مسكينة أيتها اللغة! فكل الأفعال الإنسانية تتجسد فيك.. الحياة كلها بخيرها وشرِّها تتجلى من خلال اللغة، فاللغة كما تكون لمسة حانية وكلمة شافية تكون قوة مدمرة تفيض بالعنف. وبدلًا من أن تكون اللغة وسيلة للفهم والبيان والتواصل الإنسانى، إِذْ باللغة من خلال هذا العنف قد صارت وسيلة إيذاء نفسى بل وجسدى!.
وبحسبك أن تتأمل عشرات البرامج على شاشات القنوات الفضائية، لتجد تجليات هذا العنف اللغوى بارزةً من خلال الصخب والصراخ الذى يحجب الوعى والفهم ويستفز الأعصاب ويوتِّرها وأصبحت الرغبة الجامحة فى الإثارة وكسب الجمهور فوق كل قيمة وخلق.
وتحت وطأة هذا العنف الصوتى، حيث ارتفاع النبرة والحدَّة والصراخ الذى يكاد يخرق الآذان، يخرج الإنسان عن الهدوء النفسى والعقلى اللازم للفهم والوعى والتواصل الإنسانى.
وامتدَّ هذا العنف الصوتى حتى طال جانب الجمال فى حياتنا، من خلال تلك الأغانى والموسيقى التى تصدع رؤوسنا، والتى نسمعها فى الميكروباص والتوكتوك والمحلات، بذوقها الهابط وكلماتها السمجة وإيقاعاتها البدائية التى تشبه طبول الحرب، خالية من أى ملمح فنى أو قيمة جمالية.. وكأن نفوسنا صارت خرابًا، وأنَّى للخراب أن ينبت الجمال؟! وأنَّى للأرواح الميتة أن تبدع؟!.
لقد عقد القرآن الكريم مقارنة قاسيةً ولافتة للانتباه بين رفع الصوت والانحطاط من المستوى الإنسانى إلى مستوى حيوانى، قال الله تعالى:
{.....وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ(19)}
فى هذه الآية الكريمة فضلًا عن تلك المقارنة القاسية إشارة لطيفة إلى مكمن التفرُّد الإنسانى، ألا وهو العقل الذى لا يكون عقلًا إلَّا إذا امتاز بالرزانة والقدرة على التفاهم والتخاطب والتواصل الإنسانى عبر لغةٍ هادئة تشيع فى مفرداتها روح المودة وتتردَّد فى جوانبها جماليات الحضارة وإشراقات الروح الإنسانى النبيل.
وعلى مستوى المعنى فحدِّث ولا حرج: عن الألفاظ الخادشة للحياء، والتى تصل إلى حدِّ التقاذف بالألفاظ النابية وسبِّ الآباء والأمهات بكلمات يندى لها الجبين، تُستباح فيها الأعراض وتُنْتَهك الحرمات، وتطلق فيها ألفاظ تتصل بأخص خصائص الأنثى.
وغابت الكلمة الحلوة والتحيات الطيبة، وأصبحت التحية بين الشباب هى التشاتم: صباح الخير يا ابن كذا.. ناهيك عن سب الدين.. أسمى وأرقى ما فى الإنسان يهان ويُسَبُّ ويقذف بأبشع الألفاظ!.
وما أبشع هذا العنف حين يمارسه مَنْ يُفْتَرَض أن يكونوا قدوةً لغيرهم، كالأب والأم والمعلِّم، حين ينادى طفله أو تلميذه بأسماء الحيوانات، أو بما يُلْبَس فى القدم! هذا المخلوق العظيم الذى كرَّمه الله عز وجل وأسجد له ملائكته الكرام ندعوه بأحط الألقاب؟! وقد نُهِينا عن التنابز بالألقاب، قال الله عز وجل: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} ( الحجرات: ١١).
وعلى مستوى اللغة المكتوبة نجد أصداء العنف اللغوى واضحة جلية، من خلال التجريح الذى يتجاوز كل الحدود، والتشهير بالخصوم ونعتهم بأقسى الصفات، والحملات الصحفية خير شاهد على هذه المهاترات والعنف اللغوى الذى هو صدًى لما تُكنُّه نفوسنا من عنف وقسوة.
إن هذا العنف اللغوى قد اقتحم حياتنا وشوَّه جمالياتها وأفسد القيم الروحية والثقافية لأُمَّةٍ كانت اللغة مفخرةً من مفاخرها، وجاء القرآن العظيم معجزة لغوية ودعوة إلى الحوار والجدال بالتى هى أحسن، واحترام الآخر، وتحسين الأداء اللغوى، وتعميق الإحساس بالكلمة.
