الخليج الجديد:
2025-05-13@10:43:25 GMT

تشابك المصالح الدولية المعقدة

تاريخ النشر: 19th, August 2023 GMT

تشابك المصالح الدولية المعقدة

تشابك المصالح المعقدة

الظاهر أن أميركا وروسيا متفقتان بقدر أوسع مما يبدو في غرب أفريقيا لكنهما متناقضتان في مواقفهما حول حرب أوكرانيا.

الموقف الأميركي يلتقي مع الموقف الروسي ويتناقض مع الموقف الفرنسي الداعي إلى استخدام السلاح ضد الانقلابيين في النيجر.

إذا كانت الدول الكبرى تراعي في مصالحها التعددية والتخلي عن مبدأ "إما الكل وإما لا شيء"، فإن أسباب مراعاة ذلك عند الدول الأصغر هي أقوى.

رئيسة وزراء إيطاليا حمّلت فرنسا مسؤولية نهب موارد النيجر ودول أفريقيا والتي أفقرت شعوبها وأجبرتها على البحث عن حياة كريمة في أوروبا.

أردوغان يتبع هذه السياسة، ويبقي الأبواب مفتوحة على تغيير المواقف من الإيجابي إلى السلبي وبالعكس حسب ما تقتضيه ظروفه الاقتصادية والسياسية.

لا تبدي أميركا معارضة جدية في تعاون أوبك مع روسيا لكنها تفرض على روسيا عقوبات لمنعها من تصدير سلعها من النفط السائل والغاز إلا ضمن سقوف سعرية.

انهيار أسواق البورصات بأميركا سيحدث صدى كبيراً في بورصات العالم بما فيها دول "بريكس" التي اجتمعت بحوهانسبرغ لبحث مستقبل الدولار واستبداله بالذهب.

إيران تفاوض أميركا سراً بينما تزيد الإدارة الأميركية ضغوطها على إيران وحلفائها وأعادت إيران العلاقات الدبلوماسية مع السعودية لكنها تطالب بحصة في حقل غاز الدُرّة.

ما يلزم دول المشرق العربي لإعادة النظر إرهاصات وتطورات سلبية ضاغطة عليها فهي لا تأمن من تصطف معهم إن شعروا أنهم قادرون على التصرف بمصالحها.

تحول في العلاقات الدولية وتعقدها ومرونتها لأن القطبية الأحادية انتهت ولا تستطيع الدول المتوسطة والصغيرة التزام خيار الصفر أو التعامل مع قوة عظمى على حساب مصالحها مع قوة عظمى أخرى.

تزداد الاعتمادية المتبادلة عالميا فالدولار ليس العملة المفضلة لدى دول عديدة وتمقت تفرد أميركا بالنظام النقدي العالمي مع تمتع الدولار بمقبولية عالمية لكنهم يعلمون أن انهيار الدولار سيكلفهم كثيرا.

* * *

تحضر حقائق التاريخ إلى ذهني، وأنا أنظر إلى التحولات في المصالح وتغير نموذج العلاقات بين الدول على أساس المصالح.

ويبدو من الظاهر على سبيل المثال أن الولايات المتحدة وروسيا متفقتان إلى حد قد يكون أوسع مما يبدو على السطح في غرب أفريقيا، ولكنهما متناقضتان في مواقفهما حول الحرب الجارية في أوكرانيا.

كذلك، فإن الولايات المتحدة لا تبدي معارضة جدية في تعامل منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) مع روسيا، ولكنها تفرض على روسيا عقوبات لمنعها من تصدير سلعها من النفط السائل والغاز إلا ضمن سقوف سعرية.

وقد استمعنا لتصريحات مسؤولين أميركيين في وزارتي الخارجية والدفاع ممن يشككون في صحة الرواية التي تدعي تورط روسيا في انقلاب النيجر، ولكنهم في نفس الوقت يدعون قادة الانقلاب لضرورة العودة للشرعية.

ولكن الموقف الأميركي يلتقي مع الموقف الروسي ويتناقض مع الموقف الفرنسي الداعي إلى استخدام السلاح ضد الانقلابيين.

ورئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني، تشن هجوماً كاسحاً على الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حين انتقد إيطاليا واتهمها باللاإنسانية حين منعت اللاجئين عبر البحر المتوسط من دخول إيطاليا.

وحمّلت ميلوني فرنسا مسؤولية نهب موارد النيجر وغيرها من الدول الأفريقية، والتي أفقرت شعوبها وأجبرتها على البحث عن حياة كريمة في أوروبا، في الوقت الذي نسيت فيه ما عملته إيطاليا مثلاً في مستعمراتها الأفريقية خاصة إثيوبيا وليبيا.

