بين الانفتاح والسرية.. كيف ستشكل سياسات الذكاء الاصطناعي مستقبلنا؟
تاريخ النشر: 17th, December 2024 GMT
تخيّل عالما تكون فيه أبواب الإبداع والابتكار مفتوحة للجميع دون قيود، مقابل عالم آخر تتخفّى فيه الأسرار خلف أسوار مشدّدة. هذه ليست مجرد رؤية خيالية من أفلام الخيال العلمي، بل هي واقع يعيشه الذكاء الاصطناعي اليوم.
بين النماذج المفتوحة التي تشجع الشفافية والمشاركة، والمغلقة التي تحكمها السرية والسعي للسيطرة، تتشكل ملامح مستقبل التكنولوجيا.
لطالما كانت الشفافية معيارا رئيسيا في أبحاث الذكاء الاصطناعي، ولكن التطورات السريعة أثارت مخاوف بشأن المخاطر المحتملة لإطلاق النماذج الأكثر تقدما.
بعض الشركات مثل "أوبن إيه آي" تفضل إبقاء نماذجها مغلقة لأغراض تجارية، في حين تقدم شركات أخرى استجابات مختلفة، حيث إن بعض النماذج مثل "شن شيلا" (Chinchilla) من "غوغل ديب مايند" (Google DeepMind) لم تطرح بالكامل، وأخرى مثل "جي بي تي فور أو" (GPT-4o) تتيح وصولا محدودا، بينما تقدم "لاما" (Llama) من "ميتا" نموذجا مفتوحا مع قيود على الاستخدام.
ومع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب الحياة، تصبح الأسئلة عن الشفافية والتحكم والمخاطر المرتبطة بإطلاق هذه النماذج أكثر إلحاحا.
تعرّف منظمة "إيبوك إيه آي" (Epoch.ai) البحثية غير الربحية نماذج الذكاء الاصطناعي المفتوحة بأنها تلك التي تتيح تنزيل أوزان النماذج، بما في ذلك ذات التراخيص التقييدية.
إعلانأما النماذج المغلقة، فتعرّفها بأنها النماذج التي لم يتمّ إصدارها علنا، أو التي يمكن الوصول إليها فقط من خلال واجهة برمجة التطبيقات "إيه بي آي" (API) أو عبر خدمات مستضافة.
في السياق نفسه، يتفاوت مستوى الوصول إلى النماذج بناء على ما إذا كانت الأوزان مفتوحة أو مغلقة، أو إذا كانت تشمل الأكواد والبيانات.
وعادة ما تأتي النماذج التي تحتوي على أوزان قابلة للتنزيل مع تراخيص قد تكون مرنة للغاية، أو قد تتضمن قيودا على بعض الاستخدامات، مثل السلوك الضار، أو استخدام مخرجات النموذج لتدريب نماذج أخرى، أو حتى حظر الاستخدام التجاري بشكل كامل.
في المقابل، قد تكون النماذج المغلقة غير متاحة تماما، أو قد تتوفر من خلال منتجات أو واجهات برمجة تطبيقات محددة.
وتأتي أفضل نماذج الذكاء الاصطناعي اليوم، مثل "شات جي بي تي" من "أوبن إيه آي"، و"كلود" (Claude) من "أنثروبيك" (Anthropic) مع شروط محددة، حيث يتحكم منشئوها في كيفية الوصول إليها للحد من استخدامها بطرق ضارة.
وهذا يختلف تماما عن النماذج المفتوحة، التي يمكن تنزيلها وتعديلها واستخدامها من قبل أي شخص لأغراض متعددة تقريبا.
فجوة الأداء بين النماذج المفتوحة والمغلقة.. تأثيرات على السياسات والمخاطر الأمنيةوجدت دراسة جديدة أجرتها منظمة "إيبوك إيه آي" (Epoch AI) أن النماذج المفتوحة المتاحة اليوم متأخرة عن أفضل النماذج المغلقة بحوالي عام، وعلّق بن كوتير الباحث الرئيسي في التقرير بأن "أفضل نموذج مفتوح اليوم يعادل النماذج المغلقة بحوالي عام".
