غزة ليست مجرد جغرافيا، وليست صفحة عابرة في تاريخ القضية الفلسطينية. إنها رمز الصمود في وجه التحديات، عنوان الإرادة التي لا تنكسر. وفي كل مرة تُعلن الحرب عليها، تبرز أسئلة أكثر من الإجابات، ويبقى جوهر القضية في صمود الإنسان الفلسطيني الذي يدفع ثمنًا باهظًا أمام عالم يراقب بصمت.

منذ أكتوبر 2023، شهدت غزة واحدة من أعنف الحروب التي مرت بها، حيث تجاوزت الخسائر البشرية والمادية كل تصور.

أكثر من 46 ألف شهيد سقطوا، بينهم نسبة كبيرة من النساء والأطفال، فضلًا عن أكثر من 110 آلاف جريح، كثير منهم يعانون من إعاقات دائمة. قطاع غزة، الذي يعاني أصلًا من حصار خانق منذ سنوات، وجد نفسه أمام كارثة إنسانية ومأساة تعكس حجم التحدي الذي يواجهه أهله يوميًا.

وفي خضم هذه الأرقام المفجعة، يبرز السؤال الأكبر: هل انتهت الحرب فعلًا؟ الإجابة قطعًا لا. الحرب على غزة ليست فقط قصفًا بالطائرات وتدميرًا للمباني، بل هي معركة يومية تستهدف حياة الناس وكرامتهم، معركة تُخاض في البحث عن المأوى، والطعام، والأمان، بل وحتى الأمل.

إسرائيل وأوهام التهجير: فشل استراتيجي متجدد

منذ نكبة 1948، وضعت إسرائيل التهجير القسري للشعب الفلسطيني في صلب استراتيجيتها، محاوِلةً اقتلاع الإنسان من أرضه وهويته. إلا أن غزة، ورغم القصف والدمار، أثبتت أن الشعب الفلسطيني يملك إرادةً لا تقهر. ورغم كل المحاولات، بقي أهلها على أرضهم، يدافعون عنها بجسارة، لتفشل مرة أخرى مساعي الاحتلال في تحويل غزة إلى نموذج للتهجير أو الإذعان.

لكن، ومع هذا الصمود، لا يمكننا إغفال الثمن الباهظ الذي دفعه الفلسطينيون. عائلات بأكملها أُبيدت، منازل تحولت إلى ركام، وأجيال قُتلت أحلامها قبل أن ترى النور. هذه الحقائق لا تُعبر فقط عن عدوان الاحتلال، بل عن تقاعس العالم في حماية حقوق الشعب الفلسطيني.

غزة بين التاريخ والكارثة الحاضرة

إن أي قراءة لمعاناة غزة لا يمكن أن تتجاهل التاريخ الطويل للمآسي الفلسطينية. منذ النكبة وحتى اليوم، دفع الشعب الفلسطيني أكثر من 134 ألف شهيد على مدى عقود من الاحتلال والمقاومة. لكن ما حدث في الأشهر الأخيرة، بعد أكتوبر 2023، يُعد تصعيدًا نوعيًا في حجم المأساة.

الأرقام تتحدث عن نفسها: أكثر من 136 ألف مبنى دُمر بالكامل، و245 ألف وحدة سكنية تضررت، مما جعل مئات الآلاف من الفلسطينيين بلا مأوى. هذا الدمار المادي لا يعبر عن كل القصة، فالمأساة الإنسانية أعقد بكثير؛ إذ أن الدمار طال النفوس قبل أن يطال البنيان.

معركة الحياة: صراع ما بعد الحرب

من يظن أن الحرب في غزة تنتهي بإعلان وقف إطلاق النار، فهو يغفل عن حقيقة المشهد. الحرب مستمرة، ولكنها أخذت أشكالًا جديدة. إنها حرب البقاء، حيث يصارع الناس من أجل الطعام والماء والمأوى. إنها حرب البحث عن الكرامة وسط الحطام. آلاف الأيتام والأرامل يواجهون مستقبلًا غامضًا، في وقتٍ تسود فيه البطالة، ويتفاقم فيه الفقر. التحديات في غزة ليست فقط مادية، بل هي اجتماعية ونفسية، في ظل أجيال نشأت على الأنقاض، وحلمها الوحيد هو النجاة.

المسؤولية الدولية: غياب الدور الفاعل

في مواجهة هذه المأساة، يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية كبيرة. غزة ليست مجرد كارثة إنسانية، بل اختبار لأخلاقيات العالم وعدالته. لم يعد مقبولًا الاكتفاء بإصدار بيانات الإدانة، بينما تُهدم غزة ويُقتل أهلها. ما تحتاجه غزة اليوم هو دعم حقيقي، يبدأ بإعادة إعمار القطاع، ولا ينتهي عند ضمان حياة كريمة لشعبها.

على الدول الكبرى والمؤسسات الدولية أن تعي أن غزة ليست مجرد ملف إنساني يُترك لجولات المفاوضات السياسية، بل قضية أخلاقية تستدعي تحركًا عاجلًا، لضمان عدم تكرار هذه المأساة.

التفكير خارج الشعارات: حب غزة مسؤولية

حبنا لفلسطين وغزة ليس في رفع الشعارات، أو التغني بالصمود دون أن نفكر بعمق في واقع المعاناة. غزة بحاجة إلى خطاب جديد، خطاب مسؤول يطرح التساؤلات الجادة حول كيفية دعم صمودها، وكيفية حماية شعبها من الحروب القادمة. حبنا لغزة يجب أن يكون صادقًا، بعيدًا عن المجاملات أو تسجيل المواقف العاطفية.

غزة اليوم، ورغم جراحها، تظل رمزًا للكرامة والصمود. لكن هذا الصمود لا يمكن أن يستمر وحده. غزة بحاجة إلى دعم سياسي وإنساني ومادي يعيد الحياة إلى شوارعها، ويمنح أهلها فرصة لعيش حياة كريمة. لا نريد لغزة أن تبقى صورة في الأخبار أو مأساة متكررة، بل أن تصبح نموذجًا للانتصار الحقيقي على الظلم، بانتصار الإنسان على المأساة.

ختامًا، غزة لا تُقاس بحجم الدمار أو أعداد الشهداء فقط، بل تُقاس بإرادة الحياة التي يتمسك بها أهلها. إنها قصة شعب لا يعرف الاستسلام، لكنها أيضًا مسؤوليتنا جميعًا. مسؤوليتنا في أن نكون صوت غزة في العالم، وأن نحول حبنا لها إلى أفعال تمنح الأمل لأجيالها القادمة.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: إسرائيل غزة القضية الفلسطينية المزيد غزة لیست أکثر من

إقرأ أيضاً:

مأساة على قضبان سوهاج.. شاب يلقى حتفه دهسا أمام الجميع

توفي شاب في العقد الثالث من عمره إثر حادث مأساوي وقع بمحطة قطار مركز البلينا بمحافظة سوهاج، عندما دهسه قطار أثناء عبوره على طول خطوط السكة الحديد.

تغاصيل الحادث

تلقت إدارة مستشفى برديس بمركز البلينا بلاغا بوصول جثة المتوفى إلى المستشفى، حيث تم نقلها فورا إلى مشرحة المستشفى لإجراء الكشف الطبي والتحقيقات اللازمة.

باشر رجال الشرطة بقيادة اللواء الدكتور حسن عبد العزيز، مدير أمن سوهاج، التحقيق في ظروف وملابسات الحادث، بعد إخطار النيابة العامة التي تولت مباشرة التحقيق، وأفادت التحريات الأولية بأن الشاب كان يعبر مسار القطار بطريقة غير آمنة، ما أدى إلى صدمه وفقدانه حياته على الفور.

انتقل فريق من النيابة العامة إلى المستشفى لمعاينة الجثة، والتأكد من عدم وجود شبهة جنائية، كما أمرت بفتح تحقيق موسع لتحديد المسؤوليات ومعرفة تفاصيل الحادث بدقة.

أكدت مصادر أمنية أن الحادث وقع خلال فترة مزدحمة في محطة البلينا، ما زاد من خطورة عبور الشاب بين قضبان السكة الحديد، مشيرين إلى أهمية الالتزام بالإشارات التحذيرية وأماكن عبور الركاب الآمنة لتجنب مثل هذه الحوادث المأساوية.

سارع الأهالي والمتواجدون بالمكان إلى محاولة إنقاذ الشاب، إلا أن قوة الاصطدام حالت دون ذلك، ما أسفر عن وفاته فور تعرضه للدهس، وأوضح شهود عيان أن القطار كان يتحرك بسرعة عالية، ما جعل الحادث مفاجئا وغير متوقع.

وشددت إدارة المستشفى والشرطة على توعية المواطنين بخطورة عبور خطوط السكة الحديد بطريقة غير قانونية، وحثت على استخدام الممرات الرسمية لتقليل حوادث الدهس التي تتكرر على مدار السنوات الماضية في بعض مراكز المحافظة.

مصرع عامل توصيل بعد صدمه بسيارة يقودها مهندس بمدينة 6 أكتوبر دهس طفل 5 سنوات في أبو النمرس.. مأساة تهز الجيزة انقلاب ترلة محملة بالغلال على طريق الإسماعيلية القاهرة الصحراوي يسبب إصابة شخصين رصاصة الصلح تهدم عائلة.. مأساة فسخ الخطوبة تهز الدقهلية بأكملها مصرع شخص وإصابة آخر إثر مشاجرة بالأسلحة النارية بقرية الأشراف الشرقية انقلاب سيارة ملاكي بترعة المحمودية يتسبب في مصرع شخص وإصابة ثلاثة آخرين انقلاب مفاجئ في 6 أكتوبر.. إصابة خمسة أطفال وحالة من الفزع حادث قطار مأساوي في كفر مجاهد يودي بحياة شاب بالبحيرة شرطة البصرة العراقية توقف إطلاق نار مسلح.. القبض على طرفي مشاجرة خطيرة تصادم مروع على محور الشاذلي يهدد حياة المواطنين ويشل حركة المرور بالكامل

مقالات مشابهة

  • المنتخب الفلسطيني يودع كأس العرب بعد الخسارة أمام السعودية في ربع النهائي
  • رأي إردام أوزان يكتب: الاقتصاد السياسي.. معركة قائمة بلا رايات ولكن بعواقب وخيمة
  • أوضاع اقتصادية صعبة في الضفة الغربية وغزة.. وزير الحكم المحلي الفلسطيني يكشف المأساة
  • محمد دياب يكتب: غزة بين الإنهيار وتمرد الإحتلال
  • علي فوزي يكتب.. السودان بين الصراع والبحث عن قائدٍ وطني
  • الذكاء الاصطناعي يكتب أكثر في 2026 لكن الصحافة البشرية لا تفقد قيمتها
  • تحوّلات المشهد الجيوسياسي جنوب اليمن.. الصهيونية تهندس معركة البقاء في الإقليم
  • مأساة على قضبان سوهاج.. شاب يلقى حتفه دهسا أمام الجميع
  • الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني: تصعيد نتنياهو في غزة لتأمين البقاء في الحكم
  • ستوريدج: محمد صلاح يريد البقاء في ليفربول ويبحث عن فرصته للمشاركة