انطلق اليوم فعاليات المؤتمر السنوي لجمعية السياسات العامة والإدارة في الشرق الأوسط (AMEPPA) الذي تحتضنه الجامعة الأمريكية بالقاهرة، على مدار يومي 21 و22 ديسمبر الجاري، تحت عنوان “الإدارة العامة والسياسات العامة في ظل مستقبل متغير: نحو تبني نهج استراتيجي وابتكاري ومرن”.


ويهدف المؤتمر إلى مناقشة التحولات الكبرى في الإدارة والسياسات العامة بالمنطقة، ويسعى لتقديم رؤى مبتكرة حول كيفية التعامل مع التحديات الناشئة في الإدارة العامة، واستخدام التقنيات الحديثة والابتكار لتطوير حلول فعّالة ومستدامة لمستقبل الإدارة العامة.


وفي المستهل، قالت الدكتورة ليلى البرادعي – رئيسة الجمعية السياسات العامة والإدارة في الشرق الأوسط (AMEPPA) وأستاذ ورئيس قسم السياسة العامة والإدارة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة: "يسعدنا أن نرحب بالعديد من الشخصيات المرموقة من المنطقة وخارجها، جميعهم مهتمون بمجال الإدارة العامة والسياسات العامة، وهو العنوان الذي اخترناه لمؤتمرنا هذا العام، والذي يُعقد بالشراكة مع مشروع الحوكمة الاقتصادية (EGA) الممول من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، ونشكرهم على ذلك، وبالنسبة لأولئك الذين ينضمون إلينا لأول مرة، هي منظمة غير ربحية مكرسة لخدمة المصلحة العامة وإلهام التميز المهني في منطقة الشرق الأوسط. تأسست في عام 2018، ومنذ ذلك الحين، تعمل كمنصة حيوية للأكاديميين والمحترفين وصناع السياسات في المنطقة للمشاركة في بحوث أكاديمية رصينة وتحليل سياسات مبتكر، وتشمل مهمتها تعزيز التميز في الإدارة العامة والسياسات العامة والتعليم والبحث في منطقة الشرق الأوسط، من خلال طرق تعليم مبتكرة وأبحاث ذات تأثير، وتسهيل تبادل المعرفة والدعوة إلى اتخاذ قرارات سياسية مبنية على الأدلة، وتسعى المنظمة دائمًا للمساهمة في التنمية الإقليمية، ودعم تطوير شرق أوسط أكثر عدلاً وإنصافًا وازدهارًا، من خلال تعزيز مبادئ الحوكمة الجيدة والديمقراطية والتنمية المستدامة."


ومن جانبها، قالت الدكتورة نهى المكاوي - عميد كلية الشؤون العالمية والسياسات العامة (GAPP): "من الضروري تناول موضوعات تتعلق بالتغيرات الضخمة التي تشهدها المنطقة، والتي تحمل في طياتها فرصًا وتحديات هائلة، خاصة وأن المنطقة تواجه تحولات غير مسبوقة، تتطلب استجابة مناسبة من الدولة والمجتمع، وأن الالتزام بالعقد الاجتماعي هو ما سيقوي العلاقة بين المواطن والدولة، والمنطقة ليست خالية من نماذج مبتكرة من الإدارة العامة والسياسة العامة، وعلينا مناقشة هذه النماذج الجيدة، كما أنه من الضروري أن يتم التعاون الإقليمي وفتح الأبواب للتجارب العالمية، وهو ما يمثل رؤية الكلية في الانفتاح على التجارب الجيدة مع التركيز على العدالة والشمولية في السياسات العامة والإدارة العامة".


