرة على الموارد.

إن تحدي كل من مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر بتشكيل تحالف دول الساحل، هو تحدٍّ مباشر لكل من الاتحاد الأفريقي والجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وهي الهيئات التقليدية التي تعمل على تنسيق القضايا الإقليمية، وهذا التنسيق نراه بصورة متعددة في شرق أفريقيا.

لذا، تفقد فرنسا سيطرتها على يورانيوم النيجر، وذهب بوركينا فاسو. وإذا لم يستطع الحكام الجدد المنشقون عن فرنسا خلال السنوات القادمة توفير نوع من التنمية الحقيقية لبلدانهم والحكم الرشيد، فسيكونون تحت مقصلة الوعي الأفريقي المتنامي، الذي قد يطيح بهم.

إعلان

فالأفارقة الذين يعانون من الفقر ومن ذل الهجرة لم يعد لديهم تلك المساحات من التسامح التي أعطوها للحركات التي حكمت إثر ما يسمى بالاستقلال عن الاستعمار، بل بات هناك رغبة في التنمية وحصد ثمارها.

هنا، لا بد لفرنسا أن تبني سياسات إستراتيجية جديدة تقوم على الشراكة لا السيطرة، فالمنافسة على النفوذ في أفريقيا باتت شرسة في ظل صعود دول لديها استثمارات مالية ضخمة غير مشروطة بنفوذ سياسي، كالسعودية، وقطر، والكويت.

وفي ظل دخول التنين الصيني بقوة، وتنامي النفوذ الروسي، إذا ظلت فرنسا تظن أنها اللاعب الغربي الرئيسي في أفريقيا، فسيكون عليها مواجهة تحدٍّ من داخل الغرب نفسه، متمثلًا في بريطانيا، وألمانيا، والولايات المتحدة. لذا، إذا لم ينسق هؤلاء مع فرنسا، فإنهم بتنافسهم سيفتحون الطريق للاعب آخر غير محسوب بدقة إلى الآن، وهو تركيا.

إنها، يا سادة، أفريقيا التي ستصوغ مستقبل الاقتصاد الدولي خلال السنوات القادمة، والتي، إذا نهضت، فستغير شكل المعادلات الدولية.

فلننتظر تحولات موازين القوة داخل أفريقيا في السنوات العشر القادمة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الدول الأفریقیة فی أفریقیا من الدول

إقرأ أيضاً:

تقرير: أسواق الكربون حل زائف لأعباء القارة الأفريقية المناخية

حذر تقرير جديد صادر عن مؤسسة "باور شيفت أفريكا"، وهي مؤسسة بحثية معنية بالمناخ، من أن مخططات سوق الكربون، تزيد الأعباء القارة الأفريقية أكثر من حلها، وقد فشلت في تحقيق تخفيضات حقيقية للانبعاثات أوالوفاء بالتمويل المناخي الموعود.

وصدر التقرير بعنوان "لماذا تشكل أسواق الكربون عامل إلهاء خطيرا لأفريقيا" الاثنين بالتعاون مع 21 منظمة من منظمات المجتمع المدني الأفريقية، مع بدء محادثات المناخ في بون بألمانيا.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4مفاهيم مناخية.. ما العلاقة بين الاحتباس الحراري وتغير المناخ؟list 2 of 4دراسة: 10% من الأغنياء مصدر ثلثي ظاهرة الاحتباس الحراريlist 3 of 4الاحتباس الحراري يقلّص امتصاص النباتات والتربة للكربونlist 4 of 4ماذا تخبرنا البيانات التاريخية عن تسارع الاحتباس الحراري؟end of list

وسوق الكربون هو نظام تقوم من خلاله البلدان أو الشركات بشراء وبيع أرصدة الكربون لتعويض انبعاثاتها من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وتشير التقديرات إلى أن الانبعاثات من أسواق الكربون قد تتجاوز إجمالي انبعاثات الوقود الأحفوري والانبعاثات الزراعية الحالية في أفريقيا.

وأشار التقرير إلى أن مخططات سوق الكربون تسمح للدول الغنية والشركات بمواصلة التلوث تحت ستار المسؤولية البيئية في حين ترفع العبء عن أفريقيا.

