أنسنة التعليم قضية تربوية معاصرة
تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT
في عصر تتزاحم فيه البيانات والمعلومات، وعالم يصعب علينا فهم معالمه ومواكبة تغيراته، يمثل فيه التواصل الاجتماعي أساس الاتصال والتواصل. التكنولوجيا وتطبيقاتها هي أكثر ما نستعمله في عالم متسارع الخطوات، نهتم فيه بالعلم والمعرفة وبالنظريات المختلفة، وربما نغفل الجوانب المهمة المتمثلة في إنسانيتنا وطبيعتنا كبشر.
وهو ما دعا البعض إلى التركيز على الأنسنة، وأنسنة الشيء تعني إضفاء الجانب الإنساني عليه. ومن ضمن المصطلحات التي ظهرت في العصر الحديث هو «أنسنة التعليم»، وتتعدد تعريفاته، فهو المدخل الذي يراعي حاجات المتعلمين ويهدف إلى تنمية العلاقات الإنسانية وروح التعاون فيما بينهم وبين المعلمين، وهو أيضا دراسة العلاقات الإنسانية من أجل تنمية فهم المتعلمين لهذه العلاقات، وتعزيز المهارات الإنسانية لديهم لتمكينهم من التعامل والتعايش مع الآخرين، وتظهر انعكاساته في محتوى المناهج وطرق التدريس وأساليب التقويم وطبيعة العلاقة بين المتعلم والمعلم والإدارة المدرسية.
ويرجع الأساس الفلسفي لنشأة أنسنة التعليم للنظرية البنائية، حيث شكلت هذه النظرية ثورة في الدراسات الإنسانية لما لها من أهمية في التركيز على دور المتعلم في التفكير وتطبيق المعرفة، والاهتمام بنموه من جميع الجوانب (العقلية، الوجدانية، المهارية) لتحقيق النمو المتكامل لشخصية المتعلم. أما الأساس النظري فيرجع للنظريات الإنسانية، ومن أشهر مؤسسي المدخل الإنساني في التعليم «كارل روجرز» و«ابراهام ماسلو»، حيث يستند التعليم عند روجرز إلى جانبين أساسيين وهما الشروط النفسية للتعليم والتعليم الفعال الذي يتعلق بالتنمية الوجدانية والمعرفية. كما اهتم بخبرات المتعلمين وأكد أهميتها لتدعيم العلاقات الإنسانية فيما بينهم، حيث إنها تساعد المتعلمين على التعبير عن مشاعرهم واحترام الآخرين، والمساعدة على فهم أنفسهم وفهم الآخرين. أما ماسلو فاهتم بالدافعية والنمو الاجتماعي ومهارات الاتصال، ورتب حاجات الإنسان هرميا، تمثل قاعدته الحاجات الفسيولوجية وقمته الحاجة إلى تحقيق الذات، التي من الممكن تلبيتها من خلال منح المتعلم مدى واسعا من التجارب والخبرات التي تقوده للتعلم الذاتي.نستنتج أن مدخل أنسنة التعليم يركز على ثلاثة أسس ينبغي مراعاتها في عملية التعليم، وهي الاهتمام بتنمية المتعلمين معرفيا ووجدانيا ومهاريا، ومراعاة الحاجات الإنسانية والفروق الفردية، والتركيز على الجانب الإنساني في المادة التعليمية. بالإضافة إلى ذلك، هناك عدة مبادئ لأنسنة التعليم. فالمتعلم هو محور العملية التعليمية، ويجب أن تسخر المنظومة التعليمية لخدمته وتحقيق الأهداف المرتبطة به، أما المعلم، فهو المرشد والميسر للتعلم، ومهمته لا تقتصر على تنفيذ الدروس، وإنما توجيه المتعلمين نحو المعرفة، كما أن ارتباط المناهج التعليمية بالقضايا المجتمعية واهتمامات الطلبة واحتياجاتهم، ومراعاة الفروق الفردية بينهم، من مبادئ أنسنة التعليم.
من جانب آخر، هناك العديد من الدوافع وراء أنسنة التعليم، ومنها تحسين جودة التعليم وتلبية احتياجات القرن الحادي والعشرين، وتهيئة المتعلمين للتعامل مع تحديات العصر ومتغيراته، وأيضا إعداد مواطنين فاعلين وصالحين يمتلكون مهارات التفكير النقدي والمسؤولية الاجتماعية، كما أن توفير بيئة تعليمية تدعم الصحة النفسية للمتعلمين وتعزز من دافعيتهم هو أحد هذه الدوافع. أيضا، قد تحد أنسنة التعليم من السلوكيات غير المرغوبة لدى المتعلمين، كالتنمر والعنف، عن طريق غرس قيم المجتمع ومبادئ وتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف في نفوس المتعلمين.
الجدير بالذكر أن قانون التعليم المدرسي الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ٣١/ ٢٠٢٣ في مادته الثانية أشار إلى أن «الغاية الكبرى للتعليم المدرسي في سلطنة عمان هي تحقيق النمو الشامل والمتكامل لشخصية المتعلم في جوانبها العقلية والعاطفية والروحية والجسدية»، كما أن المادة رقم (٢٥) أشارت إلى أهمية توجيه المتعلمين نحو التعلم الذاتي وتنمية قدرتهم على استخدام التفكير العلمي الناقد والمشاركة المجتمعية الفاعلة، إلى جانب المادة (٤٥) التي نصت على أن «تعمل الوزارة على توفير الخدمات اللازمة لتعزيز الصحة النفسية والبدنية والاجتماعية، وخدمات التوجيه والإرشاد المهني للطلبة»، حيث تعكس هذه المواد التي تضمنها قانون التعليم المدرسي جوانب مختلفة من أنسنة التعليم، وهو ما يعكس توجه سلطنة عمان واهتمامها بالجانب الإنساني في عملية التعليم لتحقيق الأهداف المرجوة منه.
وعلى الرغم من وجود المواد القانونية الداعية للاهتمام بأنسنة التعليم، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه النظام التعليمي في سلطنة عمان، ومنها محدودية المتعلمين في التربية الخاصة، حيث إن المتعلمين من ذوي الإعاقات المحددة هم من يمكنهم الانخراط في التربية الخاصة، كما أن عدم تطبيق التعليم المنزلي وعدم بروزه في المجتمع من أبرز التحديات التي تواجه النظام التعليمي في سلطنة عمان، على الرغم من أن قانون التعليم المدرسي سمح به. كذلك، فإن مركزية التعليم قد تحول دون الوصول إلى تعليم يناسب المتعلمين من مختلف محافظات سلطنة عمان، وتحد من مشاركة المعلمين والمتعلمين في اختيار المناهج والدروس والأنشطة التعليمية، علاوة على ذلك، هناك تحديات تتعلق بنمط إدارة المتعلمين، مثل تبني الإدارة التسلطية في إدارة الصف أو إدارة المدرسة، فنجد المدير أو المعلم يتعامل بشكل تسلطي مع طلبته محاولا اتخاذ قرارات وتطبيق عقوبات تؤدي إلى خفض دافعية المتعلمين نحو التعلم وشعورهم بالإحباط.
وهو ما يخالف المادة (62) من قانون التعليم المدرسي، التي أشارت إلى أن للإدارة المدرسية واجبا في تطبيق أفضل الممارسات الإدارية لتكوين ثقافة مدرسية إيجابية ومحفزة، ومع أن قانون التعليم المدرسي يشجع على أنسنة التعليم، إلا أن ضعف الوعي بالمصطلح وبأهميته، خاصة عند العاملين في المجال التربوي والتعليمي، سيشكل عائقا حقيقيا في الوصول إلى ما نطمح إليه من خلال أنسنة التعليم. ولهذا، لا بد من نشر الوعي عنه لتنشئة جيل واع يمتلك المهارات المعرفية والاجتماعية والإنسانية والبدنية، ويكون قادرا على التعلم الذاتي، ويمتلك قدرات التفكير الإبداعي وحل المشكلات، ومتمسكا بقيم المجتمع وأخلاقه الحميدة، ومتعاونا مع أقرانه، ويتفاعل إيجابيا مع مجتمعه.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: سلطنة عمان کما أن
إقرأ أيضاً:
قضية عراقية : فيها المُضحك والمُبكي!
