المحتالون يستخدمون الذكاء الاصطناعي في مكالمات الفيديو للإيقاع بضحاياهم
تاريخ النشر: 16th, January 2025 GMT
نشهد اليوم تزايدا ملحوظا في استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي أكان من أجل الفائدة أو الضرر. ومن المؤسف أن المحتالين وموفري المعلومات المضللة هم من أبرز المستفيدين من هذه التقنية. ورغم أن إنشاء مقاطع الفيديو باستخدام الذكاء الاصطناعي لا يزال بعيد المنال، فإنه أصبح متقدما بما يكفي لانتحال شخصيات الآخرين.
تعتمد مكالمات الفيديو الاحتيالية بشكل أساسي على التزييف العميق (Deepfake) الذي يتيح انتحال شخصية ما والحصول على معلومات حساسة وحسابات مالية.
وتُعد مكالمات الفيديو الاحتيالية شائعة على مواقع التعارف، إذ يُعد الأشخاص الذين يبحثون عن الحب هدفا سهلا بالنسبة للمحتالين. كما يمكن استخدامها أحيانا بطرق أخرى، مثل انتحال شخصية أحد المشاهير أو شخصية سياسية أو حتى شخص قد تعرفه فعليا مثل رئيسك في العمل أو صديقك. وفي الحالة الأخيرة، غالبا ما يستخدمون رقم هاتف مزيف لإقناع الضحية بشكل أكبر.
ويُعرف التزييف العميق بأنه أي صورة أو فيديو أُنشئ بواسطة الذكاء الاصطناعي بهدف تقليد شخصية موجودة بالفعل. ورغم أنه مرتبط بالأغراض الشريرة، فإن له استخدامات غير مؤذية مثل إنشاء "ميمز" (Memes) والمقالب والترفيه، ولكن الآن أصبحت وسيلة احتيال عبر مكالمات الفيديو.
إعلان ما هدف المحتالين؟الهدف الأساسي لكل محتال هو المعلومات، ورغم أن للبيانات أشكالا عدديدة، فإن معظم عمليات الاحتيال التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي تسعى لتحقيق الغاية ذاتها، حتى لو كانت العواقب متفاوتة.
على سبيل المثال، قد يحاول المحتال انتحال شخصية رئيسك في العمل لتزويده بمعلومات حساسة تتعلق بالشركة التي تعمل فيها. وإذا أرسلت له تفاصيل عن عملاء أو عقود سيتمكن من استغلالها وبيعها لشركات منافسة. وقد يفعل أكثر من ذلك ويؤدي إلى تدمير الشركة.
وفي أسوأ الحالات قد يستدرجك المحتال للحصول على معلوماتك البنكية أو رقم الضمان الاجتماعي، وغالبا ما يحدث ذلك عن طريق انتحال شخصية صديقتك أو زوجتك، ومن ثم يطلب المال أو يأتي على هيئة مدير موارد بشرية يعرض عليك وظيفة جديدة قد تكون قد تقدمت إليها أو لم تتقدم.
وفي كلتا الحالتين، بمجرد أن يجمع المحتال المعلومات ويُحدث الضرر بشكل أساسي، يصبح الأمر متعلقا بمدى سرعة اكتشافك الخدعة وتخفيف الضرر.
ذكر موقع "سي إن إن" (CNN) حادثة وقعت بداية عام 2024، حيث تعرض موظف مالي في شركة متعددة الجنسيات في هونغ كونغ لاحتيال تسبب في خسارة 25 مليون دولار، وقالت الشرطة آنذاك إن المحتال استخدم تقنية التزييف العميق في مكالمة فيديو وتظاهر أنه المدير المالي للشركة.
وتلقى الموظف المالي رسالة تزعم أنها من المدير المالي للشركة المقيم في المملكة المتحدة وتطالب بإجراء معاملة سرية، وفي البداية اشتبه الموظف في أن تكون هذه الرسالة أحد أساليب التصيد الاحتيالي، لكنه وضع شكوكه جانبا بعد أن تلقى مكالمة فيديو تُظهر أشخاصا حاضرين بدوا وكأنهم زملاءه في العمل.
واعتقد الموظف أن كل من كان في مكالمة الفيديو حقيقي ويبدو أنه لم يسمع من قبل بتقنية التزييف العميق، ومن دون تفكير وافق على تحويل مبلغ 25 مليون دولار. ولم تُكتشف عملية الاحتيال التي تتضمن المدير المالي الوهمي إلا عندما تحقق الموظف من مقر الشركة لاحقا.
إعلان اكتشاف مكالمات الفيديو الاحتياليةفي الوقت الحالي، يتصف التزييف العميق المُستخدم في معظم مكالمات الفيديو الاحتيالية بأنه غير مُتسق، وغالبا ما يحوي عيوبا بصرية ولقطات غريبة تجعل الفيديو أو الصوت يبدو مزيفا.
ويجب التدقيق في التفاصيل مثل تعابير وجه لا تظهر بشكل متناسق، وخلفية تتحرك بشكل غريب، وصوت يبدو آليا بعض الشيء.
وتقنيات التزييف العميق الحالية تواجه صعوبة في تتبع الشخص إذا وقف أو رفع يديه فوق رأسه، إذ كان تدريبها مقتصرا على لقطات الرأس ومقاطع الفيديو التي تركز على الوجه والأكتاف.
ومع ذلك، تتطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بسرعة، ورغم أهمية فهم عيوب الذكاء الاصطناعي الحالي، فإن الاعتماد على هذه المهارات في السياق العام قد يؤدي إلى عواقب وخيمة.
وتقنية التزييف العميق الحالية أثبتت أنها أفضل بكثير من العام الماضي ونحن نتجه نحو مرحلة قد تصبح فيها مقاطع الفيديو الاحتيالية شبه مطابقة للواقع وقد يستحيل اكتشافها.
ورغم وجود أدوات عديدة لكشف مقاطع الفيديو المزيفة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، فإنه لا يمكن الاعتماد عليها لأن التقنية تتطور بسرعة كبيرة.
بدلا من محاولة التعرف على الفيديوهات التي أنشأها المحتالون بواسطة الذكاء الاصطناعي، حاول اتباع نهج أكثر فعالية في الأمان، فمعظم أساليب الحماية التي نجحت في الماضي سوف تنجح الآن. وسنذكر أهم إستراتيجيات الحماية من مكالمات الفيديو التي تستخدم تقنية التزييف العميق، ويمكنك اتخاذ بعض الخطوات لتقليل فرص المحتالين من إنشاء نسخة مزيفة منك. ويجب أن تفكر مليا فيما تشاركه على الإنترنت:
– التحقق من هوية المتصل: بدلا من محاولة تحديد هوية شخص ما بناءً على وجهه أو صوته، يمكنك استخدام أساليب يصعب تزويرها، فمثلا يمكنك التحقق من هوية المتصل من خلال إرسال رسالة نصية إليه تسأله إذا كان يجري مكالمة فيديو معك في الوقت الحالي، وإذا كان الجواب لا فبالتأكيد ستكون عملية احتيال.
إعلانويمكن سؤال المتصل الذي تشك فيه بعض الأسئلة الجانبية أو اخرج عن الموضوع، فمعظم المحتالين سيشعرون بالارتباك عند الخروج عن النص الذي أعدوه وقد توقع بهم بهذا الأمر، وإذا كانوا يتنكرون بشخص تعرفه فعليا، فسيواجهون صعوبة في الإجابة عن الأسئلة الخاصة لأنهم لا يعرفون كل ما يجري بينك وبين الشخص الذين تعرفه.
– لا تشارك المعلومات الحساسة في مكالمات الفيديو: أفضل طريقة للحماية هي الاحتفاظ بجميع المعلومات المهمة في صدرك. فلا ينبغي لأحد أن يطلب منك معلوماتك المصرفية أو رقم الضمان الاجتماعي بصوت عالٍ أثناء مكالمة الفيديو، ولا يجب عليك مشاركتها عبر الإنترنت أبدا. وإذا حاولوا استعجالك أو الضغط عليك للقيام بذلك، فهذا سبب وجيه لإغلاق الهاتف.
ويجب تقديم هذه المعلومات فقط باستخدام وثائق رسمية، وإذ حاول شخص ما إعادة توجيهك إلى مستند "دوك" (Doc) أو ملف "بي دي إف" (PDF) من غوغل عن طريق ربطه في المحادثة النصية لمكالمة "زوم" (Zoom) أو "تيمز" (Teams)، فاطلب منه إرساله من بريده الإلكتروني الخاص بالعمل بدلا من ذلك. وخذ بعض الوقت لإلقاء نظرة عليه والتحقق من أن هذا عنوان بريد إلكتروني شرعي قبل النقر فوق الرابط.
لا تقع ضحية التزييف العميقيمكنك اتخاذ بعض الخطوات الاستباقية لتقليل فرص المحتالين من إنشاء نسخة مزيفة منك. ببساطة، يمكنك منعهم من الوصول إلى صورك أو معلوماتك التي يعتمدون عليها لبدء هجماتهم. ويتحقق ذلك من خلال بعض الإجراءات سنذكر أبرزها:
– احذر مما تنشره على الإنترنت: أحد الخطوات الأساسية في تجنب التزييف العميق هي أخذ الحذر مما تشاركه عبر الإنترنت وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، فالصور ومقاطع الفيديو الموجودة على الإنترنت هي المادة الخام التي تعتمد عليها تقنية التزييف العميق. ويمكنك ضبط إعدادات منصات التواصل بحيث يمكن للأشخاص الموثوق بهم فقط رؤية صورك ومنشوراتك.
إعلان– وضع علامة مائية على الصور: عند مشاركة الصور أو مقاطع الفيديو عبر الإنترنت، يُفضل استخدام علامة مائية عليها. يمكن أن يثني ذلك من عزيمة محتالي التزييف العميق ويجعل جهودهم أكثر قابلية للتتبع.
– التعرف على التزييف العميق والذكاء الاصطناعي: بما أن عالم الذكاء الاصطناعي يتغير بسرعة، فمواكبة الأحداث والتطورات يمكن أن تساعدك في فهم الأساليب الاحتيالية المعتمدة على التزييف العميق. وليس من الضروري أن تصبح خبيرا، لكن متابعة الأخبار حول هذه التقنيات مهمة جدا، وقد تساعدك في التعرف على العلامات الحمراء المحتملة عند مواجهة محتوى مشتبه فيه.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الذکاء الاصطناعی مکالمة الفیدیو التزییف العمیق مقاطع الفیدیو انتحال شخصیة
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي يعزز دقة التنبؤ بهياكل الأجسام المضادة
طوّر باحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) نموذجًا حسابيًا جديدًا قادرًا على التنبؤ بهياكل الأجسام المضادة بدقة غير مسبوقة، مما قد يُحدث تحولًا كبيرًا في تصميم أدوية فعالة ضد أمراض معدية مثل كوفيد-19 وHIV.
الذكاء الاصطناعي يتجاوز التحديات السابقة
رغم التقدم الكبير الذي حققته نماذج الذكاء الاصطناعي المعتمدة على "نماذج اللغة الكبيرة" (LLMs) في التنبؤ بهياكل البروتينات، إلا أنها واجهت صعوبات عند التعامل مع الأجسام المضادة، خاصة بسبب المناطق شديدة التغير فيها والمعروفة بـ"المناطق مفرطة التغير". للتغلب على هذه العقبة، ابتكر فريق (MIT) تقنية جديدة تحسّن أداء هذه النماذج وتمنحها القدرة على فهم تعقيدات هذه البروتينات المناعية.
تقول بوني بيرغر، أستاذة الرياضيات في (MIT) ورئيسة مجموعة الحوسبة والبيولوجيا في مختبر علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي (CSAIL): «طريقتنا تسمح بالوصول إلى نطاق واسع من الاحتمالات، مما يتيح لنا إيجاد إبر حقيقية في كومة قش. وهذا قد يوفر على شركات الأدوية ملايين الدولارات بتجنب التجارب السريرية غير المجدية».
نموذج AbMap: أداة ذكية للتنقيب في بحر الأجسام المضادة
النموذج الجديد، الذي يحمل اسم (AbMap)، يعتمد على وحدتين مدربتين بشكل دقيق: الأولى تتعلم من بنى ثلاثية الأبعاد لحوالي 3000 جسم مضاد موجودة في قاعدة بيانات البروتينات (PDB)، والثانية تعتمد على بيانات تقيس مدى ارتباط أكثر من 3700 جسم مضاد بثلاثة أنواع مختلفة من المستضدات.
باستخدام (AbMap)، يمكن التنبؤ بهيكل الجسم المضاد وقوة ارتباطه بالمستضد، فقط من خلال تسلسل الأحماض الأمينية. وفي تجربة واقعية، استخدم الباحثون النموذج لتوليد ملايين التعديلات على أجسام مضادة تستهدف بروتين «سبايك» لفيروس SARS-CoV-2، وتمكّن النموذج من تحديد أكثرها فعالية.
وقد أظهرت التجارب بالتعاون مع شركة Sanofi أن 82 % من الأجسام المضادة المختارة باستخدام النموذج أظهرت أداءً أفضل من النسخ الأصلية.
اختصار الطريق نحو العلاجات الفعالة
يُعد هذا التقدم فرصة ذهبية لشركات الأدوية لتقليص الوقت والتكاليف اللازمة في مراحل البحث والتطوير. ووفقًا للبروفيسور روهيت سينغ، المؤلف المشارك للدراسة: «الشركات لا تريد المخاطرة بكل شيء في جسم مضاد واحد قد يفشل لاحقًا. النموذج يمنحها مجموعة من الخيارات القوية للمضي قدمًا بثقة».
تحليل الاستجابات المناعية على مستوى الأفراد
بعيدًا عن التطبيقات الدوائية، يُمكن للنموذج أن يُحدث نقلة في فهم التباين في الاستجابات المناعية بين الأفراد. فعلى سبيل المثال، لماذا يُصاب البعض بكوفيد-19 بشكل حاد، بينما ينجو آخرون دون أعراض؟ أو لماذا يبقى بعض الأشخاص غير مصابين بـHIV رغم تعرضهم للفيروس؟
الدراسة أظهرت أنه عند مقارنة البنية الثلاثية للأجسام المضادة بين الأفراد، فإن نسبة التشابه قد تكون أعلى بكثير من النسبة التي تُظهرها المقارنة الجينية التقليدية (10%). وهذا قد يفتح الباب لفهم أعمق لكيفية عمل جهاز المناعة وتفاعله مع مسببات الأمراض المختلفة.
يقول سينغ: «هنا يتجلى دور نماذج اللغة الكبيرة بوضوح، فهي تجمع بين نطاق التحليل الواسع القائم على التسلسل الجيني ودقة التحليل البنيوي».
دعم وتمويل دولي
حظي البحث بدعم من شركة Sanofi وعيادة عبد اللطيف جميل لتعلم الآلة في مجال الصحة، مما يعكس تزايد اهتمام المؤسسات العالمية بالذكاء الاصطناعي كأداة استراتيجية في الطب الحيوي.
بهذا الإنجاز، يُبرهن الذكاء الاصطناعي مجددًا على قدرته في إحداث ثورة صامتة في المختبرات الطبية، حيث لا تقتصر فوائده على التسريع والتحليل، بل تمتد لتوجيه القرارات الحاسمة التي قد تُنقذ أرواح الملايين.
أسامة عثمان (أبوظبي)