21 أغسطس، 2023
بغداد/المسلة الحدث:
محمد زكي ابراهيـم
شكل خبر استعادة معدات مصفى الشمال المنهوبة من أربيل صدمة غير متوقعة للكثيرين داخل العراق وخارجه. وكان البعض يعتقد أنها نهبت مثل باقي المنشآت الصناعية في البلاد. أو أنها دمرت خلال المواجهات بين الغزاة والمدافعين عن المصفى. أو أن مثل هذا الموضوع لم يكن يعني له شيئاً، وسط الخسائر الهائلة التي أحدثها الهجوم الإرهابي على العراق.
والحقيقة أن شمال العراق لم يكن ملاذاً آمناً للخارجين عن القانون في العراق والدول المجاورة فحسب، بل كان مأوى للكثير من السلع المهربة، أو المختلسة، أو الممنوعة، منذ عقد التسعينات من القرن الماضي، حتى يومنا هذا. أي أن تهريب مقاطع من وحدات التصفية إلى أربيل، بعد اجتياح مجموعات من السلفيين لها عام 2014 لم يكن مستغرباً. وهو المكان الوحيد الذي يمكن أن تمر منه، أو تخزن فيه، في عموم البلاد.
ولمن لا يعرف فإن مجمع المصافي النفطية في بيجي يتكون من ثلاثة أجزاء رئيسية هي مصفى صلاح الدين (140 ألف ب. ي) وقد صنعته وشيدته شركة تكنو أكسبورت الجيكية. ومصفى الشمال (140 ألف ب. ي) أيضاً، اشتركت في تصنيعه شركتان يابانيتان (كويو وجيودا)، ونفذ بأياد يابانية وعراقية. ومصفى الدهون (150 ألف طن سنوياً) قامت ببنائه شركة (تكنيب) الفرنسية. ويحتوي مصفى الشمال على وحدة لتسييل الغاز. وهناك مصنع للمنظفات تابع لمنظمة الأوابك. ومستودعات للخزن والتحميل، عدا عن أخرى تابعة له في كركوك وحمام العليل والمشاهدة واللطيفية.
وكان مجمع التصفية هذا، الذي يعمل فيه آلاف الأشخاص، يزود محطة كهرباء بيجي العملاقة (1200 ميكاواط) بالوقود، قبل بناء محطات غازية جديدة. كما يقدم خدمات أخرى إلى معمل الأسمدة الكيمياوية القريب منه. وقد أنشئت أحياء سكنية واسعة لإيواء العاملين في المصفى، ومحطة الكهرباء والمصانع الأخرى. فبيجي مدينة صغيرة قليلة السكان ليس فيها ما يسد الحاجة من الأيدي العاملة. وجل ساكني هذه الأحياء قدموا من الجنوب. أي أن بيجي كانت ستتحول إلى منطقة صهر للمكونات والأعراق والمذاهب، لو بقيت على حالها بعد سقوط النظام السابق. بيد أن المضايقات التي تعرضت لها العوائل هناك، أجبرتها على الرحيل وإخلاء مناطق السكنى. فقد انبعثت مشاعر العداء المكبوتة فجأة، وحل التيار السلفي محل النزعة الحزبية – العشائرية القديمة.
وهكذا كان تفكيك ونقل الوحدات الانتاجية لمصفى الشمال إلى أربيل، أمراً متيسراً، بعد هبوط قطعان من السلفيين على المنطقة عام 2014. وكان هؤلاء بحاجة للمال في المقام الأول. وقد وجدوا لها سوقاً رائجة في كردستان، مثل كثير من البضائع الأخرى، التي تهرب في العادة إلى تركيا كمواد خام، لكن لأمر ما لم تتمكن الشركات الكردية من شحنها إليها.
ومن الطبيعي أن تلحق أضرار كبيرة بهذه المعدات المعقدة والضخمة، أثناء التفكيك، والنقل، والخزن الطويل. وأن تصبح أجزاء مهمة منها غير صالحة للاستخدام. ويمكن فرز ذلك عبر إخضاعها لعملية فحص هندسي كثيف. وسيكون بوسع وزارة النفط تعويض الأجزاء المتضررة أو المفقودة عبر الاتصال بالشركات التي قامت بتجهيزها في الثمانينات، توفيراً للوقت والجهد. علماً أن بعض هذه المعدات لم تدخل للخدمة، إذ جرى شراؤها بعد تعرض أجزاء من المصفى للاندثار في سنوات سابقة.
