جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-10@13:57:06 GMT

جَرْد سنوي!

تاريخ النشر: 17th, December 2024 GMT

جَرْد سنوي!

 

فاطمة اليمانية   

 

"عندما يقولون لك: بأنّك ستصل لمرحلة من الوَعي؟! لمرحلة ماذا؟ لأيّ مرحلة يجب أنْ نصل لنعيش بسلام؟"

***

 

ديسمبر... شهر الجَرْد السَنِوي... جَرْدُ الملابس والمقتنيات، والعلب الفارغة، والعلاقات المزيفة! وأشباه القناعات! وحسم الجدل القائم بين ضرورة الاحتفاظ ببعض الأشياء، والأمتعة، أو وجوب التخلّص منها! والسؤال الشائك المستفز للأعصاب، أمام الأكوام:

-هل أبقي عليها؟ أم ستظلّ عبئًا على مساحة المكان؟!

فيتم الاختيار بنفس نمط العام المنصرم، وبنفس آلية الانتخاب! وبنفس العقلية التي تعتقد بأنّ غرضًا ما – ربّما- سيكون مفيدًا في مناسبة ما! فيجب الاحتفاظ به!

***

 

(ديسمبر.

.. جِرْذ الذاكِرة)!

-جَرد الذاكرة؟ ...أو جرْذها؟!

في ديسمبر اخترعتُ مصطلحًا جديدًا مُوَائمًا لحالةِ العَطِب التي تربط شبكة، أو أسلاكَ دِماغي!

إذ يبدو لي أنّ العامَ المقبل مليءٌ بالفرح، والعَطَب! ولا شكّ بأنّهما متلازمان، فلا شعور بالفرح والسعادة؛ إلّا في وجود ذاكرة خاوية من الماضي!

ذاكرة قادرة على الصِدَام مع عقلية عقيمة تؤمن بقيمة الذكريات القديمة! وهي بالتالي تعطي كلَّ ما تكدّس، ومرّ عليه غبار الزمن، سعرًا وثمنًا يفوق قيمته الحقيقية!

وإلّا ما معنى الاحتفاظ بأوراق لمناسبات عقيمة، ومسوّدات لإثبات مواهب كاذبة، ومقالات ركيكة ساذجة أُوْكِلَت لي مهمّة تغيير بنيتها؛ لتصلح للنشر في المجلّات، والمطبوعات المحرّرة باسم المجموعة، أو من يشرف عليها!

وكتابات استهلَكَت وقتي، ولم أحصل بعد كتابتها على كلمة شُكْرٍ واحدة!

-لم يشكرني أحد على جهودي المبذولة، ووقتي المهدور! وتحرير صفحاتٍ طويلة؛ بأسماء الآخرين، ونسبتها لهم! تحت ذريعة التعاون، والمساعدة، ومكارم الأخلاق!

والكثير من الدفاتر القديمة المكوّمة التي تغيّرت ألوان أغلفتها بعد أنْ أكل َ الدهرُ عليها، وشرب!

ولا حرج في تخيّل شيخٍ طاعنٍ بلحية طويلة شديدة البياض، يتكئُ على كومةِ الدفاتر، ممسكًا قرصَ شعيرٍ بالكاد يمضغه!

إنّما الحرج في أنْ يتمكن جرذ النسيان من العبث بدماغي، ويقرض نصف الذاكرة، وبعض الصور المركونة، والانطباعات المبهمة، لأشخاص كانوا جزءًا من عالمي -كما تحكي الأوراق- ويتركني عاجزة عن استعادة أسمائهم، طباعهم، وملامحهم الحقيقية كما في الواقع!

قد أتذكر لون العيون، وأنسى بقية تفاصيل الوجه! أو تتراءى أمامي صورة ضبابية لأشباه بشر، أو أشباح؟!

-متى التقيتُ بهم؟ كيف عرفتهم؟ متى تحدّثت إليهم؟

-لا شيء غير ذاكرة خالية، خاوية الوفاض!

 

(مذكّرات الطفولة)

 

تصفّحت شقيقتي -بعد أنْ استأذنتني – دفتر مذكّرات الطفولة، وأخفَت دهشتَها من موافقتي على تصفّحه؛ بعد أنْ كان من الدفاتر المُحَرّم لمسها!

قرأَت، وتأثّرت! ثم ضحكت على بعض القصص القصيرة التي كتبتها لأحداث قديمة حدثت في الماضي، حتى نزلت دموعها، ولم أشاركها الضحك!

كنتُ منهمكة في تمزيق دفاتر مشابهة!

وسألتني عن اسم إحدى فتيات الحارة التي كتبتُ قصّتها دون ذكر اسمها!  ولم أستطع تذكراسمها!

أنا كاتبة القصّة نسيت البطلة تمامًا!

لكنّ شقيقتي تذكّرتها، وسخرَت من ذاكرتي المتشنّجة، وقالت:

-فلانة... ألا تذكرينها؟!

-الطويلة الشقراء؟!

-أنتِ كتبتِ عن فتاة في الحارة، وليس في رواية من روايات "إليف شافاك"!

-فعلا... أنتِ تتحدثين بمنطق؟! من أينَ لنا بفتاة طويلة شقراء في تلك الحارة البائسة؟!

رغم ذلك ما زلتُ أذكر الحارة جيدًا...بيوتها المتواضعة... طرقاتها الضيّقة... قربها من شاطيء البحر... ورائحة الغرق التي رسخت في ذاكرتي؛ رغم أنّني لم أغرق مسبقًا!

-لكنّه الشعور!

الخوف من الغرق في الواقع؛ جعلني أغرق في الحلم عشرات المرّات! وأبتلعُ ماءَ البحر المالح؛ لأصحو وطعم الملح يملأ فمي، ورئتي!

والذعر من تهديد الأمّهات المستمر باختطاف جنيّات البحر لنا، إِنْ سُمِع صوتنا بعد التاسعة مساءً؟!

 فكرهنا النومَ، والبحرَ الذي يدفع الجنيّات للشاطئ عند حلول المساء، ليتفرقن على البيوت باحثات عن أطفال يمارسون فطرتهم الطبيعية في البكاء؛ لاختطافهم، والتهامهم؟!

وعندما يحين موعد النوم؛ نتمدد في فراشنا…

وبعد أنْ يُغْلَق الباب علينا؛ وتنام شقيقاتي - ولا أعرف كيف يستطعن النوم، بعد سماع تلك القصص التي تبددُ النعاسَ، والرقاد؟! - كنتُ أنسَلّ بهدوء من فراشي؛ وأتلصصُ على البحر من النافذة!

أترقبُ خروج جنيّات البحر، ومجيء واحدة؛ لاختطافي... إيمانًا منّي بأنّي لا أصلح لهذا البيت، ولا لهذه الحارة!

-لكنّ ذلك لم يحدث مطلقًا!

وفي جانب آخر؛ لأعرف ماذا يدور في عالم الجنيّات الخفي، في البحر؟ ماذا يفعلن بالأطفال؟!

فالقصص تأتي متناقضة، هل يتم استعبادهم؟ أو قتلهم؟ أو يتم الاحتفاء بهم؛ فيتحولون إلى ملوك وأمراء، ويرتدون جواهر نادرة مما يجود به قاع البحر؟!

كنتُ أستمتع وأنا أستمع إلى القصص، وأكتبها في مذكرات الطفولة، وأطالب بسماع المزيد رغم التناقض السَافِر حول عالم الجنيّات، هل هو مخيف أو جميل؟ وهل هو مصدر الشر المطلق؟ أو الخير الذي يغير الواقع المرير، ويحوّله إلى واقع مغايرٍ مليء بالمال والثراء؟!

لكن ذلك الانبهار بقصص الطفولة لم يُقَيّد يدي عن تمزيق دفتر المذكّرات، والقصص الطفولية، وما كنتُ أعتقده واقعيًا، ومنطقيًّا، لأكاذيب صِيغَت لنا بطريقةٍ صادِقَةٍ، ومُدهِشَة!

 

 

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بكاء الأرض في غزة.. الطفولة تموت جوعاً والحرب مستمرة «بلا هوادة»

توفيت طفلة جراء الجوع والجفاف في مستشفى الأطفال والولادة بمدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، وفق ما أفادت به مصادر طبية لوكالة “وفا” الفلسطينية، وسط تفاقم أزمة المجاعة نتيجة الحصار الإسرائيلي المشدد المستمر منذ نحو 100 يوم.

وأوضحت المصادر أن الطفلة قضت نتيجة سوء التغذية الحاد، في وقت يعاني فيه آلاف الأطفال من أعراض مشابهة بسبب انعدام الغذاء والماء والدواء، عقب إغلاق الاحتلال جميع المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية بما في ذلك الوقود.

في السياق، قُتل ما لا يقل عن 18 فلسطينياً، اليوم الثلاثاء، أثناء تجمعهم للحصول على مساعدات غذائية في نقطة توزيع قرب محور نتساريم وسط قطاع غزة، وفق ما أفادت به مصادر طبية وشهود عيان.

وقالت وزارة الصحة في غزة إن الضحايا كانوا متواجدين أمام مركز توزيع مساعدات يخضع لإشراف مؤسسة دولية مدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، عندما تعرضوا لإطلاق نار مباشر من قبل الجيش الإسرائيلي.

وأفاد شهود عيان أن مئات المدنيين توافدوا منذ ساعات الصباح الأولى إلى الموقع في محاولة للحصول على طرود غذائية محدودة، وسط أزمة إنسانية متفاقمة ونقص حاد في المواد الأساسية.

وأشار الشهود إلى أن إطلاق النار المفاجئ أدى إلى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى، وخلق حالة من الفوضى والذعر في المكان، في وقت تواصل فيه الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية التحذير من كارثة إنسانية تهدد سكان القطاع المحاصر.

