الدوحة- برزت قطر، في العقدين الأخيرين، كوسيط فعال وقوة دبلوماسية رائدة في العديد من النزاعات الإقليمية والدولية، ونجحت في تحقيق إنجاز دبلوماسي بارز عبر دورها المحوري في التوصل رسميا إلى اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس).

والاتفاق الذي أعلن عنه رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مساء الأربعاء، جاء في وقت مهم ليحدّ من عمليات الدمار الشامل والمجازر التي ترتكبها إسرائيل يوميا في قطاع غزة، والتي تُعد من أخطر الانتهاكات الإنسانية التي شهدتها المنطقة خلال العقود الأخيرة.

ولعبت قطر دورا رئيسيا في التوصل لهذا الاتفاق عبر الوساطة التي قادتها لوقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، مستندة إلى خبرتها الطويلة في التعامل مع النزاعات في المنطقة، وقدرتها على تحقيق نتائج إيجابية في ظروف صعبة.

فلسطينيون يحتفلون بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة بعد إعلان وقف إطلاق النار (الفرنسية) دور بارز

وخلال العقدين الأخيرين، لعبت قطر دورا محوريا بارزا في العديد من الوساطات الإقليمية والدولية، كان أبرزها:

الوساطة بين الفرقاء اللبنانيين عام 2008، والتوصل لاتفاق الدوحة الذي أنهى أزمة سياسية استمرت 18 شهرا. وقدمت قطر أيضا الدعم والوساطة خلال النزاع في دارفور بالسودان. وكذلك الوساطة في النزاع بجمهورية أفريقيا الوسطى. إضافة إلى نجاح الدوحة في إبرام اتفاقية سلام بين حكومتي جيبوتي وإريتريا لتسوية النزاع الحدودي بينهما في مارس/آذار 2011، كما نجحت المساعي القطرية في الإفراج عن أسرى جيبوتيين لدى إريتريا. ونجحت الدوحة في الوساطة بين قبائل التبو والطوارق في ليبيا عام 2015. كما شهد العالم نجاح الوساطة القطرية في التوصل إلى اتفاق التسوية التاريخي بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في أفغانستان بفبراير/شباط 2020. وتوسطت الدوحة في المفاوضات المباشرة بين الحكومة الأفغانية وطالبان، وعملت على تيسير التوصل إلى السلام في أفغانستان. فضلا عن نجاحها في التوسط لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين جمهوريتي الصومال وكينيا عام 2021 بهدف تحقيق السلم والاستقرار الدوليين.

إعلان

أكبر المكاسب

ومن بين قائمة الوساطات الإقليمية والدولية، يقول الإعلامي القطري جابر الحرمي إن إنجاز وقف إطلاق النار في قطاع غزة يعد أحد أكبر المكاسب التي حققتها الوساطات القطرية منذ أكثر من ربع قرن، خاصة أن هذا النهج هو الذي سارت عليه وترى أنه الأفضل لإيجاد الاستقرار في المنطقة والعالم.

وقال الحرمي للجزيرة نت، إن نجاح قطر في هذا الملف والتوصل إلى حل بعد أكثر من 15 شهرا من الحرب، يؤكد قوة بصيرتها، حيث إنها منذ اللحظات الأولى للعدوان، أعدّت خارطة الطريق لهذا السلام، ولكن مماطلات الحكومة الاسرائيلية هي التي عطّلت الوصول إلى الاتفاق.

وأضاف أن الحكومة القطرية أولت هذا الملف اهتماما خاصا، و"سيسجل التاريخ لدولة قطر أنها لم تتوانَ ولم تضعف طوال 15 شهرا، وأصرت على إكمال الملف واستطاعت في نهاية المطاف أن تحقق هذا الإنجاز، وذلك بالتعاون مع الأشقاء في مصر الذين بذلوا جهدا مميزا، وكذلك الولايات المتحدة الأميركية التي ساهمت في إنجاح الاتفاق"، وفقا للحرمي.

وشدد الحرمي على أن قطر منذ اللحظات الأولى كانت حاضرة في المشهد عبر تقديم الدعم والمساعدات الإنسانية والطبية لقطاع غزة، مشيرا إلى الدور المتوقع للدوحة عند تطبيق الاتفاق حيث ستبدأ في إرسال المساعدات إلى أهل غزة.

