جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-25@15:26:48 GMT

أمنية رجل مريض (2)

تاريخ النشر: 21st, December 2024 GMT

أمنية رجل مريض (2)

 

د. إبراهيم بن سالم السيابي

أعود هذه المرة إلى المستشفى وأنا مثقل الخُطى، حتى جدران المستشفى وممراته اكتست رأيتها مكتسية بلون قاتم السواد، وأنا الذي كنت أظنها طول هذه السنين مطلية بطلاء شديد البياض، حتى الجدران في الممرات بدت خالية لا توجد عليها تلك الأوراق المعلقة في الحائط؛ بما فيها من تعليمات وإرشادات، وكأنَّ الريح قد اقتلعت تلك الأورق في يوم عاصف.

في ذلك الهدوء، الحراس كأنهم تركوا أماكنهم عند أبواب الحراسة، رغم أن وقت الزيارة لم يحن بعد، والأطباء والكوادر المساعدة من ممرضين وفنيين ومساعدين بدوا وكأنهم يتهامسون على غير العادة وهم بتلك المعاطف، التي بدت هذه المرة أكثر قتامة عن أيام كثيرة، بالرغم مما علق بها من رائحة المحاليل والأدوية التي تزكم الأنوف.

عندما وصلت إلى غرفته لم تكن نفس الغرفة التي تركته فيها في آخر زيارة؛ فالصمت يُخيِّم على المكان، وكأن من في هذه الغرفة لا يعرف الليل من النهار، وكأن عقارب الساعة قد توقفت منذ مدة، أو أن حركة دوران الأرض حول الشمس قد تغيّرت. في الطريق كنت أُمنِّي النفس بمثل تلك الزيارة، وضحكاته تملأ المكان، بأن يعود ليُحدِّثُني عن الذكريات، عن المواقف، عن تلك السنين التي مرّت في اللعب والجد والهزل، لكن مع الأسف هذه المرة قد كان غارقًا في نوم عميق، ولم يعد قادرًا ليُحدِّثُني عن الأحلام وعن الذكريات وعن الطفولة أو عن أيام الصبا والشباب وعن البيت والأسرة والأصدقاء وعن المواقف التي جمعتنا في السفر ولا حتى عن رحلته إلى المدينة وإلى زمزم وإلى البيت العتيق.

توجَّهت إلى أصحاب المعطف الأبيض، عرِف ما أريد وأخذ يبحث في حاسوبه في كل صفحة لعله يجد شيئًا بين السطور، قرأت من وجهه العابس فأشفقت عليه من عبء الاعتذار؛ فلسان حاله يقول إنه لم تعد تجدي مع صاحبك المسجى على السرير  تلك العقاقير التي تملأ مخازن الأدوية، ولا تلك المحاليل بمختلف الألون أو حتى مشارط الجراحين ذات الأحجام المختلفة؛ فالشمس قد قاربت على المغيب.. شكرته وانصرفت. ثم عُدتُ مرة أخرى إلى الغرفة، لم أقوْ على البقاء، فنظرت إليه في السرير المسجى عليه، نظرة أخيرة، وكانت كافية، وقفلت راجعًا من حيث أتيت.

وأنا أهمُّ بالخروج من القسم، سمعتُ صرخة أحدهم قد فقد عزيزًا وفي الجانب الآخر في قسم قريب من المكان سمعت صرخة أخرى لطفل يأتي إلى هذه الدنيا؛ فسبحان الله عندما يُولد الإنسان في هذه الدنيا تسمع صراخه يبعث الأمل والفرح، وعندما يودع هذه الدنيا تسمع  صراخ أحدهم عليه من الألم والفقد.

وعند خروجي من المستشفى هائمًا لكي أعود من حيث أتيت مثقلًا بالحزن هذه المرة، وأنا الذي قضيت في هذا المستشفى عدة سنين لم يعكر صفوها إلّا الرحيل إلى درب آخر وحلم آخر. عندما خرجت من المبنى كنت أتأمل الشمس وأتوسل إليها، لكي لا تغيب؛ فالليل أخاف أن يكون مُظلمًا عندما يغيب عنه القمر!

