هاني شجاع الدين
يتكون محور الشر من ثلاث دول وصفت بأنها عظيمة وغير قابلة للهزيمة، وهي: أمريكا، والكيان الصهيوني، وبريطانيا، بالإضافة إلى أدواتهم في المنطقة. هذه الدول لطالما أخافت وأرعبت العالم، ولم يتجرأ أحد على الوقوف في وجهها، نظرًا لما يراه الكثيرون من أنها بلغت ذروة القوة والإمكانات.
ورغم ذلك، فإن هذه الدول تواجه الآن ورطة حقيقية.
اليمن قد أثبت للعالم عكس ذلك في فترة وجيزة قد لا تُذكر، وقد يراها البعض غير منطقية لبناء دولة كاليمن حتى تصبح قوية، وبالذات أنها كانت ولا زالت مضغوطة ولم تستقر. ولكن بفضل الله وصد ضرباته وإفشالها، فقد كان للموقف اليمني دور بارز جعل محور الشر في ورطة عسكرية واقتصادية كبيرة وخسائر فادحة.
ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر المباركة قد صنعت المستحيل في ظل قيادة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، الذي استطاع أن يقود اليمن لتقف بكل ثبات وثقة، وتبني دولة قوية ومتمكنة وجديرة.
فعلاً قهرت اليمن أعداءها وأعداء الأمة والدين الإسلامي، وناصرت الإخوة المجاهدين في فلسطين ولبنان منذ قبل وبعد عملية “طوفان الأقصى” المباركة، وبمختلف الطرق والوسائل. قطعت اليمن البحر، وأحرقت السفن، وأغلقت الموانئ، ودمرت أسلحة أمريكا التي أرعبت العالم، بما في ذلك حاملة الطائرات التي أُجبرت على الانسحاب عدة مرات.
اليمن أسقطت طائرات أمريكية حديثة، وفرضت حصارًا على الكيان الصهيوني. اجتازت الدفاعات الجوية والقبة الحديدية، ووجهت ضرباتها الدقيقة إلى عمق الكيان الصهيوني، بما في ذلك “تل أبيب”، واستهدفت عدة مواقع عسكرية وحيوية، مثل المطارات ومحطات الكهرباء. اليمن استطاعت أن تصيب أهدافها بدقة، وتحدث دمارًا وخسائر بشرية، وتفرض حالة من الهلع والخوف في أوساط الكيان الصهيوني، ما أجبر المستوطنين على الهروب إلى الملاجئ خوفًا من الصواريخ اليمنية.
استطاعت اليمن أن تفشل مخططات محور الشر في ردعها، بفضل الله وصد ضرباته وإفشالها. وقد كان للموقف اليمني دور كبير في جعل محور الشر في ورطة عسكرية واقتصادية وخسائر فادحة.
فلله در اليمن وقائدها الذي أصبح أمام العالم أنموذجاً وآيةً من آيات الله؛ فمن يسأل: اليمن إلى أين ومن أين لك ذلك؟ فعليه أن يعرف أن في اليمن رجالًا صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وأن لهم قائدًا ربانياً ومنهجًا قرآنياً، وأن المدرسة التي ينتمون إليها هي مدرسة السيد العلامة المجاهد بدر الدين الحوثي وابنه الشهيد القائد والمؤسس البارع الحسين بن بدر الدين الحوثي.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: محور الشر
إقرأ أيضاً:
حرب غزة.. مقاربة لفهم استعصاء جبهة اليمن
يستمر إطلاق الصواريخ اليمنية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث تعهدت حركة أنصار الله اليمنية باستمرار هجومها على “إسرائيل” ما دامت حرب الإبادة مستمرة على قطاع غزة، وذلك بالرغم من قيام الاحتلال الإسرائيلي بشنّ غارات على اليمن إحداها في 6 مايو الحالي، ألحقت أضراراً بالمطار الرئيسي في العاصمة صنعاء وأدت إلى استشهاد عدد من المدنيين اليمنيين.
وبالرغم من الضربات الأمريكية (سابقاً) والإسرائيلية المستمرة منذ مارس 2025م، وبالرغم من قوتها، والتكاليف المادية والبشرية اليمنية، من غير المتوقع أن تؤثر الضربات الجوية استراتيجياً على القوة اليمنية، أو تثني اليمنيين عن الدفاع عن أنفسهم أو عن القيام بردود أفعال عسكرية انتقامية مقابلة.
إن محاولة فهم استعصاء جبهة اليمن أمام التحالف الدولي الذي أنشأته الولايات المتحدة “حارس الازدهار” و”إسرائيل”، يتطلب فهماً معمقاً لتركيبة اليمن السياسية والاجتماعية والجغرافية، وكذلك لطبيعة جماعة أنصار الله الحوثية وأسلوبها في القتال، وهي على الشكل التالي:
1- الجغرافيا المعقدة:
تمتلك اليمن تضاريس جبلية معقدة تُصعّب العمليات العسكرية التقليدية وتعطي أفضلية لليمني للتخفي وتعيق فعالية الضربات الجوية التي اعتمد عليها الأمريكيون والإسرائيليون في هجومهم على اليمن. كذلك، تشكّل الجبال الوعرة والمرتفعات عوائق طبيعية تسهم في منح ميزة قتالية في الحروب كافة.