فهل من وقفة من العقلاء والدعاة والمصلحين تهيب بنا أن نتوقف لنصحِّح ونستدرك، لعلنا نستطيع أن نتخلَّص من عنف لغتنا، ولن نتخلص منه بطبيعة الحال إلَّا إذا تخلَّصنا من أسبابه ودواعيه.. وهو العنف الكامن بداخلنا. فالتخلص من عنف السلوك والفكر سيكون الخطوة الجادة فى التخلص من عنف اللغة، التى هى من أجلِّ نعم الله علينا، وسبحان الله القائل:
{الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)} (الرحمن).
لكن حين تتحول اللغة بيننا من (البيان) إلى الصراع والصدام والأذى والإهانة، فقد حرمنا أنفسنا من أغلى نعم الله علينا.
وما يعقلها إلَّا العالمون
وما يتذكر إلا أولو الألباب
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: د محمد داود هذا العنف من خلال من عنف
إقرأ أيضاً:
ألمانيا تكشف "دليل سفر حلال ثنائي اللغة" لمسافري دول الخليج
◄يُقدم هذا الدليل معلومات عملية حول المطاعم الحلال وأماكن الصلاة في جميع أنحاء البلاد
◄يُسلط الضوء على تجارب مُلائمة للمسلمين وإقامات مُراعية للثقافات في مدن ألمانيا ومناطقها الخلابة
◄يدعم مساعِد الدردشة المُدعم بالذكاء الاصطناعي المسافرين المسلمين بإجابات فورية
برلين- خاص
أطلق المكتب الوطني الألماني للسياحة في دول مجلس التعاون الخليجي، دليل "السفر الحلال في ألمانيا"، وهو مرجع مخصص صُمم تحديداً لمساعدة المسافرين المسلمين على التخطيط لرحلات مريحة وتنسجم مع موروثاتهم الثقافية في مختلف أنحاء ألمانيا.
يتوفّر الدليل باللغتين الإنكليزية والعربية، ويمكن تحميله مجاناً من منصة إلكترونية مخصصة ضمن الموقع الرسمي للسياحة في ألمانيا. ويُعدّ هذا المرجع خطوة مهمة نحو تقديم تجربة سفر تراعي الاحتياجات الدينية والثقافية للمسافرين المسلمين، لا سيما من دول الخليج.
تم إعداد الدليل مع الأخذ في الاعتبار توقّعات الزوّار من دول مجلس التعاون الخليجي، وهو يضم معلومات عملية وتوصيات منتقاة بعناية. ويُبرز الدليل خيارات تناول الطعام الحلال، وأماكن الصلاة، بالإضافة إلى الفنادق وأماكن الإقامة التي تراعي الخصوصية الثقافية، ما يساعد الزوّار على الشعور بالراحة والثقة أثناء استكشافهم للمدن الألمانية.
ألمانيا ترحّب بالجميع... متيحةً الراحة والاحترام وسهولة الوصول للجميع
تواصل ألمانيا ترسيخ مكانتها كوجهة مفضّلة للمسافرين من دول مجلس التعاون الخليجي، مدعومةً ببنية تحتية متقدمة، ومعايير ضيافة رفيعة، ورؤية سياحية شاملة تحتفي بالتنوّع وتحتضن الجميع. ففي مدن مثل برلين، دريسدن، دوسلدورف وميونيخ، يجد الزوّار بيئة ترحّب بهم بكل تفاصيلها، من وفرة المطاعم الحلال، إلى موظفين يتحدثون اللغة العربية، وصولاً إلى مساحات صلاة مهيّأة يمكن الوصول إليها بسهولة، حيث يساهم كل ذلك في نسج تجربة سفر يشعر فيها المسافر بالراحة والانتماء، وكأنه لم يغادر بيته.
يوفّر دليل السفر الحلال إلى ألمانيا إرشادات قيّمة للمسافرين المسلمين الذين ينشدون تجارب تتماشى مع أسلوب حياتهم وتفضيلاتهم الشخصية في السفر. سواء كانت الزيارة بغرض الترفيه، أو العلاج، أو الدراسة، أو حتى السياحة التسويقية، يقدّم الدليل خيارات مدروسة تلبي الاحتياجات الروحية والتوقعات الثقافية بكل احترام واهتمام. كما يسلّط الضوء على جمال الطبيعة الألمانية، ومعالمها الثقافية، ومرافق العافية ذات المستوى العالمي، في قالب منظّم يجعل من تخطيط الرحلة تجربة سهلة ومجزية، تجمع بين الراحة والمتعة والاكتشاف.
تقول يامينا صوفو مديرة مكتب التسويق والمبيعات - المكتب الوطني الألماني للسياحة في دول الخليج: "إن إطلاق دليل السفر الحلال هو انعكاس واضح لالتزامنا المتواصل بتوفير بيئة ترحّب بالمسافرين المسلمين وتمنحهم شعوراً بالراحة والمعرفة أثناء تواجدهم في ألمانيا. لقد حرصنا على تقديم معلومات واضحة وسهلة الوصول، تجعل عملية التخطيط يسيرة، وتوفّر تجربة سفر خالية من القلق. نحن ملتزمون بأن نُظهر للزوّار من دول الخليج أن ألمانيا وجهة يمكنهم اكتشافها بكل حرية، في الوقت الذي يصونون فيه معتقداتهم وموروثاتهم الثقافية".
