صحيفة التغيير السودانية:
2025-06-03@04:31:30 GMT

تاريخ من البشاعة المنكورة

تاريخ النشر: 19th, January 2025 GMT

تاريخ من البشاعة المنكورة

 

تاريخ من البشاعة المنكورة

فيصل محمد صالح

اختلطت فرحة كثير من السودانيين بسيطرة الجيش السوداني على مدينة «مدني»، والبدء في عودة الحياة إليها، بحزن كبير وخوف مما ينتظرهم بعد الأحداث الدموية والتصفيات البشعة التي حدثت على نطاق واسع لمدنيين يعيشون في المدينة وما جاورها، بتهمة تعاونهم مع «قوات الدعم السريع» فترة وجودها في المدينة التي استمرت حوالي العام.

واكتفت قيادة الجيش والحكومة بالقول إنها حوادث فردية من متفلتين، وأصدرت بيان إدانة لتلك الحوادث.

لم تفرق الممارسات البشعة والتصفيات بين نساء ورجال وأطفال، وضمت مجموعة ما يعرف بسكان «الكنابي» الذين يعيشون على هامش المدن والقرى الكبيرة، ومواطني جنوب السودان الذين ما زالوا يعيشون هناك، بجانب سودانيين من الوسط والشمال ممن تم تصنيفهم لجان مقاومة وناشطين آخرين لهم موقف ضد الحرب.

الغريب أن الصور الدامية لتلك الأحداث قام بتسجيلها ونقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي جنود ومقاتلون ينتمون للميليشيات المتحالفة مع الجيش، كرسالة تخويف للآخرين. وحملت الفيديوهات عمليات قتل جماعية وتصفيات لمدنيين بعد تحقيق قصير، وإلقاء بعضهم في البحر، وذبح بالسكين، وحرق قرى ومنازل «الكنابي» – ويرجع المصطلح للكلمة الإنجليزية «كامب» بمعنى معسكر، وتم تحريفها ثم تصريفها وجمعها باللهجة العامية. وسكان «الكنابي» هم مجموعات فقيرة ومهمشة، معظمها من دارفور، لها تاريخ طويل من الإقامة في منطقة الجزيرة، فيه قصص تسامح واندماج، مثلما فيه احتكاكات سابقة مع بعض سكان المنطقة المزارعين.

من المخاوف الحقيقية التي قد يحملها سكان مناطق أخرى أنه ليس هناك تعريف دقيق لكلمة «متعاون»، فالمصطلح لا يشير لمقاتلين حملوا السلاح، لكنه يشير لمدنيين «تعاونوا» مع «قوات الدعم السريع». وقد شملت هذه التهمة بائعات الأطعمة والشاي، ولجان الطوارئ التي يعمل فيها شباب يحاولون توفير الخدمات الضرورية لأهلهم، وشملت كوادر طبية عملت في مستشفيات ومراكز صحية كان يتردد عليها جنود «الدعم السريع»، كما شملت، في فيديو شهير من مدينة الدندر، مأذونا تم تقديمه في فيديو وهو تحت الاعتقال بتهمة أنه كان مسؤولا عن ترسيم عقود الزواج لجنود من «الدعم السريع» تزوجوا فتيات بالمنطقة.

لم تكن هذه الحوادث فريدة من نوعها، فقد حدثت حالات مماثلة في المناطق التي استعاد الجيش السيطرة عليها في أم درمان ومنطقة الحلفايا في الخرطوم بحري، ثم في مدينتي سنجة والدندر، ولكن كان حجم الأحداث في مدني كبيرا، ووجدت توثيقا لم تجده الحوادث الأخرى.

كان حجم البشاعة صادما جدا، وربما استغرب كثير ممن لديهم انطباع جيد عن الشخصية السودانية لما حدث، وعدوه صورة غير مألوفة أو معروفة، لكنها في الحقيقة هي الصورة الحقيقية لما تحدثه حالة الحرب في نفوس الناس، وقدرة ثقافة الحرب، عندما تسيطر على النفس البشرية، على أن تخرج أسوأ ما فيها.

من ناحية ثانية فقد حملت الحروب السابقة في السودان، سواء كانت حرب الجنوب أو حرب دارفور، أو منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، بشاعات مماثلة قتل فيها مدنيون، وأحرقت فيها القرى بنفس تهم التعاون وإيواء المتمردين، لكنها لم تجد التسجيل والتوثيق لبعدها عن الوسط الحضري من ناحية، ولعدم وجود وسائل التواصل الاجتماعي في ذلك الوقت. ورغم أن هناك إشارات إلى تلك الأحداث هنا وهناك، فإنها لم تجد عناية كبيرة من أطراف النزاع بعد اتفاقيات السلام، ومحاولة إيجاد معالجات فردية وجماعية لها عبر تجارب بلدان أخرى مثل لجان الحقيقة والمصالحة وآليات العدالة الانتقالية. فقد حملت اتفاقيات السلام الشامل (2005) مواد عن المصالحة ومعالجة الجراح والعدالة الانتقالية، ونفس الأمر حدث مع اتفاقيات السلام في دارفور في أبوجا (2007) ثم في الدوحة، ثم الوثيقة الدستورية (2019).

تبدو البشاعة والجريمة اللتان تحدثان أثناء الحرب بلا أب، ينكر الجميع نسبتهما إليهم، لكنهما في الحقيقة مسؤولية الجميع، مع تفاوت حجم المسؤولية. الجنود والمقاتلون الذين ارتكبوا هذه المجازر لديهم مسؤولية مباشرة، كذلك القيادات الكبيرة في الجيش و«الدعم السريع» والحركات المسلحة مسؤولون ويستحقون المحاكمة، والكيانات السياسية التي تتنازل في كل مرة عن حقوق الضحايا ويمر المجرمون بلا عقاب لديها أيضا مسؤولية تاريخية.

لم يكن هناك اهتمام حقيقي بمعالجة هذه الأحداث في الماضي، بما يضمن محاسبة الجناة وترسيخ سياسة عدم الإفلات من العقاب ومعالجة وإبراء الجراح، لذلك سهل تكرارها في مرات كثيرة بروح مطمئنة بأن النجاة من المحاسبة مضمونة.

*نقلا عن “الشرق الأوسط”

الوسومالجيش السوداني ود مدني

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجيش السوداني ود مدني

إقرأ أيضاً:

السودان.. اتهامات لـ«الدعم السريع» بقصف مستشفيات ومستودعات غذاء وقتلى بين المدنيين

اتهمت وزارة الخارجية السودانية، اليوم السبت، قوات “الدعم السريع” بشن هجمات عنيفة استهدفت مستودعات برنامج الغذاء العالمي في مدينة الفاشر، بالإضافة إلى قصف مستشفى الضمان بمدينة الأبيض، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى بين المرضى والعاملين في المنشأة الطبية.

وأفاد بيان رسمي صادر عن الوزارة بأن الهجوم أدى إلى مقتل 16 مريضًا كانوا يتلقون العلاج داخل مستشفى الأبيض، إضافة إلى إصابة عدد آخر من المرضى وطاقم المستشفى الطبي.

ووصف البيان تلك الهجمات بأنها “جرائم كبرى” تمثل استهدافًا ممنهجًا للمدنيين والمؤسسات الإنسانية والمرافق الحيوية بهدف إيقاع أكبر خسائر في الأرواح وعرقلة تقديم الخدمات الأساسية مثل الغذاء والمياه والعلاج والكهرباء.

وأكد البيان أن قوات الدعم السريع نفذت، يوم الأربعاء الماضي، هجومًا عبر الطائرات المسيرة على سوق شعبي بمدينة الخوي أسفر عن مقتل ثمانية مدنيين، بالإضافة إلى قصف حي سكني في مدينة الدبيبات بولاية جنوب كردفان راح ضحيته مواطنان وأصيب عدد آخر، إلى جانب استهداف موقع عسكري في المدينة أدى إلى سقوط قتلى وتدمير مركبات.

وشددت وزارة الخارجية على أن هذه الاعتداءات تأتي في سياق تصعيد عسكري مستمر من قبل قوات الدعم السريع، التي استهدفت معظم المستشفيات العاملة في الفاشر وأخرجتها من الخدمة، وقصفت معسكر زمزم للنازحين على مدار عام كامل، ثم شنت هجومًا بريًا دمويًا أسفر عن مئات القتلى وأخذ رهائن من النازحين.

وأفادت تقارير إعلامية محلية بسقوط عشرات القتلى والجرحى المدنيين جراء الهجمات الجوية التي شنتها قوات الدعم السريع في ولايتي غرب وجنوب كردفان، وسط مواجهات عنيفة مع الجيش السوداني الذي يحرز تقدمًا ملحوظًا في عدد من المدن في الإقليم.

وكان الجيش السوداني أعلن مؤخرًا تطهير كامل ولاية الخرطوم من قوات الدعم السريع، متعهدًا بمواصلة العمليات حتى استعادة السيطرة على جميع مناطق البلاد.

تجدر الإشارة إلى أن الحرب اندلعت في السودان في أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، مخلفة مئات القتلى والجرحى المدنيين، وسط محاولات وساطات دولية وعربية لوقف إطلاق النار التي لم تُثمر حتى الآن، هذا التصعيد العسكري الأخير يفاقم معاناة المدنيين في السودان، ويزيد من الأزمات الإنسانية التي تعاني منها البلاد، ويهدد استقرار المنطقة بأسرها.

مقالات مشابهة

  • شهادات مروعة.. العبور من مناطق وحواجز الدعم السريع في السودان (شاهد)
  • بالفيديو.. حميدتي يظهر في خطاب غاضب يهدد ويتوعد بتوسع العمليات العسكرية .. جدة تاني مافي وقوات الدعم السريع ستصل بورتسودان ويتحدث عن الدواعش وتدمير قدرات الجيش
  • الفاعل مجهول.. 3 مسيّرات تقصف مواقع للدعم السريع غرب السودان
  • قصف مواقع للدعم السريع ووفيات بالكوليرا غرب السودان
  • أخطاء التي يقع فيها الحجاج.. تصرفات شائعة احذر منها
  • هزة أرضية وألسنة نار وعنف مفاجئ.. أبرز الأحداث العالمية التي تصدرت العناوين اليوم!
  • تفاصيل حكم الإعدام شنقا على 4 متهمات بالتعاون مع الدعم السريع في دنقلا
  • قتلى بهجوم للدعم السريع على مستشفيين والخرطوم تكافح لمواجهة الكوليرا
  • السودان.. اتهامات لـ«الدعم السريع» بقصف مستشفيات ومستودعات غذاء وقتلى بين المدنيين
  • تدمير المساعدات الغذائية.. السودان يفضح جرائم الدعم السريع