تدشين مشروع حديقة أشجار التبلدي بمرباط
تاريخ النشر: 17th, December 2024 GMT
دشنت ولاية مرباط اليوم مشروع "حديقة أشجار التبلدي" (الباوباب) الذي يتضمن زراعة 160 شجرة تبلدي، يأتي هذا المشروع بالتعاون مع مبادرة "وعي" بمشاركة واسعة من أبناء المجتمع المحلي، ويهدف إلى الحفاظ على هذه الأشجار النادرة وإكثارها، بالتزامن مع الحملة الوطنية لزراعة 10 ملايين شجرة برية.
وقال الشيخ سهيل بن محمد جداد الكثيري، نائب والي مرباط: إن هذه المبادرة تسهم في تعزيز التنوع البيئي والحفاظ على التراث الطبيعي للمحافظة.
من جانبه، أوضح المهندس زهران بن أحمد آل عبدالسلام، مدير عام المديرية العامة للبيئة بمحافظة ظفار أنه بدأ إنشاء الحديقة في بداية عام 2024م في ولاية مرباط بمنطقة سهل حشير، التي تعد من أبرز مواقع انتشار أشجار التبلدي في محافظة ظفار، وخاصة في وادي حنا، وتم نقل بذور الأشجار وتجهيزها وزراعتها في مشاتل المديرية، وتم الانتهاء من الأعمال الإنشائية للحديقة في نوفمبر من هذا العام.
وتعد حديقة التبلدي جزءًا من سلسلة الحدائق التي تهدف المديرية العامة للبيئة من خلالها إلى الحفاظ على الأشجار البرية النادرة والمهددة بالانقراض.
وتم سابقًا تدشين حديقة لأشجار اللبان في منطقة المغسيل بولاية صلالة، وتستوعب أكثر من 5000 شجرة لبان، كما يتم العمل حاليًا على استكمال مشروع حديقة أشجار المر العربي في نيابة مضي بولاية ثمريت، حيث سيتم زراعة أكثر من 110 شتلات من هذا النوع.
وأضاف المهندس زهران: "في العام القادم، سنبدأ في إنشاء حديقتين جديدتين لأشجار العريب والسير، اللتين تراجعت أعدادهما بسبب التغيرات المناخية، والآفات الحشرية، والرعي الجائر، والاحتطاب".
تهدف هذه الحدائق إلى حماية الأنواع النادرة من الأشجار ودراستها، فضلًا عن استخدامها في إنتاج بذور لزراعتها مستقبلًا.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
فيلم أحلام قطار.. صوت الصمت في مواجهة الزمن
بعض الأفلام تتواصل مع العين أكثر من الأذن، فينشأ الحوار على مستوى أعمق وأقرب إلى وجدان المشاهد. يتسم هذا النوع من الأعمال بصمت ينقل ثقلا عاطفيا جبارا وكاميرا تشي بالحياة الداخلية للبطل. وقد نجح عدد محدود من كبار المخرجين في تحقيق ذلك الأسلوب على الشاشة، منهم الأميركي تيرينس ماليك، الذي حوّل الضوء والحركة والطبيعة في فيلميه "أيام الجنة" (Days of Heaven) و"شجرة الحياة" (Tree of Life) إلى لغة شعرية.
يحمل فيلم "أحلام القطار" (Train Dreams)، الذي يعرض حاليا على شاشة منصة نتفليكس، ملامح الأسلوب نفسه، وبدلا من سرد المشاعر، يصورها بصريا. وبدلا من شرح الحياة، يراقبها. وينقل العمل صمت الغابات وإيقاع الفصول، تاركا مساحة للمشاهد كي يقرأ حكمة تلك التحولات الدورية وآثارها.
تدور أحداث فيلم "أحلام قطار" للمخرج كلينت بينتلي حول شخصية روبرت غراينير (جويل إدغيرتون)، العامل الهادئ الذي يعيش في الريف غربي الولايات المتحدة في بدايات القرن الـ20، خلال فترة ازدهار معسكرات قطع الأشجار وتوسع خطوط السكك الحديدية. يصل غراينير إلى ولاية أيداهو ليعمل في استخراج الأخشاب وبناء السكك الحديدية، متنقلا بين المعسكرات ومحافظا على رزقه بجهد وعرق، إلى أن يصبح جزءا من مجتمع العمال الضخم هناك.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"زوتوبيا 2" يكتسح شباك التذاكر الأميركي بإيرادات قياسية في عطلة عيد الشكرlist 2 of 2"قصر الباشا".. بين التشويق المزيف والإثارة الحقيقيةend of listيتزوج روبرت من الفتاة التي أحبها، غلاديس (فيليسيتي جونز)، التي تضيف إلى حياته المنعزلة دفئا وطمأنينة. يبني الزوجان حياة بسيطة في كوخ خشبي محاط بالأشجار، ويربيان طفلتهما الرضيعة، في حين يحلم روبرت بأن يُؤسِّس مستقبلا مستقرا يجمع المنزل والعائلة والانتماء.
لكن كل شيء يتغير حين يُدمّر حريق هائل الغابةَ ويمتد إلى منزل غراينير. وفي مشهد مرعب، تلتهم النيران الأشجار بسرعة خاطفة. وعندما يعود روبرت بعد إخماد الحريق، يجد كوخه وقد تحول إلى رماد، في حين اختفت زوجته وطفلته. ويُقنع نفسه بأنهما قضتا في الحريق.
إعلانيتركه هذا الفقد المروّع محطما، ويبدأ في الانسحاب من المجتمع تدريجيا. يعيش وحيدا في الغابة لسنوات، لا يخاطب أحدا، ويتبع الدروب ذاتها التي كان يسلكها سابقا. ومع مرور الوقت، تبدأ رؤى غامضة تُطارده، يلمح زوجته وابنته تتحركان بين الأشجار، ليتلاشى الحد بين الذاكرة والخيال في ذهنه، وتغدو حياته معلّقة بين الماضي الذي أحرقته النيران والواقع الذي يعجز عن مواجهته.
مع مرور السنين، تغزو الحداثة العالم. تزداد سرعة القطارات، وتكبر المدن، وتظهر السيارات، وتصل الكهرباء، فتتقلص الغابة. ورغم أن غراينير يشهد كل ذلك، يبقى متعلقا عاطفيا بالفترة التي سبقت الحريق، عندما كانت عائلته لا تزال موجودة. وفي شيخوخته، يرى امرأة تشبه الذئب، تتحرك في الغابة. يُوحي الفيلم بقوة أن هذه الشخصية هي في الواقع ابنته، التي نجت بطريقة ما وأصبحت وحشية، لكن الفيلم يُبقي هذا الأمر غامضا، يراقبها غراينير من بعيد، لا يقترب أبدا، ولا يعرف الحقيقة ابدأ، حتى يموت وحيدا، بهدوء.
منذ مشاهده الافتتاحية، يأسر فيلم "أحلام القطار" البصر، ويشرع في رسم لوحة فنية بطيئة الإيقاع محمّلة بدراما حزينة تتكشف تدريجيا. تتلون الشاشة بظلال الأخضر الداكن والبني الترابي، وتغمرها الدرجات الذهبية الناعمة المنبعثة من الغابات الشاسعة والمناظر الريفية الخافتة. ينجح المخرج كلينت بينتلي في تحويل هذه المشاهد البديعة إلى شخصية محورية داخل العمل، إذ تتوازى التحولات في الفصول وتغيرات المدينة وتناقص مساحة الغابة مع مسار حياة رجل عادي جدا: وُلد، وهاجر، وعمل في قطع الأشجار، وتزوج، وأنجب، ثم فقد كل ما يملك، قبل أن يرحل وحيدا بصمت يشبه ما تبقّى من غابة كانت يوما نابضة بالحياة.
تمنح مشاهد قطع الأشجار، والرحلات الطويلة للقطار، والملاجئ الهادئة المتواضعة في قلب الغابة -مع المونتاج البطيء والسكون المسيطر- المشاهد إحساسا بالحنين والتأمل، كأنها دعوة للتفكير في العمر الذي يمضي في رحلة بطيئة نحو نهايته المحتومة.
ولا يحتاج صانع فيلم مثل "أحلام قطار" إلى مؤثرات بصرية صاخبة أو مكلفة، فبينتلي يعمل ببراعة دقيقة تكاد تكون غير مرئية لتعميق الصدى العاطفي للفيلم وطمس الحدود بين الواقع الخارجي والذاكرة الداخلية. استخدم المخرج الذكاء الاصطناعي بحده الأدنى -فقط لتوسيع البيئات، وإضافة كثافة جوية، والتلاعب بالضوء والطقس- ليخلق غابات تبدو أعتق عمرا، وسماء مشبعة بحزن هادئ، وضبابا يبدو وكأنه يحمل ذكريات تتردد أصداؤها في كل مشهد.
أما أبرز استخدامات المؤثرات البصرية، فقد جاءت في مشهد الحريق الذي يدمر منزل غراينير. فألسنة اللهب مزيج من حريق حقيقي مُتحكم فيه وتضخيم رقمي عبر الذكاء الاصطناعي. والمدهش أنه بدلا من إضفاء طابع الإثارة على الكارثة، تُبرز المؤثرات البصرية سكونا غريبا في لحظة صاخبة، فالنيران تجوب الأشجار والشجيرات بسرعة غريبة، كما لو أن الطبيعة تحاول أن تنهي الحياة العائلية لبطل العمل. تبدو المؤثرات البصرية واضحة خلال تحولات المواسم طوال الفيلم أيضا من مؤثرات بصرية بيئية دقيقة، تساقط الثلوج، والضباب، وحبوب اللقاح، وصقيع الصباح الباكر.
إعلانتكمن قوة فيلم "أحلام القطار" في قدرته على تحويل قصة حياة شخص عادي جدا إلى شأن إنساني وهم عالمي، وفي تحويل ممارسة قطع الأشجار إلى قصة فقد لا يعوض في حياة رجل، يبدو الأمر كما لو كان قصيدة رثاء طويلة للمعنى الذي يعيش من أجل الانسان.
ويقف الممثل جويل إدغيرتون، من خلال "أحلام قطار" في محطة خاصة، إذ يمثل أول بطولة سينمائية مطلقة له، وقد استطاع أن يستخدم ملامحه وتعبيرات وجهه وحركات جسده بشكل رائع.
لا يقدم فيلم "أحلام القطار" حلولا سهلة أو سردا حماسيا. بل يدعو المشاهد إلى تأمل الأشجار، وخطوط السكك الحديدية، وتغير الفصول، والتلاشي البطيء لعالم الإنسان. من خلال لغته البصرية الهادئة، وصمته الحكيم، ويبرز فيلم "أحلام القطار" بشكل فريد، ليُذكر المشاهد أن السينما لا تزال قادرة على أن تكون كبسولة زمنية شاعرية، وصادقة.