بوابة الوفد:
2025-06-03@13:26:51 GMT

عنف اللغة!

تاريخ النشر: 16th, January 2025 GMT

مسكينة أيتها اللغة! فكل الأفعال الإنسانية تتجسد فيك.. الحياة كلها بخيرها وشرِّها تتجلى من خلال اللغة، فاللغة كما تكون لمسة حانية وكلمة شافية تكون قوة مدمرة تفيض بالعنف. وبدلًا من أن تكون اللغة وسيلة للفهم والبيان والتواصل الإنسانى، إِذْ باللغة من خلال هذا العنف قد صارت وسيلة إيذاء نفسى بل وجسدى!.
وبحسبك أن تتأمل عشرات البرامج على شاشات القنوات الفضائية، لتجد تجليات هذا العنف اللغوى بارزةً من خلال الصخب والصراخ الذى يحجب الوعى والفهم ويستفز الأعصاب ويوتِّرها وأصبحت الرغبة الجامحة فى الإثارة وكسب الجمهور فوق كل قيمة وخلق.

وهكذا أصبحت اللغة شريكًا فى العنف.
وتحت وطأة هذا العنف الصوتى، حيث ارتفاع النبرة والحدَّة والصراخ الذى يكاد يخرق الآذان، يخرج الإنسان عن الهدوء النفسى والعقلى اللازم للفهم والوعى والتواصل الإنسانى.
وامتدَّ هذا العنف الصوتى حتى طال جانب الجمال فى حياتنا، من خلال تلك الأغانى والموسيقى التى تصدع رؤوسنا، والتى نسمعها فى الميكروباص والتوكتوك والمحلات، بذوقها الهابط وكلماتها السمجة وإيقاعاتها البدائية التى تشبه طبول الحرب، خالية من أى ملمح فنى أو قيمة جمالية.. وكأن نفوسنا صارت خرابًا، وأنَّى للخراب أن ينبت الجمال؟! وأنَّى للأرواح الميتة أن تبدع؟!.
لقد عقد القرآن الكريم مقارنة قاسيةً ولافتة للانتباه بين رفع الصوت والانحطاط من المستوى الإنسانى إلى مستوى حيوانى، قال الله تعالى:
{.....وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ(19)}
فى هذه الآية الكريمة فضلًا عن تلك المقارنة القاسية إشارة لطيفة إلى مكمن التفرُّد الإنسانى، ألا وهو العقل الذى لا يكون عقلًا إلَّا إذا امتاز بالرزانة والقدرة على التفاهم والتخاطب والتواصل الإنسانى عبر لغةٍ هادئة تشيع فى مفرداتها روح المودة وتتردَّد فى جوانبها جماليات الحضارة وإشراقات الروح الإنسانى النبيل.
وعلى مستوى المعنى فحدِّث ولا حرج: عن الألفاظ الخادشة للحياء، والتى تصل إلى حدِّ التقاذف بالألفاظ النابية وسبِّ الآباء والأمهات بكلمات يندى لها الجبين، تُستباح فيها الأعراض وتُنْتَهك الحرمات، وتطلق فيها ألفاظ تتصل بأخص خصائص الأنثى.
وغابت الكلمة الحلوة والتحيات الطيبة، وأصبحت التحية بين الشباب هى التشاتم: صباح الخير يا ابن كذا.. ناهيك عن سب الدين.. أسمى وأرقى ما فى الإنسان يهان ويُسَبُّ ويقذف بأبشع الألفاظ!.
وما أبشع هذا العنف حين يمارسه مَنْ يُفْتَرَض أن يكونوا قدوةً لغيرهم، كالأب والأم والمعلِّم، حين ينادى طفله أو تلميذه بأسماء الحيوانات، أو بما يُلْبَس فى القدم! هذا المخلوق العظيم الذى كرَّمه الله عز وجل وأسجد له ملائكته الكرام ندعوه بأحط الألقاب؟! وقد نُهِينا عن التنابز بالألقاب، قال الله عز وجل: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} ( الحجرات: ١١).
وعلى مستوى اللغة المكتوبة نجد أصداء العنف اللغوى واضحة جلية، من خلال التجريح الذى يتجاوز كل الحدود، والتشهير بالخصوم ونعتهم بأقسى الصفات، والحملات الصحفية خير شاهد على هذه المهاترات والعنف اللغوى الذى هو صدًى لما تُكنُّه نفوسنا من عنف وقسوة.
إن هذا العنف اللغوى قد اقتحم حياتنا وشوَّه جمالياتها وأفسد القيم الروحية والثقافية لأُمَّةٍ كانت اللغة مفخرةً من مفاخرها، وجاء القرآن العظيم معجزة لغوية ودعوة إلى الحوار والجدال بالتى هى أحسن، واحترام الآخر، وتحسين الأداء اللغوى، وتعميق الإحساس بالكلمة.
فهل من وقفة من العقلاء والدعاة والمصلحين تهيب بنا أن نتوقف لنصحِّح ونستدرك، لعلنا نستطيع أن نتخلَّص من عنف لغتنا، ولن نتخلص منه بطبيعة الحال إلَّا إذا تخلَّصنا من أسبابه ودواعيه.. وهو العنف الكامن بداخلنا. فالتخلص من عنف السلوك والفكر سيكون الخطوة الجادة فى التخلص من عنف اللغة، التى هى من أجلِّ نعم الله علينا، وسبحان الله القائل:
{الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)} (الرحمن).
لكن حين تتحول اللغة بيننا من (البيان) إلى الصراع والصدام والأذى والإهانة، فقد حرمنا أنفسنا من أغلى نعم الله علينا.
وما يعقلها إلَّا العالمون
وما يتذكر إلا أولو الألباب

[email protected]
 
 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: د محمد داود هذا العنف من خلال من عنف

إقرأ أيضاً:

العنف الجنسي ضد الأطفال

د. صالح هاشم الشحري

نشرت مجلة اللانسيت البريطانية – وهي أحد أهم المصادر الطبية على مستوى العالم – دراسة مهمة، عنوانها مدى انتشار العنف الجنسي ضد الأطفال، على المستوى الكوكبي، وعمر الطفل عند تعرضه للعنف الجنسي لأول مرة، من ثم تحليل النتائج حسب مناطق العالم الجغرافية، و جنس الطفل. و حسب المجلة فإنها أول دراسة بهذا القدر من التفصيل و العدد الكبير من المصادر المرجعية التى وصلت إلى ٤٦٠ مرجعا عن ٢٠٤ من أقطار كوكب الأرض.
الشريحة التى أدلت بتجربتها الشخصية عن تعرضها لهذه الحالات، تم سؤالها عندما كانت أعمارهم بين ٢٠ – ٢٤ عاما، و قد أظهرت أن ١٨,٦٪ من الإناث و ١٤,٨٪ من الذكور قد تعرضوا للعنف الجنسي، و قد استعملت المجلة كلمة ( survive) الإنجليزية، بمعنى أن هؤلاء هم الذين لم يؤد بهم هذا العنف إلى الموت أو إلى عاهة جسدية، حيث أن المقصود بالعنف الجنسي يشمل طيفا واسعا من الدلالات، تبدأ من التحرش الجنسي البسيط، إلى الإجبار على ممارسة الجنس، إلى الإغتصاب المنتهي بالقتل أو العاهات الجسدية. و النسب أعلاه لا تتضمن الفئة الأخيرة. و لا شك أن هذه نسبة مخيفة. خاصة أنها اقتصرت على الفترة ما بين عامي ١٩٩٠ – ٢٠٢٣.
أهمية هذه المعلومات، أنها تساعد في معرفة حجم الجهد المطلوب لمنع هذه الظاهرة، والدفع إلى اعطائه ما يستحق من الأهمية، فهذه النسب توضح أننا لازلنا بعيدين جدا عن تحقيق أهداف التنمية المستدامة على مستوى العالم، و التي جعلت هدفها الوصول إلى قيمة الصفر بحلول عام ٢٠٣٠. و لا يبدو من مقارنة الحوادث حسب السنوات أن انتشارها ينحسر، وهذا يقتضي مزيدا من الجهود لتحقيق هذا الهدف النبيل.
وبتفصيل يتعلق بالمكان الجغرافي، فإن العنف الجنسي ضد الإناث يتراوح بين ١٢,٦٪ في شرق وجنوب شرق ٱسيا وأوقيانوسيا إلى ٢٦,٨٪ في جنوب آسيا، أما العنف الجنسي ضد الذكور فيتراوح بين ١٢,٣٪ في وسط آسيا و وسط و شرق أوروبا إلى ١٨,٦٪ في الصحراء الأفريقية. كما أن العنف الجنسي حدث عند ٦٧٫٢٪ من الضحايا الإناث، و ٧١٫٣٪ من الضحايا الذكور قبل سن الثامنة عشرة، أي أنه حدث في سن ما قبل النضج الجنسي و العقلى، و لكن تبقى نسبة مهمة تحدث بالإكراه بعد سن نضح الجسد و العقل. و تشير الدراسة إلى أن كون النسبة أقل في بعض الأماكن من غيرها، قد تكون بسبب عدم دقة المعلومات، و عدم امتلاك الضحايا وأهلهم للأمن الإجتماعى الكافي للإفصاح، للأسف تلحق وصمة اجتماعية بالضحايا الأبرياء دائما. لم يتضح لى من الدراسة معلومات تتعلق بعمر المعتدي، و مكان الإعتداء، و هناك قرائن تقول أن نسبة مهمة من هذا العنف يحدث من أفرادٍ في محيط الأسرة. و كثيرا ما تتسبب الكحول والمخدرات في تفاقم هذه الظاهرة.
المطلوب برامج مكثفة تتعامل مع هذه المسائل بطريقة تربوية علاجية تحمى الضحية المحتَمَل، وتعيد تأهيل المعتدى المحتَمَل و إصلاحه نفسيا و تربويا، خاصة و أن جزءاً من العنف الجنسي يحدث مع تأخير سن الزواج لاعتبارات مادية في أغلب الأحيان، و أيضا مع الحروب التى تعرض الأطفال لفقدان الحماية الأبوية و المجتمعية، نسأل الله أن يوفق المجتمع الإنساني إلي التخلص من هذه الٱفات الخطيرة.

مقالات مشابهة

  • محافظ أسوان يشيد بجمعية الأورمان لتوزيع اللحوم على الأسر الأكثر احتياجاً
  • تعرف على أسعار الخضراوات والفاكهة فى أسواق أسوان اليوم الثلاثاء
  • محافظ أسوان: لا تهاون في الحفاظ على أراضي الدولة والتصدى بحزم لكافة التعديات
  • العنف الجنسي ضد الأطفال
  • تعريب المعاملات في القطاع الخاص.. متى يتحقق؟!
  • وزير التعليم عن خطة التعامل مع جروبات الغش في الثانوية العامة: إن شاء الله خير
  • الحكماء.. والفضائح العائلية
  • إسرائيل وحربها الممنهجة
  • نظرية المجال الحيوي ودورها في سياسة العنف اليميني بأوروبا
  • «تعليم قنا» تحقق في واقعة تسريب امتحان الإعدادية