علي جمعة: التوكل على الله أن تكون راضيا بسلطانه عاملا بأوامره متعلقا بفضله
تاريخ النشر: 4th, January 2025 GMT
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ان الله عز وجل قال {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} يعني أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وأنك إذا أردت أن يُستجاب الدعاء، وأن تصل إلى نجاح الطلب الذي تطلبه، والرغبة التي ترغب فيها، فيجب عليك أن تطلبها من ربك. وكان النبي ﷺ دائمًا يقول: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ»، يعيش دائمًا تحت سلطان الله، وتحت أمر الله سبحانه وتعالى.
واضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، انه عندما يسأل أحدنا أخاه في شيءٍ من أمور الدنيا، فيقول له: بالله عليك تفعل كذا، كان سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه عندما يسمع هذا، وعندما يأتيه الشخص ويقول له: بالله عليك تفعل كذا، فإنه يفعله. وكان بعضهم يقول له: هذا يخادعك، فكان يقول: مرحبًا بمن خدعني في الله، وخدعني بالله. يعني ما دام قال بالله عليك تفعل لي كذا، فإنه كان يبر قسمه تعظيمًا لله سبحانه وتعالى.
فإذا أردت إنجاح مقاصدك ومطالبك في الدنيا، فعليك أن تطلبها بالله. وقد تطلب بالله من البشر. فإذا طلبت من الله سبحانه وتعالى، فهذا معناه {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}؛ أنك أفردت قلبك، وأخليته من كل توجهٍ وكل اعتمادٍ على غير الله سبحانه وتعالى.
هذا كله يحتاج منا إلى تربية، وإلى تدريب، وإلى أن نعيش هذه المعاني. لأننا لو عشناها، لوجدنا لها لذة، ولوجدنا لها أثرًا في الدنيا. يعني قضية الدعاء هذه قضية كبيرة جدًا، وتزيد من الإيمان. لأنك عندما يستجيب الله تعالى دعاءك، تجد أنه قد ثبتك في الإيمان، وحبّبك فيه. وتجد طريقةً هي طريقة مهمة في قضاء الحاجات في هذه الحياة الدنيا.
دائمًا عندما نسأل الله بذاته، أو نسأل البشر بربنا سبحانه وتعالى، أو حتى نستعين بذلك في أنفسنا، نجد أن الأعمال قد تحققت. هذا دليلٌ آخر على وجود الله. وهذا دليلٌ آخر يسألنا عنه الملاحدة، ويقولون: أنتم لماذا تؤمنون بالله كل هذا الإيمان؟ ولماذا لا نؤمن نحن؟ وتأتي الإجابة بهذه الكلمة: أننا لنا تجربة مع الله سبحانه وتعالى.
نصلي فنشعر براحة، نذكر الله فنشعر براحة، ندعو الله سبحانه وتعالى فإذا به يستجيب. نلتجئ إليه في مناجاة فإذا به يتم المقصود، ويتم بصورة غريبة عجيبة.
هذا هو الذي يجعلنا نتمسك كل يوم، ويزيد إيماننا كل يوم. فيقولون: نحن لم نجرب هذا، لم نصلِّ، لم نذكر، لم ندعُ. ولكننا بعقولنا هكذا نريد أن نتفلت، نريد ألا يكون علينا تكليف.
هذا هو الفرق بين المؤمن وغير المؤمن. المؤمن توكل على الله، ومن تجربته الروحية والعملية كل يوم يرى الله سبحانه وتعالى، وكل يوم يزداد إيمانًا، وكل يوم يشعر بصدق هذا الوحي. فعندما ينظر إلى {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} يجد قلبه فعلًا يطمئن بذكر الله. عندما يجد أن الإيمان له حلاوة في القلب، عندما يجد أن غض البصر له حلاوة في القلب، عندما يجد أن الخشوع في الصلاة له حلاوة في القلب، فإنه لا يستطيع أن يترك كل هذا من أجل قول قائلٍ لم يجرب.