ووصف مدير الإغاثة الطبية في جنوب غزة، بسام زقوت، الوضع في تصريح سابق بأن “غزة أصبحت مكانًا للموت”، مؤكداً أن نسبة المجاعة بلغت 100%.

وفي سياق متصل، حذّرت الأمم المتحدة من مجاعة شاملة في القطاع، مشيرة إلى أن معظم المساعدات التي سمح بدخولها خلال الأسابيع الثلاثة الماضية نُهبت من قبل مدنيين جائعين أو مجموعات مسلحة، بحسب ما صرح به نائب المتحدث باسم المنظمة فرحان حق.

وأوضح أن 4600 طن فقط من طحين القمح دخلت عبر معبر كرم أبو سالم، بينما الحاجة الفعلية تتجاوز 10 آلاف طن.

وأشار حق إلى أن الكمية الحالية لا تكفي سوى لثمانية أيام من الخبز لسكان غزة الذين يزيد عددهم عن مليوني نسمة، داعياً إسرائيل إلى فتح المزيد من المعابر لتوسيع نطاق الإغاثة، كما انتقد نموذج “مؤسسة غزة الإنسانية” المدعومة من تل أبيب وواشنطن، واصفاً إياه بأنه يفتقر إلى الحيادية ويعزز عسكرة المساعدات.

في المقابل، اتهمت إسرائيل والولايات المتحدة حركة “حماس” بسرقة المساعدات، وهي تهمة نفتها الحركة.

على المستوى السياسي، كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن مشاركة إيران في مفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حماس”، قائلاً إن المفاوضات تهدف إلى استعادة الرهائن المحتجزين في غزة، ويشمل الاقتراح الأمريكي وقفًا لإطلاق النار لمدة 60 يومًا والإفراج المتبادل عن أسرى من الجانبين. وقد وافقت إسرائيل على الاقتراح، فيما رفضته “حماس” حتى الآن.

في غضون ذلك، دخلت قافلة “الصمود” البرية لكسر الحصار على غزة الأراضي الليبية في طريقها إلى مصر، بمشاركة أكثر من 1500 ناشط من الجزائر والمغرب وموريتانيا، وتهدف القافلة، التي لا تحمل مساعدات، إلى تسليط الضوء على المعاناة في غزة والمطالبة برفع الحصار.

وفي باريس، اندلعت اشتباكات بين الشرطة الفرنسية ومتظاهرين يطالبون بالإفراج عن ناشطي سفينة “مادلين” التي اعترضتها البحرية الإسرائيلية خلال محاولتها كسر الحصار البحري المفروض على القطاع، ومن بين المحتجزين على متن السفينة كانت الناشطة البيئية غريتا تونبرغ والنائبة الأوروبية ريما حسن.

ميدانيًا، أعلنت وزارة الصحة في غزة “أن 47 شهيدًا و388 جريحًا سقطوا خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية نتيجة الغارات الإسرائيلية، ما رفع حصيلة الحرب منذ 7 أكتوبر 2023 إلى 54,927 شهيدًا و126,615 مصابًا، واستشهد الصحفي مؤمن محمد أبو العوف و3 مسعفين إثر استهدافهم من قبل الطائرات الإسرائيلية في حي التفاح شرق غزة، كما  استشهد المصور حامد الأسطل في قصف على خيمة للنازحين غرب خان يونس، وارتفع عدد الصحفيين القتلى إلى 227 منذ بداية الحرب”، وفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة الذي أدان “الاستهداف الممنهج” للصحفيين.

وتشهد مناطق واسعة من شمال وشرق القطاع عمليات قصف عنيفة، تزامنًا مع دعوات من الجيش الإسرائيلي لسكان أحياء متعددة في غزة بضرورة “الإخلاء الفوري”، معتبراً أن تلك المناطق تحولت إلى “ساحات قتال خطيرة”.

مقالات مشابهة

  • النقل تحذر من تجاوز السيارات على مسار الأتوبيس الترددي (BRT)
  • عقوبة رادعة.. «النقل» تحذر من استخدام الحارة المخصصة لمسار الأتوبيس الترددي
  • الطفولة ليست وسيلة لصيد المشاهدات
  • بكاء الأرض في غزة.. الطفولة تموت جوعاً والحرب مستمرة «بلا هوادة»
  • مهرجان القطيع .. ملتقى سنوي للتراث التهامي والهوية الثقافية في الحديدة
  • انخفاض التضخم في الصين 0.1% خلال مايو على أساس سنوي
  • حب منذ الطفولة.. من هي فريدة أشرف خطيبة حفيد عادل إمام؟
  • بحرية الصين تؤكد تعلمها من الدروس التي تجرعها الأمريكان على يد اليمن في البحر الأحمر
  • 3.6 % ارتفاعا على أساس سنوي.. «المركزي»: 258 مليار ريال احتياطي النقد الأجنبي بنهاية مايو
  • تسليم كسوة الكعبة.. تقليد سنوي يجسد قدسية أقدم بيت في الإسلام