وفي كلمته، اشار الدكتور أحمد دلال، رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة، إلى دور الجامعة في دعم الابتكار قائلا : "تواجه المؤسسات في الشرق الأوسط تحديات سياسية واجتماعية واقتصادية وبيئية معقدة، ولكن وسط هذه التحديات تكمن فرص للتقدم نحو التنمية المستدامة من خلال تبني سياسات مبتكرة وشاملة ونهج شامل للحكم، ويمكن للتقدم التكنولوجي أن يعزز عملية اتخاذ القرار، ويزيد من الكفاءة، ويحسن تقديم الخدمات العامة، ومع ذلك، يجب دمج هذه التقنيات مع العدالة والشفافية والإشراف البشري وآليات التحكم، كما يجب أن تصبح المؤسسات أكثر مرونة واستجابة للاحتياجات المتغيرة بسرعة، مع دمج الاستدامة في السياسات العامة وبناء المرونة للتكيف مع الصدمات الاقتصادية".


أما  شون جونز، مدير بعثة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في مصر، فقال: "نواجه اليوم تحديات هائلة على مختلف الأصعدة، سواء كانت سياسية، اقتصادية، اجتماعية، بيئية، أو حتى تكنولوجية، كذلك نلاحظ أن التكنولوجيا تتطور بوتيرة غير مسبوقة، مما يؤثر على كيفية إدارة البيانات وتوظيفها لدعم القرارات، فالتغيرات البيئية تزيد من صعوبة تحقيق الازدهار المستقبلي وتفرض على الدول تحديات كبيرة في توفير الأمن الغذائي، التعليم، والخدمات الصحية، فمن خلال هذا المؤتمر، نهدف إلى تعزيز الحوكمة القائمة على البيانات والابتكار، والتصدي للتحديات عبر سياسات عامة جريئة وعملية، ويتطلب ذلك شجاعة من صانعي السياسات لاتخاذ قرارات تتجاوز الخيارات السهلة وتحقيق العدالة والمساءلة والمشاركة الفعالة، ونحن ملتزمون بدعم الجهود المصرية في تحسين الإدارة العامة من خلال استراتيجيات مبتكرة تشمل تطوير الكفاءات، إنشاء وحدات المراجعة الداخلية والحوكمة، وتعزيز الشفافية والكفاءة في العمل الحكومي".


وقال الدكتور أحمد طنطاوي - مستشار وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ورئيس مركز الابتكار التطبيقي في الكلمة التي ألقاها ممثلًا للدكتور عمرو طلعت – وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات: "نهدف لتعزيز استخدام التقنيات الناشئة، وخاصة الذكاء الاصطناعي، في تحقيق الأهداف الهامة للأمة، كل محافظة في العالم لديها وظائف أساسية تتجاوز مجرد تقديم الخدمات، مثل الرعاية الصحية، التعليم، والتنمية الاقتصادية، لكن هناك نقصًا في الأنشطة داخل القطاع العام تتعلق بتطوير هذه الخدمات باستخدام التكنولوجيا، لذا فنحن نحاول تأسيس كيان ضمن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات للقيام بذلك بأنفسنا، فعلى سبيل المثال، قمنا بتطوير حل قائم على الذكاء الاصطناعي للكشف عن اعتلال الشبكية السكري، ونجحنا في فحص 12 ألف مواطن مصري مصاب بالسكري، فالابتكار يؤثر بشكل كبير على كيفية صنع السياسات العامة وتنفيذها".