فعلى سبيل المثال، نموذج "لاما 3.1 405 بي" (Llama 3.1 405B) من "ميتا" الذي تمّ إصداره في يوليو/تموز الماضي استغرق نحو 16 شهرا لمضاهاة قدرات النسخة الأولى من "جي بي تي 4" (GPT-4).
وإذا تم إصدار الجيل التالي من الذكاء الاصطناعي من ميتا "لاما 4" (Llama 4) كنموذج مفتوح كما هو متوقع على نطاق واسع، فإن الفارق قد يتقلص بشكل أكبر.
إعلانتأتي هذه النتائج في وقت يكافح فيه صانعو السياسات للتعامل مع أنظمة الذكاء الاصطناعي القوية بشكل متزايد، حيث يعرب الخبراء عن قلقهم من أن هذه الأنظمة قد تتطور لتكون يوما ما قادرة على هندسة الأوبئة، وتنفيذ هجمات إلكترونية معقدة، والتسبب في أضرار أخرى للبشر، بحسب ما جاء في ورقة الدراسة.
في سياق دراستهم، قام الباحثون في منظمة "إيبوك إيه آي" (Epoch AI) بتحليل المئات من النماذج البارزة التي تمّ إصدارها منذ عام 2018.
وللتوصل إلى نتائجهم، قاسوا أداء النماذج الرائدة باستخدام معايير تقنية، وهي اختبارات معيارية تقيس قدرة الذكاء الاصطناعي على تنفيذ مهام مثل حل المشكلات الرياضية، والإجابة عن أسئلة المعرفة العامة، وإظهار التفكير المنطقي.
من جهة أخرى، درسوا كمية القدرة الحاسوبية، أو الحوسبة، التي استخدمت في تدريب هذه النماذج، حيث يعتبر هذا معيارا تقليديا موثوقا لقياس القدرات.
ومع ذلك، أظهرت بعض النماذج المفتوحة أنها قادرة على تحقيق أداء يعادل النماذج المغلقة مع استخدام حوسبة أقل، بفضل التقدم في كفاءة خوارزميات الذكاء الاصطناعي.
وكتب الباحثون في تقريرهم "يوفر الفارق الزمني بين النماذج المفتوحة والمغلقة نافذة لصانعي السياسات ومختبرات الذكاء الاصطناعي لتقييم القدرات المتقدمة قبل أن تصبح متاحة في النماذج المفتوحة".
وهنا يطرح تساؤل عن حقيقة النماذج المفتوحة هل هي مفتوحة حقا؟ حيث إن التمييز بين نماذج الذكاء الاصطناعي المفتوحة والمغلقة ليس بسيطا كما قد يبدو.
فعلى الرغم من أن "ميتا" تصف نماذج "لاما" (Llama) الخاصة بها بأنها مفتوحة المصدر، فإنها لا تتوافق مع التعريف الجديد الذي نشرته مبادرة المصدر المفتوح (Open Source Initiative) في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، التي كانت تاريخيا تحدد المعيار الصناعي لما يعتبر مفتوح المصدر.
إعلانفوفقا للتعريف الجديد، يجب على الشركات مشاركة ليس فقط النموذج نفسه، ولكن أيضا البيانات والرموز المستخدمة في تدريبه.
في حالة "ميتا"، تصدر الشركة أوزان نموذجها، وهي قوائم طويلة من الأرقام التي تسمح للمستخدمين بتنزيل النموذج وتعديله، ولكنها لا تشارك البيانات التدريبية أو الأكواد المستخدمة في تدريب النماذج.
علاوة على ذلك، يتعين على المستخدمين قبل تنزيل النموذج الموافقة على سياسة الاستخدام المقبول التي تحظر الاستخدامات العسكرية، وغيرها من الأنشطة الضارة أو غير القانونية. ومع ذلك، بمجرد تنزيل النماذج، يصبح من الصعب عمليا تطبيق هذه القيود.
في هذا السياق، تقول "ميتا" إنها لا توافق على التعريف الجديد لمبادرة المصدر المفتوح "أو إس آي" (OSI). وصرح متحدث باسم الشركة لمجلة "تايم" (TIME) في بيان عبر البريد الإلكتروني بأنه "لا يوجد تعريف واحد للمصدر المفتوح في الذكاء الاصطناعي، وتعريفه يمثل تحديا نظرا لأن التعريفات السابقة للمصدر المفتوح لا تأخذ في الاعتبار التعقيدات التي تتميز بها النماذج الحديثة ذات التطور السريع."