وانتقدت المنظمة أيضا أسواق الكربون الطوعية والتدابير مثل مبادرة أسواق الكربون الأفريقية، مشيرة إلى أنها فشلت في تحقيق تخفيضات حقيقية للانبعاثات والوفاء بالتمويل المناخي الموعود.

ودعا التقرير إلى إيجاد آليات تمويل بديلة مثل إلغاء الديون، وتعويضات المناخ، والعدالة الضريبية، والاستثمار العام في أنظمة الطاقة المتجددة والزراعة البيئية التي تقودها المجتمعات المحلية.

ووصف محمد أدو، مدير مؤسسة "باور شيفت أفريكا" والمؤلف الرئيسي للتقرير، أسواق الكربون بأنها "ستار دخاني للملوثين"، قائلا "إن الوهم بأن أسواق الكربون تعمل على خفض الانبعاثات هو وهم خطير".

كما أشار إلى أن أسواق الكربون لا تعمل على خفض الانبعاثات، بل تسمح للشركات فقط بمواصلة حرق الوقود الأحفوري مع المطالبة بالمسؤولية المناخية من خلال التعويضات، ودعا إلى الاستثمار العام المباشر في الطاقة النظيفة والتكيف وإستراتيجيات خفض الانبعاثات الحقيقية.

إعلان

وأضاف أدو أن هذا لا يقلل من الانبعاثات، بل إنه ينقل العبء إلى أفريقيا، حيث تعاني المجتمعات هناك أكثر من غيرها من تغير المناخ، وهو ما يطرح الحاجة إلى إجراءات جريئة تعطي الأولوية للحلول المحلية، والتمويل العام للمناخ والسياسات العادلة التي تخدم المجتمعات المحلية بدلاً من الأرباح للشركات.

من جهته، دعا جيسون براغانزا، المدير التنفيذي للمنتدى الأفريقي وشبكة الديون والتنمية (أفروداد) القارة الأفريقية إلى رفض الحلول المناخية الزائفة المصممة لصالح الملوثين، حسب تقديره.

وقال براغانزا: "هذه الأسواق لا تخدم المصالح الأفريقية. إنها تُرسّخ عدم المساواة وتقوّض سيادتنا على الأراضي وتمويل المناخ".

ومن جانبها، أكدت بريدجيت موغامبي، منسقة البرامج في التحالف من أجل السيادة الغذائية في أفريقيا، أن تجارة الكربون تعزز اختلال التوازن بين الشمال والجنوب العالميين، في حين تنتهك حقوق الأراضي وتهدد الأمن الغذائي.

وأشارت موغابي أيضا إلى أن التغيير العاجل والمنهجي هو المسار الوحيد القابل للتطبيق لتحقيق العدالة المناخية في القارة.

وأوصى التقرير بإنشاء صناديق مناخية وطنية شاملة وشفافة تسمح للدول الأفريقية بتصميم إستراتيجياتها المناخية الخاصة دون ضغوط السوق الخارجية.

وتشير تقارير إلى أن القارة الأفريقية، التي تضم 17% من سكان العالم، لا تسهم سوى بنسبة 3.8% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ومع ذلك فهي تعد الأكثر تضررا من تغير المناخ وآثاره.

مقالات مشابهة

  • لتوسيع آفاق الاستثمار.. سفراء الدول الأفريقية في ضيافة الهيئة العربية للتصنيع
  • سفراء الدول الأفريقية الشقيقة في ضيافة الهيئة العربية للتصنيع
  • تقرير: أسواق الكربون حل زائف لأعباء القارة الأفريقية المناخية
  • ترامب يُشعل فتيل النهاية: سيناريوهات مرعبة تُحاصر إيران وإسرائيل والعالم على شفا هاوية!
  • جنون ما قبل النهاية
  • السفير الإيراني لدى روسيا: إيران لن تنسى الدول التي وقفت إلى جانبها
  • تعرف على الدول العربية والإسلامية التي أدانت هجمات إسرائيل على إيران
  • شقّ الصين والدول الأفريقية يدا بيد الطريق نحو بناء نموذج التضامن والتعاون للجنوب العالمي
  • الصين والدول الأفريقية تشق الطريق يدًا بيد نحو بناء نموذج التضامن والتعاون للجنوب العالمي
  • سيناتور أمريكي يطالب بـضرب إيران حتى النهاية