تمر التيارات الإسلامية في اليمن بتحولات عميقة منذ اندلاع ثورة 2011، تضافرت عوامل محلية وإقليمية في تشكلها، سواء مؤسساتيا أو مجتمعيا أو سياسيا.

 

وتنقسم الخريطة على الأرض بين جماعة أنصار اللهّ الحوثيين في العاصمة صنعاء، و"المجلس الانتقالي الجنوبي" في عدن وبعض المحافظات الجنوبية، في حين تحتفظ الحكومة المعترف بها دوليا بوجود رمزي في عدن، مع قوات موالية لها في تعز ومأرب وشبوة وحضرموت، مع حضور متناثر للحركات الإسلامية بجميع تنوعاتها في أنحاء اليمن.

 

وللوقوف على الوضع الراهن للحركات الإسلامية الرئيسية في اليمن، يقدم الباحث في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر فوزي الغويدي ورقة بحثية نشرها مركز الجزيرة للدراسات بعنوان "التيارات الإسلامية في اليمن: تحدي البقاء في بيئة مضطربة"، حلل فيها التحولات الجوهرية التي طرأت على البنية التنظيمية للحركات الإسلامية وأطرها الفكرية وممارساتها السياسية خلال آخر 10 سنوات، باستثناء جماعة الحوثي، لاختلاف المرجعيات العقدية والفكرية وظروف النشأة والتكوين.

 

إخوان اليمن.. التجمع اليمني للإصلاح

 

تعود جذور حزب التجمع اليمني للإصلاح إلى حركة الإخوان المسلمين، التي شهدت مرحلتين في اليمن، الأولى عندما تأسست النواة الأساسية في القاهرة على يد عبده محمد المخلافي عام 1963، والثانية عندما تأسس فرع التجمع اليمني للإصلاح في سبتمبر/أيلول 1990، بعد تحقيق الوحدة اليمنية، حينها حقق الحزب حضورا فعالا في البرلمان والحكومة.

 

وتمكن الحزب في فترة الانفتاح السياسي من إبراز رؤيته للعمل السياسي الجامع بين المرجعية الإسلامية ومفهوم الدولة المدنية. يقول محمد قحطان، وهو أحد قيادات الحزب، إن "ّالاعتقاد بالديمقراطية يعد مبدأ لا يمكن التنازل عليه"، مشيرا إلى أن الإصلاحيين يطمحون لإقامة دولة العدالة والمساواة.

 

وشهد الوضع التنظيمي والسياسي للتجمع اليمني للإصلاح تحولات عميقة بعد وصول الرئيس عبد ربه منصور هادي للسلطة في عام 2012، حينها حاول إعادة ترتيب علاقته مع النظام الجديد والانخراط الفاعل فيه، لكن سيطرة أنصار الله الحوثيين على العاصمة صنعاء في 2014 حال دون مواصلة الحزب نشاطه، لا سيما بعد اعتقال أكثر من 100 من قياداته.

 

وعاش الحزب مرحلة علاقات مضطربة مع القوى السياسية الأخرى في اليمن، سواء المختلفة عنه أو المشتركة معه في المرجعية ذاتها. فقد عرفت علاقاته مع المجلس الانتقالي الجنوبي فترة توتر هدأت بعد الجهود الدبلوماسية التي بذلها الحزب في الفترة من 2022 إلى 2024. وأما علاقاته مع "قوات المقاومة الوطنية" بقيادة طارق علي صالح، فقد شهدت تحولا ملحوظا في المسار والتوجهات، من التنافس الحاد إلى التقارب فالعلاقة التكاملية. وبالمجيء إلى علاقاته مع الجماعات الإسلامية الأخرى، فهي تتسم بالتنافسية الحادة في الأحوال العادية، لكن صعود الحوثيين إلى السلطة حوّلها إلى علاقة تعاونية تكاملية مرنة.