{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} يعني أنه سبحانه كفايته. حسبنا الله ونعم الوكيل معناها: كفايتي ربي، فهو الذي يكفيني، وهو الذي يستجيب دعائي، وهو الذي يحقق مطلوبي، وهو الذي يصلني إلى مقصودي. فهو سبحانه وتعالى قبل كل شيء، ومع كل شيء، وبعد كل شيء. هو الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم، وبكل شيء محيط.
ربنا سبحانه وتعالى عندما يستجيب دعائي، وعندما أيضًا يسارع في تحقيق هواي – وهذه درجة أعلى – فعندما تقول السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها لسيدنا رسول الله ﷺ: «أرى الله يسارع في هواك»، يعني ينفذ الشيء قبل أن يطلبه وقبل أن يدعوه.
هذا حال الذاكرين المعلقة قلوبهم بالله رب العالمين، حال الذاكرين الذين يقال عنهم في الحديث القدسي: «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أحسن ما أعطي السائلين». هذه الحالة، حالة المبادرة من الله سبحانه وتعالى قبل الطلب، تتأتى بإخلاص العبادة، وبأننا يجب أن نطلب من الله، بالله رب العالمين.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: التوكل على الله التواكل على جمعة المزيد الله سبحانه وتعالى کل شیء کل یوم
إقرأ أيضاً:
ما هي واجبات الحج.. وكيف يكون الإحرام من الميقات؟ علي جمعة يوضح
ما هي واجبات الحج، وكيف يكون الإحرام من الميقات؟ سؤال أجاب عنه الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء.
ما هي واجبات الحج؟
وفي بيان واجبات الحج أوضح علي جمعة التالي:
● الإحرام من الميقات: فلا يجوز أن تحرم بعد الميقات، والميقات هنا الزماني أو المكاني.
أما الميقات الزماني: فشوال، وذو القعدة، والتسع الأول من ذي الحجة، فمن نوىٰ الحج في رمضان مثلا لا يصح، لأنه يجب أن تقع النية في هذه المواقيت.
وأما الميقات المكاني: فهناك نقاط حول البيت من الممكن أن تتخيلها علىٰ الخريطة المرسومة، هذه الدائرة المرسومة حول الحرم تمثل إطاراً لا يجوز للحاج أن يتجاوزه أو يدخل فيه إلا وهو محرم، هذه الدائرة تبعد ثلاثمائة كيلومترً شمالاً، وسبعين كيلومترا جنوباً، ومائة كيلو متر غرباً، فلا تدخل هذه الدائرة إلا وأنت محرم، والأولىٰ أن تُحرم عند الميقات، لكن لو أَحْرَمْت قبل الميقات فلا مانع، لأن المقصود هو أن تدخل هذا الميقات المكاني وأنت مُحرم.
ثم إن هذه المواقيت المكانية معروفة ومحددة: فميقات من جاء من جهة المدينة: أبيار علي (ذو الحليفة سابقاً)، وميقات من جاء من جهة مصر والشام: رابغ (الجحفة سابقا وينبع الآن)، وميقات من جاء من جهة اليمن: يَلَمْلَم، وميقات من جاء من جهة العراق: ذَات عِرْق، وميقات من جاء من جهة نجد: قرن الثعالب.
وهي مواقيت لسكانها ولمن مر عليها من غيرهم، أي لا تدخل هذه الدائرة إلا وأنت محرم، فكونك تحرم في القاهرة وتذهب إلىٰ المطار وأنت محرم وتركب الطائرة وتسافر لا مانع؛ لأن المقصود هو أن تكون علي حالة الإحرام عند محاذاة هذه الدائرة.
فمن دخل هذه الدائرة وهو غير محرم فعليه دم (ذبح شاة) فمن لم يستطع فليصم ثلاثة أيام في الحرم، وسبعة بعد الرجوع إلىٰ البلد، فلو لم يصم هناك فعندما يرجع إلىٰ بلده يصوم ثلاثة أيام ويفطر أربعة، ثم يصوم سبعة أيام.
فالفكرة العامة إذن هو أنك لا تدخل هذه الدائرة إلا محرماً.
والسنة كلها مواقيت للعمرة، أما الحج فله وقت محدد، وهو: شوال، وذو القعدة، والتسعة الأول من ذي الحجة.
والحج له أنواع ثلاثة: (متمتع- وقارن- ومفرد): لا نبدأ فيه إلا في الميقات الزماني الذي يبدأ أول شوال، فإذا أحرمت بالحج في رمضان فتنقلب إلىٰ عمرة، فإذا عملت عمرة في أشهر الحج ثم رجعت إلىٰ بلدك ثم ذهبت مرة ثانية للحج مفرداً فإنك تكون متمتعاً لأنك أوقعت العمرة في هذه الشهور، وهناك خلاف بين الأئمة في هذه المسألة.
● رمي الجمار: وهناك ثلاث جمرات أو عقبات، يوم النحر تُرمىٰ الكبرىٰ، وفي أيام التشريق الثلاثة: الكبرىٰ، والوسطىٰ، والصغرىٰ في كل منها، فتكون سبع حصوات في يوم النحر، وإحدىٰ وعشرين في كل يوم من أيام التشريق، فيكون المجموع سبعين.
فلو تركت كل الرمي فعليك دم، أما لو تركت أقل الرمي - فكل جمرة ترمي بسبع حصوات ولكنك رميت خمسة فقط - فلا شيء عليك، فلو رميت ثلاثة فعليك أن تخرج خمسة كليو جرامات أرز للفقراء، فلو تركت يوماً تطعم ستة مساكين، كل عقبة باثنين.
والذي نفتي به الآن، كون الرمي طوال الأربع والعشرين ساعة، خاصةً بسبب زحام الناس الشديد، وهو مذهب طاووس بن كيسان اليماني من التابعين، من تلامذة ابن عباس –رضى الله عنهما- حَبر الأمة، ولذلك نقول للناس: إنه لا بأس أن نأخذ مثل هذا، بل ونقول أيضاً للعلماء: ينبغي عليكم أن تدركوا الواقع الذي نعيشه، وأن الناس قد بلغت في الأرض كلها، من كل ناحية، وفي الحج من ناحية أخرىٰ، ما لم تبلغه البشرية منذ خلقها الله إلىٰ هذا اليوم، فلم يحدث أن يكون علىٰ الأرض 6 أو 7 مليار، ولم يحدث أبداً في الحج أن يكون أبداً في مثل هذه الأماكن 4 أو 5 مليون، هذه أرقام لا يمكن تخيلها، ونحن لا نذهب إلىٰ هذه الأماكن المقدسة من أجل أن تقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق! نحن نذهب للعبادة، ويتأتى في العبادة أن نقلد واحداً من أئمة المسلمين خاصةً إذا كان رفيع الشأن مثل: كيسان، ومجاهد -رضى الله عنهما- وهما يريان أن محل الرمي اليوم كله، مادام الحاج رجع من مزدلفة، ولو بعد نصف الليل، وهذا حلال، ويجزئ إن شاء الله، وكل اليوم إنما هو موضع للرمي تخفيفاً علىٰ الناس، فالرمي بعد الزوال هو السُنة، لكن لو أن سُنة من السنن أدت إلىٰ قتل مسلم من أجل الزحام، أو أن أقتل بها نفسي! لوجب العدول عنها إلىٰ ما يحقق المقاصد الشرعية الكبرىٰ، كيف وحال الضرورة يرفع عن الإنسان الحرج، ويجيز له أكل الميتة مثلا إن اضطر إليه، إلىٰ غير ذلك من الأحكام الخاصة بأحوال الضرورة مما رخص فيه الشارع الحكيم تيسيرا ولطفا بالمكلفين، وندعو الناس أن تتفهم مراد الله في دينه، ومراد الله من خلقه.
● الْمَبيت بمزدلفة: فتمر عليها وتمكث قليلاً وذلك بعد منتصف الليل فهذا يعتبر مبيتاً بها، وهناك قول بأن المبيت بالمزدلفىٰ من السنن.
● والْحَلْق: الْحَلْقُ من شأن الرجال، والتقصير من شأن الرجال والنساء، فالنساء ليس لهن إلا التقصير.