"طيور الأسد".. وثائق تكشف كيف تغلغلت المخابرات في سوريا؟
تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT
كشفت وثائق استخباراتية سرية عن المدى المرعب الذي بلغته "دولة المراقبة الأمنية" التي طبقها الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد.
وكشفت صحيفة "صنداي تايمز" عن آلاف الملفات، المكتوبة بأقلام حبر أو مطبوعة باللغة العربية الفصحى، والتي أظهرت الطريقة التي تسلل بها النظام إلى المتظاهرين منذ بدء حراك عام 2011.
وتكشف هذه الملفات تفاصيل عن الشبكة الواسعة من المخبرين الذين كانوا يقدمون التقارير إلى النظام، كما تظهر الطريقة التي تعمل بها أجهزة الأمن السورية وشكها المستمر في أن جواسيسها هم عملاء مزدوجون.
في هذا الشهر، حصلت صحيفة "صنداي تايمز" على إذن بالدخول إلى 4 قواعد استخباراتية في مدينة حمص، المعروفة بعاصمة الثورة، من قبل مقاتلين من هيئة تحرير الشام.
على مدار يومين، حللت الصحيفة وثائق تتعلق بالطريقة التي أرغم بها النظام الناس وأقنعهم بإدانة أصدقائهم وأقاربهم وجيرانهم.
وسُمح للصحيفة بالبحث في الوثائق ونسخها ونشرها بشرط تغيير الأسماء والتواريخ والمواقع المحددة، حتى لا تضر بمحاولات محاسبة المخبرين في المحاكم.
كان من الواضح أن أجهزة الأمن لم تكن تريد قط أن تخرج سجلاتها إلى النور. ففي اثنتين من قواعد الاستخبارات، حاول الضباط المنسحبون حرق ملفاتهم، وامتلأت غرف بأكملها بالرماد، ولكن لم يكن لديهم الوقت لحرقها كلها.
كيف عملت أجهزة الأمن؟
سجل نظام الأسد تفاصيل صارمة عن حياة الأشخاص الذين اشتبه بهم، بما في ذلك أولئك الذين عملوا لصالحه في وثائق مختومة وموقعة ومفهرسة، مكدسة على صفوف لا نهاية لها من الرفوف.
من خلال التنصت على الهواتف، واختراق أجهزة الكمبيوتر، وإرسال عملاء لمراقبة المشتبه بهم شخصيا، جمعت أجهزة الأمن مستوى شاملا من المعلومات بشكل لا يصدق.
تضمنت تقارير المراقبة التي أعدها المخبرون روايات شاملة مثلا عن موقع مرآب قامت والدة مشتبه به بإصلاح سيارتها فيه، وانتظام زيارة مشتبه به آخر لأقاربه وعدد المباني السكنية المملوكة لثالث.
مدرسة تخون طفلا عمره 12 عاماً
ولم يكن أحد في مأمن من النظام، ففي الربيع الماضي، ورد في سجل الأشخاص الذين اعتقلهم فرع الأمن السياسي في حمص، مكتوب بخط اليد، اعتقال صبي يبلغ من العمر 12 عاماً، أحضروه "لتمزيقه ورقة تحمل صورة الرئيس".
ويقول تقرير الاستجواب: "في التاريخ، بينما كان المتهم في فصله الدراسي، عُثر على ورقة ممزقة تحت مكتبه. وكانت الورقة تحمل صورة الرئيس. ثم ألقى الصبي الورقة في سلة المهملات. وبعد ذلك، أُبلغ معلمه. وأبلغ بدوره المشرف التربوي في المدرسة، الذي أبلغ مركز الشرطة".
ويضيف التقرير: أحضر المعلم الطالب للاستجواب، وأكد أنه أُبلغ بالورقة الممزقة من قبل طلاب آخرين في الفصل الدراسي. وعندما سأل الصبي عن ذلك، ادعى الصبي أنه مزق الورقة دون أن يلاحظ صورة الرئيس. وأكد لنا المعلم أن الطالب هادئ وذو أخلاق حميدة ولم يسبق له أن أبدى سلوكاً سلبياً، وأجرينا فحصاً أمنياً لخلفية عائلته وتبين عدم تورطهم في أي أنشطة تتعلق بالأحداث الجارية في البلاد".