وأضاف "نحن نجعل نموذج "لاما" (Llama) مجانيا ومُتاحا للجميع بشكل مفتوح، وتساعد رخصتنا وسياسة الاستخدام المقبول في الحفاظ على سلامة المستخدمين من خلال وضع بعض القيود. سنواصل العمل مع مبادرة المصدر المفتوح ومجموعات صناعية أخرى لجعل الذكاء الاصطناعي أكثر إتاحة ومسؤولية، بغض النظر عن التعريفات التقنية".
في تقرير لها، تقول مجلة "تايم" (Time) إن فتح نماذج الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع يعتبر أمرا مفيدا، لأنه يتيح للجميع الوصول إلى التكنولوجيا، ويحفز الابتكار والمنافسة.
إعلانوتقول إليزابيث سيغر، مديرة السياسات الرقمية في مؤسسة "ديموس" (Demos)، وهي مؤسسة فكرية مقرها المملكة المتحدة "أحد الأشياء الرئيسية التي تقوم بها المجتمعات المفتوحة هو أنها تجمع مجتمعا أوسع وأكثر تفرقا جغرافيا وأكثر تنوعا للمشاركة في تطوير الذكاء الاصطناعي".
ووفقا للمصدر نفسه، تساهم المجتمعات المفتوحة، التي تشمل الباحثين الأكاديميين، والمطورين المستقلين، ومختبرات الذكاء الاصطناعي غير الربحية في تعزيز الابتكار من خلال التعاون، خاصة في تحسين كفاءة العمليات التقنية.
وتضيف سيغر "نظرا لأن هذه الجهات لا تمتلك الموارد نفسها التي تمتلكها الشركات التقنية الكبرى، فإن القدرة على تحقيق الكثير باستخدام القليل يعد أمرا بالغ الأهمية. على سبيل المثال في الهند، الذكاء الاصطناعي المستخدم في تقديم الخدمات العامة يعتمد تقريبا بشكل كامل على النماذج مفتوحة المصدر".
في السياق نفسه، تتيح النماذج المفتوحة أيضا مستوى أكبر من الشفافية والمساءلة. يقول ياسين جرنيت، رئيس قسم تعلم الآلة والمجتمع في شركة "هاغينغ فيس" (Hugging Face)، التي تدير البنية التحتية الرقمية التي تستضيف العديد من النماذج المفتوحة: "يجب أن تكون هناك نسخة مفتوحة لأي نموذج يصبح جزءا أساسيا من البنية التحتية للمجتمع، لأننا بحاجة إلى معرفة مصدر المشكلات".
وأشار جرنيت إلى مثال نموذج "ستيبل ديفيوجن 2" (Stable Diffusion 2)، وهو نموذج مفتوح لتوليد الصور، الذي أتاح للباحثين والنقاد فرصة فحص بيانات التدريب الخاصة به، والاعتراض على التحيزات المحتملة، أو انتهاكات حقوق الطبع والنشر.
وهو أمر مستحيل مع النماذج المغلقة مثل "دال إي" (DALL-E) من "أوبن إيه آي". وأضاف معلقا "يمكنك القيام بذلك بسهولة أكبر عندما تكون هناك أدلة واضحة وآثار قابلة للتتبع".
ومع ذلك، فإن حقيقة أن النماذج المفتوحة يمكن أن يستخدمها أي شخص تخلق مخاطر جوهرية، حيث يمكن للأشخاص ذوي النوايا الخبيثة استخدامها للإضرار، مثل إنتاج مواد متعلقة بالاستغلال الجنسي للأطفال، أو قد تستخدم حتى من قبل دول منافسة، بحسب ما أشارت إليه مجلة "تايم".
إعلانوفي تقرير نشرته شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أفادت وكالة رويترز بأن المؤسسات البحثية الصينية المرتبطة بالجيش الشعبي الصيني قد استخدمت نسخة قديمة من نموذج "لاما" الخاص بشركة "ميتا" لتطوير أداة ذكاء اصطناعي للاستخدام العسكري. وهو ما يبرز حقيقة أنه بمجرد إطلاق النموذج علنا، لا يمكن سحبه.
