عُمان والبيئة.. إرث أصيل ومستقبل مستدام
تاريخ النشر: 8th, January 2025 GMT
د. حامد بن عبدالله البلوشي
shinas2020@yahoo.com
في الثامن من يناير من كل عام، تحتفل سلطنة عُمان بيوم البيئة، يوم تتجلى فيه قيم العناية بالطبيعة، وتتكشف فيه الروابط العميقة بين الإنسان والأرض. إنه يوم يحمل بين طياته رسالة مُفعمة بالمسؤولية والأمل، دعوة لاستذكار جمال الطبيعة وأهميتها في حياتنا اليومية، وأهمية صونها للأجيال القادمة.
لقد وقع العالم في فخ الجور على الطبيعة، وإساءة الاستخدام، حيث تسببت الأنشطة البشرية غير المسؤولة في إحداث أضرار جسيمة على البيئة. فقطع الغابات، وتلويث البحار، وإطلاق الغازات السامة في الهواء؛ كلها دلائل على اختلال العلاقة بين الإنسان والطبيعة. ولعل أبرز نتائج هذا التعدي يتمثل في ظاهرة الاحتباس الحراري التي باتت تُهدد الكوكب، وتزيد من وتيرة الكوارث الطبيعية: من أعاصير، وفيضانات، وزلازل، وجفاف.
أمام هذا التحدي، نشطت المنظمات الدولية في إطلاق المبادرات الهادفة إلى حماية البيئة. فالأمم المتحدة، عبر برامجها البيئية، وضعت خططًا وإستراتيجيات تسعى إلى الحد من التلوث، وحماية التنوع البيولوجي. ومن بين أبرز هذه الجهود "اتفاقية باريس للمناخ"، التي تمثل دعوة دولية لخفض الانبعاثات الحرارية، والتصدي للتغيرات المناخية التي تُهدد مستقبل الأرض.
وسط هذا الحراك العالمي، تبرز سلطنة عُمان كواحدة من الدول الرائدة في مجال الحفاظ على البيئة. فالسلطنة تتمتع بتنوع بيئي وجغرافي فريد يجعلها جنة طبيعية على الأرض. من الجبال الشاهقة إلى الشواطئ الخلابة، ومن الأودية الغناء إلى الصحاري الشاسعة. حيث تُعد المحميات الطبيعية من أجمل المحميات في العالم، ومن أبرز معالم الحفاظ على الحياة البرية، مثل محمية السلاحف في رأس الجنز، ومحمية المها العربي في الجبل الأبيض. هذه المحميات ليست فقط مناطق جذب سياحي، بل هي شواهد حيَّة على جهود السلطنة في الحفاظ على التنوع البيولوجي.
ومنذ عصر النهضة المباركة، وتحديدًا في عهد السلطان قابوس بن سعيد رحمه الله، تم إرساء نهج مستدام يوازن بين التنمية الاقتصادية، وحماية الموارد الطبيعية، وتم إنشاء وزارة للبيئة والشؤون المناخية -حيث تعتبر السلطنة أول دولة عربية أنشأت وزارة للبيئة- ولم تقتصر جهوده – طيب الله ثراه- على المستوى المحلي فحسب، بل امتدت لتشمل المستوى العالمي، وذلك بإنشاء جائزة السلطان قابوس للبيئة كمبادرة كريمة من جلالته أثناء زيارته إلى مقر اليونسكو في عام 1989م، وتمنح هذه الجائزة للأفراد والمنظمات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية التي تقوم بجهود مُميزة في مجال العمل البيئي، والمحافظة على البيئة على المستوى العالمي.