تجارب سفر ملهمة بين المدن والطبيعة الريفية
يقدّم الدليل لمحات غنية ومتنوّعة من مختلف أنحاء ألمانيا، حيث يربط بين الخدمات الملائمة للمسافرين المسلمين، وأشهر المعالم السياحية والكنوز الخفية التي تنتظر مَن يكتشفها.
ففي برلين، يجد الزائر مدينة نابضة بالحياة، تحتفي بالتنوّع وتمنح كل زائر مساحة ليكون على طبيعته. أما ميونيخ، فتوفر لحظات من الهدوء والجمال الطبيعي، مدعومة بحفاوة ضيافة تراعي الخلفيات الثقافية. ومن متعة التسوّق الفاخر في دوسلدورف إلى سحر العمارة التاريخية في دريسدن، يرسم الدليل ملامح تجارب يمكن الوصول إليها بسهولة، تعكس اهتمامات المسافرين من دول الخليج وتلبّي شغفهم بالتنوّع، والرفاهية، والثراء الثقافي.
تتضمّن كل وجهة في الدليل إشارات واضحة إلى خدمات أساسية تهمّ المسافر المسلم، مثل أماكن مخصصة للصلاة، وخيارات طعام حلال، وإقامات تراعي التقاليد والتوقعات الثقافية.
ولا يكتفي الدليل بذلك، بل يسهّل أيضاً عملية تخطيط الرحلة من خلال اقتراحات عملية ومسارات سفر متكاملة، تجمع بين نصائح مفيدة واقتراحات لربط الوجهات ببعضها، مما يبسّط اتخاذ القرار سواء للمسافرين للمرة الأولى أو للزوّار المتكررين إلى ألمانيا. والنتيجة هي مرجع متكامل للسفر، يجعل من السهل تحقيق توازن متناغم بين الاحتياجات الروحية ومتعة الترفيه وروح الاكتشاف.
أدوات رقمية ذكية تعزّز سهولة الوصول وتمنح الثقة في الرحلة
لدعم المسافرين بشكل أعمق، يقدم المكتب الوطني الألماني للسياحة، مساعِداً تفاعلياً مدعوماً بتقنية الذكاء الاصطناعي على الموقع الإلكتروني الخاص بدليل السفر الحلال. يتيح هذا المساعِد الذكي للمستخدمين طرح أسئلة في الوقت الفعلي، مثل أماكن المطاعم الحلال في ميونخ، أو أقرب مسجد إلى فندق معين في برلين.
ويتوفر هذا المساعِد باللغتين العربية والإنكليزية، ليمنح وصولاً فورياً إلى معلومات السفر العملية والمفصّلة في الدليل، والمصممة خصيصاً لتلبية احتياجات الزوّار المسلمين، ما يجعل عملية التخطيط أكثر يسراً وثقة.
وتعكس هذه الابتكارات رؤية المكتب الوطني الألماني للسياحة الأوسع نحو التحول الرقمي، والتواصل متعدد اللغات، وتقديم أدوات ذكية تمكّن المسافرين من التخطيط لأنفسهم بكل استقلالية. ويأتي المساعِد التفاعلي ليكمّل تنسيق الدليل السهل الاستخدام، ويشكّل نقطة اتصال ميسّرة للزوّار من دول مجلس التعاون الخليجي، الذين يبحثون عن معلومات موثوقة قبل زيارتهم وخلالها.
وتشرح يامينا صوفو: "ندرك جيداً أن اليُسر والوضوح هما جوهر التجربة المثالية. إن المساعِد التفاعلي مثال حي على كيفية توظيفنا للأدوات الرقمية لدعم المسافرين من دول مجلس التعاون الخليجي بإجابات فورية ونافعة. هدفنا أن نبني جسوراً من التواصل الحقيقي، ونجعل عملية التخطيط لزيارة ألمانيا، رحلة أكثر بساطة ومتعة للجميع".
من هنا، تقدّم ألمانيا للعائلات من دول مجلس التعاون الخليجي تجربة سفر مليئة بالترحيب، تجمع بين الدفء والراحة، مع خدمات ناطقة باللغة العربية، وأنشطة عائلية مُلائمة، وبحيرات خلابة تُناسب جميع الأعمار. كما تساهم الرحلات الجوية الميسّرة، والرحلات المباشرة إلى المدن الرئيسية، في تسهيل الوصول إلى هذه الملاذات الطبيعية أكثر من أي وقت مضى، مُتيحةً لهم رحلة تجمع بين الثقافة والراحة والاستكشاف.