ومن جانبها، قالت الدكتورة رانيا المشاط - وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، خلال كلمتها الافتراضية: "من بين المبادرات البارزة، مشروع الحوكمة الاقتصادية الذي تموله الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ويستمر من 2023 حتى 2030، إذ يجسد هذا المشروع روح التعاون من خلال تعزيز الحوكمة الاقتصادية، خصوصًا الإصلاحات التي تتماشى مع رؤية مصر 2030 والاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وقد حقق البرنامج إنجازات ملموسة مثل: إطلاق "كمت"، أول روبوت محادثة مدعوم بالذكاء الاصطناعي في الخدمة المدنية، لتعزيز الشفافية وتوفير الوصول الفوري إلى المعلومات القانونية، وتقديم إطار عمل أولي لاستراتيجية الإصلاح الإداري العامة الوطنية، وتعزيز مراقبة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد باستخدام أدوات إلكترونية لإدارة الأداء، وتطوير دورات تدريبية رقمية للخدمة المدنية تركز على المهارات الإدارية والأخلاقيات والمساواة بين الجنسين، ودعم احتضان الشركات الناشئة لخلق فرص عمل جديدة وتسليط الضوء على دور ريادة الأعمال في النمو الاقتصادي، وإطلاق برامج إرشادية للنساء العاملات في الخدمة المدنية، ما يعزز من دورهن كقادة جدد، ويتماشى هذا التقدم مع جهود الوزارة لدعم إصلاح الإدارة العامة وتعزيز الأثر الإيجابي للمبادرات المدفوعة بالابتكار".


وبعد كلمة الدكتورة رانيا المشاط جاءت كلمة رئيسية ألقاها الدكتور صالح الشيخ، رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة في مصر، حول "إصلاحات الإدارة العامة في مصر: الطريق نحو المستقبل"، والتي تحدث فيها على دور الحكومة الحيوي في تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين، مشددًا على أهمية الإصلاح الإداري لتحقيق مستوى أفضل من الخدمات الحكومية، وأوضح أن المؤتمر يمثل فرصة هامة للاطلاع على أفضل الممارسات العالمية، مما يسهم في تسليط الضوء على التحديات التي تواجه الجهاز الإداري، مثل التشريعات وتداخل أنشطة المؤسسات الحكومية، وأشار إلى أن تطوير الإطار التقني وخطة الإصلاح الإداري يعدان من الأسس لتحقيق التنمية المستدامة وفق رؤية 2030، كما أكد على أهمية تحقيق تطور إداري فعال ومُحكَم يسهم في الدور التنموي للدولة، من خلال إصلاح تشريعي شامل وتطوير قانون الخدمة المدنية، بالإضافة إلى تعزيز القدرات المؤسسية والتعامل الفعال مع البيانات، فهذه الإصلاحات ليست مجرد خطوات إدارية، بل هي ضرورة لتحقيق تحول حقيقي في كيفية تقديم الخدمات الحكومية وتحسين حياة المواطن المصري.


انطلقت فعاليات المؤتمر بجلسة نقاشية افتتاحية تحت عنوان "تعزيز مبادرات الحوكمة في مصر"، والتي شهدت مشاركة نخبة من الخبراء وصنّاع القرار في مجال الحوكمة والإصلاح الإداري. ضمّت الجلسة الدكتور أحمد درويش، وزير الدولة للتنمية الإدارية الأسبق، واللواء خالد عبد الحليم، محافظ قنا، واللواء عصام زكريا، رئيس قطاع التخطيط الاستراتيجي بهيئة الرقابة الإدارية، وأدار الجلسة الدكتور خالد زكريا أمين، أستاذ السياسات العامة والمستشار الرئيسي لمشروع الحوكمة الاقتصادية الممول من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID). تناولت الجلسة أبرز الجهود والمبادرات الوطنية التي تهدف إلى تعزيز الحوكمة وتحقيق التنمية المستدامة من خلال تطوير الأداء الحكومي وبناء مؤسسات فعّالة تدعم الشفافية والكفاءة.


 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الجامعة الأمريكية الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية السياسات العامة المزيد الوکالة الأمریکیة للتنمیة الدولیة الحوکمة الاقتصادیة التنمیة المستدامة والسیاسات العامة العامة والإدارة السیاسات العامة الإدارة العامة الشرق الأوسط من خلال فی مصر

إقرأ أيضاً:

النفايات المنزلية .. تحديات تحول دون استخدامها في إعادة التدوير!