وها هو جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله وسدد خطاه- يسير على نفس النهج، مُعززًا الجهود بتطوير السياسات البيئية، ودعم المبادرات الخضراء التي تضع البيئة في القلب من إستراتيجيات التنمية الوطنية، والنهضة المتجددة، فقد أكد -حفظه الله ورعاه- على ذلك بقوله: " إن حماية البيئة والحفاظ على مواردها الطبيعية المختلفة هي من أولويات مضامین الخطط التنموية في سلطنة عُمان؛ وذلك انطلاقاً من القناعة الراسخة لدينا بأنَّ العناية بالبيئة ومقدراتها مسؤولية عالمية لا تحدها الحدود السياسية للدول، وهو ما ينبغي أن يحرص عليه المجتمع الدولي بتوفير كل الإمكانيات المتاحة للحفاظ على النظام البيئي وصون موارده الطبيعية، ووضع خطط عمل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، ونشر الوعي بأهمية المحافظة على توازن البيئة، والاستثمار في مواردها بالقدر الذي يحقق التنمية ويضمن استدامتها للأجيال القادمة."
إن مسؤولية الحفاظ على البيئة تبدأ من الفرد، الذي يجب أن يعي جيدًا أهمية دوره في الحد من التلوث. فبعض السلوكيات التي تبدو بسيطة مثل: ترشيد استهلاك المياه والطاقة، وتقليل استخدام البلاستيك، وتشجيع إعادة التدوير؛ يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا، وأثرًا ملموسًا. أما على مستوى المؤسسات، فإنَّ تبني سياسات صديقة للبيئة، واستخدام التكنولوجيا النظيفة؛ يمثلان خطوات جوهرية نحو بيئة مستدامة.
في هذا السياق، لا يُمكن أن تتحمل الحكومة وحدها مسؤولية الحفاظ على البيئة؛ بل إن المواطن شريك أساسي في هذه المهمة. ومن خلال المبادرات المجتمعية، مثل تنظيف الشواطئ وزراعة الأشجار، والحد من استخدام المصنوعات البلاستيكية، يمكن للأفراد الإسهام في تحسين البيئة. وعلى الجانب الآخر، تلعب الحكومة دورًا محوريًّا من خلال سن التشريعات البيئية، ودعم الأبحاث العلمية، وتحفيز القطاع الخاص على اعتماد ممارسات تحترم البيئة.
إن يوم البيئة في سلطنة عُمان هو أكثر من مجرد مناسبة؛ إنه رسالة إنسانية تدعونا جميعًا للتأمل في علاقتنا بالطبيعة والعمل على تحسينها. فلنكن أمناء على الأرض، نحميها ونصونها، لتظل شاهدًا على جمال الخلق الإلهي، وأمانة الإنسان في الأرض. فالأرض ليست ملكًا لجيلنا فحسب، بل هي ميراث الأجيال القادمة، وعلينا أن نؤدي الأمانة بحق كي يبقى الجمال نابضًا وشاهدًا على إنسانيتنا ورقي تفكيرنا.
** مدير عام شبكة الباحثين العرب في مجال المسؤولية المجتمعية
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
أبي المنى: الشراكة الوطنية تفرض علينا الحفاظ على تماسكنا الداخلي
رعى شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، الشيخ الدكتور سامي أبي المنى، حفل توقيع كتاب "دليل الموحّدين الدروز في لبنان" من تأليف خبير الإحصاء الأستاذ مجدي الدنف، وذلك بدعوة من الملتقى الثقافي والاجتماعي لجرد عاليه والجوار، في قاعة جمعية النهضة الاجتماعية – شانيه، بحضور حشد من الشخصيات الثقافية والفكرية والاجتماعية، ورؤساء لجان وأعضاء من المجلس المذهبي، ومشايخ وأهالي المنطقة.
افتُتح اللقاء بالنشيد الوطني اللبناني، تلاه تقديم ترحيبي من الشيخ كمال أبي المنى، ثم توالت كلمات المشاركين. وفي كلمته الختامية، أثنى الشيخ سامي أبي المنى على الجهد الذي بُذل في إنجاز هذا العمل، معتبرًا أن الإحصاء ليس مجرد أرقام، بل مرآة تعكس الواقع وتساعد على التخطيط والتطوير، سواء على مستوى المؤسسات أو المجتمعات أو الدول.
