كارثة إنسانية غير مسبوقة تتكشف في غزة
تاريخ النشر: 24th, January 2025 GMT
أحمد مراد (غزة، القاهرة)
أخبار ذات صلةأصدرت هيئات عديدة في غزة، أمس، بيانات تكشف حجم الدمار والخسائر التي تكشفت في القطاع بعد أيام من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
وأفاد مكتب الإعلام الحكومي في غزة بأن عدد المفقودين خلال الحرب على قطاع غزة بلغ 14 ألفاً و222 شخصاً، ولم يصل أي منهم إلى المستشفيات حتى تاريخ 18 يناير 2025.
كما أصدر مستشفى العودة في غزة بياناً أوضح فيه أن الجيش الإسرائيلي شن 520 هجوماً على المستشفيات خلال الحرب استهدف أكثر من 100 فريق إسعاف، كما تم اعتقال 2260 من الطواقم الطبية.
ومن جانبه، كشف رئيس بلدية خان يونس أن نسبة الدمار في المدينة نتيجة العدوان الإسرائيلي بلغت 75%، مؤكداً أن المدينة تواجه أزمة وقود حقيقية، حيث لم تستلم سوى كميات محدودة منذ بدء دخول المساعدات، وأضاف أن حجم الركام الناتج عن العدوان في المدينة يقدر بـ15 مليون طن.
وفي تقرير صادر عن مدير وحدة المعلومات بوزارة الصحة في غزة، أشار إلى أن الحرب تسببت بفقدان 32 ألفاً و152 طفلاً لآبائهم، و4 آلاف و417 طفلاً لأمهاتهم، كما أن 1918 طفلاً فقدوا كلا الوالدين.
ومع بدء عودة الأهالي إلى مناطقهم، تنتاب الوكالات الدولية والأممية مخاوف من آلاف الذخائر والقنابل الإسرائيلية غير المنفجرة، والتي لا تزال مدفونة تحت الأنقاض.
وأوضح الأكاديمي والباحث في الشأن الفلسطيني، الدكتور محمد أبو الفحم، أن غزة تواجه حالياً تحديات خطيرة تهدد أمن وسلامة مئات الآلاف من الأهالي، ومن بينها وجود آلاف الذخائر والقنابل المدفونة تحت الركام، وتتزايد المخاوف من انفجارها في أي وقت ما يعرض حياة السكان للخطر.
وقال أبو الفحم لـ«الاتحاد»، إن تداعيات الذخائر والقنابل التي لم تنفجر تنعكس سلباً على المياه والتربة والبيئة بشكل عام.
وطالب الباحث في الشأن الفلسطيني، الوكالات الأممية بتكثيف الجهود للتعامل بشكل مناسب مع هذه القنابل الموقوتة من خلال توفير الخبراء وأجهزة كشف المتفجرات، لا سيما مع عودة السكان إلى مناطق إقامتهم، تحسباً لانفجارها في أي لحظة ووقوع مزيد من الضحايا.
بدوره، أوضح الخبير في الشؤون الفلسطينية وأستاذ العلوم السياسية، الدكتور أيمن الرقب، أن قطاع غزة تعرض لعمليات قصف متواصلة بآلاف القنابل والصواريخ والذخائر، وبالتالي هناك احتمال كبير لوجود قنابل وذخائر غير منفجرة مدفونة تحت ملايين الأطنان من الركام.
وذكر الرقب لـ«الاتحاد» أن المخاوف متزايدة من انفجار مخلفات الحرب، إضافة إلى معضلة تلوث التربة التي قد تتسبب في انتشار الأمراض السرطانية والجلدية، وسبق أن حذرت منظمة الصحة العالمية من انتشار الأمراض بين أهالي غزة نتيجة بقايا ذخائر والجثامين تحت الأنقاض.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: غزة فلسطين قطاع غزة حرب غزة الحرب في غزة أهالي غزة إسرائيل سكان غزة هدنة غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
غزة بلا وقود: أزمة الغاز تتحول إلى كارثة إنسانية.. ونازحون يطبخون على الحطب والورق!
يحتاج قطاع غزة في الظروف الطبيعية إلى ما بين 400 و500 طن من الغاز يوميًا لتلبية احتياجات السكان والمخابز والمطاعم والمستشفيات. لكنّ ما يدخل فعليًا منذ بدء الهدنة لا يتجاوز 120 إلى 150 طنًا في أفضل الأيام—أي أقل من ثلث الاحتياج الأساسي.
منذ الأسابيع الأولى لدخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ مطلع أكتوبر الماضي، كان سكان غزة ينتظرون عودة إمدادات غاز الطهي تدريجيًا، باعتباره من أبرز الملفات التي تناولتها التفاهمات الإنسانية خلال المفاوضات. لكن الواقع جاء مخالفًا للتوقعات؛ إذ واصلت الإمدادات دخولها بكميات محدودة لا تقترب من الحدّ الأدنى للاحتياجات اليومية، مما دفع بالأزمة إلى التفاقم سريعًا، لتتحول خلال أسابيع إلى أحد أكثر المشاهد قسوة في حياة السكان.
ومع استمرار تعثّر الإمدادات، تعطّلت معظم محطات التعبئة، وانخفضت ساعات تشغيل القليل المتبقي منها، فيما وجد مئات آلاف النازحين أنفسهم عاجزين عن إعداد الطعام أو تسخين الماء، فلجؤوا إلى الحطب، وقطع البلاستيك، وبقايا الورق. وهكذا تحوّلت الأزمة من خلل في الخدمات إلى معضلة إنسانية تمسّ حياة السكان في كل تفاصيلها اليومية.
فجوة ضخمة بين الاحتياج والمتاح: أرقامٌ تكشف عمق الأزمةوفق مكتب الإعلام الحكومي، يحتاج قطاع غزة في الظروف الطبيعية إلى ما بين 400 و500 طن من الغاز يوميًا لتلبية احتياجات السكان والمخابز والمطاعم والمستشفيات. لكنّ ما يدخل فعليًا منذ بدء الهدنة لا يتجاوز 120 إلى 150 طنًا في أفضل الأيام—أي أقل من ثلث الاحتياج الأساسي.
هذه الفجوة الهائلة لا تُراكم فقط العجز داخل المنازل ومحطات التعبئة، بل مهّد أيضًا لولادة سوق سوداء تتغذّى على الندرة، وتعيد تشكيل قيمة الغاز كسلعة نادرة، تُباع وتُخزَّن كما لو كانت دواءً لا يمكن التفريط به.
ويقول رئيس المكتب الحكومي، الدكتور إسماعيل الثوابتة، إن عدم التزام إسرائيل بإدخال الكميات المتفق عليها “أعاد القطاع إلى مربع الأزمة بالكامل”، موضحًا أن العمل في معبر كرم أبو سالم يسير بصورة غير منتظمة، وأن أي توقف للإمدادات، حتى ليوم واحد، ينعكس مباشرة على آلاف الأسر.
Related وسائل نقل بدائية وشحّ في الوقود: كيف تحوّل التنقّل في غزة إلى عبء يومي؟ سوقٌ سوداء تتمدّد وأسعارٌ تتجاوز قدرة السكانمع تراجع الإمدادات الرسمية إلى هذا المستوى، برزت شبكات صغيرة تعمل خارج القنوات الحكومية، مستفيدة من حالة الندرة. ووصل سعر الكيلو الواحد (وحدة القياس المعمول بها في الشرق الأوسط) في بعض المناطق إلى 120 شيقل (37 دولار أمريكي)، بينما تحولت الأسطوانة الكاملة إلى رفاهية قد تتجاوز 1400 شيقل (434 دولار أميركي).
ويشير السكان إلى أن غاز الطهي بات يُعامل “كدواء نادر”، وأن عمليات البيع تتم عبر وسطاء غير خاضعين للرقابة، مما أدى إلى تراجع ثقة الناس بآليات التوزيع الرسمية وتوسع السوق الموازية.
مسارات خفية داخل شبكة التوزيع: شهادات تكشف ما يجريفي ظل اتساع الأزمة، بدأت شهادات من داخل منظومة التوزيع نفسها تُظهر أن جزءًا من المشكلة لا يتعلق فقط بشحّ الإمدادات، بل بالمسار الذي تسلكه الكميات منذ لحظة دخولها القطاع.
يقول أحد الموزعين —متحدثًا بشرط عدم كشف هويته— إن “الحصص التي تصل إلى النقاط الرسمية تتغير دون تفسير واضح”، مضيفًا أن جزءًا من الشحنات “لا يصل إلى المستودعات الحكومية أصلًا، بل يُوجَّه مباشرة نحو تجار يبيعونه بأسعار مضاعفة”.
صاحب نقطة تعبئة في المنطقة الوسطى يذهب في الاتجاه نفسه، مشيرًا إلى أن نشاط السوق الموازية “منظّم أكثر مما يبدو”، وأن هناك أطرافًا تحصل على غاز الطهي بشكل ثابت رغم ندرة الإمدادات الرسمية، مما يجعل السعر في تلك القنوات يصل إلى 120 شيقل للكيلو.
عنصر أمن سابق شارك في مرافقة شاحنات الغاز يقدّم صورة أكثر تفصيلًا، إذ يقول إن “بعض العاملين كانوا يحصلون على أسطوانة أو اثنتين من كل حمولة خلال النقل، وهذه الأسطوانات تنتقل فورًا إلى السوق السوداء”. ويؤكد أن سعر الأسطوانة ارتفع من نحو 60–80 شيقل (18-24 دولار أمريكي) قبل الحرب إلى ما يزيد عن 1400 شيقل اليوم أي أكثر من 434 دولار.
هذه الشهادات، رغم تباين مصادرها، ترسم صورة واضحة لشبكة غير رسمية تتحرك على هامش السوق، وتستغل الفراغ الرقابي لتوسيع الفجوة بين السعر الرسمي والسعر المتداول.
Related اعتراضات عربية وإسلامية تُبعد توني بلير عن دائرة المرشحين لعضوية "مجلس السلام" في غزةالمنخفض الجوي يزيد معاناة غزة.. قرار أممي يلزم إسرائيل بإدخال مساعدات إلى القطاعشتاء غزة لم يعد كما كان.. كيف تركت الحروب المتتالية بصمتها على المناخ؟ السوق السوداء تلتهم الغاز المحدود.. وقودٌ بأضعاف الثمنيُرجع الخبير الاقتصادي محمد أبو جياب تفاقم الأزمة إلى ثلاثة عوامل أساسية: ندرة الإمدادات، غياب الرقابة الفاعلة، والارتفاع الكبير في الطلب الناتج عن النزوح الجماعي.
ويقول إن قلة الإمدادات قادت إلى “تشوّه اقتصادي كامل”، حيث تتسع السوق السوداء كلما تراجعت الكميات الرسمية، وتتضاعف الأسعار بما يتجاوز قدرة معظم العائلات.
ويؤكد أن استمرار الأزمة على هذا النحو يهدد بخلق تداعيات إضافية، مثل ارتفاع تكلفة الخبز وتعثر عمل المراكز التي تعتمد على الغاز في خدماتها الأساسية.
أمجد القدرة، نازح من خان يونس إلى دير البلح، يقف أمام خيمته مشيرًا إلى كومة من الحطب جمعها بصعوبة منذ الصباح. يقول: “مشكلتنا الأساسية بدأت مع الحرب. كنّا قبلها نعيش أزمة، نعم، لكنها كانت محتملة. اليوم لا يدخل الغاز إلا نادرا ولكي أعد كوب شاي واحد أحتاج إلى نصف ساعة أمام النار. سعر الغاز في السوق وصل إلى أكثر من 100 شيقل للكيلو أي 31 دولار أمريكي، والأسطوانة لم تعد خيارًا ممكنًا. الغاز أساس البيت، ومن دونه لا نستطيع فعل أبسط الأشياء.”
وفي مركز إيواء قريب، يروي طارق باسم، النازح من مدينة غزة، كيف تحوّلت حياتهم إلى يوميات مع الدخان المتصاعد من كل ما هو قابل للاشتعال. يقول: “لا يوجد غاز منذ شهور. نحرق ما نستطيع: خشب، ورق، كرتون. حتى الحطب لم يعد متوفرًا. قبل الحرب كان سعر الأسطوانة 60 شيقل (18 دولار)، وكنا نحصل على دور كل شهرين أو ثلاثة. الآن نتمسك بأي كمية صغيرة كأنها علاج. لدينا أطفال يحتاجون إلى ماء ساخن وحليب، وهذا أصبح أصعب ما يمكن.”
أما أم توفيق، النازحة من رفح والمقيمة في مدرسة مهترئة، فتختزل معاناتها بكلمات قليلة: “النار أكلت عيوننا. الغاز يأتي لنا مرة كل ستة أو سبعة شهور، وأحيانًا لا نراه أبدًا. الخيمة لا فيها ماء ولا كهرباء، وأبحث عن ورق وبلاستيك لأننا لا نملك ثمن الحطب. آخر مرة عبّيت جرّة كانت قبل عشرة شهور. حدّثت اسمي مرات كثيرة، ولم يصلني الدور. ماذا نفعل؟”
في ظل غياب مؤشرات على انتظام إدخال غاز الطهي عبر المعابر، واستمرار تضرر البنية التشغيلية لمحطات التعبئة، تبدو الأزمة بعيدة عن الحل. الجهات المحلية، من جانبها، تشير إلى أن الطلب المتزايد الناجم عن النزوح لا يمكن تلبيته دون فتح مستقر للمعابر وزيادة الكميات الواردة.
وحتى ذلك الحين، يتكرر المشهد نفسه يوميًا: أسطوانات فارغة، طوابير طويلة، نار مشتعلة عند مدخل كل خيمة، وعائلات تحاول تدبير أبسط احتياجاتها وسط ظروف قاسية.
وبين شحّ الإمدادات وتمدّد السوق السوداء، تبقى أزمة الغاز إحدى أكثر الأزمات التي تكشف هشاشة الحياة في غزة بعد الحرب، وتجعل السكان أمام معركة يومية مفتوحة بلا أفق واضح للانفراج.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة