هذه عتبة العام الجديد الذي تشرق اليوم شمسه الأولى، وتنثر خيوطها الذهبية فوق ربوع عُمان التي تعيش أياما جميلة ومبشرة بكل خير وعلى كل المستويات.
وإذا كانت العتبات مهمة في مسارات الحياة ومآلاتها فإن عُمان تعيش هذه الأيام الذكرى الخامسة لتولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، مقاليد الحكم وهي ذكرى مهمة لأنها شهدت منذ عتباتها الأولى، أيضا، الكثير من التحولات التنموية في سلطنة عُمان واستطاع جلالة السلطان المعظم، رغم الكثير من الظروف والتحديات الجوهرية، تجديد النهضة العمانية وبث روح جديدة فيها.
ورغم أن المنطقة العربية تعيش أسوأ أيامها، ورغم أن العالم يشهد الكثير من التحولات التي تعصف به، إلا أن هذه الصورة تنطبق على عموم المشهد العام في العالم العربي أو حتى في عموم العالم، أما في الخصوص فإن هناك الكثير من بقع الضوء التي تستحق أن نقف معها، فهناك دول تنهض بشكل سريع، واقتصادات تحقق نتائج تفوق التوقعات نتيجة وجود قيادات حكيمة تدير المشهد فيها.
وسلطنة عمان من بين هذه الدول التي تشع فيها الأضواء؛ فقد حققت خلال السنوات الماضية قفزات مهمة على كل المستويات سواء كان في البناء الهيكلي للدولة أو على مستوى القطاعات. ومن بين أهم المؤشرات التي نستطيع الحديث عنها أن سلطنة عمان حققت معدل نمو متوسطا خلال السنوات الأربع الماضية وصل إلى 3.9% وهذا معدل مهم خاصة أنه يتضمن سنوات كانت تعصف فيه جائحة كورونا بشكل غير مسبوق واستثنائي. وخلال هذه السنوات الخمس سجلت سلطنة عمان قفزات كبيرة في تصنيفها الائتماني.
ورغم أن الدين العام كان قد وصل مطلع عام 2022 أكثر من 21 مليار ريال عماني فإنه تراجع بشكل كبير إلى حدود 14 مليار ريال وفي هذا العام انخفض الدين قرابة 8.29%، وارتفعت مساهمة القطاعات غير النفطية في الدخل لتسجل 68%، وزاد حجم الاستثمارات الأجنبية بنسبة 17%، وأمام كل هذا نجد أن التضخم يعتبر في سلطنة عمان في حدوده الدنيا رغم موجة التضخم العالمية.
هذه الأرقام والمؤشرات مهمة حتى نستطيع معرفة حجم التغيرات التي شهدتها سلطنة عمان خلال السنوات الخمس الماضية.
لكن الأمر لم يكن في مجمع تقدم في القطاعات الاقتصادية رغم أهميتها ولكن التغيرات حدثت في كل مسارات بناء الدولة بما في ذلك الجوانب الاجتماعية والثقافية والعلمية والتكنولوجية والسياسية.
كل هذه القطاعات كانت تسير إلى جوار بعضها البعض في بناء عُمان الجديدة التي يحلم بها العمانيون.
أما التحديات فإنها حاضرة، والحياة لم تكن في يوم من الأيام دون تحديات ودوت عقبات ولكن في ظل وجود إرادة حقيقية لتجاوزها سواء من القيادة أو من الشعب فإنها إلى زوال. ولا شك أن العام الذي ندخل عتباته الأولى هذا اليوم سيشهد حلحلة الكثير من التحديات والاستمرار في مسار حلها بما في ذلك مشكلة الباحثين عن عمل.
وعُمان تستحق أن نتكاتف من أجلها ومن أجل أن تبقى في رقي دائم وتبقى راياتها عالية خفاقة تعانق الأنجم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: سلطنة عمان الکثیر من سلطنة ع
إقرأ أيضاً:
تعرف على أبرز القطاعات السورية المستفيدة من رفع العقوبات
دمشق – لا تزال أصداء إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثلاثاء الماضي عن قرار بلاده رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا تتردد في مختلف أنحاء البلد، مثيرة موجة من الترقب ومشاعر الأمل بإمكانية استعادة الاستقرار الاقتصادي والنهوض من تداعيات الحرب والحصار، اللذين أرهقا السوريين لسنوات.