يُعدّ فرز النفايات المنزلية من الممارسات الحيوية التي تسهم في تعزيز الاستدامة البيئية وتحقيق مبادئ الاقتصاد الدائري، من خلال تقليل النفايات وتقليص الانبعاثات وتحويل المواد القابلة لإعادة التدوير إلى موارد منتجة. وعلى الرغم من وجود مبادرات فردية ومؤسسية في هذا المجال، إلا أن ثقافة الفرز من المصدر لم تتحول بعد إلى سلوك يومي لدى معظم الأسر. وفي هذا السياق، استطلعت «عُمان» آراء عدد من المختصين في الشأن البيئي والاقتصادي للوقوف على واقع فرز النفايات المنزلية، والعوامل المؤثرة في تبنيه، إلى جانب التحديات والفرص المرتبطة بتطبيقه على نطاق واسع.

وقالت المهندسة أزهار بنت جمعة الهنائية، رئيسة قسم إدارة النفايات بهيئة البيئة إن مبدأ فرز النفايات من المصدر يمثل ركيزة أساسية في منظومة الإدارة البيئية المتكاملة، وخطوة مركزية في التحول إلى الاقتصاد الدائري، مشيرة إلى أن هيئة البيئة تنطلق في هذا التوجه من رؤيتها بأن الحفاظ على البيئة مسؤولية الجميع ومن التزاماتها بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ورفع كفاءة إدارة النفايات، وتقليل التأثيرات البيئية والصحية الناتجة عن التراكم العشوائي أو الدفن غير المستدام.

وبيّنت أن ترسيخ هذا المفهوم يُسهم في تحسين عمليات إعادة التدوير، وتوجيه النفايات القابلة لاعادة التدوير إلى المصانع المختصة، بدلًا من ردمها في المرادم الهندسية، وهو ما يعزز من استغلال ما وصفته بـ"الثروة الوطنية" وتعظيم القيمة المضافة منها.

وأوضحت أن ملف فرز النفايات يحظى بأولوية بارزة ضمن خطط الهيئة، ويُعد من المرتكزات الجوهرية في تحقيق التوجهات الوطنية ضمن أولوية البيئة والموارد الطبيعية لرؤية عُمان 2040، كما أن استراتيجية عُمان للبيئة أكدت على أهمية الانتقال إلى الاقتصاد الدائري، والتقليل من انتاج النفايات وتمكين إعادة استخدامها وتدويرها، وصولًا إلى إعادة تدوير 65% من النفايات وتحويل 80% منها عن المرادم بحلول عام 2040.

وكشفت أن الهيئة قامت باعداد سياسة وطنية متكاملة لإدارة النفايات، بالإضافة إلى مشروع قانون لإدارة النفايات يؤكد على الالتزام بعدد من المبادئ البيئية، من أبرزها مبدأ الفرز من المصدر.

وقالت الهنائية إن سلطنة عمان لا تملك حتى الآن تشريعات أو لوائح تنظيمية تُلزم الأفراد أو المنازل بفرز النفايات من المصدر بشكل صريح، موضحة أن الهيئة تعمل على تطوير هذا الجانب بالتعاون مع شركائها في إطار التحول نحو اقتصاد دائري. وأضافت أن الهيئة قامت بتشكيل فريق مشترك لإعداد دليل لمعايير تطبيق مبدأ الفرز، مع تحديد المواقع التجريبية الملائمة، مؤكدةً على أن التطبيق سيتطلب تشريعًا واضحًا يُلزم منتجي النفايات ومقدمي الخدمات للتطبيق التدريجي، إلى جانب إطلاق حملات توعوية وطنية وتوفير الحاويات المناسبة متعددة الألوان. وتطرقت إلى أهمية التنسيق بين الهيئة والبلديات وشركات جمع النفايات، مؤكدة أن الفريق المشترك يقوم بدراسة تشخيصية للوضع الحالي، وتحديد الاحتياجات والتكاليف اللازمة لتطبيق النظام، إلى جانب تشجيع القطاع الخاص على تشغيل محطات الفرز.

