الهدهد: العناد سبب الهلاك في قصة نوح وابنه
تاريخ النشر: 10th, January 2025 GMT
أكد الدكتور إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر السابق، أن قصة نبي الله نوح مع ابنه تعتبر نموذجًا قرآنيًا يوضح تأثير العناد على الفرد، وكيف يمكن أن يؤدي إلى الضلال والهلاك، حتى في ظل الدعوة إلى الحق من أعظم الأنبياء.
وأوضح رئيس جامعة الأزهر السابق، خلال حلقة برنامج "هديات الأنبياء"، المذاع على قناة الناس، اليوم الجمعة، أن هداية الأبناء بيد الله وحده، بدليل أن بعض أبناء نوح عليه السلام لم يؤمنوا به، بل تمسكوا بعنادهم حتى أصروا على الهلاك.
وقال: "عندما نادى نوح عليه السلام ابنه، كان الخطاب يحمل معنى عميقًا من الفطرة والعلاقة الإلهية بين الأب والابن، حيث قال له: 'يا بني اركم معنا ولا تكن مع الكافرين'، لكن الابن أصر على أن يختار الجبل كوسيلة للنجاة بدلًا من اتباع أمر الله".
وأشار إلى أن هذه اللحظة في القصة تبرز بشكل واضح خطورة العناد، خاصة عندما يدفع الشخص إلى اتخاذ قرارات بعيدة عن العقل والمنطق، كما فعل الابن عندما قال: "ساوي إلى جبل يعصمني من الماء"، مضيفا أن هذه نظرة جاهلة، حيث ينسب الابن الحماية إلى الجبل، بينما الله هو الذي خلق الجبل وأمر بالمياه.
وأضاف الدكتور الهدهد أن العناد يعد من أسوأ الصفات التي قد تصيب الإنسان، لأنها قد تقوده إلى الكفر والضلال، وأن مثل هذا العناد يضل صاحبه ويقوده إلى الهلاك، كما حدث مع ابن نوح الذي رفض النجاة التي وفرها الله له، مفضلاً الحماية الوهمية على الإيمان بالله.
وأكد الهدهد على أن هذه القصة تعلمنا أنه "لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم"، مشيرًا إلى أن قدر الله كان واقعًا لا محالة، وأنه لا يمكن للإنسان أن ينجو من حكم الله إلا برحمة منه.
أكد الدكتور نظير عياد، مفتى الديار المصرية، أن هناك علاقة وثيقة بين مقاصد الشريعة الإسلامية والواقع المعاصر، وأن تفعيل علم المقاصد الشرعية في التعامل مع مستجدات الواقع يُعد من أبرز عناصر الحفاظ على فاعلية الشريعة في حياة الناس.
وأضاف مفتى الديار المصرية، خلال حوار مع الدكتور عاصم عبدالقادر، ببرنامج "مع المفتي"، المذاع على قناة الناس، اليوم الجمعة، أن المقاصد الشرعية تتعلق بالإنسان في حاله وماله، وتهدف إلى تحقيق مصالحه ودفع المفاسد عنه، مما يجعلها أداة قوية للتعامل مع التطورات والظروف المتغيرة في المجتمعات.
وأشار إلى أن ارتباط المقاصد الشرعية بالواقع ليس مجرد أمر نظري بل هو أساسي في فقه الشريعة الإسلامية، خصوصًا عندما تتغير الأحوال وتظهر مستجدات في حياة الناس، لافتا إلى أن الشريعة الإسلامية تتميز بأنها صالحة لكل زمان ومكان، وهو ما يجعل من الضروري أن يكون هناك فهم دقيق لمقاصدها لتوجيه الناس في كيفية التعامل مع هذه المستجدات.
وأعطى مثالًا على ذلك، موجهًا حديثه حول الأوبئة والأمراض التي ظهرت مؤخرًا، مثل جائحة كورونا، موضحا إنه إذا لم تكن الشريعة الإسلامية تحتوي على أجوبة كافية للتعامل مع هذه الأزمات الصحية والاجتماعية، لكان ذلك قد أدى إلى اتهام الشريعة بالقصور عن مواكبة التطورات العلمية والفكرية الحديثة، ولكن بفضل المقاصد الشرعية، كان هناك فهم عميق لكيفية التصرف في مثل هذه الظروف، من خلال تعزيز المصالح العامة والحفاظ على الصحة العامة.
قادرة على توجيه الفتاوى:وأضاف أن الشريعة، بفضل مقاصدها العميقة، قادرة على توجيه الفتاوى التي تراعي الواقع، وهي دائمًا تركز على جلب المنافع للبشرية ودفع المفاسد، مؤكدا أن المقاصد ليست مجرد قواعد فقهية جامدة، بل هي مرنة وتتسم بالقدرة على التكيف مع تطور الواقع، وبالتالي فإن فقه الواقع وفقه المقاصد يلعبان دورًا حيويًا في إبراز قدرة الشريعة الإسلامية على التفاعل مع التحديات المعاصرة.
وشدد على أن تفعيل المقاصد الشرعية في الفتاوى المتعلقة بالواقع هو من صميم الرسالة الإسلامية، التي تهدف إلى تحقيق صالح الإنسان والكون، وبالتالي يجب على العلماء والفقهاء أن يستمروا في فهم الواقع ومواءمته مع النصوص الشرعية بما يحقق العدل والمصلحة العامة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الدكتور إبراهيم الهدهد إبراهيم الهدهد الفرد الناس قناة الناس الهلاك الشریعة الإسلامیة المقاصد الشرعیة إلى أن
إقرأ أيضاً:
هل خسر الاحتلال معركة الشرعية؟.. تأثير الدومينو يصل أوروبا بعد موجة الاعترافات بفلسطين
في مشهد دبلوماسي غير مسبوق، يشهد العالم الغربي تحولات متسارعة نحو الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، في خطوات قد تغيّر من ملامح الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وتزيد من عزلة الاحتلال على الساحة الدولية. ورغم الطابع الرمزي لتلك التحركات، فإن التوقيت والسياقات السياسية والإنسانية التي تتزامن معها تجعل منها تطوراً استثنائياً.
وخلال الأسبوع الأخير، أعلنت 15 دولة غربية من بينها فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وهولندا، أنها تدرس بجدية الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، داعية باقي دول العالم إلى السير على النهج ذاته.
وفي بيان مشترك صدر عقب مؤتمر "حل الدولتين" في نيويورك أمس الأربعاء، أكدت تلك الدول أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يمثل "خطوة أساسية نحو تحقيق حل الدولتين"، ودعت إلى اعتماده قبيل انعقاد الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر المقبل.
وتوالت التصريحات من لندن وأوتاوا، حيث أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن بلاده ستعترف بفلسطين إذا لم يستجب الاحتلال الإسرائيلي لشروط محددة، أبرزها وقف إطلاق النار، وتسهيل دخول المساعدات، والتخلي عن خطط ضم الضفة الغربية.
أما رئيس الوزراء الكندي مارك كارني، فأكد هو الآخر أن الاعتراف سيتم في أيلول/سبتمبر المقبل، منتقداً إدارة نتنياهو لتحويلها غزة إلى "كارثة إنسانية".
وكان مكتب رئيس الوزراء البرتغالي لويس مونتينيغرو٬ قد أعلن الخميس نية الحكومة التشاور مع البرلمان والرئاسة بشأن الاعتراف بدولة فلسطين خلال فترة الجمعية العامة.
هذه التصريحات، الصادرة عن حلفاء تقليديين للاحتلال٬ فُسرت إسرائيلياً على أنها انقلاب سياسي. وعبر رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو عن استيائه من هذه الخطوات، واصفاً إياها بأنها "عقاب للضحية"، محذراً من قيام ما سماه بـ"دولة جهادية" على حدود الاحتلال الإسرائيلي قد تُهدد أوروبا نفسها.
أما رئيس الكنيست أمير أوحانا فقد ذهب أبعد من ذلك، معتبراً الاعتراف المزمع بدولة فلسطين بمثابة "مكافأة لحماس"، موجهاً كلامه للأوروبيين بقوله: "إذا أردتم إقامة دولة فلسطينية، فأقيموها في لندن وباريس"، محذراً من أن هذا المسار سيقود إلى مزيد من الحروب.
لكن التحول الغربي لا يأتي من فراغ٬ فالضغوط المتزايدة من الرأي العام، والانتقادات الأممية والدولية لانتهاكات الاحتلال في غزة، خاصة مع اتساع المجاعة وارتفاع أعداد الضحايا المدنيين، دفعت هذه الدول إلى مراجعة مواقفها. ووصفت تقارير صحفية هذه الخطوة بأنها تعكس "تآكل الدعم التقليدي الغربي لإسرائيل"، وتحولاً في المزاج الدولي.
وتحذر صحف إسرائيلية من أن استمرار موجة الاعترافات قد يفضي إلى محاسبة تل أبيب دولياً في حال حصول فلسطين على اعتراف رسمي من مجلس الأمن، ما من شأنه أن يشكل غطاءً قانونياً وأخلاقياً لعزل الاحتلال وفرض عقوبات عليها.
حتى أيار/مايو الماضي٬ اعترفت 147 دولة من أصل 193 في الأمم المتحدة بدولة فلسطين، أي ما يعادل نحو 75% من المجتمع الدولي. ومن بين دول مجموعة العشرين، اعترفت 10 دول بفلسطين، منها الصين وروسيا وتركيا والبرازيل والسعودية، بينما لم تعترف بها دول كفرنسا وألمانيا وكندا وأمريكا.
ويرى محللون أن الاعتراف بدولة فلسطين يحمل في طياته عدة أبعاد:
أولاً: رمزية سياسية وأخلاقية
رغم أن الأراضي الفلسطينية لا تزال تحت الاحتلال، فإن الاعتراف يمثل دعماً سياسياً وأخلاقياً لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وتؤكد الأكاديمية جولي نورمان من جامعة كولدج لندن٬ في إحدى مداخلاتها الإعلامية أن هذا الاعتراف يُشكل رسالة سياسية قوية، حتى لو لم يُغير من الواقع الميداني.
ثانياً: تعزيز زخم حل الدولتين
يُنظر للاعتراف على أنه خطوة لترسيخ حل الدولتين في وجه البدائل المطروحة مثل الضم الكامل أو الدولة الواحدة. وكتب جوش بول، المسؤول السابق في الخارجية الأمريكية، أن الاعتراف بدولة فلسطين "يعيد الصراع إلى مساره كقضية بين كيانين متساويين".
ثالثاً: رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي
قد يؤدي الاعتراف إلى تحويل البعثات الدبلوماسية الفلسطينية إلى سفارات كاملة، كما تخطط بريطانيا لفتح سفارة في الضفة الغربية، في إشارة إلى دعم السلطة الفلسطينية.
رابعاً: مراجعة العلاقات مع المحتل
الاعتراف قد يدفع بعض الدول إلى إعادة النظر في علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع تل أبيب، بما في ذلك احتمال حظر منتجات المستوطنات، كما رجح القنصل البريطاني السابق في القدس فنسنت فين.
خامساً: تهديد لعزلة الاحتلال الدولية
أشار تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال إلى أن هذه الخطوة تعكس تصدعات متزايدة في الدعم الغربي للاحتلال الإسرائيلي، خاصة مع ازدياد الانتقادات الموجهة لسلوكها في غزة. وتوقع التقرير أن يؤدي استمرار الحرب إلى تعميق هذه الفجوة، نتيجة الغضب الشعبي في الدول الغربية.
ووصف السفير الإسرائيلي السابق في الأمم المتحدة، جلعاد إردان، الاعترافات بأنها أخطر على المدى البعيد، قائلاً: "إنها تروّج لرواية خطيرة تُظهر إسرائيل كدولة تنتهك حقوق الإنسان وتقتل الأطفال"، محذراً من حملة نزع شرعية قد تؤدي إلى عقوبات دولية.
أما محرر الشؤون الدولية في القناة 12، عيران نير، فاعتبر ما يجري بمثابة "تسونامي سياسي"، مشيراً إلى أن هذه التحركات تهدف للضغط على الاحتلال الإسرائيلي لإنهاء الحرب والدخول في تسوية، تحت ضغط الرأي العام الأوروبي الغاضب.
في المقابل، وصفت مراسلة موقع "زمان يسرائيل" بيرنيت غورين الاعترافات بأنها رمزية ولا تقدم مساعدة ملموسة للفلسطينيين، لكنها تشكل "إذلالاً سياسياً" للاحتلال في الساحة الدولية.
وبينما تتردد الحكومات الغربية في التدخل العسكري أو استقبال لاجئين فلسطينيين، ترى غورين أن أقصى ما تقدمه تلك الدول هو إسقاط "الفطائر بالمظلات"، في مفارقة سخرية تشير إلى عجز المجتمع الدولي أمام المأساة المتفاقمة في غزة.
وفي ظل انسداد الأفق السياسي، واستمرار المجازر بحق المدنيين، يبدو أن الاعتراف بدولة فلسطين بات أداة بيد الدول الغربية للضغط على الاحتلال الإسرائيلي، وإجباره على التراجع، بعدما فشلت كل الوساطات في وقف حربٍ خلفت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، وأدخلت غزة في أسوأ كارثة إنسانية بتاريخها.
ومع اقتراب موعد الجمعية العامة للأمم المتحدة، تترقب الأوساط الدولية ما إذا كانت هذه الاعترافات ستُترجم إلى خطوات سياسية وقانونية، أم ستبقى في حدود الرمزية، وسط دعوات فلسطينية لاعتبارها فرصة تاريخية لتحصين الحقوق الوطنية على الساحة الدولية.