المسفر يأمل عودة السيادة لقطاع غزة دون عراقيل سياسية أو اقتصادية (الصحافة القطرية) "سيادة غزة"

بدوره، أوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر الدكتور محمد المسفر، أن قطر منذ بداية الأزمة وهي مندمجة بكل أجهزتها الدبلوماسية وفريق الوساطة ووسائل إعلامها، وتدعو إلى وقف إطلاق النار، مشيدا بالجهود القطرية التي تكللت بالنجاح، ومتمنيا المواصلة على هذا النهج للمساهمة في حل مختلف النزاعات الإقليمية والدولية.

وفي حديثه للجزيرة نت قال المسفر، إنه ليس جديدا على قطر ما فعلته في هذا الملف، حيث سبق لها أن توصلت إلى حل لهذه الأزمة وحصلت انفراجة لمدة 3 أيام، ولكن الأمور لم تكتمل بعدها، معبرا عن أمله في أن تعود السيادة لأهل غزة على القطاع بعد اتفاق وقف إطلاق النار، دون عراقيل سياسية أو اقتصادية أو من أي نوع.

إعلان

ورغم التعاون مع مصر والولايات المتحدة، فإن الوساطة القطرية برأي المسفر، تميّزت عنهما في هذا الملف لسببين:

الأول أنها تملك فريق وساطة مميزا ومتكاملا. والثاني يتمثل في قدرتها على التواصل مع الفصائل الفلسطينية ونقل التصورات التي من شأنها ألا تخل بالسيادة الفلسطينية. وأشاد بجهود قطر ونجاحها في الكثير من الوساطات، منها حل أزمة جنود الأمم المتحدة في الجولان، وكذلك أزمة الممرضات وإجلاء النازحين من أفغانستان، فضلا عن الوساطة بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، وغيرها الكثير من الوساطات. وسيط فعال

ورأى المحلل السياسي والاقتصادي عبد الله الخاطر، أن دولة قطر استطاعت أن تبرز كقوة ناعمة ووسيط فعال في العديد من النزاعات الإقليمية والدولية، معتمدة على سياستها المتوازنة والحيادية، وهو ما منحها ثقة الأطراف المتنازعة والمجتمع الدولي.

وقال الخاطر للجزيرة نت، إن قطر لعبت دورا رئيسيا في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بفضل سياستها القائمة على الحياد الكامل، فبرغم علاقاتها القوية مع الفصائل الفلسطينية، إلا أنها ظلت تصنَّف كوسيط موثوق يمكنه التحدث مع جميع الأطراف، بما في ذلك إسرائيل، فضلا عن العمل على حل النزاع بدلا من تأجيجه.

وشدد على أن قطر قدمت حلولا ملموسة ساهمت في نجاح التوصل للاتفاق، حيث تعهدت بتقديم مساعدات مالية ودعم اقتصادي لإعادة إعمار قطاع غزة من أجل ضمان استقرار الوضع على الأرض ومنع تكرار التصعيد.

وأوضح أن نجاح قطر في لعب دور الوسيط في العديد من النزاعات، والنجاح في تحقيق التوازن والحفاظ على الأمن الإقليمي والدولي، يرجع إلى امتلاكها علاقات إستراتيجية ومتينة مع القوى الفاعلة مثل الولايات المتحدة ودول أوروبا، وكذلك مع دول إقليمية مثل تركيا وإيران.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الإقلیمیة والدولیة الولایات المتحدة وقف إطلاق النار فی العدید من من الوساطات فی قطاع غزة التوصل إلى هذا الملف فی التوصل

إقرأ أيضاً:

هكذا تجنبت كمبوديا وتايلاند الحرب

في أواخر يوليو/ تموز 2025، وبينما كانت القوات الكمبودية والتايلندية تتبادلان نيران المدفعية قرب معبد برياه فيهير المتنازع عليه منذ زمن، بدا جنوب شرق آسيا على شفا حرب حدودية كبرى.

لكن في غضون أيام، سكتت المدافع. وأدى وقف إطلاق النار- الذي توسطت فيه ماليزيا ودعمته دبلوماسيا كل من الصين، والولايات المتحدة- إلى إنهاء الأزمة. وقد مثل ذلك نجاحا باهرا للدبلوماسية الهادئة متعددة الأطراف في ظل اضطراب عالمي.

ولا شك أن هذا الحل السريع لم يكن من قبيل الصدفة، بل هو انعكاس لاستثمار ماليزيا طويل الأمد في بناء السلام الإقليمي، وانخراط الصين التاريخي والإستراتيجي مع جنوب شرق آسيا، وإعادة تقييم دقيقة لسياسة واشنطن تجاه منطقة المحيطين؛ الهندي، والهادئ، وقد شكّلت هذه الأطراف الثلاثة- ماليزيا/آسيان، والصين، والولايات المتحدة- تحالفا ثلاثيا غير اعتيادي، وقد يُشكّل تعاونها الآن نموذجا عمليا لإدارة الأزمات الناشئة في الجنوب العالمي.

دبلوماسية مدني الماليزية: من الإصلاح الداخلي إلى السلام الإقليمي

ينبع دور رئيس الوزراء أنور إبراهيم في التوسط لوقف إطلاق النار من إطاره الحكومي "مدني"، الذي يدمج الأخلاق الإسلامية بالقيم العالمية، محليا، يُشدد الإطار على ست قيم نبيلة، هي: الاستدامة، والرحمة، والاحترام، والابتكار، والرخاء، والثقة، أما في الخارج، فقد شكّل هذا الإطار موقفا دبلوماسيا قائما على ضبط النفس، والتعددية، والانخراط المبدئي.

ينطلق دور ماليزيا في وقف إطلاق النار بين كمبوديا وتايلند من سجلها المتماسك، وإن كان غير معروف على نطاق واسع، كوسيط إقليمي، فقد ساهمت كوالالمبور في التوسط في الاتفاق الشامل بشأن بانغسامورو في الفلبين 2014، وساهمت في تسهيل محادثات السلام مع المتمردين في جنوب تايلند لأكثر من عقدين، وقد أكسبتها هذه الجهود سمعة طيبة داخل رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) كجهة فاعلة موثوقة ومحايدة.

إعلان

وفي وقت ما انفكت فيه التنافسات بين القوى العظمى تشلّ المؤسسات العالمية، كمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإن نجاح ماليزيا يُبرز قوة الدبلوماسية الإقليمية وقيادة القوى المتوسطة، كما يُظهر وقف إطلاق النار بين كمبوديا وتايلند أن الحلول المحلية- المدعومة من قوى خارجية، دون إملاء منها- قادرة على جعل الأطراف المتنازعة تتجنب الحرب.

صبر الصين الإستراتيجي واستمراريتها التاريخية

يعكس دعم الصين لوقف إطلاق النار حسابات جيوسياسية وخبرة تاريخية عريقة، فكمبوديا تظل واحدة من أقرب شركاء بكين الإقليميين، وهي ما يتجلى في الاستثمارات والبنية التحتية والعلاقات الأمنية، أما تايلند، فرغم كونها حليفا للولايات المتحدة بموجب معاهدة، فإنها تتكامل اقتصاديا بشكل متزايد مع الصين عبر مبادرة الحزام والطريق.

ومع ذلك، لا يمكن النظر إلى دور الصين في هذه المرحلة من منظور إستراتيجي بحت، إذ إن السلالات الصينية الحاكمة- ولا سيما سلالة مينغ- اضطلعت تاريخيا بدور الوسيط في جنوب شرق آسيا من خلال نموذج "الاحترام والتولية وعدم التدخل".

وقد شددت هذه الطقوس على الإقناع الأخلاقي والوئام الإقليمي واحترام "طريق السماء" – وهو تعبير مبكر عن الدبلوماسية غير القسرية، وهو ما لا يختلف عن أخلاقيات "مدني". وفي 2025، استفادت بكين من هذا الإرث من خلال تشجيع ضبط النفس من كلا الجانبين بهدوء، وهو ما يعني تفضيل النظام الإقليمي على المصلحة قصيرة الأجل.

