الشهادة السودانية كرقصة التانغو (2-2)
تاريخ النشر: 20th, January 2025 GMT
عبد الله علي إبراهيم
"فواحد من أكثر وجوه الحرب إظلاماً هو انطفاء أنوار التعليم فينا" الصحافي عثمان ميرغني، التيار.
ملخص
تفجر حول انعقاد هذه الامتحانات الجزئية نقاش شخصه خصوم الحكومة حتى بين التربويين باستخدام الحكومة لها كـ"سلاح التعليم" لتعزيز سلطانها في البلاد. فقالت قمرية عمر، من نقابة المعلمين، إن هذا قرار حكومة الأمر الواقع، حكومة بورتسودان، وهو سياسي ومرتجل وهدفه الادعاء في مواجهة الطرف الآخر بأن السودان آمن، وأن الحياة تسير بصورة طبيعية.
وجاء على قلم مبارك أردول، السياسي من جبال النوبة والرمز السابق في الحركة الشعبية لتحرير السودان، أن عدالة التعليم قضية أساس يجب ألا تغفل. فالولايات التي لا تستطيع الحكومة الوصول إليها بسبب الحرب والحصار ليس عدلاً أن يحرم طلابها من الجلوس، أو تفوت عليهم الامتحانات. و"عادة المعارضة" ناشبة في أردول أيضاً، فهو لا يرى من محنة التعليم، والاختبار الجزئي مجرد مظهر فادح منها، وخطاب الهامش والمركز الذي اكتنفها ما يستوقف مثله من كان ولا يزال طرفاً ذا باع في ذلك الخطاب الذي نبش هذا الامتحان القاصر أرشيف مظالمه. فهو من إقليم جبال النوبة وناشط مرموق في حركتها الشعبية لتحريرها وغيرها من بقاع الوطن حتى 2017. وهو الإقليم الذي تظاهر بعض طلابه أمام قيادة اللواء 54 للقوات المسلحة بمدينة الدلنج مطالبين بتوضيح ما يكتنف جلوسهم للاختبار من ارتباك. وكانت الحركة الشعبية، التي تحتل قسماً من جبال النوبة، أخبرت الحكومة رفضها ترحيل الأوراق عبر مناطقها إلى المدينة تحت إشراف أي مسؤول منها، بينما قبلت أن ترحل بواسطة منظمة اسمها "سمارتن برس". والمسموع أن الامتحان لم ينعقد مع ذلك في الدلنج لسبب غير واضح.
ويزيد الأمر كآبة أن الحركة الشعبية، التي تحكم بعض إقليم النوبة، استقلت بتعليمها وصرمت أواصرها مع حكومة السودان لتستقي مناهجها من شرق أفريقيا وتعظم دور اللغة الإنجليزية ولتصير لغة التعليم. وقال تربوي من الإقليم المحرر، كما يقال، "لقد اعتبرنا أنفسنا خارج الدولة السودانية"، غير أننا "داخل وطننا ووسط الثقافة والتراث النوبي"، الذي، بتعبيره، كان "مهملاً في المناهج التي تأتينا من بخت الرضا سابقاً (مركز إنتاج المناهج السودانية)، فمناهج السودان لا تهتم بإنسان جبال النوبة". لو لم تأخذ أردول عزة المعارضة لقرأ من تجربته الخاصة التاريخ الجراح الذي من وراء اختبار حكومة بورتسودان الناقص.
أما الفيل داخل الغرفة في خطاب اختبار حكومة بورتسودان الناقص فهو "الدعم السريع". فقد أعفاها من أخذتهم عزة معارضة هذه الحكومة من أية مؤاخذة حتى إنه أعاد في موقفه الناقد للامتحان إنتاج اعتراضاتهم على الامتحان حرفياً وبراءة الأطفال في عينيه. فقال مستشار قائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو، الباشا محمد طبيق، إن قرار عقد الامتحان الناقص ظالم، ولم يراع الطلاب النازحين واللاجئين والموجودين في مناطق سيطرة قوات "الدعم السريع". وأضاف قائلاً إنه "يهدد آلافاً من الطلاب الذين سيفقدون حقهم في الجلوس للاختبارات، وبذلك يضيع مستقبلهم ويعد تمهيداً لتقسيم السودان".
ولن تجد لـ"الدعم السريع" ذكراً ممن لا يرون من أوضاع معقدة كالتي نحن فيها سوى عيب حكومة الوقت. فطال مدى المعارضة للحكومات العسكرية والمدنية معاً حتى استبد الاحتجاج بصفوة القلم والرأي الليبرالي واليساري وضمر فيهم "الشوف الشامل" الذي ميزت به شاعرة مولانا أبو القاسم هاشم. فكان بوسع "الدعم السريع"، وبجرة قلم، أن يجعل من الشهادة الثانوية حدثاً قومياً مهيباً كما أرادت قمرية، ولكنه أضرب عن ذلك. فكانت قوات "الدعم السريع" قد منعت طلاب الشهادة الثانوية بمناطق سيطرتها من المغادرة إلى مراكز الامتحانات التي تقع داخل مناطق سيطرة الجيش السوداني، فأكد وزير التربية والتعليم في الإدارة المدنية بوسط دارفور، الضواي أحمد، أنه لن يسمح لأي طالب بالجلوس لاختبارات الشهادة السودانية خارج الولاية من دون التنسيق مع وزارة التربية والتعليم.
ولم يكن حمل "الدعم السريع" على النزول عن ذلك الإضراب مستحيلاً على نقابة المعلمين وغيرها لو صحت العزائم لانعقاد هذا الحدث القومي المهيب، لا إعادة إنتاج معارضتهم لحكومة الوقت. فلم يقو "الدعم السريع" على مقاومة إرادة الامتحان عند الطلاب والأسر متى حزمت، أو متى رشد. فكانت قوات "الدعم السريع" قد منعت طلاب مدينة أم روابة من السفر للجلوس للاختبار في مدينة الأبيض، إلا أنها تراجعت وسمحت لبعضهم بالسفر فاستقلوا ثلاث حافلات لعاصمة الإقليم. وسمحت للطالبات من مدينة الرهد دون الطلاب السفر للاختبار في الأبيض، حتى قال أحد أولياء الأمور "لا نفهم السبب وراء هذا التمييز، جميع الطلاب لديهم الحق نفسه في التعليم وأداء اختباراتهم". أما المسؤول المكلف إدارة التعليم في وحدة النصر الإدارية جنوب الخرطوم فقال إن 928 طالباً وطالبة في منطقة مايو الخاضعة لسيطرة قوات "الدعم السريع" سينتقلون لأم درمان للامتحان في المناطق الآمنة بالجيش، أو مناطق محايدة حسب القرار الذي ينتظر أن يصدر في شأنهم.
أكبر خطأ من حملوا على قرار وزارة التربية عقد اختبار الشهادة في ديسمبر الماضي أنهم يفكرون بزمن السلم في وقت الحرب. فهم عند عقيدة أن هذه الحرب، التي لها عاقب ثقيل كل حرب، هي في قرارها عبثية وملعونة، فيحاكمون النقص الذي يقع خلالها بما كانوا عليه في وقت السلم. يريدون للامتحان أن ينعقد في وقت للحرب بأشراط وقت السلم، أو لا ينعقد. وقيل ما لا يعمل كله لا يترك جله.
وإذا صح العزم فسبق لوزارة التربية أن قررت أن تعقد دورة ثانية لاختبار الشهادة الثانوية في أبريل 2025 لمن فاتتهم الدورة الأولى، فليتنافس المتنافسون في استكمال النقص الذي أخذه الناقدون على الدورة الأولى في الدورة المزعومة. ولا يغيب عنهم مع ذ لك بالكلية أن "الدعم السريع" لم تصدق حين طمأنت الطلاب وأسرهم بأنه "ستتخذ التدابير والإجراءات اللازمة لضمان حقوقهم وتمكينهم من العودة إلى مرافق التعليم وأداء الامتحانات المؤجلة بصورة تضمن التوازن والعدالة مع زملائهم". فالامتحان هو خاتمة عملية تربوية لا أعتقد أن زمامها سينعقد لـ"الدعم السريع" في وقت قريب. إذا كنا نريد لاختبار الشهادة أن يكتمل فستكون "حكومة بورتسودان" هي القائم به أياً كان الرأي فيها. والعمل معها لمنع الغبن من الامتحان الناقص هو في المحل الأول إذا أراد من أثاروا هذه المظلمة انصاف المناطق التي خرجت عن الامتحان حقاً، ولمعارضتها المحل الثاني. فما استحق معارضتها من أجله كثير بحمد الله. وسيغطي اختبار الدورة الثانية كل خالف إذا اتفق لـ"الدعم السريع"، الفيل في الغرفة، الإذن للطلاب في مناطقه الجلوس للاختبار حيث شاءوا، أو ربما حيث كان الدعم.
يحتاج الامتحان إلى طرفين لكي يوفي الكيل كما تحتاج رقصة التانغو إلى راقصين لتكون.
فواحد من أكثر وجوه الحرب إظلاماً هو انطفاء أنوار التعليم فينا، كما قال الصحافي عثمان ميرغني.
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: حکومة بورتسودان الدعم السریع جبال النوبة التعلیم فی فی وقت
إقرأ أيضاً:
هل قتلت قوات الدعم السريع الصحفي السوداني معمر إبراهيم؟
انتشرت أخبار مكثفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تفيد بوفاة الصحفي السوداني المعتقل لدى قوات الدعم السريع معمر إبراهيم، داخل مكان احتجازه في نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور.
وفي إفادة للجزيرة نت، أكد محمد إبراهيم، الشقيق الأكبر للصحفي المعتقل منذ أكتوبر/تشرين الأول أن مصدر الإشاعة التي نفى صحتها ما زال مجهولا، وأن معمر بخير ولم يتعرض لأي أذى، مشيرا إلى أنه استطاع الاطمئنان عليه عقب ورود إشاعة وفاته مساء أمس الأربعاء.
وأضاف شقيق الصحفي الذي عمل مراسلا لدى قناة الجزيرة مباشر أن آخر تواصل مباشر معه كان عقب ظهوره إلى جانب المتحدث باسم الدعم السريع الفاتح قرشي مطلع الشهر الماضي، غير أن ثمة تواصلا غير مباشر يسعون عبره إلى الاطمئنان على معمر وتأمين احتياجاته.
وأكد المتحدث باسم تحالف السودان التأسيسي -الذي يقوده الدعم السريع- علاء الدين نقد في تصريح للجزيرة مباشر أن الصحفي معمر بـ"أمن وأمان"، وفق تعبيره.
ما مصير الصحفي معمر إبراهيم؟
الناطق باسم تحالف السودان التأسيسي يجيب #الجزيرة_مباشر #السودان #الفاشر pic.twitter.com/JpygwAP36v
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) November 16, 2025
مطالبات بظهور الصحفيوتعليقا على تصريح نقد، دعا الصحفي السوداني مزمل أبو القاسم إلى السماح لزميله معمر بالظهور على شاشة قناة الجزيرة مباشر للتأكد من سلامته، وكتب عبر حسابه على فيسبوك بأن معمر تعرض لإخفاء قسري واحتجاز غير مشروع وإهانة وضرب وتعذيب ظهرت بجلاء في مقاطع فيديو عقب سقوط مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور.
لكنّ الإشاعة حفّزت حالة القلق على سلامة معمر وعدد غير معلوم من الصحفيين المعتقلين والمختفين قسريا في السودان، ورغم نفي الأمر، يبدي نقيب الصحفيين السودانيين عبد المنعم أبو إدريس قلقه بشأن سلامة الصحفي معمر، مطالبا بإطلاق سراحه على الفور.
إعلانويقول أبو إدريس للجزيرة نت "معمر كان يؤدي مهنته كصحفي وهي ليست جريمة حتى يُحتجز بسببها، وما يمرّ به يُعد خرقا للقوانين الدولية والإنسانية"، مناشدا المنظمات المهتمة بحرية الصحافة للتضامن مع معمر وسائر الصحفيين السودانيين في ما يقاسونه من تحديات وتهديدات جراء الحرب.
سي بي جيه: صحة معمر متدهورة ونريد دليلا على حياتهوفي تصريح لها مساء الأربعاء، أعربت لجنة حماية الصحفيين "سي بي جيه" (CPJ) عن قلقها إزاء تقارير تفيد بأن الحالة الصحية للصحفي معمر قد تدهورت بشكل خطير أثناء احتجازه، داعية إلى الإفراج الفوري عنه لتمكينه من تلقي الرعاية اللازمة.
#السودان: "نشعر بقلق بالغ إزاء التقارير التي تفيد بأن الحالة الصحية للصحفي السوداني معمر إبراهيم، المحتجز لدى قوات الدعم السريع، قد تدهورت بشكل خطير أثناء احتجازه. إذ أصبح طريح الفراش ويعاني من آلام شديدة، في وقت ترفض فيه قوات الدعم السريع نقله إلى المستشفى أو الإفراج عنه. وتدعو… pic.twitter.com/Sx0zRTfVMq
— CPJ MENA (@CPJMENA) December 10, 2025
وقالت المديرة الإقليمية للّجنة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا سارة القضاة إن معمر أصبح طريح الفراش ويعاني من آلام شديدة، في وقت ترفض فيه قوات الدعم السريع نقله إلى المستشفى أو الإفراج عنه.
لكنْ في اليوم التالي، الخميس، صدر تصريح آخر للّجنة الدولية، يفيد بأنها راسلت قوات الدعم السريع مطالِبة بتقديم أي دليل على أن الصحفي معمر إبراهيم على قيد الحياة، وذلك بعد ورود تقارير تفيد بأنه قُتل أثناء احتجازه، في حين لم تجزم اللجنة بنفي الأخبار المتداولة.
تؤكد لجنة حماية الصحفيين أنها راسلت قوات الدعم السريع مطالِبةً بتقديم أي دليل على أن الصحفي السوداني معمر إبراهيم على قيد الحياة، وذلك بعد ورود تقارير تفيد بأنه قُتل أثناء احتجازه لدى قوات الدعم حيث يقول زملاؤه إنها مزاعم غير مؤكدة حتى الآن." سارة القضاة. pic.twitter.com/HZujvEmIel
— CPJ MENA (@CPJMENA) December 11, 2025
وكانت شبكة الصحفيين السودانيين في الـ18 من الشهر الماضي أعربت عن قلقها البالغ على مصير الصحفي، عقب تصريحات لوزير الصحة في حكومة التأسيس علاء نقد خلال لقاء له عبر قناة الجزيرة، ذكر فيها جملة من التهم الموجهة للصحفي، وقال إنه كان سببا في تأجيج الحرب.
وقالت الشبكة في بيان آنذاك إن "سيل الاتهامات التي أطلقها نقد في حق معمر تجعلنا في قلق شديد من المصير الذي ينتظره".
الصحفي بوصفه مدني بموجب القانون الدولي الإنساني يجب حمايته من أطراف النزاع ويحظر احتجازه أو معاملته بقسوة أو الاعتداء عليه.
ندعو @ICRC للعمل على ضمان سلامة الزميل الصحفي معمر إبراهيم @MUAMMAR_SUD الذي ظهر محتجزا ويعامل بقسوة من قبل عناصر الدعم السريع وفقا للمقطع أدناه. pic.twitter.com/fw1WsD4j1S
— Mojahed Taha (@mojahedashw2k) October 26, 2025
وظهر معمر إبراهيم اليوم الثاني لسيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر 26 أكتوبر/تشرين الأول، في مقطع فيديو صُوّر ليلًا مع مجموعة من المسلحين، وقال فيه إنه حاول الخروج من المدينة، وقد قُبض عليه قبل أن يتمكن من ذلك.
إعلانوفي الرابع من شهر نوفمبر/تشرين الثاني، بثت قوات الدعم السريع مقطعا مصورا ظهر فيه إبراهيم إلى جانب الفاتح قرشي، الذي قال إن الصحفي يواجه تهمة الإساءة لقوات الدعم السريع بسبب استخدامه كلمتي "مليشيا وجنجويد" توصيفا للدعم السريع، معتبرا الوصفين إخلالا بالحيادية المطلوبة لدى الصحفيين.
وقبل نحو أسبوعين، اغتالت قوات الدعم السريع الصحفي تاج السر محمد سليمان، مدير مكتب وكالة السودان للأنباء (سونا) في منزله مع شقيقه بحي الدرجة في مدينة الفاشر.
وأشار وزير الإعلام السوداني خالد الإعيسر في بيان نعيه الصحفي سليمان، إلى أن قوات الدعم السريع اعتقلت عددا من الصحفيين السودانيين العاملين لدى وسائل إعلام مختلفة، ونقلتهم من الفاشر إلى مدينة نيالا في جنوب دارفور غربي السودان.
وناشد الإعيسر المنظمات الدولية المعنية بحماية الصحفيين الاضطلاع بدورها في متابعة الصحفيين المعتقلين والعمل على ضمان سلامتهم.
وغطى إبراهيم أخبار الحرب في دارفور على مدى العامين الماضيين، ويُعدّ من بين الصحفيين القلائل الذين بقوا لتوثيق التطورات في الفاشر رغم الغارات الجوية المستمرة وانقطاع الاتصالات والأزمة الإنسانية الحادة.