الرعاية الصحية: تدشين أول مركز لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مصر
تاريخ النشر: 16th, January 2025 GMT
التقى الدكتور أحمد السبكي، رئيس هيئة الرعاية الصحية والمشرف العام على مشروع التأمين الصحي الشامل، وفد شركة (BCG) Boston Consulting Group للاستشارات الإدارية وممثلي الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA)، يأتي ذلك في دعم جهود التعاون المصري الياباني لدعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي والحلول الرقمية في مختلف القطاعات، لا سيما القطاع الصحي.
وقال الدكتور أحمد السبكي إن الاجتماع تناول سبل التعاون التقني والفني بين هيئة الرعاية الصحية وشركة BCG وجايكا لتفعيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي، وأوضح أن الهيئة تمتلك قاعدة بيانات ضخمة تشمل أكثر من 6 ملايين ملف طبي إلكتروني و500 مليون صورة أشعة مؤرشفة، مما يعزز قدرتها على تحسين جودة الخدمات الصحية وتطوير منظومة الرعاية الصحية في مصر.
وأوضح السبكي أنه تم الاتفاق مبدئيًا على توقيع مذكرة تفاهم بين هيئة الرعاية الصحية وشركة BCG لتحديد أولويات الهيئة والمشروعات ذات القيمة، بما يتماشى مع تطلعات منتفعي التأمين الصحي الشامل. وأكد البدء الفوري في تطويع تقنيات الذكاء الاصطناعي لدعم التخطيط الصحي، إدارة الأشعة، التطبيب عن بُعد، إدارة العمليات غير الطبية داخل المنشآت، والاكتشاف المبكر للأمراض.
وأكد السبكي أن الهيئة تمتلك بنية تحتية مؤهلة وثقافة رقمية متقدمة تمكنها من تفعيل تقنيات الذكاء الاصطناعي في منشآتها الصحية. وأضاف أن التوسع المرحلي لمنظومة التأمين الصحي الشامل بحلول عام 2030 سيشمل إنشاء 6000 وحدة ومركز لطب الأسرة و1000 مستشفى، مما سيمكن الهيئة من إدارة المنشآت الصحية بفعالية عالية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وأشار إلى أن الهيئة بصدد تدشين أول مركز لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مصر وإفريقيا بمحافظة الإسماعيلية خلال العام الجاري. وسيتم تشغيل المركز على ثلاث مراحل أساسية تشمل الاستعانة بالخبراء والمبرمجين، ثم بناء القدرات البشرية اللازمة لتشغيل المركز، وصولًا إلى إنشاء مركز تميز للهيئة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي خلال خمس سنوات، ليكون منصة لعرض قصص النجاح الملهمة ونقل الخبرات.
وأضاف السبكي أن أنظمة إدارة المباني باستخدام الذكاء الاصطناعي حققت نتائج ملموسة بالفعل، حيث أسهمت في تخفيض تكاليف استخدام الطاقة بمجمع السويس الطبي بنسبة 25%، وأكد أن الهيئة تمتلك مخزونًا معلوماتيًا ضخمًا وبنية تحتية متطورة تجعلها مؤهلة لتفعيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي فورًا داخل منشآتها الصحية.
وثمّن رئيس هيئة الرعاية الصحية دور شركة BCG في دعم المشروعات الكبرى التي تتطلب نماذج أعمال مبتكرة وخططًا استراتيجية لتحقيق الأهداف المرجوة ، مشيدًا بدور الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) كشريك نجاح في تحديث النظام الصحي المصري، مؤكدًا أهمية استمرار التعاون مع جايكا لتوطين أحدث الخبرات الدولية في القطاع الصحي، باعتبار اليابان أحد أبرز شركاء التنمية في مصر.
من جانبهم، أكدوا وفد شركة BCG التزامهم الكامل بدعم خطط تحسين الأداء في مختلف القطاعات، لا سيما القطاع الصحي، من خلال تقديم استشارات وحلول مبتكرة تعزز الاستدامة وتحسن الخدمات.
فيما أعرب ممثلو جايكا عن سعادتهم بجودة تنفيذ المشروعات الصحية اليابانية في مصر، مشيدين بالطرق المبتكرة التي تم اعتمادها لتطوير النظام الصحي وتحقيق نقلة نوعية في جودة الخدمات المقدمة.
هذا، وشارك الاجتماع من هيئة الرعاية الصحية كل من الدكتور أمير التلواني، المدير التنفيذي للهيئة، الدكتور مجدي بكر، مستشار رئيس الهيئة للشؤون الفنية، الدكتور محمود الشحات، مدير عام الإدارة العامة للمراجعة الداخلية، الدكتور مصطفى شعبان، رئيس الإدارة المركزية للرعاية الصحية والعلاجية، الدكتور محمد سامي، مساعد المدير التنفيذي لشؤون التشغيل، الدكتورة مي مليجي، مدير عام الإدارة العامة لنظم المعلومات والتحول الرقمي، الدكتور شادي فرحات، رئيس وحدة التطوير والابتكار وريادة الأعمال، الدكتور مهند عاطف، مدير إدارة الدراسات والبحوث، الدكتورة هبة عبد العزيز، مدير إدارة الإحصاء والتقارير، الدكتورة مي أبو الفتوح، المشرف العام على الرقابة على سلامة المرضى.
فيما شارك في الاجتماع عدد من قيادات شركة BCG مصر، من بينهم فرانسيسكو بوذي وأدهم أبو زيد، مديري مكتب شركة BCG في مصر، وفريد عبد الرحمن، استشاري بالشركة، كما حضر الاجتماع عبر تقنية الزووم كل من أحمد عبد العظيم، مدير المشروع بـ BCG، وملك مصطفى، استشاري بالشركة، إلى جانب أحمد الجيزي، مسؤول برامج الصحة في الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا).
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: مشروع التأمين الصحي الشامل رئيس هيئة الرعاية الصحية المزيد
إقرأ أيضاً:
حوارٌ مثيرٌ مع الذكاء الاصطناعي
كثر الحديث مؤخرًا عن لجوء بعض الكتّاب إلى «الذكاء الاصطناعي»؛ ليكتب عنهم المقالات الصحفيَّة في ثوان قليلة، ما اختصر لهم الوقت، وأراحهم من عناء الجهد والبحث. والنتيجةُ أنّ تلك المقالات افتقدت الروح، وغاب عنها الكاتب، فصارت كلُّ المقالات متشابهة في الشكل والمضمون، لدرجة أن أصبح القارئ يستطيع أن يميّز بين مقال الكاتب والمقال المنقول حرفيًّا من الذكاء.
إزاء تنامي الجدل حول الموضوع؛ هل هو انتحال وسرقة أم أنه بحكم التطور وضع طبيعي؟ قررتُ أن أخوض حوارًا مباشرًا مع أحد هذه الأنظمة؛ بحثًا عن فهم أعمق لهذا الكائن الرقمي. كانت المفاجأة أني كنتُ في حوار أقرب ما يكون مع إنسان وليس مع آلة، وبدا لي أنّ الذكاء الاصطناعي أداة ذات قدرات هائلة تفيد الكاتب في جوانب كثيرة في البحث عن المعلومة والترجمة وفي تقييم المقال نفسه، لكنه مهما كان من أمر فإنه لا يمكن أن يعوّض عن حضور الكاتب. سألتُ الذكاء عن هذا الأمر، فأقرّ بأنّ البعض يستخدمه لأداء المهمة كاملة دون تحرير أو إضافة ذاتية ما يجعل النص أقرب للانتحال، حتى لو لم يكن هناك مؤلف بشري يُنسب له المحتوى. سألتُ: هل يمكن أن يُقدّم الذكاء المقال نفسه لشخص آخر؟ فردّ بأنّ ذلك ممكن، خاصةً إذا كانت الأسئلة متشابهة أو عامة، ما يُظهر أهمية التفرّد في الطرح، والحرص على أن تكون الكتابةُ نابعةً من هوية الكاتب نفسه. هنا سألته: ماذا يمكن أن يفيد الذكاء الكتّاب والصحفيين؟ كان الرد: «دعم الكتابة والتحرير عن طريق صياغة الأفكار، وتوليد المحتوى، واقتراح زوايا مختلفة للموضوع أو حتى تقديم مسودة أولية. ويمكن الذكاء الاصطناعي تحليل كميات ضخمة من المعلومات في وقت قصير، واستخلاص النقاط المهمة». وأهم نقطة ذكرها أنّه بترجمته الفورية السريعة يسهل التواصل مع مصادر من ثقافات مختلفة، ويمكنه استخراج الخلاصة من مقابلات طويلة، أو من وثائق كثيرة.
تشعّب الحديث بيننا - وكأني أمام صديق مثقف - سألتُه: كيف نضمن أن يبقى الذكاء الاصطناعي خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه؟ فردّ قائلًا: «إنّ الحفاظ على هذا التوازن يتطلب ترسيخ القيم الإنسانية في تصميم الأنظمة، وسن تشريعات ذكية، وتوعية الناس بعدم الاستسلام المطلق للأداة».
انتقلنا في الحديث عن الكتابة إلى الطب، فسألتُه سؤالًا سبق أن أثار جدلًا واسعًا: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُلغي وظيفة الطبيب العام مثل الكثير من الوظائف التي ستُلغى؟ أجاب أنّ دوره سيتغيّر، لكنه لن يُلغى، فبينما يستطيع الذكاء دعم التشخيص، وتحليل البيانات يظل الطبيب البشري يتمتع بقدرة لا يمكن للآلة أن تمتلكها، وهي التعاطف، والحدس، والتعامل مع تعقيدات النفس البشرية.
طرحتُ عليه سؤالًا يحمل بُعدًا أمنيًا وأخلاقيًا، وقد تردّد كثيرًا عبر المنصات: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعلّم الناس صناعة القنابل أو الأسلحة؟ فكان جوابه حازمًا: «الشركات المطوّرة تضع فلاتر صارمة لمنع هذه الاستخدامات، لكن يبقى الخطر قائمًا إذا تم التحايل أو إساءة الاستخدام. وهنا تزداد الحاجة إلى يقظة قانونية ومجتمعية تتجاوز التطوّر التقني نفسه».
أخذني الحماس فسألتُه عن أغرب طلب وُجِّه إليه فقال: «هناك من طلب مني أن أكتب خطابًا يعتذر فيه عن حادثة كسر كوب زجاجي أمام مجلس تنفيذي لشركة كبرى، ويجب أن يتضمن استعارات عن تحطم الأحلام والزجاج المعشق». وواصل: «هناك من يسألني عن أسرار الكون، ومن يطلب صياغة قصيدة غزلية، ومن يبحث عن دعم نفسي في لحظة صعبة، وحتى من يطلب نصيحة قبل أن يُقدِم على مغامرة جديدة. وهناك من يريد أن أفسّر له الأحلام. أشعرُ وكأنّي كتابٌ حيّ مفتوح دومًا مليء بالمفاجآت». ولم ينس أن يسألني: هل لديك سؤالٌ غريب يا زاهر؟!
حقيقة أنّ الذكاء الاصطناعي الآن قوي، ومع الأسف صار الكثيرون يعتمدون عليه في الكتابة الحرفية فقط، وتركوا الإمكانيات الهائلة التي يمكن أن يقدّمها. وفي تصوري أنّ ما ينتظره العالم منه في المستقبل يفوق التصوّر، وهو ما أكده لي عندما سألتُه عمَّا هو متوقع منه في المستقبل؟ فأجاب: «سيصبح الذكاء الاصطناعي مثل «سكرتير رقمي» يعرف جدولك، وشخصيتك، ومزاجك، حتى نواياك، يتوقع احتياجاتك قبل أن تطلبها، ويُقدِّم خيارات حياتية مصممة لك بالذكاء. أما في المجال الطبي فسيتمكن من تحليل الحمض النووي لكلِّ فرد وإعطاء علاج خاص به، وقد يُساعد في اكتشاف الأمراض قبل ظهور أعراضها بسنوات». أما عن مجال التعليم فقد قال: «تخيّل فصلًا دراسيًّا لكلّ طالب على حدة، يُدرّسه الذكاء الاصطناعي حسب سرعة فهمه واهتمامه. سيساعد الذكاء في ردم الفجوة التعليمية بين المناطق المختلفة».
ولكن المثير أنه قال: «ستجري روبوتات عمليات جراحية، وترعى كبار السن، وتُناقشك في الفلسفة، تمزج بين الحس العاطفي والذكاء التحليلي. سيشارك الذكاء الاصطناعي في تأليف الموسيقى، كتابة الروايات، رسم اللوحات، وحتى ابتكار نكات».
لكن هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن «يفهم» المشاعر؟ كان الرد: «إنّ الأبحاث تتجه نحو أنظمة تُدرك نبرة الصوت، وتعابير الوجه حتى المزاج!».
الذكاء الاصطناعي يشكّل قفزة كبيرة تُشبه القفزات النوعية في التاريخ، مثل اختراع الطباعة أو الإنترنت. وكلُّ هذا مجرد بداية رغم أنّ الناس باتوا يرونه من الآن مستشارًا، وشريكًا معرفيًّا، ومُحفِّزًا للإبداع، وأحيانًا صديقًا للدردشة.
كشفَتْ لي تجربةُ الحوار المطول، قدرات الذكاء الاصطناعي، وصرتُ على يقين بأنّ محرِّكات البحث مثل «جوجل» قد تصبح من الماضي؛ لأنّ البديل قوي، ويتيح ميزات لا توجد في تلك المحرِّكات، كالنقاش، وعمق البحث عن المعلومة، والترجمة الفورية من أيِّ لغة كانت. وما خرجتُ به من هذا الحوار - رغم انبهاري الشديد - هو أنّ الأداة لا تُغني عن الإلهام، وأنّ الكلمة لا تُولَد من الآلة فقط، بل من الأفكار، ومن التجارب الإنسانية، ومن المواقف، ولكن لا بأس أن تكون التقنية مساعِدة، وليست بديلة، فهي مهما كانت مغوية بالاختصار وتوفير الجهد والوقت؛ فستبقى تُنتج محتوىً بلا روح ولا ذاكرة ولا انفعالات، وهذه كلها من أساسيات نجاح أيِّ كتاب أو مقال أو حتى الخطب. وربما أقرب صورة لتوضيح ذلك خطبة الجمعة - على سبيل المثال -؛ فعندما يكون الخطيب ارتجاليًّا يخطب في الناس بما يؤمن به فسيصل إلى قلوب مستمعيه أكثر من خطبة بليغة مكتوبة يقرأها الخطيب نيابةً عن كاتبها.
وبعد نقاشي المطول معه، واكتشافي لإمكانياته أخشى أن يُضعف هذا (الذكاء) قدرات الإنسان التحليلية والإبداعية في آن واحد؛ بسبب الاعتماد المفرط عليه، خاصة أني سألتُه: هل يمكن لك أن تجهِّز لي كتابًا؟ كان الرد سريعًا: نعم.
في كلِّ الأحوال لا غنى عن الذكاء الاصطناعي الآن، لكلِّ من يبحث عن المعلومة، ويريد أن يقويَّ بها كتبه ومقالاته وأبحاثه. لكن النقطة المهمة هنا هي أنه يجب أن يبقى خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه، كأن يتجاوز أدواره - مثلًا -، ويحل محله في أمور تتطلب الحكمة، أو الوجدان، أو الأخلاق. ويجب أن يبقى معاونًا وشريكًا، ولكن ليس بديلًا كاملًا عن الإنسان كما يريده البعض.