ومع ذلك، بعد 4 أيام من اتهامه بتمزيق الورقة، تم إرسال المشتبه به البالغ من العمر 12 عاما للمحاكمة.
منشورات على الفيسبوك أدت إلى الوفاة
تتضمن السجلات العديد من الإشارات إلى أشخاص اتُهموا بـ "الإرهاب" لمشاركتهم في الاحتجاجات ودعم المعارضة، ولكن تم اعتقالهم بعد سنوات فقط، أو احتجازهم، والإفراج عنهم، ثم إعادة اعتقالهم بنفس التهمة.
عندما تم إطلاق سراح شابة في أوائل العشرينيات من عمرها بعد احتجازها في عام 2017، صدرت تعليمات للضباط بمتابعتها.
يقول التقرير: "يرجى التحقق من مصادرك وممثليك بعد إطلاق سراحها قضائيًا. إذا ظهرت أي مؤشرات سلبية بشأنها، فاتخذ الإجراءات المناسبة ضدها وفقًا للإجراءات".
وفي عام 2016، تم اعتقال والد لطفل في منتصف العمر كان يعمل مع منظمة إنسانية، بتهمة التواصل مع الإرهابيين وإشعال الفتنة الطائفية.
في مذكرة من فرع المخابرات العسكرية تدعو إلى اعتقاله، تم الإشارة إلى أساس جريمته: "من أجل دخول المناطق المحاصرة للمتمردين لتقديم المساعدات الإنسانية، قام بالتنسيق مع مجموعات المعارضة المحلية، التي كانت تسيطر على نقاط الدخول".
يدعو التقرير، الذي كتبه ضابط استخبارات، إلى احتجازه للاستجواب بناءً على معلومات تم جمعها من المراقبة عبر الإنترنت حيث يبدو أن العملاء اخترقوا جهاز الكمبيوتر الخاص به.
وبحسب التقرير: "ينشط المتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديدا على فيسبوك، حيث لديه صفحة تحت اسم [...]. تحتوي صفحته على منشورات طائفية وتحريضية ضد الدولة وإهانات للقيادة السياسية"، كما جاء في التقرير: "من خلال عمله مع المنظمة الإنسانية، يدخل مناطق ساخنة أثناء دخول قوافل المساعدات من خلال التواصل مع أفراد مسلحين نشطين على صفحته".
تمكنت صحيفة "صنداي تايمز" من التحقق من هوية الرجل ومعرفة مصيره، وتوصلت لنتيجة أنه تعرض للتعذيب وقتل في السجن.
الجميع كان يخاف من "الطيور"
في ظل النظام، كان الناس في مختلف أنحاء سوريا يستخدمون الرموز للحديث عن المخبرين الذين يتجسسون على مواطنيهم من أجل المال أو السلطة أو لأسباب أيديولوجية، أطلق عليهم البعض اسم "الطيور".
وتظهر الوثائق كيف تعمل الطيور، حيث كان بعضهم جزءا من حركة الاحتجاج التي بدأت في عام 2011، بينما اخترقت مجموعات أخرى الجماعات المسلحة التي انتشرت بعد ذلك.
وكان العديد منهم يبلغون عن أصدقائهم وجيرانهم وأقاربهم.
وفي مذكرة عام 2016 موجهة إلى رئيس فرع المخابرات السياسية في حمص، يشرح أحد الضباط كيف تقوم مخبرة بالتجسس على أحد أفراد عائلتها.
ويقول التقرير: "قدمت المخبرة سابقا عدة قطع من المعلومات التي تم التحقيق فيها وثبتت صحتها، أبلغتنا بعدم قدرتها على زيارة فرعنا بسبب الخوف من كشف الأمر من قبل عائلتها، وهو ما تعتقد أنه سيعرض حياتها للخطر".