تحديات قانونية وبنيوية

واستعرضت الهنائية أبرز التحديات التي تعيق تفعيل نظام الفرز، والتي تتراوح بين غياب نصوص تشريعية ملزمة، والتداخل المؤسسي بين الجهات ذات العلاقة، إلى جانب ضعف البنية التحتية، وغياب الحوافز، والثقافة المجتمعية التي لا تزال تميل إلى التخلص من كافة النفايات في كيس واحد. ونوّهت إلى عدم توفر نظام بيانات موحد لتتبع النفايات، مؤكدة الحاجة إلى أدوات ذكية لتقييم الالتزام، كأنظمة التتبع أو الحوافز البيئية.

التوسع التدريجي

وأشارت إلى أن حاويات الفرز لا تزال مقتصرة على مشاريع تجريبية في بعض أحياء محافظة مسقط، ومحافظة ظفار، وصحار، مضيفة أن هيئة البيئة بالتنسيق مع البلديات تعمل على إعداد خطط مدروسة لتوسيع نطاق الخدمة تدريجيًا، ضمن إطار أوسع لتحقيق أهداف الاستدامة البيئية والاقتصاد الدائري.

وكشفت أن الهيئة تتعاون مع هيئة تنظيم الخدمات العامة على تطوير نظام بيانات وطني لتتبع أنواع النفايات ورصد الأنشطة ذات الصلة، موضحة أن نظام "السجل الوطني لإدارة النفايات" الذي تم تفعيله في 2022، يعد خطوة متقدمة نحو حصر وتوجيه النفايات القابلة للفرز.

تحديات لوجستية وتمويلية

ولفتت الهنائية إلى جملة من التحديات اللوجستية والتمويلية، منها نقص الحاويات، وصعوبة تخصيص المواقع، وعدم وجود نظام جمع منفصل، وغياب أسطول نقل مجهز للنفايات المفروزة، إضافة إلى تباعد مراكز الفرز، وغياب آليات التتبع، وارتفاع التكلفة الرأسمالية، فضلاً عن ضعف الطلب على المواد المعاد تدويرها. وأوضحت أن تجاوز هذه التحديات ممكن من خلال تبني شراكات مع القطاع الخاص، وتطوير نظام حوافز ورسوم ذكي، إلى جانب الاستفادة من المبادرات الدولية الخضراء، وإطلاق منصات تمويل مبتكرة.

وأفادت أن نسبة إعادة التدوير في سلطنة عمان ارتفعت من 29% عام 2021 إلى 34% عام 2024، ولكن مساهمة النفايات المنزلية لا تتجاوز 1% نتيجة اختلاطها بباقي النفايات وصعوبة فرزها، وهو ما يجعلها تُدفن مباشرة في المرادم الهندسية. وأضافت أن سلطنة عمان تضم أكثر من 80 مصنعًا لإعادة تدوير مختلف أنواع النفايات، ولكن لا توجد حتى الآن كميات مفروزة من المنازل، مشيرة إلى أن تفعيل محطات الفرز المنزلية سيعزز بشكل كبير من نسب التدوير.

واعتبرت الهنائية أن الفرز من المصدر يُحسّن من جودة المواد القابلة لإعادة التدوير، ويقلل من تلوّثها، ما يُسهم في إعادة إدخالها إلى السوق كمنتجات، وبالتالي تقليل الاعتماد على المواد الخام المستوردة. كما أوضحت أن هذه المنظومة تتيح فرصًا واسعة للريادة والتوظيف، من خلال التوسع في خدمات جمع ومعالجة النفايات، وتشغيل محطات الفرز، مشيرة إلى أن القرار رقم 21/2021 بشأن تنظيم تصدير المخلفات ساهم في نمو عدد المصانع من 25 إلى 83 مصنعًا على مستوى سلطنة عمان.

وكشفت عن خطة حالية لحظر تصدير جميع المخلفات القابلة لإعادة التدوير، وتطوير منصة وطنية لتنظيم السوق المحلي، وتفعيل منظومة لتتبع الكميات وتنظيم عمليات البيع والشراء.

برامج توعوية شاملة

وتحدثت عن الجهود التوعوية للهيئة، والتي تشمل برامج توعوية في جمعيات المرأة والمراكز الشبابية والمدارس، وإنتاج مواد مرئية متعددة اللغات، وإطلاق حملة "خلك حريص"، وتشكيل مجالس طلابية بيئية في المحافظات، بالإضافة إلى إشراك الطلاب في هاكاثونات بيئية وتحويل أفكارهم إلى مشاريع واقعية.

كما لفتت إلى إدماج مفاهيم إدارة النفايات والفرز في المناهج الدراسية بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، وتنظيم زيارات تعليمية للمرادم ومواقع إعادة التدوير، وإطلاق "أسبوع عمان للاستدامة" بمشاركة خبراء ومؤسسات.

أهمية الفرز

بدوره، يرى خليفة بن سليمان الزيدي، باحث مشارك بمركز الدراسات والبحوث البيئية بجامعة السلطان قابوس أن موضوع فصل النفايات المنزلية في سلطنة عُمان يُعد من الملفات البيئية الحيوية التي تتطلب تداخلًا بين السلوك المجتمعي والبنية التحتية والتشريعية، مؤكدًا أن تحقيق نقلة نوعية في هذا المجال لا يمكن أن يتم إلا من خلال تكامل الأدوار بين الأفراد والمؤسسات التعليمية والحكومية. وأوضح أن المجتمع العُماني يُبدي انفتاحًا متزايدًا تجاه قضايا إدارة النفايات، وخصوصًا البلاستيكية والمعدنية منها، مشيرًا إلى وجود مبادرات فردية ومؤسسية ظهرت في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى جهود أكاديمية تسعى لتقديم حلول في مجالات إعادة التدوير. ومع ذلك، فإن ثقافة فرز النفايات من المصدر لا تزال محدودة الانتشار، ولم تتحول إلى سلوك يومي بين أفراد المجتمع، ويُعزى ذلك إلى غياب التشريعات الملزمة، وعدم توافر بيئة داعمة تشجع على تطبيق الفرز بشكل منهجي.

سلوك مجتمعي

وأشار إلى أن ثقافة الاستهلاك والتخلص ما زالت تسود على حساب ثقافة الفرز وإعادة الاستخدام، وهو ما يعود إلى طبيعة الممارسات التقليدية التي كانت تعتمد على نفايات بسيطة وعضوية، واستمرت هذه العادات رغم تغيّر نمط الحياة وزيادة استهلاك المنتجات الحديثة. ويرى أن تغيير هذا النمط يتطلب مقاربات مجتمعية جديدة تتجاوز توجيه الفرد نحو السلوك البيئي الصحيح إلى خلق بيئة اجتماعية جماعية تتبنى ممارسات الفرز كجزء من حياتها اليومية.

دور التعليم

وفي الجانب التربوي، بيّن أن غرس مفاهيم الاستدامة في مراحل التعليم المختلفة له دور محوري في بناء سلوك بيئي مستدام على المدى الطويل، مؤكدًا أن الطلبة الذين ينشؤون على هذه القيم يكونون أكثر وعيًا ومشاركة في المبادرات البيئية داخل المجتمع. كما أشار إلى أن المناهج الدراسية الحالية بدأت بالفعل بدمج موضوعات بيئية، لكنّها لا تزال بحاجة إلى تعزيز الجانب العملي، والتركيز على أنشطة تطبيقية كفرز النفايات وإعادة استخدامها في البيئات التعليمية والمنزلية.

ولفت إلى أن أساليب التعليم القائم على التجربة، والمشاريع الطلابية البيئية، والمبادرات الابتكارية في إعادة التدوير، تُعد من أنجح الأدوات العالمية في تعزيز الوعي البيئي لدى النشء، موضحًا أهمية تحويل المدارس والجامعات إلى نماذج واقعية لتطبيق ممارسات الفرز، من خلال توفير الحاويات المناسبة، وتحفيز الطلبة على تتبع كميات النفايات وتحليلها، مما يرسّخ مفهوم المساءلة البيئية.

وفيما يتعلق بالأثر البيئي والاقتصادي، ذكر الزيدي أن غياب ثقافة الفرز يؤدي إلى تكدس النفايات في المرادم، وارتفاع معدلات الانبعاثات الغازية، وهدر ملايين الريالات سنويًا، كان من الممكن تحقيقها من خلال إعادة التدوير. وأوضح أن سلطنة عُمان تنتج ما يقارب 2.3 مليون طن من النفايات القابلة للتدوير سنويًا، وفقًا لتقرير شركة "بيئة"، ويمكن أن تصل العوائد إلى أكثر من 500 مليون ريال عُماني سنويًا، في حال الاستفادة منها بشكل فعال. وأضاف أن تطبيق سياسات وطنية لفرز النفايات سيفتح آفاقًا واسعة لخلق فرص اقتصادية جديدة، كتوفير وظائف خضراء، ودعم الصناعات التحويلية، وتوليد الطاقة من النفايات العضوية، إلى جانب تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، والتخفيف من الضغط على المرادم التقليدية.

وفي سياق الحديث عن الأثر المناخي، أكد الزيدي أن عمليات الفرز من المصدر تُمكّن من تقليل البصمة الكربونية لسلطنة عُمان، من خلال خفض انبعاثات غاز الميثان الناتج عن النفايات العضوية، والتقليل من الحاجة إلى تصنيع واستيراد المواد الخام، مما يسهم في تحقيق أهداف الحياد الكربوني بحلول عام 2050، إلى جانب إتاحة الفرصة لعُمان للانخراط في أسواق الكربون العالمية.

عوائق التطبيق

وفيما يخص الجانب البحثي، أشار إلى وجود نقص ملحوظ في الدراسات المحلية التي تتناول سلوك الأفراد تجاه النفايات، مؤكدًا الحاجة إلى مسوحات وطنية ترصد التغيرات السلوكية، وتُحلل أسباب القبول أو الرفض لممارسات الفرز، مشيرًا إلى أن أغلب الدراسات تركز على البنية التحتية أو الإطار التشريعي، بينما لا تزال البيانات المتعلقة بالسلوك اليومي محدودة.

وأوضح أن الجامعات ومراكز البحوث في السلطنة تملك القدرة على سد هذه الفجوة من خلال تقديم دراسات ميدانية وتطوير نماذج محلية تأخذ في الاعتبار الخصوصية الثقافية والاجتماعية للبيئة العُمانية، كما أشار إلى وجود مقررات جامعية ومشاريع تخرج تتناول موضوع إدارة النفايات، لكنه يرى أن هناك حاجة لتوسيع نطاق هذه الجهود وربطها بمبادرات تطبيقية تعزّز من وعي الطلبة وتدريبهم العملي.

أمثلة ناجحة

وتناول الباحث أمثلة من كوريا الجنوبية والسويد وألمانيا، موضحًا أن نجاح هذه النماذج يعود إلى توفر البنية التقنية والتشريعات المحفزة، إلى جانب الحملات التوعوية والمناهج التعليمية المصممة خصيصًا لتعزيز ممارسات الفرز وإعادة التدوير. واعتبر أن التحدي في عُمان لا يكمن في غياب الإرادة، وإنما في تكييف هذه التجارب بما يتناسب مع البيئة المحلية، واستثمار الموارد المتاحة لإنشاء بنية تحتية داعمة.

