ذو العقل يشقى فـي النعيم بعقله، وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم. يأخذ بعض الناس هذا البيت أخذا فـي غير موضعه وفـي غير مكانه الصحيح؛ فمعناه الحقيقي هو أن العاقل العارف يشقى لا بمعرفته وعلمه، بل بما يعرف ويعلم من الأمور. فالمعرفة والعلم فـي أصلهما وأُسِّهما سعادة وبهجة ونور، ولكن المعرفة التي تجعل المرء يرى ما خلف الأبواب المغلقة، وما خلف الجدران والأغلفة تصيبه بالشقاء والتعب الذهني والبدني.
وذلك لأن مما يتردد على الأسماع قول البعض إن البؤس والشقاء رهينا الوعي، وأن المرء أجدر به أن يكون جاهلا مغيبا عن الواقع لا يعرف منه شيئًا أو يتألم بسبب معرفته تلك. ولكن هل لهذا القول وجه من الصواب؟ نعم، ولا. إن المعرفة الصحيحة هي أخت السعادة وربيبتها؛ فهي من تجعل المرء يقبل على الحياة إقبال المتفائل الواثق، ولا يعني التفاؤل بحال أن يكون المرء ناسيًا الواقع أو غافلًا عن إمكانية وجود المنغصات والكروب، إنما هو متفائل لعلمه بأسباب تلك المنغصات وبقدرة المعرفة على تخفـيف آلامه وتحسين حياته ونظرته إلى الأمور. أما قولنا بنعم؛ فهي للمعرفة التي يستعملها المرء كما يستعمل الطالب معلوماته للاختبارات وينساها فور انتهاء تلك الاختبارات وحصوله على النتائج، فهي معرفة آنية مؤقتة ذات مهمة منتهية. أو قد تكون تلك المعرفة منقوصة بها خلل فـي التأسيس أو غياب للمنطق.
إن العبارات التي نأخذها كمسلمات؛ لأنها نوع من الثقافة الشعبية المرتبطة بالأمثال والحكم، هي عبارات خطيرة بصدق. فـيمكن لعبارة صادقة حسنة أن تؤثر تأثيرًا طيبًا على متلقيها، فـيبذل فوق ما يستطيع بحماسة وإقبال منقطع النظير. ويمكن لعبارة هادمة هدَّامة أن تجعل ذلك المتلقي محطمًا لا يلوي على شيء، ولا يرغب بشيء، بل ربما ينعزل ويعتزل قائل العبارة والمحيط الذي قيلت فـيه.
العقل أداة فـي الإنسان ولأجل الإنسان، فإما أن تقوده إلى الهناء والسعادة أو الشقاء والتعب والنصب. ولأنه أداة، فهو قابل للتغيير والتغير، وقابل للفساد والإفساد على السواء، ففساده بمرضه أو بالمدخلات الخاطئة التي يقيس ويعتمد عليها فـي تعامله مع الحياة والناس. ولنتذكر قول الشاعر اللبناني الكبير إيليا أبو ماضي:
فَامْشِ بِعَقْلِكَ فَوْقَهَا مُتَفَهِّمًا
إِنَّ الْمَلَاحَةَ مِلْكُ مَنْ يَتَفَهَّمُ
فالعقل يقود المرء الواعي به، المدرك له إلى السعادة والنعيم، ويقوده إلى الجحيم إن أُهمل وطُرِح. وهذا يذكرني بتلك العبارة المتداولة أيضًا «العقل السليم فـي الجسم السليم» وهي منسوبة إلى غير واحد من اللاتينيين القدماء، أحدهم شاعر والآخر فـيلسوف، وبغض النظر عن القائل، فإن عبارته الدقيقة خلاصة حياة من التأمل والتجربة. فالعقل الذي يتغذى الغذاء السليم الطيب، لا ينتج إلا طيبًا جميلًا، والعكس بالعكس. لذلك لا يتعجب المرء حين يقابل اِمرَأً يحمل شهادة الدكتوراة أو بلغ الأستاذية ولكنه ضيّق الفكر والنفس، لا يعرف إلا تخصصه ولا ينتفع بعلمه فـي الخير. وهو ما تجلى على سبيل المثال فـي التاريخ الغربي القديم والمعاصر فـي أمثلة لا يجد المرء تفسيرًا منطقيًا لها. فكيف بفـيلسوف يتحدث عن الجمال والأخلاق والروح كهيجل ثم يرى أقواله وأفكاره عن العبودية؟ ومن يتخيل بأن يبرّر فلاسفة وأطباء وعلماء دين إبادة شعب كما يحدث فـي غزة اليوم رغم الصور والبيانات والمعلومات المتاحة التي لا تدع مجالا للبس أو الشك! ليست المعرفة ولا العلم من يجعلان المرء شقيا إذن، بل الكيفـية التي يرى بها الأمور والعقل الذي يعالج به معترك الحياة وما يطرأ فـيها وعليها.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
بعد فتوى شرب الحشيش.. جامعة الأزهر تحيل الدكتورة سعاد صالح إلى التحقيق
قررت جامعة الأزهر برئاسة الدكتور سلامة جمعة داود، إحالة الدكتورة سعاد صالح، الأستاذ المتفرغ بجامعة الأزهر، إلى التحقيق؛ لظهورها الإعلامي، دون تصريح من جهة الإدارة.
وأوضحت جامعة الأزهر في بيانها أن قرار الإحالة جاء لمخالفة قرار مجلس الجامعة رقم: (1224) لسنة 2018م الذي ينص على أنه: «يحظر على جميع أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم بجامعة الأزهر العمل أو الظهور أو التصدي للفتوى في وسائل الإعلام بمختلف أشكالها دون تصريح؛ ضبطًا للخطاب باسم الجامعة، وحفاظًا على مكانتها وصورتها أمام المجتمع محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا.
كانت الدكتورة سعاد صالح، أثارت الجدل الساعات الماضية على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن تصريحات تُوحي بأن الحشيش لا يُعد محرَّمًا شرعًا كونه لا يُذهب العقل تمامًا كالمسكرات، وهو ما وصفه خبراء ومتخصصون بأنه خلط خطير بين المفاهيم الشرعية والحقائق العلمية، في وقت تخوض فيه الدولة المصرية معركة قومية لحماية الشباب من الإدمان والمخدرات.
وأضافت الأستاذ المتفرغ بجامعة الأزهر: «لا يوجد نص شرعي يُحرّم الحشيش، ولكن إذا أذهب العقل كحال الخمر، فيأخذ حكمه، أما الحشيش وحده، فلا يوجد نص يحرمه».
وعقب تصريحات "صالح" جاء بيان من جانب وزارة الأوقاف المصرية عبر «فيسبوك» في رد سريع وحاسم خلال منشور جاء كالآتي: «هل يجب تغييب العقل تمامًا لنقول إن الشيء حرام؟ الحشيش ليس مادة خفيفة، بل يشوّه الإدراك، ويسبب هلاوس وخللًا في التوازن العصبي، ويؤدي إلى ضمور خلايا المخ وتليّف الرئة».
وأكدت "الأوقاف المصرية" أن «الحشيش حرام شرعًا بجميع أشكاله، لأنه يُفسد العقل ويُهلك البدن، ويقع ضمن ما حرّمه الشرع حمايةً للإنسان والمجتمع، مستشهدةً بقول الله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، وبحديث النبي ﷺ: كل مسكر خمر، وكل خمر حرام».
لم تكن فتوى الدكتورة سعاد صالح بشأن عدم تحريم الحشيش هي الأولى في إثارة الجدل، حيث لها العديد من الفتوى على مدار السنوات الأخيرة، فقد سبق أن أثارت الرأي العام الماضي أثناء استضافتها في أحد البرنامج التلفزيونية المصرية، لتتحدث وقتها عن ما يحق للخاطب أن يراه من مخطوبته، مشيرة إلى اختلاف الفقهاء في هذه المسألة.
واستندت إلى حديث النبي ﷺ: «انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما»، مشيرة إلى أن بعض الفقهاء أجازوا للخاطب النظر إلى الوجه والكفين فقط، قياسًا على ما يظهر منها أثناء الصلاة، بينما ذهب الحنابلة إلى جواز النظر إلى ما يظهر منها أثناء القيام بالأعمال المنزلية.
وأضافت أن هذا الرأي ورد بهذا النص في كتاب المغني لابن قدامة»، ومن حقه الخاطب رؤية شعر خطيبته لو كانت محجبة، وفي حالة أنها منتقبة يرى وجهها وشعرها، ما آثار ذلك موجة من الانتقادات والردود الرافضة عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل.
ترقيع غشاء البكارةلم ينته الأمر بعد، حيث كانت لها فتوى فى عام 2016، أثارت الجدل بشكل كبير عندما أجازت ترقيع غشاء البكارة للفتيات بنية طلب الستر.
وخلال لقاء تلفزيوني قالت الدكتورة سعاد صالح إن ترقيع غشاء البكارة حلال، إذا كان بنية الستر، مؤكدة أن رأيها في بداية الأمر كان التحريم، بسبب ما اعتبرته غشًا وتدليسًا، لتغير موقفها في وقت لاحق.
جامعة الأزهرالحشيشأخبار السعوديةالدكتورة سعاد صالحجواز شرب الحشيشفض غشاء البكارةقد يعجبك أيضاًNo stories found.