«غزة على مفترق طرق».. هل تتجه نحو الاستقرار أم الصراع؟
تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT
أثارت تقارير إعلامية حديثة عن موافقة حركة حماس على شرط إسرائيل بالبقاء مؤقتًا في قطاع غزة بعد وقف إطلاق النار وتحرير الرهائن تساؤلات واسعة بين المواطنين الفلسطينيين والمراقبين الدوليين، والقرار الذي كشفت عنه صحيفة وول ستريت جورنال لأول مرة يعد خطوة غير مسبوقة، ويُنظر إليه من قبل البعض كإشارة لتغييرات محتملة في الواقع السياسي والعسكري في غزة، و هذه الخطوة تثير جدلاً كبيرًا حول دوافع الحركة وتأثيراتها على سيادة القطاع ومكانة المقاومة الفلسطينية.
هل هو تكتيك أم ضرورة؟
يرى العديد من المحللين السياسيين أن موافقة حماس على السماح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة بشكل مؤقت قد تكون خطوة تكتيكية تهدف إلى كسب الوقت وتعزيز موقف الحركة في المفاوضات، خاصة في ظل الضغوط العسكرية والإنسانية المتزايدة على القطاع.
المحلل السياسي عبد الرحمن القيسي يرى أن حماس تواجه تحديات كبيرة على الأرض، بما في ذلك التصعيد الإسرائيلي المستمر والحصار الخانق المفروض على غزة". ويضيف القيسي: "قد يكون هذا القرار محاولة لتأمين إطلاق سراح الرهائن وتحقيق هدنة مؤقتة، وهو ما يُنظر إليه كإنجاز يمكن البناء عليه سياسيًا.
تفاصيل الاتفاق ومغزاه
تزامن قبول حماس للوجود الإسرائيلي المؤقت مع إعلان الحركة عن قائمة بالرهائن الذين ستفرج عنهم وفقًا للاتفاق مع إسرائيل، وتعد هذه الخطوة الأولى من نوعها منذ الهدنة الأولى التي جرت قبل نحو عام، مما يزيد من تساؤلات الجميع حول تفاصيل الاتفاق وأبعاده المستقبلية.
من جانبها، رفضت الحكومة الإسرائيلية التعليق على ما تم نشره بشأن هذه الموافقة، ولكن مصادر متعددة أشارت إلى أن الاتفاق يتضمن ضمانات دولية لحفظ الأمن في القطاع ومنع التصعيد المستقبلي. هذا الإعلان يثير أيضًا علامات استفهام حول الدور الذي قد تلعبه الأطراف الدولية في ضمان تنفيذ هذا الترتيب.
ردود الفعل الدولية
على المستوى الدولي، اعتُبرت موافقة حماس على هذا الشرط تطورًا مفاجئًا وغير متوقع، ووفقًا للمراقبين، فإن الوساطات الدولية، خاصة من قبل مصر وقطر، كانت حاسمة في إقناع الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية بالموافقة على هذا الاتفاق المؤقت.
الخبير في الشؤون الإقليمية محمد العوضي يرى أن هذا الاتفاق يعكس بشكل كبير ضغوطًا من الأطراف الوسيطة، التي تسعى إلى تجنب انهيار الوضع الإنساني في غزة وتحقيق تهدئة قد تؤدي إلى تسوية طويلة الأمد. كما أن الدول الوسيطة تدرك أن استمرار التصعيد قد يؤدي إلى أزمة إنسانية غير قابلة للسيطرة.
المخاوف المستقبلية:
مع تداول أنباء هذا الاتفاق، ازدادت المخاوف بين الفلسطينيين من أن وجود القوات الإسرائيلية، حتى لو كان مؤقتًا، قد يخلق واقعًا جديدًا على الأرض، مما قد يُستغل لاحقًا لتبرير تدخلات إسرائيلية مستمرة.
وبحسب المحلل الفلسطيني محمود الطاهر: "بين المكاسب الفورية مثل تحرير الأسرى وتحقيق تهدئة مؤقتة، وبين الحفاظ على الثوابت الوطنية، تقف حماس في موقف حساس للغاية، والأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت هذه خطوة استراتيجية أم مجرد تنازلات اضطرارية".
المفاوضات والصفقات المحتملة:
وفي سياق متصل، تداولت الصحف الإسرائيلية معلومات عن أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان التقى يوم الخميس الماضي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالإضافة إلى كبار المسؤولين الأمنيين في إسرائيل، في إطار الجهود الأمريكية لتحقيق تقدم في مساعي وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.
كما أفادت صحيفة تايمز أوف إسرائيل أن اللقاءات تناولت أيضًا ملف الرهائن، بما في ذلك مواطنين أمريكيين، وسط مساعٍ للتوصل إلى اتفاق ينهي التصعيد العسكري.
من جهة أخرى، ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون درمر، قد توصل إلى تفاهمات مع الإدارة الأمريكية بشأن ضمان مصالح إسرائيل في غزة بعد إتمام صفقة تبادل الأسرى، وقالت الصحيفة إن المفاوضات قد تستغرق من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع للوصول إلى اتفاق نهائي، وأن إسرائيل لن توقف هجماتها على غزة حتى يتم إتمام الصفقة.
الوجود الإسرائيلي المؤقت:
بينما تتواصل المفاوضات وتبحث الأطراف المختلفة عن حلول للصراع المستمر، يبقى السؤال الأهم: هل يشكل الوجود الإسرائيلي المؤقت في غزة خطوة مؤقتة لتحقيق التهدئة أم بداية لتغييرات استراتيجية في كيفية التعامل مع القطاع؟ هذه الأسئلة قد تجد إجاباتها مع مرور الوقت، لكن ما هو مؤكد أن هذه التطورات ستؤثر بشكل عميق على مستقبل الصراع في المنطقة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حركة حماس قطاع غزة وول ستريت جورنال إسرائيل الرهائن موافقة حماس فی غزة
إقرأ أيضاً:
غزة.. كواليس دخول خطة ترامب المرحلة الثانية خلال أسابيع
(CNN)-- من المقرر أن تدخل خطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لوقف إطلاق النار في غزة مرحلة جديدة خلال أسابيع، إلا أن بنودًا حاسمة في الاتفاق لا تزال غامضة في ظل تشديد إسرائيل قبضتها العسكرية على القطاع المنكوب.
ومع عودة جميع الرهائن القتلى باستثناء واحد، ممن كانوا محتجزين لدى المسلحين، وتساؤلات حول قدرة حماس على تحديد مكان الرفات المتبقية، تقترب المرحلة الأولى من الخطة المكونة من 20 بندًا من الاكتمال.
والآن، وسط مخاوف دولية من انهيار وقف إطلاق النار الذي مضى عليه شهران، يعتزم ترامب الانتقال إلى المرحلة الثانية الأكثر تعقيدًا من الاتفاق، والتي تشمل نزع سلاح حماس، وبدء إعادة الإعمار، وإقامة نظام حكم ما بعد الحرب. ويتمحور جوهر الخطة الجديدة لإدارة غزة حول إنشاء "مجلس سلام" برئاسة ترامب وعدد من قادة العالم.
وقال ترامب في البيت الأبيض، الأربعاء: "ستكون واحدة من أكثر اللجان الأسطورية على الإطلاق. الجميع يتمنى الانضمام إليها".
ورغم تأييد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، العلني للاتفاق في سبتمبر/ أيلول، لا تزال هناك فجوات كبيرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. تسعى الولايات المتحدة جاهدةً للانتقال سريعاً إلى المرحلة التالية، لكن إسرائيل تشترط على الخطوات الرئيسية عودة الرهينة الأخير المتوفى، وتقاوم الجهود الأمريكية لحل الأزمة مع مجموعة من مقاتلي حماس المعزولين في المناطق الجنوبية من قطاع غزة المحتلة.
وقال مسؤول إسرائيلي لشبكة CNN: "لا يزال جزء كبير من المرحلة الثانية مفتوحًا للتأويل، وهو أمرٌ يُعدّ في الشرق الأوسط إيجابيًا وسلبيًا في آنٍ واحد".
