قراءة في حالة الترابط الاجتماعي للعمانيين
تاريخ النشر: 25th, January 2025 GMT
قبل أشهر نشر المركز الوطني للإحصاء والمعلومات استطلاعًا مهمًا في (موضوعه)، حاول من خلاله بناء مؤشر للترابط الاجتماعي بين العُمانيين، ولعل النتائج في عمومها تشير إلى حالة من ترابط المجتمع في مختلف مستوياته، سواء كان على مستوى الأسرة، أو الأقارب، أو أفراد المجتمع ككل. حيث تشير أهم النتائج إلى أن 81% من العمانيين يرون أن هناك ترابطا اجتماعيا في المجتمع العُماني عام 2023، وأن 87.
وإن كان الأمر يقتضي مزيدًا من الدراسة (الكيفية)، والفهم للتفاوتات عبر آليات منهجية متعددة، فإن النتائج المتاحة حاليًا توفر نقطة جيدة للبدء، حيث ركز الاستطلاع على وضع أسئلة (غير مباشرة) لقياس مستويات الترابط، وهذا مهم على المستوى المنهجي، فقد سأل عن موضوعات من قبيل لجوء الفرد إلى الأسرة والجيران في حالة مواجهته مشكلة ما، ومن قبيل مستوى انخراط الفرد في الأعمال الخيرية والتطوعية في مجتمعه، ومن قبيل مدى مشاركته في العناية بالأفراد الذين يحتاجون عناية خاصة داخل الأسرة ككبار السن، وكلها تعطي دلالات لحالة الترابط الاجتماعي المنشودة، يبقى دور البحث الأكاديمي والتنقيب المعرفي في التوسع بفهم حالة الترابط الاجتماعي عبر 3 أولويات في تقديرنا:
- علاقة مستويات الترابط الاجتماعي بعوامل التحضر (مكان السكن و«مستويات التعليم» والحالة المهنية) وهل تؤثر مثل هذه العوامل على قدرة الفرد والأسرة والمجتمع عمومًا على الترابط الاجتماعي. قد ينشأ عن البحث في مثل هذه الأولوية نتائج مهمة، فهل على سبيل المثال انتقال الأسرة من منطقة ريفية إلى منطقة حضرية يقلل مستويات ترابطها الاجتماعي؟ وهل مستويات التعليم العالية تدفع الفرد إلى مستويات أضعف من الترابط في محيطه الاجتماعي؟ هذه أسئلة مهمة لتطوير الموانع الاجتماعية لاحقًا، وهي المحكات والآليات والمبادرات التي يمكن أن تقودها الدولة والمجتمع لاستدامة حالة الترابط الاجتماعي المنشودة.
- الأولوية الأخرى هي في دراسة المؤثرات التي تهدد الترابط الاجتماعي، سواء كانت هذا المؤثرات طارئة عرضية على المجتمع، أو أنها ناشئة بحكم تطور الحالة الاجتماعية والتغير الاجتماعي، فهل انتشار الجريمة في محيط اجتماعي ما يؤثر على حالة الترابط الاجتماعي؟ وهل انخراط الأفراد في شبكة واسعة من العلاقات الافتراضية يقلل لجوءهم لأسر ومحيطهم الاجتماعي عمومًا، وبالتالي يؤثر على حالة الترابط الاجتماعي لديهم؟
- الأولوية الثالثة في تقديرنا هي في توسيع فهم ومفهوم الترابط الاجتماعي ليشمل علاقة الأفراد بالمؤسسات الاجتماعية، ونقصد بها تلك المؤسسات التي تنخرط في أداء شكل من أشكال التنشئة أو التكوين أو إشباع الاحتياجات الاجتماعية، كعلاقة الأفراد بالمسجد كمؤسسة اجتماعية أكثر من كونها مكان عبادة، وعلاقتهم بالمجلس العام أو الشعبي، وعلاقتهم بالأندية الاجتماعية باختلافها سواء أندية رياضية أو ثقافية أو مجتمعية. تشكل المؤسسات الاجتماعية بمضمونها وأعمالها وممارساتها وسيلة مباشرة وغير مباشرة لزيادة مستويات الترابط الاجتماعي في أي مجتمع، ومتى ما كانت هناك سياسات وبرامج داعمة لاستدامة هذه المؤسسات وتقوية حضورها متى ما أسهمت في تعميق علاقة الأفراد بمختلف مكونات مجتمعاتهم.
على الجانب الآخر هناك بعض الأفكار والرؤى التي من شأنها تعزيز حالة الترابط الاجتماعي، ونعتقد أن حوكمة منظومة العمل الأهلي (الجمعيات الأهلية و«الأندية الرياضية» وأنشطة التطوع و«اللجان الشبابية» والمبادرات الأهلية) وقيادتها عبر الحوكمة الصحيحة إلى أفق يتسق مع متغيرات المجتمع والمستقبل، وتحديد الأدوار والممارسات وربطها بمؤشرات أداء، وتعزيز أنماط الاستدامة، والتوسع في بناء قدرات الممارسين للعمل الأهلي من قادة وتنفيذيين يعتبر أولوية قصوى اليوم، وذلك للدور المشهود الذي يلعبه العمل الأهلي في تمكين اندماج الفرد بالحالة القصوى في مجتمع، وفي انسجامه مع حركة المجتمع، في حالة الازدهار، أو في مواجهة الصعاب، في حالات الرخاء، أو في مواجهة الشدائد. كما أن التوسع في بناء المجالس العامة وربطها بمكاتب المحافظين بمجموعة من الأنشطة المجتمعية والثقافية (الدورية) والمجدولة وفق ثيمات محددة، وموضوعات مثرية يمكن أن يسهم بتطوير حالة الترابط المجتمعي في مستوياته . كما أن توفير الحوافز الحكومية للأسر التي تسهم في رعاية الأفراد من ذوي الاحتياجات القصوى ككبار السن، وحالات الإعاقة، وتشجيعها وتحفيز التنافس لديها لتقديم أفضل رعاية منزلية ممكنة وصديقة لهم يشكل ضرورة مرحلية، أولها لتعزيز حالة الترابط الاجتماعي من ناحية، وثانيها للتوافق مع متغيرات السياسات التي تؤكد أن أنماط الرعاية داخل الأسرة لمثل هذه الحالات تعتبر في كثير من الأحيان ممارسات فضلى على ما سواها من سياسات. اشتغلت الكثير من المحافظات في السنوات الأخيرة على توفير مساحات اجتماعية وترفيهية في القرى والمدن، ونشطت هذه الجهود الحالة الاجتماعية فأصبحنا نشاهد مبادرات مجتمعية لتصميم مسارات للمشي والتنزه، ومبادرات للماراثون، ومبادرات لتطوير الحالة السياحية في بعض القرى، وتشجيع هذه الجهود والتركيز عليها كمحدد وإطار ضمن سياسات تنمية الإدارة المحلية في تقديرنا يعتبر كذلك عنصرًا مهمًا في ترقية حالة الترابط الاجتماعي في بعدها الرمزي والممارس. إن الترابط الاجتماعي رافعة مهمة للعمل التنموي أيما كان، ومتى ما كانت السياسات العامة بما فيها السياسات الاجتماعية تضع في محوريتها دعم حالة الترابط المجتمعي متى ما قد سعى ذلك المجتمع لمزيد من الاستقرار والتماسك الداعم للتنمية.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
قراءة في خطاب د. كامل إدريس
اتسم خطاب رئيس الوزراء د. كامل إدريس بالاتزان والوسطية والمباشرة في الطرح بلغة واضحة تخلو من الخطب الإنشائية والبلاغية المعدة مسبقا والمتكررة، كان واضحا في تحديد الأولويات إذ وضعها في نقاط موجزة ومختصرة وهذه منهجية علمية في تناول القضايا
تدل على عقل مرتب وأسلوب علمي متقدم في التخطيط ومايميز هذا الخطاب الذي كان مرتجلا أن رئيس الوزراء أعد
الخطاب بنفسه ويتبدى ذلك من خلال طريقة التقديم والالقاء وهذا يعني أن رئيس الوزراء يدري تماما ماذا يريد وماذا سيفعل وعلى دراية كاملة بكل تفاصيل الأزمة وأبعادها الداخلية والخارجية.
ترتيب القضايا والأولويات كان في منتهى الدقة والاحترافية وهذا يعد مؤشرا ممتازاً لإحاطة رئيس الوزراء بتعقيدات المشهد ومتطلبات المرحلة الحالية والمستقبلية وعلى سلم أولوياتها الأمن القومي و فرض هيبة الدولة في ظل حرب ما تزال تستعر وهذا يتوافق مع رؤية القيادة العسكرية حول الحرب ويشير إلى تنسيق وتناغم بين القيادة العسكرية ورئيس الوزراء ويقطع الطريق أمام أي تأويلات عن مفاوضات مزعومة لا تحفظ للدوله هيبتها وسيادتها هذا بافتراض أن المقصود من ذلك هيبة الدولة التي تتطلب اتخاذ إجراءات تعزز الإرادة الوطنية في قضايا الحرب والسلام ومايتعلق بالتفاوض الذي يحقق مصالح السودانيين دون المساس بسيادة وهيبة الدولة التي جاءت مقرونة بالأمن القومي أو مرادفة لها في الخطاب وفي اقتران متصل مع القضاء على التمرد والمليشيات وداعميها.
بانتظام متسلسل تناول الخطاب الحفاظ على دولة القانون والعدالة مركزا على النيابة والقضاء والمحكمة الدستورية المرتكز الرئيسي والأهم على الإطلاق في مطلوبات المرحلة الانتقالية التي تعزز دولة القانون والدستور إذ تسبب غياب المحكمة الدستورية لسنوات في تعطيل سير العدالة في عدد من القضايا الدستورية
السنوات السابقه شهدت فراغا دستوريا وتنفيذيا متمثلا في عدم وجود رئيس وزراء إذ أثر سلبا في احتياجات الناس اليومية الأمر الذي يجعل إدارة المرحلة بكفاءات وطنية أمرا في غاية الأهمية لتجاوز هذه الأوضاع الحرجة في تاريخ البلاد ..
معايير رئيس الوزراء لحكومة الفترة الانتقالية وفق متطلبات المرحلة أول خطوه في سلم النجاح أو الاخفاق بعيدا عن الترضيات والمحاصصات أو التدخلات إذ تبرز من هذه الخطوة ملامح مشروع كامل إدريس للفترة الانتقالية .
رئيس الوزراء اختار عبارات شديدة الدقة والذكاء السياسي
في مخاطبة المكونات الميدانية وتقديره لدورها في معركة الكرامه بمختلف توجهاتهم وخلفياتهم ومسمياتهم وثمن دور حركات الكفاح المسلحة في معركة الكرامة وفي ذات السياق شدد على الالتزام بمعايير الكفاءة في المناصب التنفيذية وهذا يعني بشكل ضمني عدم مشاركتهم في الجهاز التنفيذي باستثناء مقاعد اتفاق جوبا
الوقوف على مسافة واحدة من الجميع ملمحا نظريا مهما وضروريا في ظل الاستقطاب السياسي الحاد ولكن في ذات السياق من المهم عمليا دعم واسناد القوى السياسية الداعمة للجيش برنامج حكومة إدريس… كما يعتبر حياد رئيس مجلس الوزراء واستقلاليته اتجاها يتسق مع مشروع الحوار السوداني السوداني الذي لايستثني احد وهذا يفتح المجال واسع لكل الوطنيين وتحالف تقدم مما يشير إلى احتمالية مصالحة شاملة ببن القوى السياسية والجمع بين الظهير السياسي للمليشيا والتيار الوطني في مائدة واحدة وهذا التحدي عمليا يعد الأصعب وضد الارادة الداخلية التي تعتبر الظهير السياسي للمليشيا شريك أصيل في الحرب
أهلية الانفتاح على العالم الخارجي وعلى وجه التخصيص دول الجوار والمحيط الاقليمي في ظل انعدام رؤية استراتيجية للعلاقات الخارجية و عدم انخاذ خطوات جريئة تجاه المحاور الخارجية لتحقيق المصالح والعجز في بناء تحالفات اقليمية ودولية متوازنة في علاقتنا الخارجية وفقا للمبادى والمصالح التي تحفظ سيادة الدولة وارادتها الوطنية.
قضية إعادة هيكلة الدولة السودانية تعد الأمر الأهم والأساس ومربط الفرس في تغيير حقيقي وفعلي يخاطب جذور الازمة السودانية ويعيد تأسيس الدولة السودانية وفق أسس جديدة في إطار رؤية وطنية وباجماع وطني يشمل كل مكونات المجتمع السوداني دون استثناء.
الخطوه الأولى في مسار هيكلة الدولة تتجلى في إعادة هيكلة الجهاز التنفيذي وهذا تحدٍ كبير يتطلب رؤية وطنية استراتيجية وكفاءات حقيقية وحاضنة سياسية داعمة وارادة صلبة تتخطى العقبات وتواجه المعوقات وتتصدى لكافة الصعاب
محاربة الجهوية التي اقعدت البلاد لعقود من الزمان ومحاربة مافيا الفساد وحاشية السلطان الفاسدة وشبكة النفوذ الموازية لمؤسسات الدولة أبرز العقبات التي ستواجه رئيس الوزراء وقد أشار إلى ذلك في بداية خطابه وهذا تحدي يتطلب حصافة وحكمة ويستدعي المزيد من الاصطفاف الوطني وتقوية الجبهة الداخلية وتضافر الجهود المخلصة من أبناء الوطن الأوفياء لاعادة الأعمار واعادة الاستقرار وتحقيق الرفاهية المنشود لشعبنا.
د. ميادة سوار الدهب
إنضم لقناة النيلين على واتساب