وأخذت أحدِّث نفسي، أترحلُ عنَّا دون حتى وداعٍ وتتركني مع قراطيسي وأقلامي وصوري ورسائلي وذكريات لا تحصى ولا تعد.. أترحلُ وتترك كل هذا الأحلام والجري والركض نحو الأمل، فكيف تستسلم وأنت دائمًا من علَّمنا بألا نعرف الياس أو الاستسلام، أم أن ذلك الذي يشغلك ويثقل صدرك والذي لم تشارك فيه أحدًا حتى أنفاسك، قد غلبك، فقررت الرحيل عن أحبتك ورفاقك؟ كيف لهذا القلب العامر بالحب والفرح، والروح العامرة بالألفة بالطيب والتسامح أن يتعطل في تلك الغرفة مع بعض الأجهزة والمحاليل؟

وماذا عن حبيبتك؟ ألم تطلب مني في آخر زيارة أن أكتب لها؟ ماذا عساني أن أكتب لها هذه المرة، فأنا أعرف أنك تريدني أن أكتب لها لكي تقرأ أنك أحببتها حتى قبل أن يُعرف الحب في هذه البسيطة وقبل أن يكتب الشعراء قصائد الحب والغزل أو تُلقى في سوق عكاظ! وأنك قد شغفتها حبًا خالصًا من داخل أعماقك، وكان حبها يزيد مع الأيام طول هذه السنين رغم البُعد والاستحالة، وأنك وُلِدَت في هذه الدنيا فقط لكي تحبها وأن هذا الحب لا يعرف المكان ولا الزمان؛ فهو حبٌ وُلِدَ ليبقى، حتى لو فارقت الروح الجسد.

أتذكر عندما قلت لي إن من تحبها هي نبضات قلبك الذي يتسارع بمجرد أن تذكر اسمها بينك وبين نفسك، وإن كنت ترى الأشياء في هذا العالم بشكل مختلف ويصبح كل شيء أجمل من خلال عينيها، وأن حبها هو الذي يضيء قلبك وسط عتمة الحياة، تمامًا كما يضيء القمر ليل السماء.

كيف لك أن تترك وتُوَدِّعُ كل هذا؟ من سيلهمني الشعر ونظم القصائد؟ من سيعلمني الكتابة عن الحب، فأنت من يقول إن قلمي وحده من يقرأ الخبر في قلبك قبل أن تتحدث؟! أم أن الألمَ دليلُ الحياة، وذوو المعاطف البيضاء قد يعودون ويُغيِّرُون آراءهم وأن المعجزات من الله لن تغيب، حتى لو غَيَّب الموت الرسل!

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

سان جيرمان.. «الثلاثية المحلية»

باريس (رويترز)

أخبار ذات صلة أرسنال يُتوج بلقب «أبطال أوروبا» للسيدات مستقبل كونتي «غير مضمون» مع نابولي


حقق باريس سان جيرمان حامل اللقب فوزاً سهلاً 3-صفر، على استاد رانس في نهائي كأس فرنسا لكرة القدم، ليحسم الثلاثية المحلية للموسم الثاني توالياً، ويستعد لنهائي دوري أبطال أوروبا بطريقة مثالية.
ولم يواجه فريق لويس إنريكي، بطل دوري الدرجة الأولى الفرنسي وكأس السوبر، صعوبة كبيرة في التغلب على ستاد رينس المهدد بالهبوط، إذ سجل الأهداف الثلاثة في الشوط الأول، وأنهى المباراة بسهولة معززاً رقمه القياسي بالفوز بالبطولة للمرة 16 على استاد فرنسا.
وبدأ سان جيرمان المباراة بالهجوم، وعلى الرغم من أن رانس هدد المرمى أولاً، إذ لم تشكل تسديدة أمادو كوني من مسافة بعيدة خطورة على حارس المرمى ماتفي سافونوف، فإنه لم يكن ندا لسان جيرمان على مدار 90 دقيقة.
وشارك سوفونوف بدلاً من جيانلويجي دوناروما، ولكن بخلاف ذلك اختار لويس إنريكي تشكيلته الأقوى، بالإضافة إلى مشاركة ديزريه دوي بدلاً من خفيتشا كفاراتسخيليا، الذي كان ضمن التشكيلة الأساسية الأولية.
وسيطر سان جيرمان على المباراة بتمريرات سلسلة وضغط مستمر قوي للأمام، وانهارت عزيمة رينس بهدفين متتاليين سريعين سجلهما برادلي باركولا وكلاهما من صناعة دوي.
وأرسل دوي تمريرة حاسمة إلى باركولا في الدقيقة 16 لينطلق مسرعاً متخطياً مراقبه، قبل أن يسدد كرة منخفضة من حافة منطقة الجزاء.
وبعد ثلاث دقائق، أرسل ماركينيوس تمريرة أمامية اخترقت دفاع المنافس لتصل الكرة إلى دوي داخل منطقة الجزاء، الذي مررها بدوره إلى باركولا الذي كان في وضع مثالي وأسكنها الشباك.
وقال باركولا لقناة فرانس 2 عقب المباراة «بدأنا المباراة بشكل جيد وأنجزنا المهمة بسرعة، عززنا وتيرة اللعب على الصعيد الدفاعي والهجومي وأتى ذلك بثماره».
ورغم تقدمه بهدفين، رفض سان جيرمان تخفيف الضغط، إذ تصدى يهفان ضيوف حارس رينس لفرصة عثمان ديمبلي وأبعد تسديدته من موقع جيد إلى خارج المرمى، لكن الهدف الثالث كان قادماً لا محالة.
وجاء الهدف الثالث قبل دقيقتين من نهاية الشوط الأول، عندما مرر باركولا الكرة بشكل مثالي عبر منطقة الجزاء، ليضعها أشرف حكيمي في الشباك عند القائم البعيد.
وحافظ باريس سان جيرمان على ضغطه بعد الاستراحة، واضطر ضيوف إلى التحرك بسرعة من مرماه ليحرم جواو نيفيز من فرصة قريبة، ثم تصدى لتسديدة باركولا.
ولم يكن الشوط الثاني أكثر من مجرد حصة تدريبية لسان جيرمان، إذ تراجع رينس مرة أخرى لنصف ملعبه، وعلى الرغم من فشله في تسجيل المزيد من الأهداف، فإن لاعبي لويس إنريكي سيكونون مستعدين للتحدي المقبل.
ويهدف سان جيرمان إلى حسم لقبه الأول في دوري الأبطال عندما يواجه إنتر ميلان في ميونيخ يوم السبت المقبل، ليختتم ما قد يكون أفضل مواسمه على الإطلاق.
وقال باركولا «كنا ندرك أن علينا إنجاز المهمة للتحضير جيداً لنهائي دوري الأبطال، ونجحنا في ذلك، الآن نذهب إلى المباراة التالية بثقة».
يجب على رينس الآن محاولة ضمان البقاء في الدوري الأضواء، عندما يستضيف منافسه ميتز في إياب الدور الفاصل لملحق الهبوط يوم الخميس المقبل،
وتعادل الفريقان 1-1 في مباراة الذهاب. 

مقالات مشابهة

  • تدخل طبي دقيق ينقذ مريضًا في حالة حرجة بمستشفى شبين الكوم
  • القصيم.. عملية دقيقة بالمنظار تنهي معاناة مريض "كرونز"
  • استشاري: على مريض السكري الالتزام بأدويته ومراجعة طبيبه قبل أداء مناسك الحج
  • سان جيرمان.. «الثلاثية المحلية»
  • «ضريبة الغياب»
  • استخراج هاتف محمول من معدة مريض في عملية نادرة بمستشفى ناصر التخصصي
  • استخراج هاتف محمول من معدة مريض بمستشفى ناصر التخصصي بالقليوبية
  • في عملية نادرة: استخراج هاتف محمول من معدة مريض بمستشفى ناصر التخصصي
  • 2300 مريض حصيلة الكشف والعلاج في قافلة قصاصين الشرق بالشرقية
  • موظفّو القطاع العام: هذه المرة لن نسكت