وحذر رئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إلى جانب مصر والنرويج، خلال عطلة نهاية الأسبوع، من أن وقف إطلاق النار يمرّ بـ"لحظة حرجة"، مُعرّضًا للانهيار في ظلّ سعي الوسطاء لإحراز تقدّم. وقال آل ثاني في منتدى الدوحة، السبت: "لم نصل إلى الحلّ بعد، لذا فإن ما فعلناه هو مجرد وقف مؤقت".
وقال مسؤول أمريكي إن الولايات المتحدة لا تزال تعمل على وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل الرئيسية قبل الإعلان المحتمل عن المرحلة الثانية، بما في ذلك تشكيل قوة الأمن الدولية المنصوص عليها في الخطة، ومجلس السلام الذي سيشرف على إدارة غزة.
وبعد شهرين من بدء سريان وقف إطلاق النار، تعرض للاختبار مرارًا وتكرارًا، حيث تبادلت حماس وإسرائيل الاتهامات بانتهاك الاتفاق. ووفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية، قُتل نحو 400 فلسطيني على يد الجيش الإسرائيلي منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ في أكتوبر/ تشرين الأول. ويقول الجيش الإسرائيلي إن ثلاثة من جنوده قُتلوا على يد مقاتلي حماس خلال الفترة نفسها. كما اتهمت منظمات حقوق الإنسان إسرائيل بعدم الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بتدفق المساعدات الإنسانية ومنع وصول الإمدادات الأساسية، مثل الخيام، إلى القطاع.
أما رئيس الأركان الإسرائيلي، إيال زامير، فصرح، الأحد، بأن القوات الإسرائيلية ستبقى على ما يُسمى بالخط الأصفر داخل غزة، الذي تراجعت إليه كجزء من الهدنة، واصفًا الحدود بأنها "خط حدودي جديد - بمثابة خط دفاعي متقدم لمجتمعاتنا وخط للعمليات".
وبينما تستعد إدارة ترامب لبدء إعادة تأهيل وإعادة إعمار القطاع، لا تزال إسرائيل تُركّز على نزع سلاح حماس وتجريد غزة من السلاح، وهو عنصر أساسي في الاتفاق، لكن لا يوجد مسار واضح لتنفيذه.
وقال مسؤول إسرائيلي آخر لشبكة CNN: "السؤال هو: هل ستبقى حماس هناك في هذه الأثناء، وهذا كل ما في الأمر، هل سنعتاد على ذلك ونقبله؟". مضيفا أن ترامب يريد أن يرى تقدماً قبل أن يزور نتنياهو منتجع مارالاغو، وهو مقر إقامة الرئيس الخاص في فلوريدا، في نهاية الشهر.
ويحتل الجيش الإسرائيلي أكثر من نصف قطاع غزة، لكنه مُلزم بالانسحاب الكامل في المراحل اللاحقة من الاتفاق، وبموجب الاتفاق، يُحظر على إسرائيل احتلال القطاع أو ضمه بشكل دائم.
وفي غضون ذلك، ضغطت الولايات المتحدة على إسرائيل لفتح معبر رفح بين غزة ومصر، والذي كان من المفترض أن يُستأنف العمل به كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار، إلا أن إسرائيل أعلنت في أكتوبر/ تشرين الأول أنه سيظل مغلقًا "حتى إشعار آخر"، وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت إسرائيل أنها ستفتح المعبر في اتجاه واحد فقط، ليتمكن الفلسطينيون من مغادرة غزة، ولن يُسمح لأحد بالدخول، مما أثار غضب الدول العربية والإسلامية التي وصفت هذه الخطوة بأنها محاولة "لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه"، وقد دعا وزراء في حكومة نتنياهو اليمينية مرارًا وتكرارًا إلى الهجرة "الطوعية" لسكان غزة وتوطين اليهود مكانهم.
وتعمل الولايات المتحدة على حل النزاع، وكان من المتوقع أن يثير وزير الخارجية ماركو روبيو هذه القضية مع نظيره الإسرائيلي، الأربعاء، وفقًا لما صرح به مسؤول أمريكي قبل الاجتماع.
وعزا مسؤول مصري عدم إحراز تقدم في المرحلة الثانية إلى انعدام الثقة العميق بين إسرائيل وحماس، حيث قال لشبكة CNN: "كل نقطة فيها مرتبطة بحسابات داخلية لدى كلا الجانبين". وأضاف أن الانقسامات السياسية، سواء داخل الحكومة الإسرائيلية أو بين الفصائل الفلسطينية، تحد من قدرة الوسطاء على اتخاذ خطوات فعّالة بشأن عدد من القضايا.
وأضاف المسؤول: "المرحلة الثانية ليست متوقفة بسبب نقطة واحدة، بل لأن كل خطوة فيها تؤثر على مستقبل غزة، والأطراف غير مستعدة بعد لتحمّل التكلفة السياسية لاتخاذ قرار نهائي".
ويُعدّ نزع سلاح غزة المطلبَ الأبرز لإسرائيل. وينص الاتفاق على تفكيك أسلحة حماس وتدمير بنيتها التحتية، في حين صرّح القيادي بحماس، باسم نعيم، الأحد، بأن الحركة "منفتحة جدًا" بشأن مصير أسلحتها.
وأضاف نعيم لوكالة أسوشييتد برس في مقابلة أجريت معه في قطر: "يمكننا مناقشة تجميد الأسلحة أو تخزينها أو إبعادها، بضمانات فلسطينية، وعدم استخدامها إطلاقًا خلال فترة وقف إطلاق النار هذه". ويبدو أن هذا المقترح لا يرقى إلى مستوى بنود نزع السلاح المنصوص عليها في اتفاق وقف إطلاق النار، وليس من الواضح ما إذا كانت إسرائيل ستقبل بأي بديل.
ولإدارة نزع السلاح، ينص الاتفاق على إنشاء قوة دولية لتأمين أجزاء من غزة قبل انسحاب إسرائيل. إلا أن هذه القوة لا تزال حبراً على ورق. فقد أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراراً برعاية الولايات المتحدة الشهر الماضي، يُكرّس خطة ترامب المكونة من 20 بنداً، بما في ذلك التفويض اللازم لإنشاء قوة متعددة الجنسيات لغزة، لكن لم تُرسل أي دولة قوات رسمية إليها حتى الآن.
وبحسب مسؤول أمريكي، تهدف إدارة ترامب إلى نشر قواتها في غزة مطلع العام المقبل. لكن لم يتضح بعد أي الدول ستشارك. حتى دول مثل إندونيسيا وأذربيجان، اللتين أبدتا سابقاً استعدادهما لإرسال قوات، تبدوان أقل التزاماً الآن.
وصرّح مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون لشبكة CNNبأن القوة الدولية ستنتشر مبدئياً إلى جانب الجيش الإسرائيلي في الأجزاء المحتلة من غزة، إلا أن رغبة الدول الإسلامية في الظهور بمظهر المتعاون مع القوات الإسرائيلية لا تزال غير مؤكدة.
وفي غضون ذلك، ستواصل إسرائيل دعم الفصائل المسلحة المحلية المناهضة لحماس في غزة، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين، حتى بعد مقتل زعيم أبرز هذه الفصائل الأسبوع الماضي. وفي ضربة محتملة لخطط إسرائيل لما بعد الحرب في غزة، إذ قُتل ياسر أبو شباب فيما وصفه أحد المصادر بـ"اشتباكات داخلية"، مما يؤكد على الطبيعة المضطربة للقطاع بعد عامين من الحرب.
وبين غياب أي أفق واضح لنزع سلاح حماس أو آلية الرقابة الدولية، ستركز المرحلة الثانية على جهود إعادة الإعمار داخل قطاع غزة المحتل. وقد بدأت إسرائيل بتطهير مناطق في رفح جنوب غزة للسماح بإعادة بناء القطاع المدمر، كجزء من استراتيجية أوسع لإقناع الفلسطينيين بالانتقال إلى ما أطلقت عليه الولايات المتحدة "مناطق آمنة بديلة"، وعزل حماس.