كما طورت شركات صينية مثل "علي بابا" نماذج مفتوحة خاصة بها، والتي يقال بأنها تنافس نظيراتها الأمريكية، بحسب ما جاء في تقرير مجلة "تايم".
في السياق ذاته، أعلنت شركة "ميتا" في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أنها ستجعل نماذج "لاما" متاحة للوكالات الحكومية الأمريكية، بما في ذلك تلك التي تعمل على تطبيقات الدفاع والأمن القومي، والشركات الخاصة التي تدعم العمل الحكومي مثل "لوكهيد مارتن" (Lockeed Martin)، و"أندريل" (Anduril)، و"بالانتير" (Palantir).
وتؤكد الشركة أن القيادة الأميركية في مجال الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر هي ميزة اقتصادية بالغة الأهمية، وأمر حيوي للأمن العالمي.
بحسب ما جاء في تقرير "تايم"، تقدم النماذج المغلقة المملوكة تحديات خاصة بها. فعلى الرغم من أنها أكثر أمانا لأن الوصول إليها يتم التحكم فيه من قبل مطوريها، فإنها أيضا أكثر غموضا.
حيث لا يمكن للأطراف الثلاثة فحص البيانات التي تمّ تدريب النماذج عليها للبحث عن التحيز، أو المواد المحمية بحقوق الطبع والنشر، أو القضايا الأخرى.
في سياق مماثل، قد تختار المنظمات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لمعالجة البيانات الحساسة تجنب النماذج المغلقة بسبب مخاوف الخصوصية.
وبالرغم من أن هذه النماذج تحتوي على حواجز أقوى لمنع سوء استخدامها، فقد وجد العديد من الأشخاص طرقا لكسر الحماية والتغلب فعليا على هذه الحواجز.
إعلانفي الوقت الحالي تقع سلامة النماذج المغلقة بشكل أساسي في أيدي الشركات الخاصة، على الرغم من أن المؤسسات الحكومية مثل "معهد أمان الذكاء الاصطناعي الأميركي" (AISI)، تلعب دورا متزايدا في اختبار أمان النماذج قبل إصدارها.
ففي أغسطس/آب الماضي، وقع هذا المعهد اتفاقيات رسمية مع شركة "أنثروبيك" (Anthropic) لتمكين التعاون الرسمي في أبحاث أمان الذكاء الاصطناعي، والاختبار، والتقييم.
تحديات الحوكمة في عالم الذكاء الاصطناعييشير تقرير مجلة "تايم" (TIME) إلى أن النماذج المفتوحة تواجه تحديات حوكمة فريدة، خصوصا فيما يتعلق بالمخاطر القصوى التي قد تشكلها أنظمة الذكاء الاصطناعي المستقبلية، مثل تمكين الإرهابيين البيولوجيين، أو تعزيز الهجمات السيبرانية، وذلك بسبب نقص السيطرة المركزية.
من جهة مماثلة، تعتمد استجابة صانعي السياسات على ما إذا كان الفارق في القدرات بين النماذج المفتوحة والمغلقة يتقلص أو يتسع.
وتوضح سيغر "إذا استمر هذا الفارق في الاتساع، فلن نضطر إلى القلق كثيرا بشأن الأنظمة المفتوحة عند الحديث عن أمان الذكاء الاصطناعي المتقدم، لأن أي شيء يحدث سيكون مع النماذج المغلقة أولا، وهذه النماذج أسهل في التنظيم."
وأضافت "لكن إذا بدأ هذا الفارق في التقلص، فسنحتاج إلى التفكير بجدية أكبر حول كيفية، ومتى تنظيم تطوير النماذج المفتوحة، وهو تحدٍّ كبير بحد ذاته، لأنه لا يوجد كيان مركزي يمكن تنظيمه."
أما بالنسبة لشركات مثل "أوبن إيه آي" و "أنثروبيك" (Anthropic)، يعد بيع الوصول إلى نماذجها أساسا لنموذج أعمالها.
في المقابل، قال مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا"، في رسالة مفتوحة في شهر يوليو/تموز الماضي: "يكمن الفارق الأساسي بين "ميتا" ومزودي النماذج المغلقة في أن بيع الوصول إلى نماذج الذكاء الاصطناعي ليس جزءا من نموذج أعمالنا. نتوقع أن تصبح نماذج "لاما" (Llama) المستقبلية الأكثر تقدما في المجال. ولكن حتى قبل ذلك فإن "لاما" تتفوق بالفعل في الانفتاح، وقابلية التعديل، وكفاءة التكلفة".
إعلانومع ذلك، فإن قياس قدرات أنظمة الذكاء الاصطناعي ليس أمرا بسيطا، حيث يقول جرنيت: "القدرات ليست مصطلحا محددا بأي شكل أو طريقة، مما يجعل مناقشتها أمرا صعبا دون وجود مفردات مشتركة".
ويضيف: "هناك العديد من الأمور التي يمكن تحقيقها باستخدام النماذج المفتوحة، والتي لا يمكن تحقيقها باستخدام النماذج المغلقة".
كما أشار إلى أن النماذج المفتوحة يمكن تكييفها لتلبية مجموعة متنوعة من الاستخدامات، وقد تتفوق على النماذج المغلقة عند تدريبها على مهام محددة.
يجادل إيثان موليك، وهو أستاذ في كلية "وارتون" (Wharton) لإدارة الأعمال ومعلق بارز على التكنولوجيا، بأنه حتى إذا توقف التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي، فمن المحتمل أن يستغرق الأمر سنوات قبل أن يتم دمج هذه الأنظمة بالكامل في عالمنا.
ومع إضافة قدرات جديدة إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي بوتيرة ثابتة، حيث قدمت مختبرات "أنثروبيك" في أكتوبر/تشرين الأول الماضي ميزة جديدة لنموذجها تسمح له بالتحكم المباشر في الحاسوب، وهي لا تزال في المرحلة التجريبية، فإن تعقيد حوكمة هذه التكنولوجيا سيزداد فقط.
وردّا على ذلك، يوضح سيغر إنه من الضروري تحديد المخاطر بدقة، وقال: "نحتاج إلى وضع نماذج تهديد واضحة للغاية تحدد ماهية الضرر، وكيف نتوقع أن يؤدي الانفتاح إلى تحقيق هذا الضرر، ثم تحقيق النقطة الأمثل ضمن تلك النماذج للتدخل".
بالنهاية، لا يسعني أمام طوفان القدرة البشرية ورغبة الإنسان اللامتناهية في البحث والاكتشاف والإبداع إلا أن أتذكر مقولة الكاتبة والناشطة الأميركية هيلين كيلر إن "الحياة إما مغامرة جريئة أو لا شيء، الأمن غير موجود في الطبيعة، ولا يمكن للبشرية جمعاء أن تختبره بشكل مستمر، تجنب الخطر ليس أكثر أمانا على المدى الطويل من التعرض للخطر".
إعلانفهل يجب أن يتوقف العقل البشري عن الإفراط في الابتكار خوفا من فوبيا الزوال، أم أن الانفتاح الكامل هو الطريق نحو تحقيق إمكاناتنا البشرية الكاملة؟ وما المعيار الذي نستطيع من خلاله تحديد النقطة الفاصلة بين التقدم والمخاطرة؟
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات أنظمة الذکاء الاصطناعی نماذج الذکاء الاصطناعی هذه النماذج أوبن إیه آی الوصول إلى العدید من التی یمکن فی تقریر من خلال بحسب ما التی تم ومع ذلک لا یمکن
إقرأ أيضاً:
كيف ننتج ملخصات الأخبار باستخدام الذكاء الاصطناعي؟
يبدو أن النقاش بشأن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في إنتاج محتوى إعلامي سيظل مستمرا، وسنسمع كل يوم أشياء جديدة بشأنه.
فقد أعلنت 3 مؤسسات إعلامية أميركية بارزة مؤخرا أنها تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي في إنتاج ملخصات لكثير من المواد التي تنشرها، والمؤسسات المشار إليها هي: وول ستريت جورنال، وبلومبيرغ، وياهو نيوز.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كيف تكتب عن فلسطين؟ دليل "ساخر" للسلوك الإعلامي "المريح"list 2 of 2كيف يغير الذكاء الاصطناعي بيئة العمل الصحفي؟end of listومما تجدر الإشارة إليه أن ملخصات الأخبار، التي يسميها البعض النقاط الرئيسية أو الموجزة، والتي تلخص أهم ما في الأخبار والموضوعات الصحفية آخذة في مزيد من الظهور على المواقع الإخبارية.
وقد نشرت سارة ساير نائبة رئيس تحرير مختبر نيمان مؤخرا مقالا في موقع مختبر نيمان للصحافة تناول هذه التجربة بالشرح والتوضيح، ويبدو أن المقال حصيلة لنقاش مع 3 من مسؤولي هذه المؤسسات، وتحقيقا للفائدة نحاول أن نتعرف في النقاط التالية على أهم ما جاء فيه.
ومع تطور التكنولوجيا -خاصة الذكاء الاصطناعي- التي تساعد في إنتاج هذه الملخصات اضطرت العديد من غرف الأخبار إلى تبنيها والتكيف معها، ولم تكن النتائج دائما مثالية أو مضمونة. ولكن بالرغم من ذلك لجأت وول ستريت جورنال، وبلومبيرغ، وياهو نيوز، وهي مؤسسات إخبارية رائدة، إلى استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في إنتاج ملخصات سهلة القراءة.
إعلانوتقول سارة ساير أنها سمعت بعض الشائعات التي تُفيد بأن هذا النوع من "النقاط الرئيسية" يمكن أن يساعد في إبراز الأخبار والموضوعات الصحفية على غوغل ومحركات البحث الأخرى. ويرد إد هايات، مدير تحسين محركات البحث في غرفة الأخبار في وول ستريت جورنال، بأن هذا الكلام ربما يكون صحيحا.
ويضيف: "ليس لدينا دليل قوي يُشير إلى أن الملخصات أو النقاط الرئيسية تُساعد في البحث، ولكنها بالتأكيد تُساعد بطريقة ما.. فعادة ما يكون النص مُحسنا في بداية الخبر، وهو أمر رائع لكل من الزوار و"غوغل بوت" لفهم محتوى الخبر بسرعة".
وتنظر المؤسسات الإخبارية، التي أطلقت ملخصات منتجة بواسطة الذكاء الاصطناعي، إلى هذه الميزة كخدمة مخصصة للقراء المُنشغلين، وتقول إنها تلاحظ نتائج إيجابية تحفزها على مواصلة التجارب في هذا الشأن.
طوّرت منصة ياهو نيوز، وهي منصة لتجميع الأخبار، ميزة "الخلاصات الرئيسية" لبعض المقالات على موقعها. وتهدف هذه الخلاصات إلى تلخيص المقال، بالإضافة إلى حثّ القراء على قراءته كاملا. وعلى عكس الملخصات الأخرى، فإن الخلاصات الرئيسية على ياهو نيوز متاحة للمشتركين.
وقد أطلقت ياهو نيوز ميزة "أهم النقاط" في عام 2024، حيث أعادت إطلاق تطبيقها بالكامل ليضم مجموعة كاملة من الميزات المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
وتقول كات داونز مولدر، المديرة العامة لياهو نيوز إن الاستحواذ على تطبيق "آرتفاكت" "Artifact" سهّل وبشكل كبير عملية تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي في غرفة الأخبار.
وأضافت أن ميزة أهم النقاط لدى ياهو نيوز تهدف إلى تسهيل تجربة القراءة لمستخدمي المنصة، وليست بديلا عن قراءة المقال بالكامل.
وأشارت إلى أن "الملخصات صُممت بهدف استخراج المعلومات من المقال نفسه، بدلا من جلب معلومات من الإنترنت، لأن هذا يُقلل بشكل كبير من احتمالية ظهور الأخطاء أو عدم دقة الملخصات".
إعلانوأكدت أن تطبيق "أهم النقاط" خضع لعدة جولات من الاختبارات المكثفة قبل إطلاقه، مع الطلب من الزوار الإبلاغ عن الملخصات التي يجدونها غير مفيدة.