وإذا ما تم ذلك، وعادت الروح إلى مجمع التصفية بكامله، فإن الحياة ستدب في أماكن كثيرة في بيجي وما حولها، وسيتحقق الاكتفاء الذاتي من المشتقات النفطية. كما سيجري تصدير كميات هائلة من زيت الوقود إلى الخارج. وستعود بيجي مرة أخرى مدينة صاخبة، مزدحمة بالسكان. وتزول عنها الصبغة العشائرية المتطرفة، التي كان يغذيها النظام الطائفي المنهار، أو ذئاب داعش المسعورة. وتصبح واحة للتعايش والتحضر والانفتاح، وسط صحراء مجدبة لم تنتج سوى الخراب والدمار. أي أن عودة المصفى للإنتاج سيكون لها تأثير بالغ على الحياة الاجتماعية، والنسيج البشري، والتوزيع الحضري في العراق.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
المصدر: المسلة
إقرأ أيضاً:
القرار 1483 بلا لياقة قانونية.. والأموال العراقية ما زالت تحت الحصار المالي الأميركي
3 يوليو، 2025
بغداد/المسلة:
لا تزال الحكومة العراقية مستمرة في العمل وفق قرار مجلس الأمن رقم 1483 الصادر عام 2003، رغم زوال أسبابه القانونية والواقعية، إذ لم يعد هناك مبرر لبقاء أموال العراق تحت وصاية بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، لا سيما بعد أن سدد العراق جميع تعويضات غزو الكويت في عام 2021، وأُغلق ملف المطالبات الدولية بقرار أممي في 2022.
وأكد مراقبون اقتصاديون أن بقاء الحساب العراقي تحت السيطرة الأميركية لا يخدم الاستقرار المالي في البلاد، بل يضاعف الضغوط على سعر صرف الدينار، ويكرّس التبعية النقدية لسياسات خارجية لا تنسجم بالضرورة مع مصالح العراق، في وقت تعاني فيه الأسواق من تقلبات حادة بسبب تأخر أو تقنين تحويلات الدولار من الاحتياطي الأميركي إلى المصارف المحلية.
ودعا الخبير في الشأن الاقتصادي أحمد عبد ربه، الحكومة العراقية إلى مراجعة الإطار القانوني الدولي الخاص بإيداع أموال العراق في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
واستندت التقارير الاقتصادية الحديثة إلى بيانات من البنك المركزي العراقي تُظهر أن أكثر من 97% من الاحتياطات الأجنبية مودعة بالدولار، ما يجعل العراق عرضة مباشرة لسياسات الفيدرالي الأميركي وقرارات وزارة الخزانة، وهو أمر وصفه بعض المحللين بـ”الاحتلال النقدي غير المباشر”، فيما دعت أصوات نيابية إلى ضرورة التحرر منه عبر تنويع العملات الأجنبية المعتمدة.
واستعادت مدونات متخصصة تجربة النرويج في إنشاء صندوق سيادي مستقل لإدارة الفوائض النفطية خارج الحسابات التقليدية، وهو ما عدّه اقتصاديون عراقيون نموذجاً ملائماً لحالة العراق النفطية، حيث يتجاوز الاحتياطي النقدي الـ100 مليار دولار، دون أن ينعكس بشكل فعلي على التنمية أو الاستدامة، بسبب غياب أدوات الحوكمة والتخطيط بعيد المدى.
وذكرت تقارير دولية أن العراق يظل حتى اللحظة واحداً من الدول القليلة التي تضع أموالها النفطية في حسابات دولية تحت رقابة خارجية، رغم أنه لم يعد خاضعاً لأي برنامج للتعويض أو العقوبات، وهو ما دفع مختصين للمطالبة بمراجعة الأطر القانونية في مجلس الأمن، بما يضمن عودة السيادة الكاملة على القرار المالي والاقتصادي.
وانتشرت على وسائل التواصل دعوات لمحاسبة الجهات التي تعيق الإصلاح المالي، حيث كتب أحد المدونين: “ليس من المعقول أن تُصادر أموال العراق بقرار أممي انتهى مفعوله قبل ثلاث سنوات!”، فيما نشر آخر: “استقلال العراق يبدأ من استقلال قراره المالي.. لماذا لا نمتلك شجاعة الخروج من عباءة الدولار؟”.
وشدد اقتصاديون على أن تحقيق السيادة المالية لا يتطلب فقط قرارات فنية من المصرف المركزي، بل إرادة سياسية موحدة، ودعماً من البرلمان، ومفاوضين محترفين في المحافل الدولية، خصوصاً مع مجلس الأمن وصندوق النقد، بما يعيد للعراق هيبته كدولة ذات موارد ضخمة وموقع إقليمي لا يُستهان به.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts