تعتبر سلطنة عمان من الاقتصادات النامية التي شهدت تحولا جذريا في بنيتها الاقتصادية منذ بداية السبعينيات، حيث بدأت السلطنة مسيرتها التنموية في ظل تحديات كبيرة، ونجحت في تحقيق إنجازات اقتصادية ملحوظة بفضل السياسات الاقتصادية المدروسة والجهود الحكومية المتواصلة.
ومع إطلالة العام الجديد 2025، يعكس الاقتصاد العماني مؤشرات واضحة على التعافي والنمو، حيث يركز بشكل كبير على تنويع الاقتصاد وتقوية الأداء في القطاعات غير النفطية.

ويتطلب المستقبل الاستمرار في تحسين بيئة الأعمال وتعزيز الاستثمارات، مما سيساهم في تحقيق الأهداف الاقتصادية المحددة في "رؤية عمان 2040".
وعلى الرغم من استمرار التحديات، إلا أن سلطنة عمان تمتلك القدرة على تحقيق أهدافها التنموية، من خلال تطبيق الاستراتيجيات المناسبة والالتزام المستمر، يمكن لسلطنة عمان ضمان مستقبل مستدام وازدهار اقتصادي.
الأداء الاقتصادي عبر العقود
حقق الاقتصاد العماني متوسط نمو سنوي حقيقي قدره 7.5% خلال الفترة من 1970 إلى 1997، مما يدل على بداية قوية للنمو والتطور، وخلال الفترة من 1998 إلى 2020 بلغ متوسط معدل النمو 3%، حيث واجهت سلطنة عمان خلال هذه الفترة تحديات متعددة منها انخفاض أسعار النفط وتأثيرات الأزمات الاقتصادية العالمية. ومع ذلك، فإن "رؤية عمان 2040 " تستهدف تحقيق متوسط نمو قدره 5% خلال الفترة من 2021 إلى 2040، مما يعكس الطموح والرغبة في تحسين الأداء الاقتصادي، وفعليا تمكن الاقتصاد العماني من تحقيق معدل نمو بلغ بالمتوسط 3.9% خلال الفترة (2021-2023) متجاوزا بذلك النمو المستهدف خلال سنوات خطة التنمية الخمسية العاشرة ( 2021-2025) والبالغ نحو 3.5%..
النمو في الناتج المحلي الإجمالي
وفقًا للبيانات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، شهد الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية نموًا بنسبة 2.7% ليصل إلى 30.64 مليار ريال عماني بنهاية الربع الثالث من عام 2024، مقارنة بـ29.85 مليار ريال عماني في الفترة المماثلة من العام السابق، ويدل هذا النمو على تحسن في الأنشطة الاقتصادية، خاصةً مع تراجع مساهمة الأنشطة النفطية إلى 35.1% مقارنة مع 35.9% حتى نهاية الربع الثالث من عام 2023، مما يشير إلى نجاح الجهود المبذولة نحو تنويع الاقتصاد وتعزيز الأنشطة غير النفطية، حيث ارتفعت مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية إلى 68.45% مقابل 67.42% حتى نهاية الربع الثالث من عام 2023.
التحولات في القطاعات الاقتصادية
سجل الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة نموًا بنسبة 1.86% حتى نهاية الربع الثالث من 2024. وقد زادت مساهمة الأنشطة الخدمية إلى 48.22% بمعدل نمو قدره 3.46%. مما يدل على أن قطاع الخدمات أصبح يمثل محركا رئيسيا للنمو الاقتصادي. كما شهدت الأنشطة الزراعية والسمكية ارتفاعًا في مساهمتها إلى 2.61% بمعدل نمو 5.25%، مما يشير إلى الاهتمام المتزايد بالزراعة والموارد البحرية.
من جهة أخرى، تراجعت الأنشطة النفطية إلى 31.55%، مما يدل على أهمية التركيز على القطاعات البديلة لتعزيز الاستدامة الاقتصادية. وبلغت مساهمة الأنشطة الصناعية 22.1% في الناتج المحلي الإجمالي بمعدل نمو بلغ 5.61%، وحقق قطاع الصناعات التحويلية نموًا ملحوظًا بلغ 8.53%. تعتبر هذه الأرقام على مؤشرات إيجابية لنجاح السياسات الاقتصادية في دعم التصنيع المحلي. وحققت أغلب القطاعات غير النفطية الأخرى نموا في قيمتها المضافة، حيث حقق قطاع الإنشاءات معدل نمو 3.9%، وقطاع تجارة الجملة والتجزئة 6.86% و6.83% لقطاع النقل والتخزين، و3.36% معدل النمو في الأنشطة المالية وأنشطة التأمين.
ارتفع عدد العمانيين العاملين في القطاع الخاص وتراجع التضخم إلى مستوى آمن
على صعيد سوق العمل، ارتفع عدد العمانيين العاملين في القطاع الخاص إلى 413.9 ألف عامل، بمعدل نمو قدره 4.93% حتى نهاية الربع الثالث من 2024، مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق، حيث بلغ عددهم 394.48 ألف عامل، مما يشير إلى الجهود المبذولة في توفير فرص عمل جديدة وتمكين مشاركة العمانيين في القوى العاملة.
وتراجع التضخم إلى مستوى آمن بلغ 0.58% حتى نهاية الربع الثالث من 2024، مقارنة بـ1.15% في الفترة المماثلة من العام السابق. هذا الانخفاض في معدلات التضخم يدل على استقرار الأسعار، ومن أبرز المبادرات الحكومية للحد من التضخم تثبيت تسعيرة الوقود، وتوسيع الإطار الزمني لإعادة توجيه الدعم للكهرباء، وتوسيع قائمة السلع المعفاة من ضريبة القيمة المضافة إلى 512 سلعة، ودعم أسعار شراء القمح مبادرة "دعم المزارعين".
المالية العامة والدين العام
في جانب المالية العامة، ارتفعت الإيرادات العامة للدولة بنسبة 3.5% لتصل إلى 9.2 مليار ريال عماني حتى نهاية الربع الثالث 2024، مما يعكس تحسنا في الوضع المالي للدولة وقدرتها على تلبية احتياجاتها التنموية.
وتشير البيانات إلى تراجع قيمة الدين العام إلى 14.4 مليار ريال عماني، بانخفاض قدره 8.28% في نهاية الربع الثالث من عام 2024م، مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق، مما يدل على جهود الحكومة في إدارة الدين العام بشكل فعّال وتحقيق استدامة مالية، وتعزيز الثقة في الاقتصاد العماني.
وشهد التقييم الائتماني لسلطنة عمان من قبل مؤسسات التقييم الدولية الرئيسية تحسنا في عام 2024، حيث رفعت وكالة "ستاندرد اند بورز" تصنيفها إلى (BBB-) مع نظرة مستقرة ورفعت الوكالات المالية في تقرير تصنيفها الائتماني الثاني عن سلطنة عُمان، وبذلك تمكنت سلطنة عمان من استعادة مؤشر الجدارة الاستثمارية والحصول على بيئة استثمارية آمنة، حيث عادت سلطنة عمان لهذه الفئة من التصنيف بعد انخفاض دام قرابة 7 سنوات (منذ عام 2017م) جراء تأثيرات الأزمات الناتجة عن انخفاض أسعار النفط العالمية وجائحة كورونا "كوفيد-19".
المشاريع التنموية والتجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي
وخصصت الحكومة 900 مليون ريال عماني للمشاريع التنموية في عام 2024، حيث تم إنفاق 840 مليون ريال عماني حتى نهاية الربع الثالث، وتشير هذه الاستثمارات إلى الاهتمام الذي توليه الحكومية في تمكين البنية الأساسية والدفع بالتنمية المستدامة، مما يساهم في تحسين جودة الحياة للمواطنين ورفع مستوى الخدمات وجذب الاستثمارات.
فيما يتعلق بالتجارة الخارجية، ارتفعت صادرات سلطنة عمان إلى 18.24 مليار ريال عماني، بنسبة زيادة قدرها 9.95%، حتى نهاية الربع الثالث من عام 2024م، مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق والبالغة 16.59 مليار ريال عماني، وشكلت الصادرات النفطية 68% من الإجمالي، وبحجم 12.4 مليار ريال عماني، في حين شكلت الصادرات غير النفطية ما نسبته 24.8% من إجمالي الصادرات. وشهد الميزان التجاري تحسنًا ليصل إلى 6.06 مليار ريال عماني، مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق والبالغ 5.61 مليار ريال عماني، مما يدل على قوة الاقتصاد العماني في مواجهة التحديات العالمية.
جهاز الاستثمار يحقق عائدا استثماريا من أحد أصوله في إيطاليا
كما نجح جهاز الاستثمار العُماني عبر محفظة الأجيال من التخارج من أحد أصوله في إيطاليا بعائد استثماري تجاوز الـ50 بالمائة من القيمة الأساسية للاستثمار؛ ما يعكس نجاحه الاستراتيجي في تعظيم العوائد المالية واستغلال الفرص الاستثمارية العالمية.
ودخلت الشركة الأوزبكية العُمانية للاستثمار - إحدى الشراكات الاستراتيجية للجهاز - في مشروع يُعدّ الأول من نوعه في العاصمة الأوزبكية طشقند، وهو إنشاء جامعة أمريكية بمعايير أكاديمية عالمية بالتعاون مع جامعة ولاية أريزونا كشريك أكاديمي، ليمثّل المشروع نقلة نوعية في قطاع التعليم العالي بأوزبكستان، حيث ستوفر الجامعة أكثر من 4 آلاف مقعد دراسي في تخصصات تقنية ومالية، مع خطط مستقبلية لتوسيع الطاقة الاستيعابية إلى 9 آلاف طالب بعد اكتمال الحرم الجامعي الجديد.
وقد تأسست الشركة الأوزبكية العُمانية للاستثمار في عام 2010م برأس مال 200 مليون دولار أمريكي، حيث يمتلك جهاز الاستثمار العُماني 75 بالمائة من أسهمها، وتضم محفظة الشركة حاليًا 10 مشروعات استثمارية متنوعة تشمل قطاعات المنسوجات، والمواد الغذائية، والمستحضرات الصيدلانية، والتجزئة، والتقنية، والعقارات، والعملات الأجنبية، ما يعكس توجهها نحو تنويع استثماراتها في قطاعات حيوية وواعدة.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: إنجازات اقتصادية الاقتصاد العمانى جانب المالية العامة المبادرات الحكومية القوى العاملة نهایة الربع الثالث من عام حتى نهایة الربع الثالث من الناتج المحلی الإجمالی الاقتصاد العمانی ملیار ریال عمانی الاقتصاد الع خلال الفترة غیر النفطیة مما یدل على سلطنة عمان بمعدل نمو معدل نمو عام 2024

إقرأ أيضاً:

إلغاء قانون قيصر على سوريا.. خطوة مفصلية نحو التعافي الاقتصادي والإعمار

رحّبت الحكومة السورية بقرار مجلس النواب الأميركي التصويت لصالح إلغاء "قانون قيصر"، معتبرة الخطوة تحولاً جوهرياً في مسار العلاقات الدولية وإعادة الإعمار، ومؤشراً على بداية مرحلة اقتصادية أكثر انفراجاً بعد سنوات طويلة من القيود والعقوبات التي أثقلت الاقتصاد السوري وأعاقت قطاعات حيوية.

وقالت وزارة الخارجية السورية في بيان صادر الخميس إن تصويت الكونغرس، وما سيليه من تصويت مرتقب في مجلس الشيوخ الأسبوع المقبل، يشكّل "محطة محورية" نحو تحسين حركة الاستيراد وتوفير المواد الأساسية والمستلزمات الطبية، ويمهد لإطلاق مشاريع إعادة الإعمار وتنشيط الاقتصاد الوطني. وأكدت أن هذه الخطوة "تعيد بناء الثقة وتفتح مساراً جديداً للتعاون"، مرجّحة أن تسهم في تخفيف الأعباء التي تراكمت على السوريين طوال سنوات العقوبات.

وأعربت الوزارة عن أمل دمشق بأن يفضي التصويت النهائي إلى "استكمال إلغاء كامل المنظومة التقييدية وفتح آفاق تعاون جديدة"، في إشارة إلى رغبة سوريا في استعادة علاقاتها الاقتصادية مع المؤسسات الدولية والشركاء الإقليميين بعد توقف طويل.

وجاء قرار مجلس النواب الأميركي ليُلغي العقوبات المفروضة على سوريا وفق "قانون قيصر"، وذلك ضمن بنود قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2026، ما يمهد لإغلاق الملف فعلياً بمجرد إقراره في مجلس الشيوخ وتوقيع الرئيس الأميركي عليه بنهاية العام. ويتيح هذا التطور عودة التعاملات المالية والمصرفية الدولية مع دمشق، وهو الأمر الذي كانت المؤسسات العالمية تتجنب الدخول فيه خشية مخالفات القانون السابق.

وكان "قانون قيصر" الذي فُرض عام 2019 قد شكّل أحد أكثر القوانين تأثيراً على الاقتصاد السوري، إذ استهدف شخصيات ومؤسسات مرتبطة بالنظام السابق بقيادة بشار الأسد الذي تمت الإطاحة به عام 2024، وتسبب في تقييد حركة الاستيراد والتصدير، وتعطيل مشاريع حيوية في قطاعات الطاقة والبنى التحتية والخدمات.

في السياق ذاته، وصف وزير السياحة السوري مازن الصالحاني إلغاء القانون بأنه "محطة تاريخية تعيد تصحيح مسار العدالة الدولية"، مؤكداً أن القطاع السياحي كان "الأسرع تعافياً بعد التحرير"، وأن رفع القيود الخارجية سيُسهم في جذب استثمارات جديدة وتسهيل حركة الوفود السياحية. وأضاف أن سوريا "تتقدم بثبات نحو بناء قطاع سياحي قادر على المنافسة إقليمياً ودولياً"، مشدداً على أن أبواب البلاد ستظل مفتوحة لكل الراغبين في المشاركة بمرحلة التعافي وفق مبادئ السيادة والتنمية المستدامة.

ويشكّل القرار الأميركي –في حال استكمال مساره القانوني– نقطة تحول بالنسبة لدمشق، حيث يعوّل اقتصاديون على استعادة جزء من الحركة التجارية والاستثمارية، وتهيئة بيئة أفضل لإعادة الإعمار التي تعطلت لسنوات بسبب العقوبات، وسط توقعات بأن تنعكس الخطوة على توفر السلع، وتحسن الخدمات، وعودة عدد من القطاعات الإنتاجية إلى مسارها الطبيعي.

مقالات مشابهة

  • الاقتصاد البريطاني ينكمش في الربع المنتهي بأكتوبر
  • سلطنة عُمان تحقق فائضًا تجاريًا بـ3.885 مليار ريال عماني حتى سبتمبر 2025
  • "الشراكة الاقتصادية الشاملة مع الهند" تُعيد رسم ملامح الاقتصاد العُماني
  • وزير النقل والاتصالات وتقنية المعلومات لـ عمان: تواصل تنفيذ 60 مشروعا بأكثر من 2 مليار ريال عماني
  • إيرادات منصة إكس المملوكة لإيلون ماسك تصعد بالربع الثالث
  • شائعة Galaxy S26 Ultra تزداد قوة: سامسونج تلمّح إلى اعتماد شريحة واحدة لكل الأسواق
  • إلغاء قانون قيصر على سوريا.. خطوة مفصلية نحو التعافي الاقتصادي والإعمار
  • الإحصاء: ارتفاع عدد رخص البناء خلال الربع الثالث 2025
  • البنك الدولي: الاقتصاد الصيني حافظ على قوته في الربع الثالث
  • 637.9 مليار أصول الصناديق الخاصة