لا يتضح من الوثائق عدد الأشخاص في سوريا الذين كانوا يتجسسون لصالح أجهزة الأمن، ومع ذلك، فإن النطاق الهائل لعملياتهم يظهر من حقيقة وجود عدد كبير من المخبرين المتغلغلين في المجتمع لدرجة أنهم تجسسوا على بعضهم البعض بشكل متكرر، وفي كثير من الأحيان دون علم.
إن صفحات الأرشيف التي قامت الصحيفة بتحليلها مليئة بالإشارات إلى السجناء الذين تم إحضارهم للاستجواب ثم تم إطلاق سراحهم بعد اكتشاف أنهم عملاء سريون لأجهزة الأمن.
متعاون خاطر بحياة أخته
إن أولئك الذين يعملون كمخبرين سريين لأجهزة الأمن يخاطرون بالموت إذا تم الكشف عنهم من قبل المعارضة المسلحة، أو تم كشفهم من الداخل.
من الواضح أن قوات المعارضة كانت تعرف هويات المخبرين إلى حد ما، فأحد التقارير الصادرة عام 2012، والتي تم تصنيفها على أنها سرية للغاية، تفصل كيف أرسل أحد المتعاونين مع النظام أخته إلى الأراضي المحاصرة للمتمردين لالتقاط سلاح من مقاتلي المعارضة الذين كانوا يوزعون الأسلحة هناك.
لم تسر الأمور وفقا للخطة. لم يسلم المتمردون أخته سلاحًا، وبدلاً من ذلك أرسلوا للمخبر رسالة نصية، تؤكد معرفتهم به.
وبحسب تقرير أمني كتب بحق المخبر: "يرجى المتابعة وتقديم معلومات مفصلة عن هوية [المخبر] المذكور أعلاه وإبلاغنا بالنتائج"، وتم توقيعه من قبل رئيس قسم الاستخبارات العسكرية.
ولكن هل سيواجه الجواسيس العدالة؟
في الوقت الحالي، لا تزال سوريا تعاني من انهيار نظام الأسد، ولم يتضح بعد ما الذي سيحدث في الفترة المقبلة.
وتحدث مسؤولون في هيئة تحرير الشام وحلفاؤهم السياسيون عن تقديم أولئك الذين ارتكبوا جرائم النظام إلى العدالة في المحكمة.
في مقابلة أجريت هذا الشهر في قصر المحافظ في منطقة طرطوس الساحلية، قال أنس عيروط، المحافظ المؤقت التابع لهيئة تحرير الشام، لصحيفة صنداي تايمز إن شخصيات بارزة في النظام "ستُحاسب".
وقال: "لكننا لن نقدم أي شخص في المحكمة دون أدلة ملموسة".
المصدر: سكاي نيوز عربية
كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات قواعد استخباراتية حمص هيئة تحرير الشام أجهزة الأمن المشرف التربوي الإرهاب منظمة إنسانية المخابرات العسكرية وسائل التواصل الاجتماعي الطيور سوريا هيئة تحرير الشام الأسد سوريا مخابرات قواعد استخباراتية حمص هيئة تحرير الشام أجهزة الأمن المشرف التربوي الإرهاب منظمة إنسانية المخابرات العسكرية وسائل التواصل الاجتماعي الطيور سوريا هيئة تحرير الشام شرق أوسط صندای تایمز أجهزة الأمن من قبل
إقرأ أيضاً:
“ذي أتلانتيك” تكشف أسرار حياة جاسوس إيراني عمل لصالح “CIA”
#سواليف
نشرت مجلة “ذي أتلانتيك” تحقيقا موسعا كشف #أسرار #ضابط رفيع في وزارة #الاستخبارات والأمن #الإيرانية يدعى محمد حسين تاجيك الذي عاش حياة #جاسوس_مزدوج لوكالة #المخابرات_المركزية_الأمريكية.
قدم #محمد_حسين_تاجيك معلومات أدت إلى سقوط قادة جماعات مسلحة عالميين بارزين قبل أن يقتل على يد والده.