 

ويتأرجح مستقبل حزب الإصلاح في اليمن بين البقاء والتعافي، أو التراجع والانحسار، فتاريخ الحزب يظهر تمتعه بقدرة على التكيف مع المتغيرات، ومرونة مميزة بين الحركات الإخوانية الأخرى، لكنه في الوقت ذاته يشهد تراجعا متزايدا لدوره وتأثيره في المشهد السياسي اليمني، إلى جانب التحولات العميقة في المشهد السياسي اليمني جراء الحرب.

 

سلفية واحدة وعدة توجهات

 

تحول التيار السلفي في اليمن منذ مطلع الألفية الثالثة من العمل المؤسسي المنظم تحت قيادة مؤسسه مقبل بن هادي الوادعي، إلى التعددية التنظيمية والفكرية، سواء في الساحة السياسية أو في العمل المسلح.

 

وتنقسم السلفية في اليمن إلى عدة اتجاهات، أولها اتجاه السلفية العلمية الذي يمثله الوادعي، وهو اتجاه لا يتصادم مع السلطة ولا يقر بشرعيتها، والثاني هو الجامي أو المدخلي الذي يمثله الشيخ يحيى الحجوري، وأما الثالث فهو السروري نسبة إلى محمد بن سرور، في حين يضاف إلى هذه الاتجاهات السلفية الجهادية.

 

بدأت السلفية العلمية في اليمن مع "مركز دار الحديث في دماج"، الذي كان يركز على دراسة علوم الحديث والعقيدة واللغة العربية دون أي انخراط في العمل الحزبي والسياسي، وذلك بناء على قناعة مؤسسيه بأولوية الإصلاح العقدي والتربوي على العمل السياسي المباشر.

 

وانقسم التيار السلفي العلمي بعد سيطرة الحوثيين على المنطقة عام 2014 وتهجير نحو 15 ألفا من أتباع التيار السلفي، فآثر فريق منهم الالتزام بالحياد وتجنب المواجهة، في حين فضل آخرون الانخراط في التشكيلات العسكرية الجهادية.

 

أما الجماعات الجهادية التقليدية في اليمن فهي تتمثل في "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" و"تنظيم الدولة الإسلامية"، وهما تياران نشآ وسط ما تتسم به البيئة الأمنية اليمنية من الانقسامات السياسية والصراعات المسلحة. فظهور تنظيم القاعدة كان بناء على مجموعة تحالفات قبلية جعلته متجذرا في النسيج الاجتماعي اليمني، وأما تنظيم الدولة فقد بدأ بالطريقة ذاتها بوصفه منافسا أيديولوجيا وعملياتيا يحاول إيجاد موطئ قدم في الساحة اليمنية، مما خلق ديناميكية من التنافس والصراع بين التنظيمين.

 

ويبقى وسط هذين التيارين السلفيين، الجهادي والعلمي، تيار آخر يعرف بالحركي، أو السروري، وهو تيار سلفي علمي لكنه يؤمن بالتغيير والتنظّم في حركات سياسية أو مجتمعية متنوعة، على رأسها "جمعية الحكمة"، و"جمعية الإحسان"، و"حركة النهضة" وغيرها، وقد مثلت التغيرات السياسية التي شهدها اليمن منذ الوحدة وإعلان التعددية السياسية السبب الرئيسي وراء ظهور هذه المنظمات.

 

ويبقى المشهد المستقبلي للتيارات الإسلامية في اليمن مشتتا بين العمل السياسي الذي يمثله حزب الإصلاح، ذو التماسك التنظيمي والقاعدة الاجتماعية الواسعة والقدرة على التكيف والبقاء، والسلفية المنظمة التي تملك رصيدا مؤسسيا وتنظيميا يمتد لعقود في المجالات الخيرية والإغاثية والتعليمية، إلى جانب السلفية الجامية/المدخلية التي تحتفظ بدورها العسكري والأمني وعلاقاتها الإقليمية.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن التيارات الاسلامية صراعات عقيدة الإسلامیة فی الیمن الیمنی للإصلاح