هذه التضاريس توفر غطاءً طبيعياً ممتازاً للتمركز، والانسحاب، وإعادة الانتشار، كما تعيق فعالية الطيران والاستطلاع، وهنا، يمكن أن نقول إن الأمريكي والإسرائيلي وقبلهما التحالف الدولي لم يستفيدوا من الدروس التاريخية للقتال في اليمن.
2- الأساليب القتالية:
بسبب الحرب التي يخوضونها منذ عام 2015م، طوّر اليمنيون أساليبهم العسكرية التي تجعل إمكانية هزيمتهم صعبة، يمتلك اليمنيون بنية تحتية عسكرية مرنة ومنتشرة في مناطق متفرقة من الجغرافيا التي يسيطرون عليها في اليمن، ويعتمدون على التخفي، التمويه، واللامركزية القتالية والعسكرية، لذا فإن الضربات لم تؤثر على قدرتهم على إطلاق الصواريخ على تل أبيب واستهداف الطائرات الأمريكية في البحر، وإسقاط الطائرات المسيّرة بدقة.
3- العوامل المجتمعية والعقائدية:
المجتمع اليمني قبلي بطبعه، ويتمتع بتماسك اجتماعي يمنح جماعة أنصار الله الحوثية حاضنة مجتمعية يصعب اختراقها، ويمنع الاقتتال الأهلي الذي يمكن توظيفه من قبل استخبارات خارجية لإضعاف جماعة ما.
زد على ما سبق، أن اليمنيين لا يقاتلون “إسرائيل” والأمريكيين من أجل مصالح سياسية، بل يعتبرون أنفسهم في “حرب مقدسة” لنصرة فلسطين، ما يجعل المقاتل أكثر استعدادًا للتضحية، وأكثر صبرًا على المعاناة، ويعزز من قدرته على الصمود أمام الحصار والهجمات الجوية التي حصلت، والتي أضرّت بالبنية التحتية وأدّت إلى سقوط ضحايا مدنيين.
4- الدعم الخارجي:
أي جماعة مقاتلة لا تمتلك عمقاً استراتيجياً أو تتلقى دعماً خارجياً لا تستطيع أن تصمد طويلاً في مواجهة “أكبر قوة عسكرية في العالم وأكبر قوة عسكرية في الشرق الأوسط”، لذلك فإن الدعم الذي تتلقاه جماعة أنصار الله الحوثية من الخارج يشكّل عاملاً مساعداً في ذلك الاستعصاء، لكنه ليس العامل الحاسم.
اعتمد اليمنيون على تطوير محلي لأسلحة متقدمة، بما في ذلك الصواريخ والطائرات المسيّرة، مستفيدين من الهندسة العكسية للأسلحة المهرّبة واستنساخ تقنيات إيرانية وصينية، إضافة إلى تصنيع محلي للأسلحة باستخدام مواد بسيطة ومكونات تجارية متاحة.
وعليه، من المرجّح أن تستمر جبهة اليمن في إسناد غزة ودعم الفلسطينيين في الصراع مع “إسرائيل”، وذلك لعدة عوامل أهمها:
أولاً: رغبة جماعة أنصار الله في عدم التخلي عن الفلسطينيين في ظل تعرضهم لحرب إبادة. بعد تعرّض أطراف “محور المقاومة” لضربات كبرى، وفي ظل انشغال إيران بمفاوضات ملفها النووي، يبقى اليمني هو الطرف الوحيد (في المحور) القادر والراغب على دعم وإسناد غزة.
ثانياً، رغم تصاعد القصف وتدهور الأوضاع الإنسانية في اليمن، لا تزال جماعة أنصار الله تحظى بدعم شعبي واسع نسبياً في مناطق سيطرتها، والدليل هو التظاهرات الهائلة التي تخرج كل يوم جمعة نصرة لغزة وفلسطين لأسباب عدة أبرزها التعاطف الشعبي اليمني الواسع مع الفلسطينيين في غزة، حيث يسود الشعور بالمظلومية التاريخية، ما يعزز من تماسك القواعد الشعبية، حتى في ظل التحديات الاقتصادية والخدمية.
ثالثاً: قيام جماعة أنصار الله الحوثية باستهداف “إسرائيل”، يمنحها شرعية إضافية في نظر شريحة واسعة من المجتمع اليمني، وكذلك هم باتوا محط افتخار من قبل شرائح واسعة من الشعوب العربية التي تنظر إلى غزة بعين “العاجز” عن إيقاف حرب الإبادة.
رابعاً: هذه الجبهة تُعد منخفضة الكلفة نسبيًا لليمنيين، مقابل تكلفة عالية تتحملها “إسرائيل” سواء من ناحية أمنها القومي، أم من ناحية الهيبة الدولية، وتأثيرها في الضغوط على نتنياهو داخلياً لعقد صفقة وإنهاء حرب غزة.
هذا إضافة إلى الكلفة الاقتصادية الكبيرة على “إسرائيل” عبر توقف شركات الطيران عن الوصول إلى مطار بن غوريون، والحصار المستمر على الموانئ الإسرائيلية وقدرة اليمنيين على السيطرة على الممرات البحرية الاستراتيجية مثل البحر الأحمر وباب المندب… كل هذه الأمور تجعلها ورقة ضغط سياسية حيوية أساسية- وتقريباً وحيدة خارجياً- لإنهاء الحرب على غزة.
* أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية