الانتصار الفلسطيني يدخُلُ حيز التنفيذ.. نتائجُ “طوفان الأقصى” تحاصرُ وجودَ العدوّ
تاريخ النشر: 19th, January 2025 GMT
يمانيون../
دخَلَ اتّفاقُ وقف إطلاق النار في غزةَ حيِّزَ التنفيذ، الأحد، وسط أجواء احتفالية بالانتصار التاريخي الذي تعاضدت المقاومة الفلسطينية مع شعبها في تأمين الوصول إليه وتثبيت شروطِه على مدى 15 شهرًا من الصمود في وجه الإبادة الجماعية الوحشية والتدمير الشامل، بمساندة تأريخية أَيْـضًا من جانب جبهات المقاومة في لبنان واليمن والعراق؛ ليعودَ العدوُّ إلى نقطة البداية محرومًا من أي إنجاز فعلي، وعاجزًا عن تغيير الواقع الجديد الذي فرضه “طوفان الأقصى”.
مع أول ساعات دخول الاتّفاق حيز التنفيذ، كانت الأجواء في غزة تعبّر بوضوح عن الطرف المنتصر، حَيثُ خرج أبناء الشعب الفلسطيني مع مجاهدي المقاومة للاحتفال معًا بالانتصار على إرادَة العدوّ وإسقاط أهدافه وإجباره على القبول بنفس الشروط التي ظن في البداية أنه سيتجاوزها، والمتمثلة بوقف الإبادة وتبادل الأسرى والانسحاب من غزة، وهو إنجاز لم تخفف من قيمته أرقام الضحايا والمشاهد المروعة للدمار الشامل، بل زادته قيمةً وأهميّةً؛ لأَنَّها تعني أن كُـلّ ما يستطيع العدوّ فعله وارتكابه من جرائم لا يغيِّر من حتمية هزيمته، وبالتالي حتمية زواله.
مشاهد عودة النازحين إلى مناطقهم برغم غِيابِ ملامحها؛ بسَببِ التدمير الهائل، ترجمت هذا بوضوح، حَيثُ عكست تلك المشاهد السقوط المدوي لما سُمِّيَت بـ “خطة الجنرالات” التي كان العدوّ يسعى من خلالها إلى تهجير الفلسطينيين قسرا بتحويل مدنهم وأحيائهم إلى أراضٍ محروقة ومناطق عسكرية، وهي خطة كان العدوّ الصهيوني يعول عليها كَثيرًا في الأشهر الأخيرة لتعويض فشله في تحقيق أهداف الحرب، وسقوطها يثبت اليوم أن إرادَةَ الشعب الفلسطيني ومقاومته أقوى وأكثر ثباتًا وفاعلية من كُـلّ استراتيجيات العدوّ وإمْكَاناته، وأنه لا يمكن هزيمةُ غزة.
هذا أَيْـضًا ما بات يدركه العدوّ بشكل واضح، وتترجمُه اعترافاتُ قادته ومسؤوليه الذين لم يتردّدوا في اعتبار الاتّفاق “هزيمة لإسرائيل” وفقًا لكل الاعتبارات، ومنها اعتراف الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي ومهندس ما تسمى “خطة الجنرالات” نفسه الذي أكّـد أن “إسرائيل فشلت بشكل مدوٍّ في غزة” وأن “حماس انتصرت بكل تأكيد”، وهي اعترافات لم يفلح مجرم الحرب بنيامين نتنياهو في تخفيف وقعها إعلاميًّا، وقد تكاملت مع دلائل أُخرى على الهزيمة، مثّل انسحاب ما يسمى بوزير الأمن القومي لكيان العدوّ، إيتمار بن غفير، مع أعضاء حزبه من حكومة العدوّ، اعتراضًا على الاتّفاق، وتهديد ما يسمى بوزير المالية سموتريتش، بإسقاط الحكومة إذَا لم تتم العودة إلى القتال؛ الأمر الذي يعمِّقُ بلا شك الأزمةَ الداخليةَ التي يواجهُها نتنياهو بالفعل منذ مدة، ويفتحُ البابَ أمام المزيد من الانقسامات التي ستبرز المزيد من دلائل الهزيمة والفشل.
المقاومة أكثر تماسكاً
لقد بدت غزةُ صباحَ الأحد، أكثَرَ تماسُكًا بكثير مما بدا عليه العدوّ الصهيوني بعد 15 شهرًا من الحرب فيما يتعلق بالموقف والتلاحم الداخلي، وإلى جانب النصر الواضح الذي حقّقته من خلال فرض شروطها العادلة على العدوّ وتعطيل فاعلية كُـلّ ما يمتلكه من نفوذ وإمْكَانات وتحالفات، فَــإنَّ غزة لم تخرج وحيدة من الحرب أَيْـضًا؛ إذ مثّل انتصارُها تثبيتًا لواقع إقليمي جديد لم يكن بحسبان العدوّ وشركائه، وهو واقعُ الإسناد متعدد الجبهات للشعب الفلسطيني والذي سعى العدوُّ طيلةَ الحرب لتفكيكِه من خلالِ استهداف كُـلّ جبهة مساندة، وُصُـولًا إلى شَنِّ حرب شاملة على لبنان، وإطلاق عدوانٍ دولي على اليمن، لكنه لم يتمكّن أَيْـضًا من تحقيق أهدافه، بل ضاعَفَ معطياتِ الفشل التي رسّخت حتميةَ هزيمته في هذه الجولة وفي أية جولة قادمة.
وفي هذا السياق فقد مثَّلَ انتصارُ “حزب الله” على العدوّ الصهيوني، مقدمة مهمة لخروج غزة منتصرة، وهو الهدف الذي وضعه سماحة الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصر الله لجبهة الإسناد اللبنانية منذ البداية، وبرغم أن العدوّ تمكّن من توجيه ضربة كبيرة للحزب من خلال اغتيال قيادته، فَــإنَّ المقاومة الإسلامية في لبنان استطاعت بشكل مدهش احتواء تلك الضربة وقتل تأثيرها بسرعة وعكس اتّجاه الضغط العسكري والأمني باتّجاه العدوّ لإجباره على وقف عدوانه والانسحاب من جنوب لبنان بعد تعرضه لإنهاك كبير ساهم في تمهيد الطريق لانتصار غزة التي أدرك العدوّ مجبرًا أنه لن يحقّق أهدافَه فيها مثلما لم يحقّق أهدافَه في لبنان.
وقد أسهمت جبهة الإسناد اليمنية في تثبيت هذا الواقع بشكل لم يتوقعه العدوّ الذي كان في البداية قد أوكل مهمة “ردع اليمن” إلى حلفائه الأمريكيين والبريطانيين والأُورُوبيين، ليتفاجأ أنهم غيرُ قادرين حتى عن تشكيل جدار حماية فعال ضد الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية التي تطورت تقنياتها بسرعة وتحولت إلى تهديد استراتيجي -فضلًا عن وقف إطلاق تلك الصواريخ والطائرات- وهو ما دفعه في النهاية إلى محاولة التصرف بشكل مباشر، لكنه لم يستطع أن يحدث بتلك المحاولة حتى تأثيرًا دعائيًّا بسيطًا، وبرغم الرقابة التي يمارسُها على وسائل إعلامه، لم يستطع أن يمنعَ استحواذَ عناوين الفشل والإحباط على مشهدِ المواجهة مع جبهة الإسناد اليمنية، وهو ما تكامَلَ بشكلٍ فَعَّالٍ مع نتائج هزيمة العدوّ في لبنان وفشله في غزة؛ لترسيخِ واقع استحالة الانتصار في المواجهة وحتمية التعاطي مع شُرُوط غَزَّةَ في النهاية.
ولم تكتفِ جبهةُ الإسناد اليمنية بالمساهمة الفعالة في تثبيت أرضية الانتصار الفلسطيني خلال الحرب، بل عملت أَيْـضًا على ضَمانِ الإطار التفاوضي للانتصار من خلال التصعيد الكبير الذي تزامن مع آخرِ الترتيبات التفاوضية لاتّفاق وقف إطلاق النار، وُصُـولًا إلى ما قبلَ دخول الاتّفاق حيزَ التنفيذ بساعات قليلة، بالإضافة إلى دور المراقبة الذي أعلنت القوات المسلحة عن توليه من خلال الاستعداد للتعامل مع أية خروقات صهيونية للاتّفاق بعد دخوله حيز التنفيذ بالتنسيق مع المقاومة الفلسطينية، وهو دورٌ يحافظ على الانتصار بعد تحقيقه، ويثبّت واقعَ هزيمة العدوّ وواقع التغيُّر الإقليمي لصالح المقاومة الفلسطينية؛ الأمر الذي يثبّت معادلات ثباتها وانتصارها في الجولات القادمة أَيْـضًا.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الات فاق فی لبنان من خلال ة العدو
إقرأ أيضاً:
عاد الحديث عنها بعد طوفان الأقصى.. ما حل الدولتين؟ وهل هو ممكن؟
تراجع الحديث عن قيام دولة فلسطينية وأخرى إسرائيلية وفق حل الدولتين قبل طوفان الأقصى في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ولكن مع اشتداد العدوان على قطاع غزة وقيام إسرائيل بجرائم حرب خلال عدوانها تزايد الحديث عن حل الدولتين.
وباتت عدة دول تهدد بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في مسعى منها لإجبار إسرائيل على وقف عدوانها على غزة.
طوفان الأقصى وحل الدولتينوكانت آخر هذه الدول بريطانيا التي أعلنت -أمس الثلاثاء- أنها ستعترف بدولة فلسطينية في سبتمبر/أيلول القادم ما لم تتخذ إسرائيل خطوات منها تخفيف الوضع الإنساني المتردي في قطاع غزة والالتزام بعملية سلام طويلة الأمد تُفضي إلى حل الدولتين.
جاء الإعلان، عقب إعلان فرنسا أنها ستعترف بدولة فلسطينية في سبتمبر/أيلول، ليُعاد التركيز على حل الدولتين.
وتعترف نحو 144 دولة من أصل 193 في الأمم المتحدة بفلسطين دولة، بما في ذلك معظم دول الجنوب بالإضافة إلى روسيا والصين والهند. لكن لا يعترف بذلك من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، الذي يضم 27 دولة، إلا قلة قليلة معظمها دول شيوعية سابقة بالإضافة إلى السويد وقبرص.
وحل الدولتين هو مشروع أممي قديم وصدر بحقه قرارات دولية لم تنفذها إسرائيل ولم تلتزم بتنفيذها.
جذور حل الدولتين
بعد رفض قرار تقسيم فلسطين عام 1947، وإعلان قيام إسرائيل في 1948 وسيطرتها على 77% من أراضي فلسطين التاريخية.
وتهجير الفلسطينيين بعد عدة مجازر قامت بها العصابات الإسرائيلية وتدمير القرى الفلسطينية حيث تم تهجير نحو 700 ألف فلسطيني، وانتهى بهم المطاف لاجئين في الأردن ولبنان وسوريا وأيضا في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
وفي حرب 1967، استولت إسرائيل على الضفة الغربية والقدس الشرقية من الأردن وعلى غزة من مصر لتحقق سيطرتها على كل الأراضي من البحر المتوسط إلى غور الأردن.
ورغم اعتراف 147 من أصل 193 بلدا عضوا في الأمم المتحدة بفلسطين كدولة، فهي ليست عضوا فيها، مما يعني أن المنظمة لا تعترف بمعظم الفلسطينيين كمواطنين لأي دولة.
إعلانيعيش نحو 3.5 ملايين فلسطيني لاجئين في سوريا ولبنان والأردن، في حين يعيش 5.5 ملايين فلسطيني في الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967. ويعيش مليونان آخران في إسرائيل كمواطنين إسرائيليين.
أوسلو حجر الأساس
كان حل الدولتين حجر الأساس لعملية السلام المدعومة من الولايات المتحدة التي دشنتها اتفاق أوسلو عام 1993 والتي وقعها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير ورئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحاق رابين. وأدت الاتفاقات إلى اعتراف منظمة التحرير بحق إسرائيل في الوجود ونبذ العنف وإنشاء السلطة الفلسطينية.
لكن الاتفاق لم يتم تنفيذه نظرا لمماطلة إسرائيل وتنصلها مما تم التوقيع عليه، وفي عام 1995، اغتيل رابين على يد يهودي متطرف، حيث كان يعتبره عرفات والعرب شريكا في السلام.
وبقي الوضع على ما هو عليه ولم يتم إحراز أي تقدم في أي مفاوضات عدة بين السلطة الفلسطينة وإسرائيل لتتوقف كافة المفاوضات في العام 2014.
التصور المتخيل للدولة الفلسطينيةيتصور المدافعون عن حل الدولتين وجود فلسطين في قطاع غزة والضفة الغربية يربطها ممر عبر الأراضي المحتلة.
ووفقا لتصور أوّلي وضعه مفاوضون فلسطينيون وإسرائيليون تمنح إسرائيل المستوطنات الكبرى في الضفة المحتلة مقابل تنازل إسرائيل عن أراضي لم تحدد للفلسطينيين.
كما يتضمن التصور الذي عرف بمبادرة جنيف أو وثيقة جنيف، الاعتراف بالأحياء العربية عاصمة لفلسطين، وبدولة فلسطينية منزوعة السلاح، مقابل الاعتراف بالأحياء اليهودية في القدس عاصمة لإسرائيل.
تدير السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس جزرا منعزلة في أراضي الضفة الغربية المحتلة وتحيط بها مناطق تحت السيطرة الإسرائيلية تشكل 60% من أراضي الضفة.
وفقا لمنظمة السلام الآن الإسرائيلية فإن عدد سكان المستوطنات ارتفع من 250 ألفا في عام 1993 إلى 700 ألف بعد 3 عقود.
كما تسارعت وتيرة الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية المحتلة منذ العام 2023.
وترى الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم حرب، ويؤيده بذلك العديد من رؤساء الأحزاب الإسرائيلية، أن أي دولة فلسطينية مستقلة ستكون منصة محتملة لتدمير إسرائيل، وتؤكد الحكومة على أن السيطرة على الأمن يجب أن تبقى في يد إسرائيل.