فالعقوبات الأميركية، التي استمرت قرابة 46 عاما، شملت معظم القطاعات الحيوية في البلاد، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة عبر منظومة من القوانين التشريعية والأوامر التنفيذية التي صدرت عن إدارات متعاقبة في واشنطن منذ عام 1979 على خلفية اتهامات وجهت للنظام السوري المخلوع برعاية الإرهاب، وزعزعة استقرار دول الجوار كالعراق ولبنان، وارتكاب انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان، وقمع الثورة السورية، إلى جانب اتهامات بتحويل البلاد إلى مركز لعبور وتجارة المخدرات.
ورغم أن بعض العقوبات استثنت نظريًا قطاعات إنسانية مثل الصحة والدواء، فإن أثرها العملي امتد إلى تدهور قطاعات عديدة، وأدى إلى تعميق الأزمات المعيشية وتراجع جودة الخدمات الأساسية.
أبرز القطاعات المستفيدةيرى الخبير الاقتصادي والمصرفي السوري الدكتور إبراهيم قوشجي أن رفع العقوبات يمثّل "نقطة تحول محورية" في المسار الاقتصادي للبلاد، لافتًا -في تصريحاته للجزيرة نت- إلى أن هذا القرار يفتح الباب أمام إعادة تنشيط القطاعات الإنتاجية، وتحقيق نوع من الاستقرار النقدي، وتعزيز احتياطات البنك المركزي، مما قد يسمح للحكومة بإعادة هيكلة الاقتصاد وتحقيق نمو مستدام.
ويعد قطاع الطاقة والنفط في مقدمة القطاعات التي يُتوقع أن تستفيد بشكل مباشر من القرار، وفق قوشجي الذي أوضح أن هذا القطاع كان من أكثر المتضررين، إذ فُرضت قيود صارمة على تصدير النفط السوري، مما أدى إلى انخفاض كبير في الإيرادات الحكومية.
إعلانويضيف "مع رفع العقوبات، يمكن لسوريا أن تستأنف تصدير النفط والغاز، ما من شأنه أن يعزز الإيرادات العامة بالدولار الأميركي، ويسهم في إعادة تشغيل المصافي والمنشآت النفطية التي تعرضت للإهمال أو الدمار".
وفيما يتعلق بالقطاع المصرفي والمالي، يرى قوشجي أن فك العزلة التي فُرضت على النظام المصرفي السوري سيسمح بإعادة اندماج البنوك السورية في النظام المالي العالمي، مما يسهل حركة التجارة الخارجية ويعيد النشاط إلى قنوات الاستثمار والتمويل.
كما بيّن أن العقوبات السابقة قد أدت إلى شلل شبه كامل في التحويلات المالية الدولية، مما انعكس سلبًا على المواطن السوري وقطاعات التجارة والإنتاج.
ويضيف أن رفع القيود عن قطاع التجارة والصناعة سيمكّن الشركات المحلية من استيراد المواد الخام والمعدات الصناعية الضرورية، الأمر الذي يدعم الإنتاج المحلي ويوفر فرص عمل جديدة لآلاف الشباب العاطلين عن العمل.
ورغم التركيز على هذه القطاعات الثلاثة، فإن العقوبات الأميركية طالت كذلك قطاعات أخرى مهمة مثل الصناعة العسكرية، والاتصالات والتكنولوجيا، والسياحة والسفر، والزراعة، والنقل الجوي، وقطاع الإعمار، بل حتى القطاع الصحي والدوائي الذي تأثر رغم الاستثناءات المعلنة.
تحديات الاستثمار والبنية المصرفيةبدوره، شدد الخبير الاقتصادي الدكتور أسامة القاضي على ضرورة التركيز في المرحلة المقبلة على تطوير البنية التنظيمية والقانونية للاستثمار، والبنية المصرفية، باعتبارهما عاملين أساسيين في إنجاح المرحلة الجديدة.
وأوضح القاضي، في حديث للجزيرة نت، أن الدول الصديقة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، قد تسارع إلى إرسال فرق فنية متخصصة إلى سوريا للمساعدة في تحديث القطاع المصرفي، إلى جانب الدعم المنتظر من خبراء صندوق النقد الدولي العاملين في دمشق، والذين يعملون بالفعل على تأهيل العناصر المحلية وتعزيز البنية التحتية المصرفية لتتوافق مع المعايير الدولية.
إعلانورجّح القاضي أن يتبع ذلك تدفق طلبات من شركات أجنبية للاستثمار والدخول إلى السوق السورية، فضلاً عن تحويلات مالية تهدف إلى دعم جهود إعادة الإعمار.
لكنه حذر في الوقت ذاته من أن هذه التطورات تبقى مرهونة بمدى استعداد البنية الإدارية والمؤسسية السورية لاستغلال هذه الاستثمارات وتحقيق الشفافية.
وفي سياق تحليله، أشار القاضي إلى أن إعادة بناء الاقتصاد السوري تتطلب معالجة الأضرار التي لحقت به على مدى عقود، حيث حمّل النظام السابق مسؤولية ما وصفه بـ"التدمير الممنهج للاقتصاد"، محذرًا من تكرار السياسات القديمة التي أدت إلى عزلة البلاد.
تحسن متوقع في سعر صرف الليرة
وحول أثر القرار على العملة المحلية، أوضح قوشجي أن قيمة الليرة السورية شهدت تحسّنًا ملحوظا عقب إعلان رفع العقوبات، في مؤشر يعكس استعادة تدريجية للثقة في الاقتصاد الوطني.
وأشار إلى أن هذا التحسن مرشح للاستمرار في حال ازدياد تدفقات الاستثمارات الأجنبية وتنشيط التبادل التجاري، مما قد يخفف من الضغوط التضخمية ويحسن القدرة الشرائية للمواطنين.
وأكد أن رفع العقوبات قد يمكّن البنك المركزي السوري من استعادة الوصول إلى أصوله المجمدة في الخارج، مما يعزز احتياطاته النقدية ويوفر أدوات إضافية للتدخل في السوق للحفاظ على استقرار سعر الصرف.
وفي الوقت ذاته، لفت قوشجي إلى أن تكوين احتياطي نقدي أجنبي مستدام يحتاج إلى وقت طويل، وهو مرتبط بتحقيق فائض فعلي من العملات الأجنبية، وليس فقط بتوفر السيولة الناتجة عن التداول في البنوك التجارية.
من جانبه، أكد القاضي أن الطلب على الليرة السورية سيرتفع تدريجيا مع تحسن بيئة الأعمال، متوقعًا أن ينعكس ذلك إيجابًا على سعر الصرف خلال عام أو عامين إذا ما استمرت الظروف الاقتصادية في التحسن.
أبعاد أوسع لرفع العقوباتيرى قوشجي أن العقوبات كانت تمثل عائقًا كبيرا أمام أي نمو اقتصادي حقيقي، إذ تسببت في عزلة مالية وتجارية شبه تامة، وانهيار في تدفقات الاستثمار، وتراجع حاد في الناتج المحلي الإجمالي من نحو 70 مليار دولار عام 2010 إلى ما يقارب 5 مليارات دولار في عام 2023.
وبحسب قوشجي، فإن رفع هذه العقوبات يفتح المجال أمام سوريا للعودة إلى النظام المالي العالمي، واستئناف التبادلات التجارية بشكل سليم، مما يخفض من كلفة الإنتاج التي تعتمد أساسًا على المواد المستوردة، وبالتالي يعزز فرص تعافي الاقتصاد.
إعلان سياق تاريخييُشار إلى أن العقوبات الأميركية على سوريا بدأت فعليا منذ ثمانينيات القرن الماضي، لكنها تصاعدت بشكل ملحوظ بعد عام 2003، لتبلغ ذروتها بعد اندلاع الأزمة السورية عام 2011، حيث فرضت واشنطن عقوبات متتالية استهدفت شخصيات وكيانات حكومية، من بينها البنك المركزي السوري ووزارات الدفاع والداخلية، إلى جانب مؤسسات عسكرية وأمنية.
وكان من أبرز أدوات الضغط "قانون قيصر"، الذي دخل حيّز التنفيذ في يونيو/حزيران 2020 واعتُبر الأشد تأثيرًا على الاقتصاد السوري. إذ لم يقتصر على معاقبة النظام السوري فقط، بل شمل أي جهة أو فرد، داخل سوريا أو خارجها، يقدّم دعما ماديا أو تقنيا أو ماليا للحكومة السورية.
وأدّى هذا القانون، بحسب مراقبين، إلى انهيار كبير في قيمة الليرة السورية حينها، وأسهم في تقويض أي جهود لإعادة إعمار البلاد دون مسار سياسي متكامل.