بقلم : د. سمير عبيد ..
أولا : نشر وتكلم بعض العراقيين الذين يدعون المعارضة في الخارج ، وخصوصا الذين يتراقصون على الفضائيات بمناسبة وغير مناسبة أن (ساعة الصفر لاسقاط الطبقة السياسية في العراق بعد عطلة عيد الاضحى مباشرة) …. بل نشر آخرون ان يوم الثلاثاء القادم هو يوم اسقاط النظام في العراق !
ثانيا : وطبعا الجماعة جابوها صارلهم سنة يومياً يعطون تاريخ وتوقيتات ( بلكي تضبط حتى يقولون عنهم انهم العارفين بقرارات الادارة الأميركية ) وكنا ولازلنا نضحك على تصريحات هؤلاء ( لأن المعارضة ليست بتكرار الخروج بالتلفاز ، وليست باعطاء توقيتات تولد ميتة ، وليست بالوعيد والتهديد والانتقام ، وليست بالضحك على عقول العراقيين الذين ينتظرون الفرج والتحرير من الاسر )
ثالثا:-المعارضة هي عمل سري ومشروع وطني ثقيل فيه استراتيجيات مرحلية ( مرحلة بعد مرحلة ) لإنقاذ العراق وتضميد جراحه، ثم الشروع بعملية بناء الدولة المهشمة سياسيا واقتصاديا وامنيا واجتماعيا ووطنيا ثم وضع العراق المتعافي على سكة الأنطلاق بسلام لبناء دولة بدعم دولي بات متوفرا وجاهزا بعد التغيير … والمعارضون الحقيقيون لا يقبلون بكشف هوياتهم ووجوهم لكي لا يحترقوا ( إلا قبيل الشروع الحقيقي بعملية التغيير حينها تكشف الأسماء والوجوه ) !
رابعا: والاهم : الولايات المتحدة والإدارة الاميركية والمجتمع الدولي ليسوا بهذه السذاجة ان يعرضوا حلفاءهم القادمون لقيادة العراق على الملأ بهذه البساطة والسذاجة .. وليس لديهم استعداد 1% ان يفشل ( مشروع التغيير ) او يكون فيه دماء ( فنعم هناك مشروع تغيير في العراق ومباغت ( كالزلزال) ولكنه سري بنسبة ٩٠٪ ولا يعرف تفاصيله إلا المجتمع الدولي وأسماء قليلة جدا جدا جدا جدا من العراقيين و٩٧٪ من الأنظمة العربية لا تعرف تفاصيله )
خامسا : وبالتالي ان معارضي الفضائيات والفيسبوك قدموا خدمة مجانيّة للتشويش على الطبقة السياسية الحاكمة . وحماية مشروع التغيير الأصلي ( ولكنهم اتعبوا الشعب العراقي كثيرا )
سادسا : وبالمناسبة هناك موعدين أعطاهم المجتمع الدولي سابقا للانطلاق بالتغيير في العراق وعرفناهم قبل اسبوع ( وتم إلغاء التوقيتين) لاسباب فنية ولوجستية ولتقليل الخسائر.
الخلاصة : يا معارضي الفضائيات والبيانات والروايات الرجاء ارحموا العراقيين واتركوا الرجال الاحرار الحقيقيين يعملوا بصمت لأنقاذ العراق وانقاذ العراقيين من الأسر الذي نفذه القراصنة بدعم المحتل وبدعم اقليمي عام ٢٠٠٣ وعام ٢٠٠٥ ولازالوا يمارسون عملية الخطف والاذلال للعراقيين الاسرى !
سمير عبيد
٧ حزيران ٢٠٢٥