كان تاجيك قائد وحدة نخبة الحرب الإلكترونية في إيرن قد تواصل مع الصحفي شين هاريس عام 2016 وكشف له قصته التي تضمنت تورطه العميق في أكثر مراحل الأمن الإيراني حساسية.
وفي التفاصيل، تقول المجلة، في ديسمبر 2011 فقدت وكالة الاستخبارات الأمريكية “CIA” السيطرة على مسيرة شبحية بالقرب من مدينة كاشمر الإيرانية على بعد 140 ميلا من الحدود الأفغانية، وانتهى بها المطاف في يد النظام.
مقالات ذات صلةوعلى شاشة التلفزيون الرسمي، عرض الجيش الإيراني الطائرة الشبيهة بالبوميرانغ من حيث الشكل كغنيمة حرب، ورفعت لافتات منتصرة أسفل جناحيها اللذين يبلغ باعهما 30 قدما، كُتب عليها باللغة الفارسية: “لا يمكن للولايات المتحدة أن تعبث معنا” و”سنسحق أمريكا تحت أقدامنا”.
وكان سبب التحطم لغزا، هل انحرفت طائرة لوكهيد مارتن المسيرة وهي طائرة RQ-170 سينتينل تبلغ قيمتها ملايين الدولارات عن مسارها ببساطة؟ أم أن قراصنة إيرانيين استولوا على الطائرة، مما يدل على براعة جيش إلكتروني متنام كان قد أثار قلق المسؤولين الأمريكيين بالفعل.
بعد مرور ما يزيد قليلا عن أربع سنوات، في أبريل 2016 نشرت مجموعة قرصنة إيرانية معروفة تدعى “باراستو” (وهي كلمة فارسية تعني “السنونو”، الطائر الصغير) عنوان بريدها الإلكتروني على منتدى متخصص في الأمن السيبراني، داعية الصحفيين إلى الاستفسار منها عن مصير الطائرة المسيّرة.
وتقول مجلة “ذي أتلانتيك” إنه وبحسب خبرة صحفييها في تغطية قضايا الأمن القومي، فإن من يدعون امتلاك “الحقيقة” هم في الغالب دجالون أو مختلون عقليا، ومع ذلك رأت أن الأمر يستحق المراسلة.
وتضيف المجلة أن شين هاريس الكاتب في مجلة “ذا أتلانتيك” والمتخصص في شؤون الأمن القومي والاستخبارات، بعث برسالة إلى “Parastoo” في 12 أبريل 2016 تتضمن النص التالي: “أفهم أنك تريد مناقشة طائرة RQ-170 بدون طيار التابعة لوكالة المخابرات المركزية.. هل تريد التحدث؟”، وبعد ستة وثلاثين ساعة رد شخص يدعى “P” بلغة إنجليزية ركيكة لكنها مفهومة في معظمها، “نعم، أريد حماية هويتي، وأود أن أكشف كل ما وراء هذه القصة من خلال سلسلة من المقابلات المباشرة أو المحادثات النصية”.
ويوضح شين هاريس أن “P” كشف كل شيء، حيث بدا الأمر غريبا نوعا ما.
وقال “P” إنه كان جزءا من جماعة “باراستو” التي سبق لها اختراق خادم الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، والإدارة الوطنية الأمريكية للأمن النووي.
كما تباهت الجماعة بقدرتها على السيطرة على طائرات عسكرية أمريكية بدون طيار، بل واقترحت ذات مرة إمكانية إرسال إحداها لمهاجمة نائب الرئيس آنذاك، جو بايدن.
وذكر “P” وفق المصدر ذاته، أنه سيتواصل مبدئيا عبر تطبيق مراسلة نصية مشفر يدعى “كريبتوكات”، لكن تنسيق المواعيد لم يكن سهلا.
وصرح “P” بأنه في طهران التي تسبق واشنطن العاصمة بسبع ساعات ونصف الساعة بالتوقيت.
ويبين شين هاريس أنه تم الاتفاق على عقد لقاء يوم الاثنين 2 مايو 2016، لإجراء أول محادثة، مضيفا: “سألني “P” أسئلة تهدف إلى التأكد من أنني الشخص الذي راسله عبر البريد الإلكتروني.. أين كنت أعمل؟.. هل كان لدي رقم هاتف مرتبط بموقع محدد؟.. كما سألني سلسلة من الأسئلة الشخصية مثل الجامعة التي درست فيها، والتي كان بإمكانه التحقق منها بسهولة عبر الإنترنت”.. قال “P” إن إجاباتي ساعدت في تحقيقاته عني”.
ويشير هاريس إلى أنه لم يسبق لأي مصدر أن استجوب الصحفي بهذه الطريقة من قبل، حيث لم يتحدث “P” كقرصان إلكتروني، بل كان يتصرف كجاسوس ذي خبرة.
ووفق الكاتب المتخصص في الاستخبارات، قال “P” إنه ضابط في وزارة الاستخبارات والأمن، وهي بمثابة وكالة المخابرات المركزية الإيرانية، ولم يكن أي ضابط، بل قال إنه مسؤول عن وحدة نخبة للحرب الإلكترونية، وهي من النوع الذي قد يكلف بإسقاط طائرة أمريكية بدون طيار.
ووصف “P” كيف استولى زملاؤه على طائرة “سنتينل”، حيث حصلت وحدته على معلومات من الأقمار الصناعية واللاسلكية حول كيفية تواصل الطائرة مع قاعدتها، بالإضافة إلى معلومات تقنية حول قدراتها على التخفي، ثم حددت إيران موقع الطائرة أثناء تحليقها ومنعتها من العودة إلى أفغانستان.
وظلت المسيرة تائهة بلا هدف حتى استقرت في مكانها بفعل الجاذبية، حيث كتب “P”: “نفد منها الوقود واضطرت للهبوط الاضطراري بالمظلة”.
وبحلول الحادي عشر من مايو، وثق “P” بالكاتب بما يكفي ليكشف عن هويته، حيث كتب: “اسمي محمد حسين تاجيك، عمري 35 عاما”.
وادّعى محمد أن “عددا هائلا” من العمليات الإلكترونية الإيرانية “كان يحمل توقيعه على الأوراق الرسمية أو أنه صممها بالكامل”.
وتساءل الكاتب: “هل كنت أتحدث الآن إلى الشخص الذي أشرف على تلك العمليات السرية؟.. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا كان يتحدث معي؟.. كلما زاد تواصلنا بدا كلامه أقل غرابة.. لم يحاول محمد إرباكي بمصطلحات تقنية أو إبهاري ببطولاته مما زاد من مصداقيته.. ثم قال إنه لا يريد في الواقع التحدث عن الطائرة المسيرة.. لقد كانت “سنتينل” مجرد وسيلة لجذب انتباهي.. قال محمد إنه يريد مساعدتي في خطة الجزء الأول منها الانتقام.. أراد تسريب معلومات عن عمليات المخابرات الإيرانية لإيذاء وإذلال قادة إيران الذين أغضبوه بشدة، لكنه لم يوضح لي كيف.. وفي خطته، سأتحقق من صحة ادعاءات محمد مع مصادري الاستخباراتية وأنشر المعلومات إذا ثبتت صحتها.. لقد ناسبتني هذه الفكرة تماما.. فالموظف الحكومي المتضرر غالبا ما يكون أفضل مصدر للصحفي.. أما الجزء الثاني من خطة محمد، بصراحة، كانت ضربا من الجنون.. أخبرني أنه كان في السابق عميلا لوكالة المخابرات المركزية وأنه عمل في عمليات كبرى.. كان يرغب في إعادة بناء علاقته مع الوكالة.. كان يأمل أن أتواصل مع مسؤول الاتصال السابق به في وكالة المخابرات المركزية مستخدما علاقاتي داخل الوكالة، وأن أوضح له أن محمد لا يزال عميلا قيما، كما يتضح من مقالاتي الإخبارية التي استندت إليها.. إذا لم ترحب وكالة المخابرات المركزية بعودة محمد، فسيكشف كيف كانت الوكالة تعمل داخل إيران”.
وكتب في رسالة نصية: “باستخدام هذا النموذج، يمكنني العمل معك والحصول على ما أريد في المقابل”.