الولايات المتحدة: الواقعية فوق التنافس

يشير دور واشنطن في وقف إطلاق النار إلى تعديل طفيف ولكنه مهم في سياستها تجاه منطقة المحيطين؛ الهندي، والهادئ، فبدلا من استغلال الصراع لزعزعة استقرار محيط الصين أو تكثيف تنافسها الإستراتيجي مع بكين، اختارت الولايات المتحدة نهجا أكثر براغماتية، بالتعاون مع كل من الصين وكوالالمبور للمساعدة في تهدئة التوترات.

ويتناقض هذا النهج مع النبرة الأمنية والصدامية التي اتسمت بها المشاركة الأميركية الأخيرة في المنطقة، كما يعكس وقف إطلاق النار لعام 2025 إدراكا متزايدا في واشنطن لأهمية مركزية رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، وأن التعاون مع الصين، مهما كان محفوفا بالمخاطر، يمكن أن يكون ضروريا ومثمرا.

في عهد الرئيس دونالد ترامب في فترته الثانية، أفادت التقارير بأن الولايات المتحدة استخدمت الحوافز الاقتصادية بدلا من الأصول العسكرية لتشجيع بنوم بنه وبانكوك بهدوء على ضبط النفس، وتشير هذه الحادثة إلى أنه عندما تُمارس القوة الأميركية إستراتيجيةً، وبما يتماشى مع الأولويات الإقليمية، فإنها لا تزال قادرة على تحقيق نتائج دبلوماسية.

نموذج للسلام في عالم مقسم

في الوقت الذي ينشغل فيه المجتمع الدولي بحروب مطولة في أوكرانيا وغزة ومنطقة الساحل، يُواجه اتفاق وقف إطلاق النار بين كمبوديا وتايلند خطر عدم الانتباه له، لكنه يستحق اهتماما جادا.

يُبرز الاتفاق كيف يمكن للجهات الفاعلة الإقليمية، مثل ماليزيا، وأطر العمل مثل رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، أن تُبادر إلى العمل عندما تتعثر المؤسسات العالمية، كما يُؤكد الاتفاق أن التقاليد الدبلوماسية الأقدم- من الدبلوماسية التقليدية الصينية إلى قيم "مدني" الماليزية إلى الواقعية الأميركية- لا تزال أدوات فعالة لحل النزاعات.

إعلان

ويُظهر الاتفاق أن الولايات المتحدة، عندما تعطي الأولوية للاستقرار على المواجهة، وللتعددية على الأحادية، تظل قادرة على الاضطلاع بدور بنّاء.

ولم يتحقق هذا الاتفاق من خلال الإنذارات النهائية أو العقوبات أو استعراض القوة، بل بُني من خلال العلاقات التجارية، والإرث التاريخي، والثقة، وضبط النفس المتبادل، وفي عالمنا المُستقطب اليوم، يُعدّ هذا وحده أمرا رائعا.

فإذا استمرت الهدنة بين كمبوديا وتايلند، فقد تُصبح مثالا يحتذى في دبلوماسية القرن الحادي والعشرين المُحكمة- ليس من خلال الأيديولوجية أو الهيمنة، بل من خلال التنسيق وضبط النفس والمصلحة المشتركة. إنها تقدم نموذجا بسيطا، ولكنه هادف للتعامل مع عالم أكثر انقساما وتعددا للأقطاب.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • أكسيوس : ترامب يريد اتفاقًا كاملاً بشأن غزة
  • بريطانيا: إطلاق النار على مدنيين ينتظرون المساعدات بغزة "أمر مقزز"
  • ويتكوف يشارك في تظاهرة لعائلات الأسرى الإسرائيليين.. لا مجاعة في غزة
  • وزير الخارجية التركي يلتقي وفدا من حماس في إسطنبول
  • مسؤول إسرائيلي : التوصل إلى اتفاق شامل في غزة سيستغرق وقتًا
  • أميركا.. الكشف عن هوية وحش مونتانا "الهارب"
  • مصدر لـCNN: نتنياهو يؤجل قراره بشأن العملية العسكرية في غزة إلى الأسبوع المقبل
  • هكذا تجنبت كمبوديا وتايلاند الحرب
  • سي إن إن: حماس توقفت عن المشاركة في مفاوضات غزة
  • البرلمان العربي يدعو إلى إطلاق مبادرة تحالف البرلمانات من أجل عدالة دولية بلا تمييز