في شارع المنيل بحي مصر القديمة، كتب الحريق فصلًا مأساويًا لعائلةٍ كانت تمثل الرحمة عنوانًا لحياتها، النيران التي بدأت من موتور الثلاجة، حولت شقة صغيرة إلى مسرحٍ للألم، حيث فقدت نهير السباعي (52 عامًا) حياتها مع زوجها وأمها القعيدة، بينما خرج طفلها أحمد وحيدًا يحمل نجاةً أثقلتها الفقد.

لم يكن الموت قدر نهير في البداية، فقد استطاعت الهروب، لكن قلبها الذي لا يعرف إلا العطاء أبى أن يترك أمها، تلك السيدة العجوز التي نالت من جسدها السرطان ومنعت عنها الحركة.

عادت نهير مهرولة وسط النيران لتنقذ من حملتها في بطنها يومًا، ولكن شجاعة الحنين أطفأتها النيران.

الحريق الذي شبّ فجأة خلف الثلاجة كان أشبه بوحشٍ جائع، انطلقت ألسنته تلتهم الأرواح والأشياء، حاول أحمد، الطفل ذو الأعوام العشرة، أن يبحث عن طفاية حريق لدى الجيران، لكن القدر لم يمنح العائلة فرصة النجاة.

انفجار غاز الفريون في الثلاجة أشعل النيران بسرعة، لتنتقل كاللهب بين الستائر والسجاد، محاصرة من في الداخل، ومعلنة النهاية.

نهير، تلك السيدة التي كانت تُطعم الطيور والحيوانات الضالة، وتحنو على قلوب البشر والحيوان، رحلت في ثوب البطولة.

جارتها تحدثت عنها قائلة: "كانت مدرسة أدبٍ وحياة، لم تتأخر يومًا عن مساعدة محتاج، وكانت يدها ممدودة دائمًا بالعطاء." 

أما أحمد، فهو الناجي الوحيد من الحريق، حملته العناية الإلهية خارج الشقة في اللحظة التي انفجرت فيها النيران، لكنه خرج يحمل وجعًا أكبر من عمره، طفل فقد أمه وأباه وجدته في لحظة واحدة، وترك قلبه الصغير يئن بين ذكريات الأمس وألم الفقد. 

حريق المنيل لم يأخذ الأرواح فحسب، بل أطفأ شعلة الرحمة التي كانت توقدها نهير أينما حلت، وبينما تطوي الحياة صفحة جديدة من مآسيها، يبقى السؤال معلقًا في الهواء الملوث برائحة الدخان: هل كانت هذه النهاية قدرًا حتميًا، أم أن إهمالًا صغيرًا كان يمكنه أن يُبقي النهار حيًا في حياة عائلةٍ كاملة؟!







مشاركة

المصدر: اليوم السابع

كلمات دلالية: حريق حريق المنيل الحرائق اسباب الحريق

إقرأ أيضاً:

في ذكرى رحيله الـ152.. مكتبة رفاعة الطهطاوي بسوهاج تروي حكاية التنوير والتراث النادر (خاص)

عندما تقترب من كورنيش النيل بسوهاج، وتحديدًا عند ميدان جمال عبدالناصر، تخطف أنظارك تحفة معمارية رائعة، تضم مكتبة رفاعة رافع الطهطاوي، الكائنة بمقر الوحدة المحلية لمركز ومدينة سوهاج. 

وتزامنًا مع الذكرى الـ152 لوفاة رفاعة الطهطاوي، رائد التنوير في مصر والعالم العربي، لا يزال اسمه حاضرًا رغم رحيله، فقد كان عالِمًا ومفكرًا ومترجمًا، ترك لنا إرثًا فكريًا لا يُنسى.

وصرّح صلاح الجعفري، مدير مكتبة رفاعة الطهطاوي، أن المكتبة تضم حجرة تحتوي على 1500 مخطوطة من أهم المخطوطات في مصر والعالم العربي، إلى جانب نسخة نادرة من المصحف الشريف يتجاوز عمرها 600 عام، مكتوب بخط النسخ، ومزخرف بعلامات الوقف بماء الذهب. 

وأوضح أن هذه النسخة واحدة من ثلاث نسخ فقط موجودة في العالم، وإحدى هذه النسخ محفوظة داخل المكتبة.

عند التجول داخل المكتبة، يبهرك الطراز الأثري القديم الذي أُعيد ترميمه خلال ولاية المحافظ السابق اللواء طارق الفقي، وتفوح من جنباتها رائحة الكتب والمخطوطات العتيقة التي تأسر الزائرين، حيث تضم آلاف المجلدات من نفائس التراث والمعرفة. 

وناشد الجعفري الجهات المعنية بسرعة ترميم المصحف النادر، حفاظًا عليه من عوامل التلف والتآكل التي بدأت تظهر على بعض صفحاته، حتى يبقى محفوظًا للأجيال القادمة. 

وأكد أن مكتبة رفاعة الطهطاوي تُعد فريدة من نوعها في صعيد مصر من حيث قيمة ومحتوى مخطوطاتها.

وترجع نشأة المكتبة إلى عام 1932، وكانت تُعرف حينها باسم مكتبة بلدية سوهاج، ثم تغيّر اسمها إلى مكتبة سمو الأمير فاروق، وبعد ثورة 1952 حملت اسم رفاعة الطهطاوي، عقب إهداء أحفاده 4000 كتاب و1027 مخطوطة. 

ومن بين مقتنياتها النادرة، مخطوط "فصيح ثعلبة" الذي يزيد عمره عن ألف عام، والذي حصلت دار الكتب المصرية على نسخة مصورة منه نظرًا لأهميته. كما تحتوي المكتبة على مخطوط نادر في علم الفلك للشيخ "العويص"، لا توجد منه سوى ثلاث نسخ في العالم.

وأشار الجعفري إلى أن المكتبة تعمل طوال أيام الأسبوع، لاستقبال الزائرين من جميع المراحل العمرية، بهدف تنمية الوعي الثقافي وغرس حب القراءة والمعرفة. وتستقبل المكتبة يوميًا عددًا كبيرًا من طلاب الجامعات والباحثين في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، الذين يجدون فيها بيئة مثالية للبحث العلمي وسط مصادر ومراجع نادرة. 

وتفتح مكتبة رفاعة أبوابها من الثامنة صباحًا وحتى التاسعة مساءً، لتظل منارة حقيقية للعلم والمعرفة.

مقالات مشابهة

  • في ذكرى رحيله الـ152.. مكتبة رفاعة الطهطاوي بسوهاج تروي حكاية التنوير والتراث النادر (خاص)
  • مخط..وفة ومريضة.. محامي عائلة الدجوي يكشف سرا عن ماما نوال
  • فرق الإطفاء تواصل جهود إخماد الحريق في غابات منطقة السفكون بريف اللاذقية
  • «كل بطولة ليها حكاية معاك».. أفشة يودع علي معلول برسالة مؤثرة بعد رحيله عن الأهلي
  • وكيل تعليم سوهاج: معاينة مقر مدرسة صلاح سالم الإعدادية بنين بعد الحريق
  • مأساة في عرادة.. حريق يودي بحياة شخصين ويصيب آخرين داخل منزل مكتظ
  • طريقة حفظ اللحوم طازجة دون أن تفقد قيمتها الغذائية
  • أفضل طريقة لتخزين الفشة قبل العيد
  • محمد محيي الدين والوضاءة التي كانت عبر مناديله العديدة
  • كركوك.. النيران تلتهم أراضٍ زراعية محصودة