إقرأ أيضاً:

هل يُعيد الذكاء الاصطناعي صياغة بيئة التعلم؟

 

 

أمل بنت سيف الحميدية **

يشهد التعليم العالمي تحوّلًا مُتسارعًا بفعل الذكاء الاصطناعي، الذي لم يعد مجرد تقنية مساعدة؛ بل أصبح محركًا رئيسًا يُعيد تشكيل العملية التعليمية؛ ففي العقود الماضية كان التعليم يعتمد على التلقين والمناهج الثابتة، أما اليوم فقد دخلت أدوات التحليل الذكي والتعلم التكيفي والفصول الافتراضية إلى المدارس والجامعات، لتفتح آفاقًا جديدة أمام الطلبة والمعلمين.

هذا التحول ليس خيارًا ترفيهيًا؛ بل ضرورة تفرضها متغيرات العصر ومتطلبات بناء رأس مال بشري قادر على المنافسة، وهو ما أكدته رؤية "عُمان 2040" التي وضعت التعليم أولوية وطنية للتنمية.

وتكمُن أهمية توظيف الذكاء الاصطناعي في التعليم في قدرته على جعل العملية التعليمية أكثر عدلًا وتخصيصًا ومرونة. فقد أوضحت منظمة اليونسكو في تقرير "الذكاء الاصطناعي في التعليم" الصادر عام 2023، أنَّ النماذج التعليمية الذكية تتيح مُتابعة تقدم الطلبة بشكل فردي، وتقديم محتوى يتناسب مع مستوياتهم وسرعتهم في الاستيعاب. كما إن الاستثمار في هذه الأدوات يدعم المعلمين في أدوارهم التربوية والإبداعية، ويحررهم من المهام الروتينية مثل إعداد الاختبارات أو متابعة الحضور. وفي السياق العُماني، يعدّ هذا التحول مُتسقًا مع الاستراتيجية الوطنية للتعليم 2040 التي تستهدف بناء نظام تعليمي متطور قادر على استيعاب الثورة الرقمية.

ويُؤكد تقرير الثورة الرقمية للذكاء الاصطناعي في التعليم العالي الصادر عن البنك الدولي لعام 2023، أن الذكاء الاصطناعي أحدث ثورة في التعليم العالي، عبر أدوات تحليل البيانات التعليمية والتنبؤ بمعدلات النجاح وتخصيص المناهج. كما يشير تقرير المسارات الرقمية للتعليم "تمكين أثر أكبر للجميع" الصادر عن البنك الدولي عام 2023، إلى أنَّ بناء بيئة تعليمية رقمية متكاملة يتطلب خططًا استراتيجية طويلة المدى تشمل البنية التحتية والتشريعات والتدريب المستمر للكوادر.

وبحسب الدليل الصادر عن منظمة اليونسكو بعنوان الذكاء الاصطناعي والتعليم: دليل لصانعي السياسات (صدر عام 2021)، فإنه يوضح كيفية إدماج الذكاء الاصطناعي في التعليم بصورة أخلاقية تكفل العدالة وتكافؤ الفرص. ويشير إلى ما ينطوي عليه الذكاء الاصطناعي من مخاطر وفوائد، داعيًا إلى استخدامه بما يضمن المساواة والشمولية. كما يتناول قضايا التحيُّز في الخوارزميات وضرورة معالجتها عند تصميم النظم التعليمية، ويؤكد على خضوع السياسات ذات الصلة لمبادئ أخلاقية تراعي الأبعاد المجتمعية، ويربط ذلك بحق التعليم العادل وإتاحة فرص متكافئة لجميع المتعلمين.

ومن الأمثلة التطبيقية، استعرضت دراسة كمالوف وزملاؤه عام 2023 المنشورة على منصة (arXiv) نماذج عملية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الصفوف الدراسية، مثل أنظمة التدريس التكيفي، التي تقوم على تخصيص عملية التعليم وفق احتياجات كل طالب، إضافة إلى الاختبارات الذكية التي تكيّف أسئلتها وفق مستوى المُتعلِّم؛ وهي نماذج يمكن أن تجد طريقها إلى المدارس في سلطنة عُمان.

