بعد أربع سنوات فقط من تولي بشار الأسد حكم سوريا، قررت الولايات المتحدة أنه لا أمل في إمكانية أن يتغير أو يغير سياسته إلا بالضغط المستمر. حتى دعمه لجماعات المقاومة الفلسطينية، كان "كلاميا"، حسبما تكشف وثائق بريطانية، أفرج عنها حديثا. 

 وتؤكد الوثائق، التي حصلت عليها "عربي21"، وجود خلافات بين الولايات المتحدة وبريطانيا بشأن أفضل سبل التعامل مع نظام الرئيس السوري المخلوع وحمله على التغيُر والإصلاح.

 

تولى بشار حكم سوريا في منتصف عام 2000 بعد وفاة والده حافظ الديكتاتور الذي حكم البلاد بقضبة من حديد لنحو ثلاثين عاما. وبعد أقل من عام ونصف، زار توني بلير رئيس وزراء بريطانيا دمشق، ليكون أول زعيم بريطاني يقدم على هذه الخطوة. 

ولم يمر سوى 14 شهرا، حتى وصل الأسد وزوجته أسماء إلى المملكة المتحدة بدعوة رسمية في زيارة دولة، التقى خلالها بملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث الثانية، وولي عهدها السابق (الملك الحالي) تشارلز.  كما استقبله بلير في 10 دواننغ ستريت أمام الكاميرات، ليكون بشار، أول رئيس سوري يزور المملكة المتحدة. 

 وفي مواجهة الانتقادات، أبدت حكومة بلير تفاؤلا بما اعتبرته استعدادا من جانب الأسد للإصلاح والتغيير مخالفا ميراث والده السلطوي في سوريا، والانفتاح على الغرب.  وحينها، أكدت الحكومة البريطانية  ميلها إلى بذل أقصى ما تستطيع لدعم ما وصفته بمساعي بشار الإصلاحية. 

غير أن وثائق رئاسة الحكومة البريطانية تكشف عن خلافات جدية بين حكومة بلير وإدارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش آنذاك بشأن التعامل مع نظام بشار. رأت  لندن أن "التواصل الفعال مع بشار" سوف  يساعد في حل قضايا الشرق الأوسط. إلا أن الإدارة الأميركية أصرت  على أن الضغوط المستمرة هي الطريقة الوحيدة الأكثر فعالية للدفع باتجاه تغيير حقيقي في سوريا. 



وفي أبريل/نيسان عام 2004، تقرر أن يزور بلير واشنطن، وكان الملف السوري  ضمن قائمة مباحثاته مع بوش. تلقى بلير نصيحة من مستشاريه بأن يحاول إقناع بوش بأن الحوار المستمر مع بشار قد يؤدي إلى تغيير. وفي تقرير معلوماتي لبلير، نبه سير نايجل شينولد، مستشار رئيس الوزراء البريطاني للسياسة الخارجية والدفاع، إلى رؤية الولايات المتحدة لسوريا، والتي أبلغ الأميركيون البريطانيين بها.
وحسب تقرير سير نايجل، فإن الأميركيين كانوا مؤمنين بأن نظام بشار "لن يتغير" وبأن "تصعيد الضغط هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن بها فرض هذا التغيير". 

وفي هذه الأثناء، مرر الكونغرس الأميركي قانون محاسبة سوريا، الذي فُرضت بمقتضاه عقوبات على نظام بشار. وتوقع البريطانيون ألا تتوقف إدارة بوش عند هذا الحد، وسوف تمارس ضغوطا إضافية  تشمل عقوبات على الطيران المدني والتجارة الثنائية على الشركات الأميركية المستثمرة في سوريا. 


وجاء في تقرير سيرنايجل أن البريطانيين "يشاركون الولايات المتحدة في وجهة نظرها بأن سوريا فشلت في التعامل بشكل ملائم مع القضايا التي تستحوذ على اهتمامنا". وعدد التقرير هذه القضايا مشيرا إلى "الموقف السوري من العراق، وخاصة أمن الحدود بين البلدين، وأنشطة جماعات الرفض الفلسطينية، والتعاون في مكافحة الإرهاب، "احتلال" لبنان، وأسلحة الدمار الشامل ، والإصلاح". 

غير أن بلير نُصح بأن يشرح لبوش أن الحكومة البريطانية "تقدر بأن التواصل الناقد عالي المستوى مع السوريين، بالتزامن مع الضغوط الأميركية المتزايدة، هو استراتيجية قد تؤتي بنتائج". 

كان العراق أكثر ما يشغل الأميركيين والبريطانيين. ووصف التقرير البريطاني هذا الملف بأنه "مصدر قلق رئيسي". وكان بوش في موقف سياسي ضعيف قبل شهور من الانتخابات (التي جرت في نوفمبر/تشرين الأول عام 2004) بسبب تعثر مشروعه في العراق. وتدنت شعبيته إلى أدنى مستوى منذ تولى الرئاسة عام 2000. 

وفي تقييمها لوضع بوش، قالت السفارة البريطانية في واشنطن إن العراق قضية بالغة الأهمية لبوش. وخلصت إلى أنه "لا يمكنه الفوز بالانتخابات استنادا إلى العراق فقط، لكنه يمكن أن يخسرها بسببه". 

ونصح المستشارون بلير بأن يدرك بأن بوش "في ورطة سياسية" وفي موقف" دفاع سياسي" طوال عام 2004 ، بينما الأحداث في العراق "تضع الإدارة (الأميركية) تحت ضغط حقيقي". 

وكانت المعضلة الكبرى في العراق هو تصاعد المقاومة للاحتلال بعد عام تقريبا من الغزو وإسقاط نظام صدام حسين، مع اقتراب الأول من يوليو/تموز عام 2004، الموعد المعلن لإعادة السيادة إلى العراقيين. وفي هذا السياق، قدر البريطانيون أن بوش "يحتاج إلى عملية سياسية ذات مصداقية في العراق في فترة ما قبل إعادة السيادة وبعدها". غير أن ما سماها التحالف المحتل بـ "التمرد السني"، الذي غذاه المقاتلون الأجانب، أثار مشكلة كبرى لقوات الاحتلال. وزادت حاجة الولايات المتحدة وبريطانيا إلى مساعدة سوريا في خفض التصعيد العسكري والأمني في العراق عن طريق تفعيل الرقابة على الحدود حتى لا يتدفق المقاتلون من الأراضي السورية إلى العراق. 

ونبه ماثيو رايكروفت، سكرتير بلير الخاص للشؤون الخارجية والدفاعية، إلى أن التقارير البريطانية  تؤكد أن التحالف "خسر رأس مال سياسيا كبيرا في العراق". ونصح بلير بأن يسعى خلال لقائه المنفرد ببوش بأن يسعى إلى الحصول على "اعترافه بهذا وموافقته عليه". وخلص ماثيو، في تقرير معلوماتي إلى بلير، إلى أن واشنطن ولندن "ينبغي عليهما التحكم الكامل في الوضع الأمني"، في العراق. 

وهنا، عمل فريق مستشاريي بلير على توجيه رسالتين إلى الأميركيين بشأن سوريا، الأولى هي أن نظام بشار "يجب أن يدرك أن العالم قد تغير، وأن بريطانيا "ليس لديها نية لخفض السقف" في التعامل مع دمشق، والسبب هو أن "تراخيها بشأن عدد من مصادر القلق (الأميركي والبريطاني)  غير مقبول".

والرسالة الثانية، هي تأكيد البريطانيين على أهمية  تعاون سوريا بشأن قضية "تدفق الإرهابيين" إلى العراق من سوريا.  ونُصح بلير بأن يطمئن بوش على أن البريطانيين "يضغطون على السوريين بشدة للمساعدة في وقف التدفق". غير أن البريطانيين أصروا، في الوقت نفسه، على أنه "لا بديل أكثر فعالية عن الحوار بهذا الشأن".  

وأشار البريطانيون إلى أنهم ينظرون في سبل للضغط على نظام بشار "لتشديد تدابير الأمن على الحدود" مع العراق. وكانت إحدى السبل هي إقناع السوريين بقبول زيارة لمسؤولين بريطانيين كبار من وزارتي الخارجية والدفاع، وجهاز الاستخبارات الخارجية (إم آي 6) بهدف "بحث التعاون بشأن وقف تدفق الإرهابيين القادمين  إلى العراق من سوريا".

في الوقت نفسه، خلصت تقارير بريطانية إلى أن سوريا "بذلت بالفعل بعض الجهد لتحسين الأمن على الحدود. وأبلغ المستشارون بلير بأن الأجهزة الأمريكية المعنية "أقرت بأن هناك زيادة في عديد القوات والخبرات اللازمة على الحدود" بين سوريا والعراق، وبأن التعاون الحدودي "قد تحسن". ومع ذلك،  كان لدى البريطانيين اعتقاد بأن سوريا "يمكنها أن تفعل المزيد لملاحقة الأشخاص الموجودين في سوريا الذين يسهلون تحرك الإرهابيين عبر الحدود". ورغم أن البريطانيين "لم يعتقدوا أن النظام متواطيء في هذا الأمر"، فإنهم لم يستبعدوا أن "يكون أفراد فيه مشاركين" في تسهيل المرور عبر الحدود. 

وفي سياق الإعداد لبقية القضايا المحتمل مناقشتها، توقع مستشارو بلير أن يثير بوش موقف سوريا من عملية السلام في الشرق الأوسط، إذ كانت علاقات سوريا مع منظمات المقاومة الفلسطينية مثل حركتي المقاومة الإسلامية "حماس" والجهاد الإسلامي في فلسطين، مصدر قلق رئيسي لواشنطن ولندن. 


وفي مايو/أيار عام 2003، صرح كولين باول وزير الخارجية الأمريكي بأن بشار أبلغه بأنه يتخذ إجراءات بشأن إغلاق مكاتب حماس والجهاد والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سوريا. وأضاف باول أن بشار وعد بأن يقيد قدرات هذه الجماعات، التي وصفها البريطانيون بجماعات الرفض بسبب رفضها التسوية مع إسرائيل وفق عملية السلام المطروحة، على التواصل فيما بينها. 

غير أن التقييم البريطاني لما نُقل عن بشار اعتبره "مجرد إجراءات تجميلية"، وأن السوريين "حريصون على ألا يشاركوا بشكل مباشر في أنشطة حما س والجهاد ضد إسرائيل". 

ونصح المستشارون بلير بأن يشرح للأمريكيين بأن الدعم السوري لهذه الجماعات "كلامي" و"نادرا ما يكون عمليا". إلا أن هذا التقييم اعتبر أن هذا الدعم "استراتيجي"، وإن توقعوا أن "يسقط في حالة دخول سوريا في مفاوضات سلام جادة مع إسرائيل". 

ولم يبد البريطانيون تفاؤلا بشأن هذه المفاوضات المأمولة، وأشاروا إلى أنه لا إسرائيل ولا الولايات المتحدة عابئة بأي مبادرات سلام من جانب سوريا. 

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية الأسد سوريا الولايات المتحدة الفلسطينية بريطانيا سوريا بريطانيا الأسد فلسطين الولايات المتحدة المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة أن البریطانیین إلى العراق على الحدود نظام بشار فی العراق أن سوریا فی سوریا عام 2004 إلى أن غیر أن

إقرأ أيضاً:

بكري ردا على «الإيكونوميست»: موقف مصر تحكمه ثوابت «الأمن القومي العربي» وفي مقدمتها القضية الفلسطينية

شن الكاتب والإعلامي مصطفى بكري، عضو مجلس النواب، هجوما عنيفا على مجلة الإيكونوميست، بعد نشرها تقريرا تضمن مزاعم عن ضعف الاقتصاد المصري في الوقت الراهن، وتراجع دور القاهرة التاريخي تجاه القضايا العربية، وكذلك دأبها على تشويه صورة القيادة السياسية لصالح أجندات معينة، مؤكدا أن كل تلك الادعاءات مردود عليها بالإنجازات على أرض الواقع والالتفاف الشعبي حول الرئيس عبد الفتاح السيسي.

وقال بكري، في منشور عبر إكس: مجلة الإيكونوميست البريطانية تخرج علينا بين الحين والآخر بتحليلات غير موضوعية، تتجاهل الحقائق، وتسعى إلى تشويه صورة مصر، وتاريخها معنا طويل، ففي عام 2016، خرجت بعنوان «خراب مصر» ومضت الأيام ومصر تمضي إلى الأمام.

وأضاف بكري: مؤخرا زعمت الإيكونوميست أن مصر باتت على رأس المتفرجين فيما جرى في المنطقة العربية، وهنا أود أن أؤكد على عدد من الملاحظات المهمة، وهي:

- دور مصر كلاعب رئيسي في المنطقة وخارجها تفرضه حقائق الواقع، ووزن مصر وتأثيراتها وعلاقاتها مع أشقائها العرب.

- الموقف المصري تحكمه ثوابت الأمن القومي العربي والقرارات الدولية وقرارات الجامعة العربية تجاه قضايا المنطقة، وفي المقدمة منها القضية الفلسطينية.

- القيادة المصرية تتحرك على الساحة انطلاقا من الثوابت، ولا تسعى إلى تجاوزها.

- الدور المصري لايزال لاعبا رئيسيا في حل المشاكل العربية والإقليمية، وآخرها اللقاء الثلاثي بين مصر وتونس والجزائر والخاص بالمشكل الليبي، ولقاء الأردن الخاص بالأوضاع الفلسطينية، ناهيك عن الاتصالات الدولية ذات الصلة.

- الحديث عن الاقتصاد المصري مردود عليه بالإنجازات المذهلة التي تحققت على الأرض المصرية في سنوات معدودة، كما أن مصر لم تعجز أبدا عن سداد فؤاد ديونها.

وتابع: الإيكونوميست تحمل أجندة سياسية، وتتجاهل في خطابها الواقع والتحديات التي تعيشها مصر، وأيضا الإنجازات التي تحققت وحالة الأمن والاستقرار التي تنعم بها البلاد، رغم التوترات المحيطة.

واختتم: أما محاولات التشكيك في القيادة المصرية فهو مردود عليها بهذا الالتفاف الشعبي الكبير حول الرئيس السيسي دعما لمواقفه الوطنية والقومية.

اقرأ أيضاًأبرز المكرمين مصطفى بكري.. منظمة تضامن الشعوب الأفريقية والآسيوية تحتفي بـ«عيد الإعلاميين»

«مصطفى بكري» يهنئ «الأهرام العربي» لفوزها بجائزة الصحافة العربية للمرة الخامسة

«مصطفى بكري» عن شائعة إغلاق دير سانت كاترين: الدولة تواجه حربا ممنهجة

مقالات مشابهة

  • وثائق تؤكد احتجاز نظام الأسد للصحفي الأمريكي أوستن تايس
  • سوريا تحديات أمنية واقتصادية بعد 6 أشهر من عزل الأسد
  • إنشاء معمل لحليب الأطفال من قبل شركة بريطانية
  • محكمة بريطانية تُغرّم رجلًا بعد حرقه نسخة من القرآن أمام القنصلية التركية في لندن
  • محكمة بريطانية تدين شخصا أحرق المصحف في لندن
  • تصعيد أمريكي خطير يهدد أمن سوريا والمنطقة وهذا ما حدث (تفاصيل)
  • السفير الأمريكي في إسرائيل ينتقد موقف فرنسا بشأن الدولة الفلسطينية ويعتبره تدخلا غير مقبول
  • وزير الخارجية يؤكد موقف مصر من رفض التهجير ودعم الدولة الفلسطينية
  • بكري ردا على «الإيكونوميست»: موقف مصر تحكمه ثوابت «الأمن القومي العربي» وفي مقدمتها القضية الفلسطينية
  • وقفات يومية..المغاربة في صدارة الشعوب الداعمة للمقاومة الفلسطينية والرافضة للتطبيع