ويقول شين هاريس: “بصراحة كان يشرح كيف يعمل كلا المجالين.. مجال عملي يتجنب الخداع، لكن الصحفيين يجمعون المصادر ثم يقيمونها ويشككون فيها، تماما كما يفعل الجواسيس.. يحاول كل من الصحفي وضابط المخابرات تجميع قصة متماسكة من شظايا متناثرة من الواقع وقليل جدا من الصحفيين، إن وجدوا، يمكنهم اعتبار ضابط مخابرات إيراني رفيع المستوى تحول إلى جاسوس أمريكي مصدرا لهم”.
ويردف بالقول: “سألني محمد هل أنت موافق؟.. لم ألتزم بالجزء الثاني من الخطة فالصحفيون لا يتفاوضون نيابة عن مصادرهم، ولا يشاركون في عمليات الاستخبارات، لكنني كنت سعيدا بالمضي قدما في الجزء الأول: تسريب الأسرار لي.. كتبت: “أنا موافق”.. “حسنا، فلتبدأ اللعبة”.
ويتابع قائلا: “لم يسبق لي أن تحدثت مع ضابط مخابرات إيراني من قبل، لذا لم يكن لدي أي أساس لأقيم ما إذا كان محمد ينطبق عليه الوصف.. تخيلت نسخة ما من شون طوب، الممثل الذي جسد دور رئيس المخابرات الإيرانية ثم تحول إلى عميل لوكالة المخابرات المركزية في الموسم الثالث من مسلسل “هوملاند”.. رصين.. هادئ.. أنيق.. لم يكن محمد كذلك .. كان صبره قصيرا.. حاول جاهدا أن يكون مضحكا.. كان مغرورا لكنه حساس، وأحيانا كان يتصرف بحماقة.. أتذكر أنني فكرت أنه شخص غريب الأطوار لم يسبق له الزواج، وهو أمر غير معتاد لشخص في منصبه، كما أخبرني.. كانت تربطه علاقة عاطفية عبر الإنترنت بامرأة لعدة سنوات، لكنهما لم يلتقيا وجها لوجه.. ولم يذكر قط وجود أصدقاء له في طهران.. لم تكن لديه حياة اجتماعية كبيرة خارج العمل”.
كان مولعا بالثقافة الغربية، وخاصة الأفلام الأمريكية، اقتبس مشهدا من فيلم “الخلاص من شاوشانك” حيث يروي مورغان فريمان بعد خروجه من السجن إلى عالم قاس، قائلا: “مستحيل أن أنجح في الخارج.. اكتشفنا أننا كنا من محبي فيلم “كل رجال الرئيس”.
“ربما كان محمد يتخيل نفسه “ديب ثروت”، يلتقي بي في مرآب افتراضي ويلمّح إلى اكتشافات أكبر قادمة.. كانت محادثاتنا الأسبوعية المشفرة عبر “كريبتوكات” و”سكايب” و”بروتون ميل”، تثير حماسة سينمائية.. ولكن على عكس ما حدث في “كل رجال الرئيس”، كنت أتعرف على المصدر نفسه بقدر ما أتعرف على النظام الذي ادعى تقويضه”.
“أخبرني محمد أنه ولد في عائلة متدينة وناشطة سياسيا، وفي عام 1979، انضم والده إلى رفاقه الثوار في اقتحام مقر جهاز الشرطة السرية التابع للشاه، واستجواب الضباط وتعذيبهم ثم ساهم في تأسيس جهاز المخابرات الإيراني”.
وقال لي محمد عن عمل العائلة: “أكره هذا الهراء برمته كراهية لا توصف”، لكنه كان عبقريا في الرياضيات والحاسوب، وفي سن الثامنة عشرة، بدأ العمل في وزارة المخابرات.
وفي غضون عقد من الزمن، كما قال، كان يلعب دورا محوريا في التوسع الإيراني العدواني في مجال الحرب السيبرانية.
وخلال عدة محادثات، قدم محمد عرضا تفصيليا لساحة المعركة السيبرانية الإيرانية والدول التي تستهدفها في الشرق الأوسط، ولا سيما إسرائيل والسعودية.
وشرح كيف أخفت وزارة الاستخبارات نواياها بتوظيف متعاقدين، وتحديدا شركات تقنية يديرها شبان مثل محمد، تخرجوا من برامج علوم وهندسة الحاسوب في جامعات إيرانية.
ووجهت إلى اثنين من أصدقاء محمد المتعاقدين تهم في محكمة مقاطعة أمريكية في مارس 2016 بشن هجمات سيبرانية على عشرات المؤسسات المالية الأمريكية.
ومثل محمد، كان أصدقاؤه أبناء مسؤولين عسكريين أو سياسيين “دخلوا عالم الأعمال بناء على سمعة آبائهم”، كما قال.
ويقول الكاتب: “إذا كان محمد صادقا، فقد كان يأخذني في رحلة أعمق داخل عالم النظام الإلكتروني أكثر مما فعل أي من مصادري”.
وفي عام 2015، ادعى محمد أن فريقه اخترق شبكة أقمار صناعية تجارية تُدعى iDirect للسيطرة على طائرات أمريكية بدون طيار، لم أر أي دليل على قدرة إيران على استخدام طائرة بدون طيار في هجوم، مع أن محمد وصف لي كيف يمكن لإيران الاستيلاء على واحدة.
وفي ادعاءاته الأكثر إثارة للدهشة، ذكر محمد أن إيران مسؤولة عن هجوم إلكتروني كبير على البنك المركزي البنغلاديشي، حيث سرق قراصنة 81 مليون دولار في فبراير 2016، مما أثار حالة من الذعر في النظام المالي العالمي.
وقد وجهت وزارة العدل الأمريكية اتهامات لثلاثة قراصنة من كوريا الشمالية.
ولفت محمد إلى أن إيران لعبت دورا سريا، إذ قدمت تعليمات تقنية لحزب الله في لبنان حول كيفية التلاعب بشبكة اتصالات تعرف باسم “سويفت” والتي تربط المؤسسات المالية، ثم قامت الجماعة بمبادلة هذه المعلومات بصواريخ مع كوريا الشمالية.
وبحسب التقرير، ادعى تاجيك أنه خلال عمله ترقى في الرتب وأجرى عدة رحلات إلى لبنان، حيث توطدت علاقته بشخصيات بارزة في حزب الله.
ومن بين هذه الشخصيات عماد مغنية، رئيس الجناح العسكري للحزب، المسؤول عن هجمات دامية استهدفت أهدافا أمريكية وإسرائيلية.
وقال تاجيك إنه زود وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) بمعلومات مفصلة حول الهيكل التنظيمي لحزب الله وآلية التنسيق بين وحداته والاستخبارات الإيرانية.
ويشير التحقيق إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية، في عملية مشتركة مع إسرائيل، قضت على مغنية في فبراير 2008، وهو العام نفسه الذي بدأ فيه تاجيك العمل لصالح الوكالة الأمريكية، وفقا لتصريحه.
انتهت حياة طاجيك نهاية مأساوية في يوليو 2016، ووفقا للتقرير كان يخطط للفرار إلى تركيا بوثائق مسروقة، بهدف فضح أسرار النظام.
ولاحظ شقيقه الأصغر، أمير، الحقيبة المجهزة وأخبر والدهما ببراءة أن محمد ينوي المغادرة.
وفي الخامس من يوليو، وهو اليوم الذي كان من المفترض أن يتحدث فيه طاجيك مجددا مع الصحفي هاريس، وصل والده الحاج والي، إلى منزل ابنه برفقة مسؤول كبير آخر من وزارة الاستخبارات.
وفي ذلك المساء، عثر الأخ الأصغر على جثة محمد، لم يجر تشريحها ودفن سريعا في مقبرة بطهران.
وذكرت تقارير أن تاجيك قتل يوم 7 يوليو 2016 على يد عناصر من وحدتي العمليات والشؤون الداخلية بحضور والده وأحد موظفي وزارة الاستخبارات.