وختم الزيدي رأيه بالتأكيد على أن التحوّل نحو مجتمع يُمارس الفرز البيئي بوعي ومسؤولية يتطلب تنسيقًا مستمرًا بين صناع القرار، والباحثين، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، مع الاستثمار في التعليم والبنية الأساسية، وتطوير الأطر القانونية، وهو ما من شأنه أن يُعزز مسيرة سلطنة عُمان نحو تحقيق أهداف الاستدامة والاقتصاد الدائري.

رؤية اقتصادية

من جانبه، أوضح المستشار القانوني والخبير الاقتصادي الدكتور قيس بن داود السابعي أن موضوع فصل النفايات المنزلية لا ينبغي النظر إليه فقط من منظور بيئي أو خدمي، بل يجب اعتباره جزءًا جوهريًا من منظومة الاقتصاد الدائري، الذي يُعد اليوم أحد أهم النماذج الاقتصادية الحديثة لتحقيق التنمية المستدامة وتقليل الهدر وتعزيز استدامة الموارد.

وبيّن أن الاقتصاد الدائري، في جوهره، يقوم على فكرة تحويل النفايات من عبء بيئي إلى مورد اقتصادي، وذلك من خلال آليات متكاملة كإعادة التدوير وإعادة الاستخدام وتقليل الفاقد، مشيرًا إلى أن هذا النموذج يسهم بشكل مباشر في تقليص الاعتماد على المواد الخام المستوردة، ويخفف الأعباء المالية على الاقتصاد الوطني، خاصة في ظل التحديات العالمية المرتبطة بسلاسل التوريد وارتفاع كلفة الموارد.

وتناول السابعي التحديين الرئيسيين المرتبطين بتفعيل هذا النموذج في الواقع العُماني، وهما غياب الوعي المجتمعي وتأخر البنية التحتية الداعمة. وذكر أن الوعي المجتمعي ما زال بحاجة إلى تكثيف الجهود التثقيفية التي تشرح أهمية الفرز من المصدر ودوره في خلق بيئة نظيفة واقتصاد منتج. أما على مستوى البنية، فأشار إلى أن غياب مصانع تدوير متخصصة، وعدم وجود منظومة نقل وفرز متكاملة، يُعد من العوائق الكبرى التي تقف أمام التطبيق العملي لمنظومة الاقتصاد الدائري في إدارة النفايات المنزلية.

ونوّه إلى أن نجاح هذا التحول يتطلب شراكة متكاملة بين القطاعين العام والخاص، من خلال ضخ استثمارات في مجال إعادة التدوير والتصنيع المستدام، وتحديث التشريعات لتشجيع السلوكيات البيئية الاقتصادية، إضافة إلى دعم المشروعات الناشئة في مجالات إدارة النفايات الخضراء

مقالات مشابهة

  • الذهب يتراجع عالميًا وسط ضغوط السياسات الأمريكية والتوترات التجارية
  • برج الثور .. حظك اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025 : تحديات صغيرة
  • متحدث الرئاسة الفلسطينية: الإدارة الأمريكية لا تسعى لحل الدولتين أو لوقف الحرب
  • ناخبي حزب أردوغان لا يثقون بالإدارة الاقتصادية!
  • صحة الخرطوم تشيد بدور منظمة الصحة العالمية
  • النفايات المنزلية .. تحديات تحول دون استخدامها في إعادة التدوير!
  • رئيس أكاديمية الشرطة الجديد مسيرة كبيرة في مصنع الرجال
  • النيابة العامة تشدد: الاتجار بالأشخاص جريمة كبيرة موجبة للتوقيف
  • حشد: «تحقيق دولي يكشف عن إعدامات ميدانية في نقاط توزيع المساعدات الأمريكية الإسرائيلية في غزة»
  • لجان المقاومة بفلسطين : تصاعد قتل المجوعين يؤكد تورط الإدارة الأمريكية المجرمة