إنَّ التحولات الرقمية تطرح تحديات موازية، من أبرزها الفجوة الرقمية بين الدول المتقدمة والنامية، واحتمال انحياز الخوارزميات، وضعف جاهزية المعلمين للتعامل مع الأدوات الجديدة. وقد شددت منظمة اليونسكو في تقريرها حول الذكاء الاصطناعي التوليدي عام 2023، على أهمية تطوير سياسات واضحة لضمان الاستخدام المسؤول لهذه التقنيات، مع التركيز على مبادئ الأخلاق والشفافية وإتاحة الوصول للجميع. وتؤكد رؤية "عُمان 2040" ضرورة بناء قدرات وطنية في البحث العلمي والتعلم الرقمي، وهو ما يعزز مكانة المعلم كشريك أساسي في التحول، وليس مجرد منفّذ للتقنية.

وبناءً عليه، يمكن صياغة خارطة طريق محلية لتبني الذكاء الاصطناعي في التعليم في سلطنة عُمان. تبدأ هذه الخارطة بتقوية البنية التحتية الرقمية في المدارس والجامعات، ثم تدريب المعلمين على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بكفاءة، يلي ذلك إطلاق برامج تجريبية في عدد من المؤسسات التعليمية لتقييم جدوى النماذج المختلفة، وأخيرًا توسيع التطبيق على نطاق وطني مع مراجعة دورية للنتائج. وهذا التدرج يتوافق مع ما أوصى به تقرير التقنيات المتقدمة من أجل التعليم الصادر عن البنك الدولي عام 2023، الذي أكد أن نجاح دمج التقنيات الحديثة يتطلب التوازن بين الابتكار والبُعد الإنساني.

إنَّ مستقبل التعليم في سلطنة عُمان يسير نحو نموذج ذكي ومستدام يجمع بين التقنية والقيم الإنسانية. فالذكاء الاصطناعي لا يُراد له أن يكون بديلًا عن المُعلِّم؛ بل شريكًا يسهّل مهمته ويعزز دوره في بناء القيم وتوجيه التفكير. ويبقى الهدف الأسمى إعداد جيل قادر على التكيّف مع متغيرات العالم الرقمي، مع الحفاظ على الهوية الوطنية. وهكذا، فإن الذكاء الاصطناعي يصنع الأدوات، أمَّا التعليم فهو الذي يصنع الإنسان القادر على توظيفها لخدمة التنمية والمجتمع.

** كاتبة وباحثة تربوية

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • ماغواير يرفض إغراءات أندية روشن
  • الحزب القومي الاجتماعي: ثورة 14 أكتوبر إعلان ميلاد فجر جديد في تاريخ اليمن
  • جمعت بين الثروة والتأثير السياسي.. من تكون ميريام أدلسون التي أشاد بها ترامب أمام الكنيست؟
  • هل يُعيد الذكاء الاصطناعي صياغة بيئة التعلم؟
  • عون يدعو للتفاوض مع إسرائيل: لا يمكن البقاء خارج مسار التسويات
  • من عدوان.. رسالة إلى بيئة حزب الله
  • أمين البحوث الإسلامية: الأزهر يبني جسور الحوار مع الشباب لتحصينهم من التيارات المنحرفة
  • أيمن غنيم: الاقتصاد المصري يستعيد ثقة العالم.. والاستقرار السياسي يصنع بيئة نمو مستدام
  • رؤساء أحزاب بعد تعيينهم بمجلس الشيوخ لـصدى البلد: الرئيس السيسي حريص على تعزيز مشاركة كافة التيارات السياسية في صناعة القرار.. وسنعمل معا لمواجهة كافة التحديات أمام الوطن
  • توكل كرمان: مجالان انتعشا في اليمن اقتصاد الحرب والفساد السياسي