وأشار إلى أن الكتاب يفتح الباب أمام مقاربات جديدة لفهم الواقع الديموغرافي للطائفة، ويثير أسئلة حول الأسباب الكامنة وراء تشعّب بعض العائلات، وتفاوت توزيعها الجغرافي، داعيًا إلى دراسات مقارنة تاريخية لرصد التغيرات في نسب الولادات والزواج والهجرة.
وأكد الشيخ أبي المنى أن الموحدين الدروز لطالما قيسوا بالدور لا بالعدد، إلا أن الظروف اللبنانية تحتم أيضًا مراعاة الأبعاد العددية لحماية التوازنات الطائفية وتعزيز الحضور الوطني للطائفة.
وفي هذا السياق، كشف عن مبادرة المجلس المذهبي بإنشاء هيئة رصد الوظائف والاختصاصات، بهدف إحصاء الكفاءات والوظائف المتاحة، والعمل على سدّ الشواغر في القطاع العام ودعم الخريجين للاندماج في سوق العمل، إلى جانب رصد المواهب والمؤسسات الإبداعية في الداخل والخارج.
وختم بالقول: "لو لم يكن الواقع اللبناني قائماً على التعددية الطائفية، لما اضطررنا للغوص في الإحصاءات الطائفية. ومع ذلك، نبقى مؤمنين بالشراكة الوطنية التي تفرض علينا أن نحافظ على تماسكنا الداخلي لنكون شركاء أقوياء، لا هامشيين". مواضيع ذات صلة أبي المنى يدعو إلى مؤتمر للأخوة الإنسانية: نحو لبنان جديد Lebanon 24 أبي المنى يدعو إلى مؤتمر للأخوة الإنسانية: نحو لبنان جديد 10/07/2025 16:55:53 10/07/2025 16:55:53 Lebanon 24 Lebanon 24 ابي المنى اتصل يالبطريرك يازجي متضامنا: على الدولة السورية ضرب التطرّف بيد من حديد Lebanon 24 ابي المنى اتصل يالبطريرك يازجي متضامنا: على الدولة السورية ضرب التطرّف بيد من حديد 10/07/2025 16:55:53 10/07/2025 16:55:53 Lebanon 24 Lebanon 24 أبي المنى رعى يوماً طبياً مجانياً في عاليه Lebanon 24 أبي المنى رعى يوماً طبياً مجانياً في عاليه 10/07/2025 16:55:53 10/07/2025 16:55:53 Lebanon 24 Lebanon 24 سلام استقبل أبي المنى وبيدرسون Lebanon 24 سلام استقبل أبي المنى وبيدرسون 10/07/2025 16:55:53 10/07/2025 16:55:53 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً فضائح الحرائق في لبنان: سمسرات وخطط خبيثة لسرقة الأموال! Lebanon 24 فضائح الحرائق في لبنان: سمسرات وخطط خبيثة لسرقة الأموال! 09:30 | 2025-07-10 10/07/2025 09:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 بالصور: هذا ما ضُبط في بعلبك والعين والحدت Lebanon 24 بالصور: هذا ما ضُبط في بعلبك والعين والحدت 09:38 | 2025-07-10 10/07/2025 09:38:40 Lebanon 24 Lebanon 24 عون: نسعى لإعادة إطلاق التنقيب عن النفط في الحقول اللبنانية Lebanon 24 عون: نسعى لإعادة إطلاق التنقيب عن النفط في الحقول اللبنانية 09:27 | 2025-07-10 10/07/2025 09:27:00 Lebanon 24 Lebanon 24 في جولة تفقدية لبشري.. أبو حيدر يطلق خطة شراكة بين الاقتصاد والبلديات Lebanon 24 في جولة تفقدية لبشري.. أبو حيدر يطلق خطة شراكة بين الاقتصاد والبلديات 09:23 | 2025-07-10 10/07/2025 09:23:22 Lebanon 24 Lebanon 24 صيغة مشتركة بين وزارة المال ومصرف لبنان تحرّك قانون إصلاح المصارف Lebanon 24 صيغة مشتركة بين وزارة المال ومصرف لبنان تحرّك قانون إصلاح المصارف 09:06 | 2025-07-10 10/07/2025 09:06:28 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة آخر خبر عن "الباسبور" في لبنان.. ما الجديد؟ Lebanon 24 آخر خبر عن "الباسبور" في لبنان.. ما الجديد؟ 14:17 | 2025-07-09 09/07/2025 02:17:03 Lebanon 24 Lebanon 24 حزن وذهول يعيشه الوسط الفني.. العثور على ممثلة شهيرة جثة داخل منزلها وهذا ما أظهرته التحقيقات (صورة) Lebanon 24 حزن وذهول يعيشه الوسط الفني.. العثور على ممثلة شهيرة جثة داخل منزلها وهذا ما أظهرته التحقيقات (صورة) 23:28 | 2025-07-09 09/07/2025 11:28:42 Lebanon 24 Lebanon 24 "هجوم لقوة الرضوان".. معهد إسرائيلي يتحدّث عن "حزب الله" Lebanon 24 "هجوم لقوة الرضوان".. معهد إسرائيلي يتحدّث عن "حزب الله" 15:10 | 2025-07-09 09/07/2025 03:10:46 Lebanon 24 Lebanon 24 "أيام حزب الله معدودة".. هذا ما قاله تقرير إسرائيلي Lebanon 24 "أيام حزب الله معدودة".. هذا ما قاله تقرير إسرائيلي 16:27 | 2025-07-09 09/07/2025 04:27:31 Lebanon 24 Lebanon 24 قراءة جديدة تفكّ شيفرة براك: رسالة دبلوماسية مليئة بالإشارات! Lebanon 24 قراءة جديدة تفكّ شيفرة براك: رسالة دبلوماسية مليئة بالإشارات! 10:30 | 2025-07-09 09/07/2025 10:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 09:30 | 2025-07-10 فضائح الحرائق في لبنان: سمسرات وخطط خبيثة لسرقة الأموال! 09:38 | 2025-07-10 بالصور: هذا ما ضُبط في بعلبك والعين والحدت 09:27 | 2025-07-10 عون: نسعى لإعادة إطلاق التنقيب عن النفط في الحقول اللبنانية 09:23 | 2025-07-10 في جولة تفقدية لبشري.. أبو حيدر يطلق خطة شراكة بين الاقتصاد والبلديات 09:06 | 2025-07-10 صيغة مشتركة بين وزارة المال ومصرف لبنان تحرّك قانون إصلاح المصارف 09:00 | 2025-07-10 كلام برّاك "المفخّخ" فيديو فنان سوري مُفاجأة سيرين عبد النور.. وتوجه له رسالة خاصة (فيديو) Lebanon 24 فنان سوري مُفاجأة سيرين عبد النور.. وتوجه له رسالة خاصة (فيديو) 03:10 | 2025-07-10 10/07/2025 16:55:53 Lebanon 24 Lebanon 24 خلعته وعادت إلى الغناء ثم ارتدته.. فنانة شهيرة تكشف لأول مرة قصتها مع الحجاب (فيديو) Lebanon 24 خلعته وعادت إلى الغناء ثم ارتدته.. فنانة شهيرة تكشف لأول مرة قصتها مع الحجاب (فيديو) 01:22 | 2025-07-09 10/07/2025 16:55:53 Lebanon 24 Lebanon 24 بعد غياب 6 أشهر.. توقعات جديدة لليلى عبد اللطيف هذا ما قالته عن سلاح "الحزب" والتطبيع مع إسرائيل (فيديو) Lebanon 24 بعد غياب 6 أشهر.. توقعات جديدة لليلى عبد اللطيف هذا ما قالته عن سلاح "الحزب" والتطبيع مع إسرائيل (فيديو) 23:34 | 2025-07-08 10/07/2025 16:55:53 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد عربي-دولي بلديات 2025 متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24