وأوضحت أن المنصة تجري عمليات ضبط الجودة بطرق متعددة، بما في ذلك المراجعة البشرية، وأن الزوار عادة ما يُقيّمون الملخصات على أنها دقيقة. ويبدو أنهم يستجيبون جيدا للتطبيق المُعاد إطلاقه وميزاته المُدعمة بالذكاء الاصطناعي. وأشارت إلى أن تفاعل المستخدمين زاد بنسبة 50%، وارتفع الوقت الذي يقضيه المستخدم بنسبة 165% منذ إعادة الإطلاق.
واختتمت بأنهم في ياهو نيوز "حريصون دائما على ضمان أن يحسن الذكاء الاصطناعي تجربة المستخدم، وحريصون كذلك على دمج المراجعة البشرية مع الذكاء الاصطناعي".
The new Yahoo News app is here. Finally, news curation that feels like magic with spot-on personalization and free access to premium news sources. Plus new features:
????Key takeaways on articles
????Flag to rewrite clickbait headlines
????Reading streaks and badges
Download now ????… pic.twitter.com/SztGykQJYy
— Yahoo News (@YahooNews) June 13, 2024
وول ستريت جورنال: التدخل البشري مهمتشدد صحيفة وول ستريت جورنال على ضرورة وجود مُشاركة بشرية في إنتاج ملخصات الأخبار عبر الذكاء الاصطناعي وتنظر إليه باعتباره أمرا بالغ الأهمية.
ففي وول ستريت جورنال، تُقدم الملخصات المُولّدة بالذكاء الاصطناعي على شكل 3 نقاط تُسمى "النقاط الرئيسية". وتقول تيس جيفرز، مديرة بيانات غرفة الأخبار والذكاء الاصطناعي في الصحيفة الأميركية البارزة، إن جوهر رسالتنا لجمهورنا مبني على الثقة والشفافية، بحيث يجري شرح بسيط لكل ملخص مُولّد بواسطة الذكاء الاصطناعي للزوار.
ويتبع ذلك الإشارة بالعبارات التالية: أنشأت أداة ذكاء اصطناعي هذا الملخص، الذي استند إلى نص المقال، وراجعه محرر.
إعلانوقد بدأت وول ستريت جورنال العمل على إنتاج الملخصات عن طريق الذكاء الاصطناعي في أوائل عام 2024.
وبحسب جيفرز، فقد كان هذا العمل في البداية مصمما لمنتج يستهدف عملاء الشركات الذين يرغبون في الحصول على معلومات رئيسية دون الحاجة إلى قراءة نص المقال كاملا. "ولكن بمجرد دمج سير عمل الذكاء الاصطناعي في نظام إدارة المحتوى، أصبح بإمكاننا الاستفادة من الملخصات في أماكن أخرى".
وقبل البدء بنشر الملخصات على الموقع، عملت غرفة الأخبار في الصحيفة مع فرق التقنية والمنتجات لصياغة محفز يُنتج ملخصات عالية الجودة، وقيّمت دقة الملخصات.
بعد ذلك، عُرضت النقاط الرئيسية -المُنتجة بواسطة غوغل جيميني- على مجموعة عشوائية من المستخدمين، وركزت الصحيفة بدقة على سؤالين: هل أثرت النقاط الرئيسية على تفاعل المشتركين مع خدماتها الصحفية (عدد المقالات المقروءة لكل جلسة، أو مدة الجلسة، أو المدة المُستغرقة في قراءة مقال يحتوي على نقاط رئيسية)؟ وبعد الاختبارات، بدأت الصحيفة بتضمين الملخصات في جميع المقالات الإخبارية الأساسية.
وتقول إدارة الصحيفة إن أداة التلخيص مدمجة مباشرة في نظام إدارة المحتوى الخاص بها، وبمجرد إنشاء الملخصات، فإنها تخضع لنفس نظام سير عمل القصة نفسها، حيث تقوم غرفة الأخبار بمراجعتها للتأكد من دقتها ووضوحها وأسلوبها.
ووفقا لما ذكرته مديرة بيانات غرفة الأخبار والذكاء الاصطناعي في وول ستريت: فإن دمج أو إزالة النقاط الرئيسية المنتجة بواسطة أدوات الذكاء الاصطناعي في مقالة ما يعود في نهاية المطاف لتقدير محرر تلك المقالة.
وتضيف جيفرز أن "دمج النقاط الرئيسية يعطي أفضل النتائج في قصصنا الإخبارية الأساسية حيث تكون الحقائق واضحة".
إعلانوأشارت إلى أن تقنية الذكاء الاصطناعي الأساسية في تطور مستمر، مما يتطلب تحديثات منتظمة لنموذج الذكاء الاصطناعي المستخدم.
وأضافت أن "أحد الدروس المستفادة هو أن هذه التقنية تتطلب عناية ومراجعة دورية.. تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي في تغير مستمر، مما يعني أنه يجب علينا أيضا أن نكون مستعدين للتطوير المستمر.
ووضحت أن "من الدروس المستفادة أيضا أنه في ظل الوضع الراهن للتكنولوجيا، يُعدّ وجود فريق بشري مُدرب أمرا بالغ الأهمية. ورغم سعادتنا بانخفاض معدلات الأخطاء، فإنها ليست معدومة. وكما لاحظ ناشرون آخرون، حتى هذا المعدل المنخفض من الأخطاء قد يؤدي إلى عدد من الأخطاء القابلة للتصحيح".
ووصفت جيفرز الذكاء الاصطناعي التوليدي بأنه "يُحدث نقلة نوعية في المساعدة على توسيع نطاق أعمالنا في مجال الأخبار وتأثيرها"، على وجه الخصوص.
تسمي بلومبيرغ الملخصات المنتجة بأدوات الذكاء الاصطناعي على موقعها "الخلاصات" وهي تكون مع الموضوعات الطويلة نوعا ما.
وقد بدأت بلومبيرغ باختبار الملخصات المنتجة بأدوات الذكاء الاصطناعي في نهاية عام 2024، ثم عممت استخدامها على نطاق أوسع في بداية هذا العام. وتُستخدم هذه الملخصات في عدد محدود ولكنه متزايد من التقارير، كما تُقدمها بلومبيرغ في المقالات المطولة، وتخطط لإدراجها في مقالات الرأي مستقبلا.
ووصف كريس كولينز، كبير مسؤولي المنتجات في قسم الأخبار في بلومبيرغ، هذه الملخصات بأنها "نظرة سريعة وواضحة". وأشار إلى أن بلومبيرغ "تنشر آلاف القصص يوميا.. وخاصة في هذا الوقت المزدحم بالأخبار، ويُخبرنا الزوار برغبتهم في مواكبة الأحداث والاطلاع بسرعة على المعلومات المهمة".
إعلانوأضاف: أن هذه الملخصات صُممت لتعزيز تجربة القراءة، وهي ليست بديلا عن العمق والسياق والتحليل الذي يقدمه مراسلو بلومبيرغ.
وأكد كولينز أن تعليقات الزوار -سواء في التعليقات الموجهة لبلومبيرغ أو ما اطلعت عليه غرفة الأخبار من بيانات الجمهور- كانت إيجابية للغاية.
ويشدد كولينز بشكل خاص على الملخصات المتعلقة بالأخبار سريعة التطور، فمن خلال هذا النوع من الملخصات، تحاول بلومبيرغ مساعدة الزوار على مواكبة آخر الأخبار، وضرب مثلا بتغطيتهم لموضوع الرسوم الجمركية التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، موضحا أنها حظيت بتغطية إعلامية واسعة مؤخرا، حيث ساعدت الملخصات الزوار على البقاء على اطلاع دائم.
واختتم كولينز حديثه بفقرة عن الدروس المستفادة من التجربة. حيث قال: "من المهم أن تبدأ بفهم عميق لجمهورك، واحتياجاته من المحتوى والتجربة بشكل عام.. وليكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة المستخدم، وليس فقط لإدخال تقنية جديدة.. وتأكد من أن الملخصات ليست بديلا عن الصحافة، ولا يمكن أن توجد بدونها".
———————————————————————————————————————–
مشرف غرفة الأخبار بالجزيرة نت، ومدرب الصحافة الرقمية في معهد الجزيرة للإعلام.