كيف تفوقت تركيا على مصر والولايات المتحدة في منطقة القرن الأفريقي؟
تاريخ النشر: 19th, December 2024 GMT
نشرت مجلة "ناشونال إنترست" تقريرًا يناقش الدور المتزايد لتركيا في منطقة القرن الأفريقي؛ حيث نجحت وساطتها بين إثيوبيا والصومال في إنهاء صراع طويل بينهما، بينما يسلط النفوذ التركي المتزايد الضوء على ضعف تأثير كل من مصر الولايات المتحدة في المنطقة مؤخرًا.
وقالت المجلة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن إنهاء تركيا للخصومة التي دامت قرابة عقد من الزمن بين إثيوبيا والصومال يعد تطورًا مرحبًا به من أجل الاستقرار الإقليمي، لكنه يعقد استراتيجية مصر الإقليمية، التي لا تزال منخرطة بفاعلية في هذا النزاع.
وقد أشاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالاتفاق ووصفه بأنه "اتفاق تاريخي"، وينص الاتفاق على موافقة إثيوبيا والصومال على "ترك الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية وراء ظهورهما"؛ حيث يمنح الاتفاق إثيوبيا منفذًا بحريًا "موثوقًا وآمنًا ومستدامًا" تحت السيادة الصومالية، في إشارة ضمنية إلى أن أديس أبابا ستلغي اعترافها بدولة أرض الصومال.
وبلغت التوترات بن البلدين ذروتها في كانون الثاني/يناير الماضي عندما أفادت تقارير أن إثيوبيا غير الساحلية أبرمت صفقة مع أرض الصومال لاستئجار ميناء وقاعدة عسكرية مقابل الاعتراف بها، وقد اعتبرت الصومال الصفقة انتهاكًا لسيادتها. أما مصر، المتورطة في نزاعها الخاص مع إثيوبيا حول موارد مياه النيل، فقد دعمت الصومال كجزء من استراتيجيتها الأوسع نطاقًا للضغط على إثيوبيا.
وبحلول شهر آب/ أغسطس الماضي، أفادت التقارير أن مصر نشرت 10 آلاف جندي وأرسلت شحنتين من الأسلحة إلى مقديشو، وأعربت أديس أبابا عن قلقها من وصول القوات والأسلحة، قائلة إن ذلك قد يؤدي إلى تفاقم الوضع الأمني في الصومال، وأن الأسلحة قد تقع في أيدي الجماعات المسلحة مثل حركة الشباب.
وفي مقابلة مع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في 18 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أكد التزام القاهرة بأمن الصومال بعد استكمال إثيوبيا للمرحلة الخامسة من ملء سد النهضة الإثيوبي، كما كشف عبد العاطي عن أنه كرر اعتراضه على الإجراء الأحادي الجانب الذي اتخذته إثيوبيا في رسالة إلى مجلس الأمن القومي الموحد، وقد ردت أديس أبابا برسالتها الخاصة إلى مجلس الأمن الدولي، متهمةً مصر بتوجيه تهديدات متكررة باستخدام القوة. وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أرسلت مصر شحنة أسلحة ثالثة إلى الصومال.
وأضافت المجلة أن العلاقات بين مصر وتركيا شهدت تقاربًا حذرًا في الوقت نفسه؛ حيث استقبل أردوغان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأنقرة في أيلول/سبتمبر الماضي، في أول زيارة للسيسي إلى تركيا، وكانت العلاقات بين البلدين متوترة منذ سنة 2013 عندما أدان أردوغان الانقلاب العسكري الذي قام به السيسي ضد الرئيس المصري آنذاك محمد مرسي.
وقد بدأت هذه الديناميكية في التحول سنة 2020 عندما أعاد أردوغان تقييم إستراتيجيته؛ فإصلاح العلاقات مع تركيا قد يساعد على تحييد التهديدات الإقليمية لمصر وتعزيز اقتصادها المتعثر، وبالنسبة لأردوغان، توفر إعادة بناء العلاقات مع القاهرة فرصة لإعادة تأكيد دور تركيا الإقليمي، والسعي إلى الاندماج في منتدى غاز شرق المتوسط.
ومن خلال وساطته مع الصومال وإثيوبيا، وجّه أردوغان ضربة للنفوذ المصري في المنطقة، مما يضطر مصر إلى إعادة تقييم إستراتيجيتها، وبينما قد يوفر دفء العلاقات بين القاهرة وأنقرة بعض البدائل، إلا أن نجاح تركيا في هذه الحالة يؤكد قدرتها على التفوق على مصر على الساحة الإقليمية.
إن هذه الصفقة تُظهر تنامي نفوذ أنقرة على الساحة العالمية؛ فقد أوضح أردوغان أنه يرغب في توسيع بصمة تركيا في أفريقيا وخارجها، حتى في مناطق النفوذ الأمريكي التقليدي، في تذكير بأن تركيا تتحدى بنشاط ديناميكيات القوى التقليدية، وغالبًا ما يكون ذلك على حساب الولايات المتحدة وحلفائها.
وهذه ليست الحالة الوحيدة التي تهيمن فيها تركيا على العناوين الرئيسية، فقد أصبحت تركيا أكثر قوة في الشرق الأوسط الأوسع، وخاصة في سوريا؛ حيث دعمت انتفاضة الثوار الأخيرة التي أسقطت نظام الأسد وفاجأت العالم بأسره، وأظهرت عجز روسيا وإيران عن دعم حليفهما، مما يشير إلى اهتمام تركيا بتأكيد إرادتها في جميع المجالات التي تبدو فيها واشنطن غائبة أو مشتتة للغاية بسبب العملية الانتقالية بين إدارتي بايدن وترامب.
وقالت المجلة إن المناورة التركية يجب أن تكون بمثابة جرس إنذار للولايات المتحدة، فبينما يتم تهميش منطقة القرن الأفريقي في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فإن المنطقة تبقى ذات أهمية إستراتيجية لمواجهة عدم الاستقرار، وكبح التطرف، وتأمين الطرق البحرية الرئيسية في القارة الأسرع نموًا في العالم.
وبدون وجود إقليمي؛ تخاطر واشنطن بالتنازل عن نفوذها لقوى أخرى، ويمكن للوساطة الفعالة في النزاع على النيل بين مصر وإثيوبيا أن تعيد المصداقية الأمريكية وتحقق الاستقرار في القرن الأفريقي، وقد يؤدي الفشل في القيام بذلك إلى تعميق التصدعات بين حلفاء الولايات المتحدة، وإضعاف نفوذها في مشهد عالمي يزداد تنافسية ومنح أنقرة فرصة أخرى لتعزيز مكانتها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية مصر تركيا الصومالية مصر تركيا الصومال أثيوبيا صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القرن الأفریقی
إقرأ أيضاً:
الوثائق والمحفوظات الوطنية تصدر كتابًا حول العلاقات العُمانية الروسية في القرن التاسع عشر
"العُمانية": أصدرت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية كتابًا بعنوان "العلاقات العُمانية الروسية في القرن التاسع عشر الميلادي" ، ـ دراسة في الوثائق الروسية ـ في إطار جهودها المتواصلة لإثراء المكتبة العُمانية والعربية بالمصادر التاريخية الموثقة، وتعزيز الدراسات الأكاديمية المعنية بتاريخ العلاقات الدولية لسلطنة عُمان.
ويقدم الإصدار مادة علمية ثرية تستند إلى نحو 2852 وثيقة روسية متنوعة تشمل رسائل وتقارير ومذكرات وخرائط وصورًا تاريخية، مما يجعله مرجعًا موسعًا يلقي الضوء على مسار العلاقات بين سلطنة عُمان وروسيا في القرن التاسع عشر، ودور الموانئ العُمانية وموقعها الحيوي في حركة التجارة البحرية العالمية آنذاك.
ويتضمن الكتاب ثلاثة فصول رئيسة تغطي تطور العلاقات الدبلوماسية والتجارية، وتحليل الوجود الروسي في منطقة الخليج، إضافة إلى توثيق مظاهر الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في سلطنة عُمان خلال تلك الحقبة. كما يضم الإصدار ملاحق وثائقية وصورًا لأكثر من 50 وثيقة نادرة من الأرشيف الروسي، فضلًا عن فهارس تفصيلية تسهّل على الباحثين الوصول إلى المعلومات والموضوعات المتخصصة.
وأكد سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني، رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، أن هذا الإصدار يأتي في إطار حرص الهيئة على إبراز تاريخ عُمان الحضاري من خلال الوثائق العالمية، مشيرًا إلى أن الوثائق الروسية تكشف بوضوح عمق العلاقات العُمانية الروسية، وتبرز مكانة سلطنة عُمان السياسية والتجارية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
ويُعد هذا الكتاب خطوة رائدة نحو تأكيد أهمية المصادر الروسية في دراسة تاريخ الخليج العربي، وبداية لسلسلة من الإصدارات المتوقع أن تسهم في فتح آفاق جديدة للباحثين والمهتمين بتاريخ العلاقات العُمانية الدولية.
من جانبه، أوضح الدكتور ضرار محمد فضل المولى، مؤلف الكتاب، أن إصدار هذا العمل يمثل خطوة نوعية لإغناء المكتبة العُمانية والعربية بمصادر أصيلة تكشف جوانب جديدة من تاريخ المنطقة.
وبيّن أن الكتاب يأتي بعد عشر سنوات من الجهد في تعريب وتحقيق وثائق روسية نادرة تسهم في إبراز عمق العلاقات العُمانية الروسية ودور سلطنة عُمان الحضاري والسياسي والاقتصادي في تلك الفترة.
وأشار إلى أن الوثائق التي اعتمدت عليها الدراسة تشكل ركيزة أساسية لفهم طبيعة العلاقات الدولية لسلطنة عُمان من منظور مختلف، بعيدًا عن المصادر التقليدية التي ارتكزت غالبًا على الوثائق البريطانية والفرنسية. وأكد أن هذا العمل يمهد لسلسلة من الدراسات المستقبلية التي ستكشف مزيدًا من الوثائق الروسية المتعلقة بتاريخ سلطنة عُمان.
بدورها، أكدت الدكتورة أحلام بنت حمود الجهورية، مدير مختص للدراسات الوثائقية بالهيئة، أن هذا الإصدار يمثل إضافة نوعية في مجال الدراسات الوثائقية الخاصة بتاريخ الخليج العربي والتاريخ الأوروبي الحديث، نظرًا لاعتماده على مجموعة مهمة من الوثائق الروسية التي تُعرض لأول مرة باللغة العربية.
وأوضحت أن دراسة العلاقات العُمانية الروسية خلال الفترة الممتدة بين 1792 و1917م تكشف التطور المستمر للروابط السياسية والاقتصادية بين البلدين، وتبرز الدور العُماني المحوري في حركة الملاحة والتجارة الدولية. وأضافت أن الكتاب يستند إلى أكثر من 300 إحالة مرجعية ووثائق وصور وخرائط ومذكرات، إلى جانب ملاحق تضم أكثر من خمسين وثيقة نادرة من واحد من أضخم الأرشيفات العالمية.
وبينت الجهورية أن المادة العلمية الغنية التي يضمها الإصدار تتيح للباحثين قراءة مختلفة لتطور العلاقات الدولية في المنطقة، اعتمادًا على الوثائق الروسية بعيدًا عن الروايات التقليدية. وأكدت أن الكتاب يمثل خطوة مهمة في تعزيز جهود هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية في ترجمة وإتاحة الوثائق التاريخية العالمية للباحث العربي وفق أعلى المعايير العلمية.