لكن إيطاليا السياسية تتفق مع فرنسا على أمور كثيرة داخل الاتحاد الأوروبي، وتقف معها ضد روسيا في حرب أوكرانيا، وضد الصين في التجارة الخارجية والتكنولوجيا.

وقد أصدر الرئيس الأميركي، جو بايدن، مرسوماً تنفيذياً يمنع فيه الشركات التكنولوجية الأميركية الكبرى من التعاون مع شركات صينية في مجالات معينة، وسمح بالتعاون في مجالات ضمن شروط منها الموافقة المسبقة على ذلك التعاون من قبل الجهات الرسمية الأميركية المختصة.

هذا يحصل بعد زيارة ثلاثة من المسؤولين الأميركيين إلى الصين وهم أنتوني بلينكن وزير الخارجية، ومن بعده جانيت يلين وزيرة الخزانة، ومن بعدهما جون كيري والذي يعمل الآن بصفته المبعوث الخاص للرئيس في شؤون المناخ.

وعلى المستوى غير الرسمي استقبل الرئيس الصيني شي جين بينغ وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر بصفته المبادر قبل حوالي نصف قرن بانفتاح الولايات المتحدة على جمهورية الصين الشعبية.

ونستطيع أن نرسم مصفوفات مشابهة في العلاقات الجديدة في المنطقة التي ننتمي إليها. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتبع هذه السياسة، ويبقي الأبواب مفتوحة على تغيير المواقف من الإيجابي إلى السلبي وبالعكس حسب ما تقتضيه ظروفه الاقتصادية والسياسية. وما يمكنه من ذلك هو أن الآراء متفقة على أنه يفعل ذلك لصالح بلده، ثم حزبه، ثم أخيراً وقليلاً لنفسه.

وإيران صارت تتبع سياسات مشابهة. فهي تفاوض الولايات المتحدة سراً، في الوقت الذي تزيد فيه الإدارة الأميركية ضغوطها على إيران وحلفائها في المنطقة. وكذلك، فإن إيران قد أعادت العلاقات الدبلوماسية مع السعودية ولكنها تطالب بحصتها في حقل جزيرة الدُرّة الغازي (أو أراش حسب تسمية إيران)؛ وتصل لهجتها في المطالبة حد إعلان الحرب.

والسياسة السعودية الخارجية صارت أوضح بكثير في هذا الاتجاه متعدد الجوانب والمعقد، وهي تسعى بكل جهدها لكي تبقي مصالحها مع أميركا دون أن يكون ذلك على حساب علاقاتها بالصين أو روسيا.

وهي تستمع لمطالب الإدارة الأميركية بالتطبيع مع إسرائيل، ولكنها تريد أن يأتي ذلك في سياق لا يهدد نفوذها أو هيبتها في الوطن العربي. ومصر الآن تغازل تركيا وإيران وإن كانت عينها ما تزال ترمق رد الفعل الخليجي على ذلك.

هذا التحول في تشابك العلاقات الدولية وتعقدها ومرونتها في نفس الوقت قد أملته ظروف واضحة من أهمها أن القطبية الأحادية في العالم قد انتهت.

وفي ظل هذا الوضع لا تستطيع الدول وبخاصة المتوسطة والصغيرة أن تبقى ملتزمة بخيار الصفر، أي أن تختار التعامل مع قوة عظمى على حساب مصالحها مع قوة عظمى أخرى.

والسبب الثاني هو زيادة الاعتمادية المتبادلة في العالم. فالدولار ليس العملة المفضلة لدى بعض الدول وتمقت تفرد أميركا بالسياسات النقدية بسبب ما يتمتع به الدولار من مقبولية (acceptability) عالمية. ولكنهم يعلمون أن انهيار الدولار سيكلفهم مبالغ جسيمة.

وانهيار أسواق البورصات في أميركا سيحدث صدى كبيراً في أسواق بورصات العالم كلها بما فيها أسواق دول "بريكس" التي اجتمعت بجنوب أفريقيا لتبحث مستقبل الدولار واستبداله بقاعدة الذهب.

وإذا كانت الدول الكبرى تراعي في مصالحها التعددية والتخلي عن مبدأ "إما الكل وإما فلا"، فإن أسباب مراعاة ذلك عند الدول الأصغر هي أقوى. ولا تستطيع الدول الكبيرة أن تستخدم نفوذها دائماً لتلزم الدول الصغرى باختيار دولة كبرى على حساب أخرى بالمطلق.

هذه النسبية الجديدة في العلاقات الدولية باتت تلزم دولا كالأردن والكويت والعراق وسورية أن تعيد النظر في مصفوفة علاقاتها الدولية والإقليمية.

وواضح أن العراق يسعى لذلك، وإن كان ما يزال يعاني من نكد الدول التي ما تزال تتمتع بنفوذ كبير داخله مثل إيران وأميركا.

وما يلزم دول المشرق العربي تحديداً على إعادة النظر هو الإرهاصات والتطورات السلبية الضاغطة على هذه الدول وصارت لا تأمن من تصطف معهم إن شعر هؤلاء أنهم قادرون على التصرف بمصالح دول المشرق.

وهناك مؤشرات على أن دول المشرق العربي (العراق والأردن وسورية وفلسطين ولبنان) قلقة مما قد يخطط لها باعتبارها رهينة ظروف سياسية واقتصادية وعسكرية صعبة، وبدرجات متفاوتة.

ولا بد لهذه الدول أن تأخذ مصالحها ببعض الجرأة المحسوبة، وأن تدعم التنسيق فيما بينها بذكاء سياسي يحيد الضغوط المتناقضة والمفروضة عليها.

*د. جواد العناني سياسي وخبير اقتصادي، نائب رئيس الوزراء رئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق

المصدر | العربي الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أميركا روسيا الصين أوبك غرب أفريقيا الدول الكبرى القطبية الأحادية العلاقات الدولية الولایات المتحدة مع الموقف على حساب

إقرأ أيضاً:

المسلاتي: لقاء القائد العام وبوتين خطوة دبلوماسية تعكس تطور العلاقات الدولية

اعتبر الكاتب الصحفي حسين المسلاتي، أن لقاء المشير خليفة حفتر القائد العام للقوات المسلحة، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العاصمة الروسية موسكو، خطوة دبلوماسية تعكس تطور العلاقات الدولية مع القيادة العامة.

وقال المسلاتي، عبر حسابه على “فيسبوك” :” في خطوة لافتة على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، التقى القائد العام للقوات المسلحة المشير خليفة حفتر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على هامش احتفالات عيد النصر في العاصمة الروسية موسكو، حيث يعد هذا اللقاء مؤشرا واضحا على تنامي الحضور الدولي للقيادة العامة، ودورها المتزايد في الملفات الإقليمية والدولية”.
وأضاف المسلاتي:” قد لقيت مشاركة المشير حفتر في هذه المناسبة الرسمية اهتماما واسعا، خاصة في ظل الظروف السياسية المعقدة للأزمة الليبية والمنطقة بشكل عام”.
وتابع:” اللقاء يعد بمثابة اعتراف جديد من إحدى القوى الدولية الكبرى بالدور المحوري الذي تلعبه القوات المسلحة في محاربة الإرهاب والمساهمة في استقرار شمال إفريقيا وجنوب المتوسط”.
واستطرد قائلا:” بالرغم من محاولات بعض الأطراف السياسية المعادية للقوات المسلحة من خلال وسائل إعلامها وناشطيها التقليل من أهمية الزيارة وسرد روايات لطمس أهميتها، فإن الحضور الرسمي للمشير حفتر في الكرملين، ولقاءه بالرئيس الروسي، يعكسان مستوى من الاحترام والتقدير الدولي لما تحققه القيادة العامة من توازن سياسي وأمني في ليبيا”.
ولفت إلى أن القيادة العامة بقيادة المشير حفتر، استطاعت خلال السنوات الماضية تحقيق نجاحات ميدانية في مواجهة التنظيمات الإرهابية، إلى جانب دورها في إدارة ملفات سياسية حساسة، ساهمت في الحفاظ على وحدة البلاد وإفشال محاولات فرض الأمر الواقع بقوة السلاح” .
ونوه بأن اللقاء مع بوتين، ليس مجرد لقاء بروتوكولي، بل رسالة سياسية ذات أبعاد متعددة، مفادها أن القوات المسلحة أصبحت لاعبا فاعلا في المشهد الإقليمي، يحظى بتقدير دولي، ويُنظر إليه كشريك في استقرار المنطقة”.

مقالات مشابهة

  • الصين تعتزم تعزيز العلاقات مع أميركا اللاتينية وتنتقد تنمر واشنطن
  • أميركا في المراتب الأولى بين أكبر الدول التي تستثمر في السعودية
  • روسيا تتهم فرنسا وبريطانيا وألمانيا بإطالة أمد الصراع في أوكرانيا
  • أبو الغيط: الجامعة العربية تقف مع المؤسسات الشرعية في السودان
  • عبدالله بن زايد يستقبل وزير خارجية إيران
  • العلاقات السعودية الأمريكية.. استثمار المصالح المتبادلة لضبط بوصلة التوازن الإقليمي
  • باحث في العلاقات الدولية للفجر: ترامب لن يعترف بالدولة الفلسطينية
  • توتر في العلاقات بين ترامب ونتنياهو بسبب إيران وغزة
  • سلامة الغذاء: روسيا في مقدمة الدول المصدّرة للقمح والزيوت إلى مصر
  • المسلاتي: لقاء القائد العام وبوتين خطوة دبلوماسية تعكس تطور العلاقات الدولية