لماذا يجب حصر حكم العراق في الأغلبية الشيعية؟
تاريخ النشر: 11th, January 2025 GMT
11 يناير، 2025
بغداد/المسلة: علي المؤمن
ابتداءً؛ أؤكد بأن الدعوة لإلغاء المحاصصة الطائفية والقومية في هوية الدولة العراقية، وفي قرار الدولة، وفي مناصبها، لا علاقة له بالمستجدات الإقليمية والمحلية، ولا بالحدث السوري ولا بالتهديدات الإسرائيلية والأمريكية للعراق، إطلاقاً، إنما هي رؤية قديمة راسخة تعود إلى العام 2005، وهي قائمة على دراسات منهجية شاملة، وقد كتبتُ في ذلك كثيراً.
ويكمن الحل في أن تكون هوية الدولة العراقية أحادية واضحة، وهي هوية الأغلبية السكانية، أي الهوية الشيعية، وأن يكون حكم العراق بكل مناصبه العليا بيد هذه الأغلبية، أي بيد الشيعة حصراً، كما يتم تشكيل الحكومة من قبل ائتلاف سياسي شيعي واحد، ويمكن لهذا الائتلاف أن يمنح حلفاءه السنة، العرب والكرد والتركمان، حقائب وزارية أو مناصب، بحسب أحجامهم. أما رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة مجلس النواب ورئاسة القضاء ورئاسة المحكمة العليا، وقيادات الجيش والقوات المسلحة، والوزارات السيادية؛ فتكون لأصحاب الكفاءة من الشيعة، وممن يختارهم الائتلاف الذي يستطيع تشكيل أغلبية برلمانية.
ولعل هناك من يتساءل: وهل نجح الشيعة بعد العام 2003، لكي نسلمهم حكم العراق بأكمله؟ ولماذا لا يكون المعيار هو الكفاءة، بغض النظر عن الديانة والمذهب والقومية؟، وجواب ذلك:
1- إن الحديث هنا ليس عن المناصب وحسب، وإنما عن أصل هوية الدولة العراقية، وقد شرحنا معنى ذلك وضروراته ومآلاته في دراسة منهجية سابقة.
2- إن الشيعة لم يفعلوا بعد العام 2003 ما فعله الحكم السني قبل 2003؛ فما فعله الحكم السني بالعراق وشعبه وشيعته معروف بكل تفاصيله، منذ العهد العثماني، ثم الملكي ثم الجمهوري العارفي ثم البعثي. وهناك ملايين الوثائق وآلاف الدراسات ومئات الكتب في هذا المجال، وكلها تقطر دماً وقيحاً، ومخنوقة برائحة الرصاص والدمار والخراب والحروب والتشريد والجوع والتخلف.
3- يجب أن لا يكون العراق شاذاً عن البلدان العربية والإسلامية الأخرى، والتي تحكمها الأغلبية السكانية (السنية)؛ فنسبة شيعة السعودية 20% من عدد السكان، وليس لديهم حتى سفير واحد، فضلا عن وزير وأمير ورئيس وملك، ونسبة شيعة باكستان 25% ووضعهم لا يختلف عن وضع شيعة السعودية، وفي أفغانستان النسبة والحالة نفسيهما، وكذا في الكويت (وزير واحد غالباً)، ولم يكن يوماً رئيس الوزراء أو رئيس مجلس النواب شيعياً، رغم أن نسبة الشيعة لا تقل عن 35% من عدد سكان الكويت. وفي سوريا أعلن النظام الجديد أنه شكل وسيشكل الحكومة السورية من الأغلبية السنية حصراً، رغم أن نسبة الشيعة والعلويين تبلغ 20% من عدد السكان، وهي نفس نسبتهم تقريباً في تركيا، وليس بينهم رئيساً أو وزيراً أو سفيراً. أما البحرين فهي حالة متفردة بذاتها، ووضعها الشاذ يشبه وضع العراق قبل العام 2003؛ فنسبة شيعة البحرين تبلغ 70% من عدد السكان، لكن الحكم بيد عائلة سنية واحدة وحلفائها من العوائل والعشائر السنية.
وفي الحال الحاضر؛ فإن العراق هو البلد العربي والمسلم الشاذ الوحيد الذي تشارك الأقليات القومية والطائفية في حكمه، بحجم مشاركة الأغلبية السكانية الشيعية نفسها، رغم أن نسبة الشيعة تبلغ 65% من عدد سكان العراق، والسنة العرب 16% والسنة الكرد 14%؛ بل لا يسمى السنة العرب أقلية مذهبية ولا السنة الكرد أقلية في العراق، في حين يسمى الشيعة أقلية مذهبية في الدول العربية والإسلامية، حالهم حال الأقليات الدينية والقومية.
على مستوى الرئاسات الثلاث في العراق؛ فإن للشيعة في الحال الحاضر، منصب واحد فقط، ولكل من السنة الكرد والسنة العرب منصب واحد أيضاً. وهذه المثالثة موجودة نفسها في جميع الوزارات، ما يعني أن للشيعة ثلث هوية الدولة وقرارها ومناصبها، في حين أن للسنة ثلثي الهوية والقرار والمناصب. وبالتالي؛ فهي مشاركة ليست متساوية وليست عادلة، وهي تقود كل مكون إلى الاستقواء بالخارج، وتسمح لدوله بالتدخل السافر في شؤون العراق، بينما ينبغي أن تكون الهوية واحدة فقط، أي شيعية، وتكون المناصب الرأسية للشيعة حصراً، ويتم اعطاء ثلث ما دونها للسنة العرب والكرد بالتساوي.
وعلى مستوى هوية الدولة أيضاً، ينبغي أن لا تكون المناهج الدينية والتربية الوطنية والتاريخ متحاصصة في العراق، وتُرضي الجميع، وإنما تكون ذات هوية محددة، هي هوية الاغلبية الدينية المذهبية، وهكذا بالنسبة لمواقيت بدايات الأشهر الهجرية والأعياد والمناسبات الدينية. وإذا أخذنا الأذان الرسمي – كأبسط مثال- فسنجده في الكويت والبحرين والسعودية وباكستان وأفغانستان وسوريا ولبنان هو أذان سني، رغم أن في هذه الدول مجتمعات شيعية كبيرة، تتفوق عددياً أحياناً على نسبة السنة في العراق، بينما في العراق هو أذان مقسم حسب الوقت؛ حيث أذان الصبح والظهر والمغرب هو أذان شيعي، وأذان العصر والعشاء سني.
وخلاصة هذه الدعوة، هي أن يكون توصيف العراق توصيفاً شيعياً وأنه دولة شيعية، وأن تكون جميع مظاهر الدولة ومفاصلها ومناصبها العليا متطابقة مع هذه الهوية، حالها حال جميع الدول السنية التي تحظى بهوية سنية حصرية، بما فيها البلدان التي تتواجد فيها كثافة سكانية شيعية كبيرة، تقارب ثلث أو ربع عدد السكان كما ذكرنا. وبالتالي؛ فإن المحاصصة الطائفية لهوية الدولة العراقية ومناصبها، ليس فيها ظلماً عظيماً للشيعة وحسب، وإنما هو شذوذ عن باقي الدول العربية والإسلامية من جهة، ويشكل عائقاً كبيراً أمام حركة الدولة وأمنها وسلامتها واستقرارها ونموها من جهة اخرى.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: عدد السکان فی العراق من عدد رغم أن
إقرأ أيضاً:
العراق: عن هشاشة الدولة التي لا يتحدث عنها أحد!
تتباين التقييمات المتعلقة بالاقتصاد العراقي، حسب اختلاف مصادرها سواء كانت تقارير دولية، أو تصريحات وأرقام رسمية عراقية (في حال توفرها طبعا، فثمة عداء تاريخ بين المؤسسات العراقية وحق الوصول إلى المعلومات) حتى ليبدو الأمر وكأننا نتحدث عن دولتين مختلفتين!
فلو راجعنا موقع البنك المركزي العراقي، سنجد أن آخر تقرير عن الاستقرار المالي يعود إلى عام 2023، وإلى نهاية الشهر الخامس عام 2025، ولم يصدر تقرير الاستقرار المالي لعام 2024!
كما لم يصدر حتى اللحظة التقرير الخاص بالفصل الأول من عام 2025 الخاص بـ«الإنذار المبكر للقطاع المصرفي». لكن مراجعة التقرير الخاص بالفصل الرابع عام 2024 تكشف انخفاض صافي الاحتياطي الأجنبي بنسبة (10.2٪) حيث بلغ 103.8 ترليون دينار عراقي بعد أن كان 145.6 تريليون دينار عراقي نهاية الفصل الرابع عام 2023، ولم يقدم البنك تفسيرا لأسباب هذا الانخفاض، بل اكتفى بالقول إن «النسبة بقيت إيجابية ومؤثرة لأنها أعلى من النسبة المعيارية المحددة بنسبة 100٪»!
يشير التقرير أيضا إلى أن الدين الداخلي حقق نموا في الفصل الرابع من العام 2024 بنسبة 17.0٪ مقارنة بذات الفصل من العام 2023، ليسجل 83.1 ترليون دينار عراقي (حوالي 63 مليار دولار) بعد أن كان 70.6 ترليون دينار (53.48 مليار دولار) في الفصل الرابع من العام 2023. وأن نسبة هذا الدين بلغت 53.92٪ من إجمالي الدين العام، فيما انخفض معدل الدين الخارجي في هذا الفصل بنسبة 2.9٪ مقارنة بذات الفصل من العام 2023، وشكل الدين الخارجي 46.08٪ من إجمالي الدين في هذا الفصل (مقارنة الدين الخارجي هذه بالأرقام التي أطلقها الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية والذي تحدث عن انخفاض الدين الخارجي الى 9 مليارات دولار فقط تبيّن الاستخدام السياسي لهذه الأرقام)!
أما بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، فيشير التقرير إلى أنه قد سجل ارتفاعا في الفصل الرابع من العام 2024 ليبلغ 95.6 ترليون دينار عراقي بالأسعار الجارية، مسجلا نموا بنسبة 7.5٪ مقارنة بذات الفصل من عام 2023، إذ كان يبلغ 88.9 ترليون دينار. ويقدم التقرير سببا وحيدا لهذا النمو وهو «نتيجة ارتفاع الإنفاق الحكومي بنسبة تجاوزت 30٪ خلال ذات الفترة»! ولكن التقرير لا يقدم لنا أي معلومة أو تفسير لأسباب هذا الارتفاع غير المفهوم للإنفاق الحكومي، وإذا ما كان مرتبطا بتحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام، أم مرتبط بسياسات ارتجالية ذات أهداف سياسية بحتة، فارتفاع الإنفاق الحكومي قد يكون في أحيان كثيرة دليل على الفشل وليس النجاح، خاصة إذا أدى الى عجز أو ارتفاع الدين العام وزيادة معدلات الفساد!
أما فيما يتعلق بالتضخم، فتقرير العام 2023 «الإنذار المبكر للقطاع المصرفي» ينبهنا إلى الانخفاض في نسب التضخم إلى آلية حساب تلك النسبة، إضافة إلى تغيير سنة الأساس من احتساب الرقم القياسي للأسعار من 2012 إلى 2022، وبالتالي نحن أمام أرقام خادعة تماما فيما يتعلق بحساب نسب التضخم وذلك لارتفاع نسبة التضخم في العام 2022 قياسا إلى العام 2012.
واعتمادا على ذلك فقد سجل معدل التضخم في الفصل الرابع من عام 2024 (2.8٪) بعد أن كان 3.5٪ في الفصل الثالث من ذات العام، لينتهي إلى أن هذا يدل على «وجود استقرار في المستوى العام للأسعار»، من دون أن يقارن ذلك مع معدل التضخم في الفصل الرابع من العام 2023 وفقا لمنهجية التقرير! ولكن الترسيمة المصاحبة تقول شيئا مختلفا تماما، فقد سجل الفصل الأول من العام 2024 تضخما بنسبة 0.8٪، ليرتفع هذا المعدل في الفصل الثاني إلى 3.3٪، ثم ليرتفع إلى 3.5٪ في الفصل الثالث، وبالتالي فإن الانخفاض الذي سجله الفصل الرابع الذي عده التقرير دليلا على «الاستقرار في المستوى العام للأسعار» تنقضه تماما هذه الأرقام، وتكشف عن معدل تضخم وصل في الفصل الرابع إلى 3.5 أضعاف معدل التضخم في الفصل الأول، وهو دليل على عدم استقرار المستوى العام للأسعار!
وبدلا من أن تدق هذه الأرقام ناقوس الخطر حول الوضع المالي، أعلنت الحكومة العراقية في جلستها يوم 15 نيسان 2025، تخويل وزارة المالية سحب مبالغ الأمانات الضريبية التي لم يمض عليها خمس سنوات، وهي تزيد على 3 ترليونات و45 مليار دينار عراقي لتمويل وتسديد رواتب شهر نيسان والأشهر اللاحقة، ويعني هذا عمليا أنها قد أضافت إلى موازنتها المقررة مبلغا يزيد على 2.6 مليار دولار، وأنها أضافت دينا داخليا إضافيا إلى إجمالي الدين العام بمبلغ يزيد على 2.6 مليار دولار دون سند قانوني، وأنها خالفت قانون الموازنة وقانون الإدارة المالية للدولة!
على الجانب الآخر أصدر صندوق النقد الدولي يوم 15 أيار 2025 البيان الختامي لخبراء الصندوق في ختام مشاورات جرت في بغداد وعمان. وكان من بين التوصيات أن على العراق اتخاذ تدابير عاجلة للمحافظة على الاستقرار المالي.
فالتقرير يتوقع أن يتراجع الناتح المحلي الاجمالي للعراق الى نسبة 2.5٪ في العام 2014، وهو ما يتناقض مع الأرقام التي قدمها البنك المركزي! ويرجع التقرير إلى التباطؤ في الاستثمار العام، وفي قطاع الخدمات، فضلا عن زيادة الضعف في الميزان التجاري، وبالتالي لا أحد يعرف أين يذهب هذا الحجم الكبير من الإنفاق العام الذي أشار اليه البنك المركزي العراقي.
لكن تقرير صندوق النقد الدولي يتورط باعتماد الرقم الرسمي العراقي المتعلق بنسبة التضخم، دون أن ينتبه إلى مغالطة الأرقام!
والتقرير يشرح أسباب تراجع الوضع المالي وانخفاض الاحتياطي الاجنبي، فيؤشر على أن العجز المالي للعام 2014 بلغ 4.2٪ من إجمالي الناتج المحلي، مقارنة بنسبة 1.1٪ في العام 2023. وهو يعزو أسباب ارتفاع الإنفاق الحكومي إلى الارتفاع في الأجور والرواتب (بسبب سياسات التوظيف المرتبطة برشوة الجمهور) ومشتريات الطاقة، وليس إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام. ويتوقع التقرير أن يتباطأ الناتج المحلي الاجمالي عام 2025، فضلا عن انخفاض الاحتياطات الأجنبية!
أما بالنسبة لأولويات السياسات المطلوبة تبعا لصندوق النقد الدولي، فيقينا أن لا يلتفت إليها أحد في العراق؛ ولن توقف الحكومة الحالية التوسع الكبير في الإنفاق الحكومي والمالية العامة، أو تقوم بفرض ضرائب انتقائية على الاستهلاك أو زيادتها، لاسيما أننا في موسم انتخابات، بل بالعكس هو ما سيحدث!
وستبقى سياسات التوظيف قائمة لأنها أداة رئيسية لرشوة الجمهور ووسيلة لصنع الجمهور الزبائني، وبالتالي لن يتوقف ارتفاع الدين العام، تحديدا الدين الداخلي، لتمويل العجز، ولن تفكر أي حكومة في إصلاح ضريبة الدخل، أو الحد من الاعفاءات الضريبية، أو تحسين الجباية فيما يتعلق بالخدمات، أو فرض ضريبة مبيعات، أو الحد من التوظيف في القطاع العام، أما مكافحة الفساد، او الحد منه، فهو أمر مستحيل، لأن الفساد في العراق أصبح فسادا بنيويا، وبات جزءا من بنية النظام السياسي، وجزءا من بنية الدولة نفسها، والأخطر من ذلك أنه تحول إلى سلوك بطولي في المجتمع العراقي!
القدس العربي