سواليف:
2025-06-23@05:23:33 GMT

من كلّ بستان زهرة 93

تاريخ النشر: 28th, January 2025 GMT

من كلّ #بستان_زهرة – 93-

#ماجد_دودين

نامَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ علَى حصيرٍ فقامَ وقد أثَّرَ في جنبِهِ فقلنا يا رسولَ اللَّهِ لوِ اتَّخَذنا لَكَ وطاءً فقالَ ما لي وما للدُّنيا، ما أنا في الدُّنيا إلَّا كراكبٍ استَظلَّ تحتَ شجرةٍ ثمَّ راحَ وترَكَها.

الراوي: عبدالله بن مسعود | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح الترمذي – الصفحة أو الرقم: 2377 | خلاصة حكم المحدث: صحيح

مقالات ذات صلة          اقْلِبْ السِّحْرَ عَلَى السَّاحِرِ 2025/01/26

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم أزهدَ الناسِ في الدُّنيا؛ لِعلمِه بحَقيقتِها وأنَّها دارُ فَناءٍ، وليسَت باقيةً، وإنَّما هي مَرحَلةٌ يتَزوَّدُ فيها المسلِمُ مِن الأعمالِ الصَّالحةِ والطَّاعاتِ؛ حتَّى يَعيشَ الحياةَ الباقيةَ في جَنَّةِ اللهِ عزَّ وجلَّ.

وفي هذا الحديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رَضِي اللهُ عَنْه: “نامَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم على حَصيرٍ، فقام”، أي: مِن نومِه، “وقد أثَّر في جَنبِه”، أي: كانت أعوادُ الحصيرِ وخيوطُه مؤثِّرةً في جنبِه، وكان الحصيرُ يُنسَجُ مِن ورَقِ النَّخيلِ؛ فقُلنا: “يا رسولَ اللهِ، لو اتَّخَذْنا لك وِطاءً”، أي: فِراشًا أنعَمَ وأبسَطَ مِن هذا الحصيرِ، فقال صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: “ما لي وللدُّنيا”، أي: ليس لي أُلفةٌ ومَحبَّةٌ مع الدُّنيا، “ما أنا في الدُّنيا إلَّا كَراكِبٍ”، أي: مِثلَ راكِبٍ يَسيرُ في طريقٍ فتَعِب، فنزَل و”استَظلَّ تحتَ شجَرةٍ”، أي: اتَّخَذ مِن أوراقِها ظِلًّا مِن حرارةِ الشَّمسِ، “ثمَّ راحَ وترَكها”، أي: يَستَريحُ قَليلًا ثمَّ يُكمِلُ سيرَه، وهذا التَّشبيهُ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم يُصوِّرُ حياةَ المسلِمِ في الدُّنيا كعابرِ السَّبيلِ الَّذي يُريدُ أن يَبلُغَ آخِرتَه بأمانٍ وفي غيرِ تَباطُؤٍ مِنه؛ لِيتنَعَّمَ بما في الدُّنيا على ما له في الآخرةِ، وهذا إرشادٌ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم إلى عَدمِ الاشتِغالِ بالدُّنيا ومَلذَّاتِها، وأنَّه يَنبغي الاشتِغالُ بالآخرةِ؛ لأنَّها دارُ القرارِ، وحَثٌّ على تَرْكِ لَهْوِ الدُّنيا ومَتاعِها، وألَّا يَكونَ الانشِغالُ إلَّا بالآخِرَةِ.

*****************

– أخَذَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمَنْكِبِي، فَقَالَ: كُنْ في الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ أوْ عَابِرُ سَبِيلٍ. وكانَ ابنُ عُمَرَ يقولُ: إذَا أمْسَيْتَ فلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وإذَا أصْبَحْتَ فلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وخُذْ مِن صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، ومِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ. الراوي: عبدالله بن عمر | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري.

   المُؤمِنُ يجعَلُ الدُّنيا دارَ عَمَلٍ وعبادةٍ لِيَحصُدَ ثوابَ ذلك في الآخِرةِ؛ لأن الآخرةَ هي دارُ القَرارِ، وليْستِ الدُّنيا إلَّا دارًا فانيةً سَتَنْتهي إنْ عاجلًا أو آجلًا. وفي هذا الحديثِ يَرْوي عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَمسَكَ بمَنْكِبه -والمَنكِبُ: مَجمَعُ العَضُد والكتِفِ-؛ لِتَنْبيهِه إلى التَّوجُّهِ إليه، وليجعَلَه في اهتمامٍ لِما سيوصيه به، وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واعظًا له: «كُنْ في الدُّنيا كأنَّك غَريبٌ» قَدِم بَلدًا لا مَسْكنَ له فيه يُؤوِيه، ولا ساكِنَ يُسلِّيه، خالٍ عن الأهلِ والعيالِ والعَلائقِ، التي هي سَببُ الاشتغالِ عن الخالِقِ، «أو عابِرَ سَبيل» أي: أو كُنْ كالذي خرَج مُسافِرًا يَمُرُّ بالبِلادِ غيرَ مُتوقِّفٍ فيها إلَّا لِيَتزوَّدَ منها؛ فعابرُ السَّبيلِ أشدُّ زُهدًا في مُغرَياتِ طَريقِه مِن الغَريبِ؛ لأنَّ الغَريبَ قدْ يَسكُنُ في بِلادِ الغُربةِ ويُقيمُ فيها، بخِلافِ عابِرِ السَّبيلِ القاصِدِ للبَلَدِ، وبيْنَه وبيْنَ بلدِه مَسافاتٌ شاسِعةٌ، وهو في حالةِ تَخفُّفٍ دائمةٍ مِن الأثقالِ حتى لا تُعيقَه أو تُؤخِّرَه عن بُلوغِ مَقصدِه. وقيل: إنَّ «أو» للإضرابِ بمَعْنى «بلْ»، والمعنى: بلْ كُنْ كأنَّك عابرُ سَبيلٍ، وهو ارتِفاعٌ به إلى مَنزلةٍ أعْلَى في الزُّهدِ مِن مَنزلةِ الغَريبِ. والمرادُ: أنَّ على المُؤمنِ أنْ يَستحضِرَ في قلبِه دائمًا حالةَ الغريبِ أو المُسافِرِ لحاجتِه وغايتِه في تَعامُلِه مع شَهواتِ الدُّنيا ومُتطلَّباتِها؛ ليَصِلَ بذلك إلى آخِرتِه -التي هي دارُ إقامتِه الدَّائمةِ- في أسْلَمِ حالٍ؛ فهو لا يَركَنُ إلى الدُّنيا، بلْ يُعلِّقُ قلْبَه بالدَّارِ الآخِرةِ، فإذا فاجَأَه الموتُ كان كمَنْ وصَلَ إلى غايتِه.

وقدْ تعَلَّم ابنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما هذا الدَّرسَ ووَعاه جيِّدًا، فكان يقولُ لنَفسِه ولغيرِه: «إذا أَمسيتَ فلا تَنتظِرِ الصَّباحَ»؛ بألَّا تُؤخِّرَ عَمَلًا مِن الطَّاعاتِ إلى الصَّباحِ؛ فلعلَّك تكونُ مِن أهلِ القُبورِ، وإذا أصبَحْتَ فلا تُؤخِّرْ عَمَلَ الخيرِ إلى المساءِ؛ فقدْ يُعاجِلُك الموتُ، واغتنِمِ الأعمالَ الصَّالحةَ في الصِّحَّةِ قبْلَ أنْ يحُولَ بيْنك وبيْنها المرضُ، واغتنِمْ حَياتَك في الدُّنيا، فاجمَعْ فيها ما يَنفَعُك بعْدَ مَوتِك. وفي الحَديثِ: أنَّ التَّفكيرَ في فَناءِ الدُّنيا وعَدمِ دَوامِها يُؤدِّي بالعبدِ إلى الاستقامةِ، والمواظَبةِ على صالحِ الأعمالِ. وفيه: الحثُّ على التَّشبُّهِ بالغريبِ وعابرِ السَّبيل؛ فكِلاهما لا يَلتفِتُ إلى الدُّنيا.

*****************

نَسِيرُ إلَى الْآجَالِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ … وَأَيَّامُنَا تُطْوَى وَهُنَّ رَوَاحِلُ

وَلَمْ نَرَ مِثْلَ الْمَوْتِ حَقًّا كَأَنَّهُ … إذَا مَا تَخَطَّتْهُ الْأَمَانِيُّ بَاطِلُ

وَمَا أَقْبَحَ التَّفْرِيطَ فِي زَمَنِ الصِّبَا … فَكَيْفَ بِهِ وَالشَّيْبُ فِي الرَّأْسِ نَازِلُ

تَرَحَّلْ عَنْ الدُّنْيَا بِزَادٍ مِنْ التُّقَى … فَعُمْرُك أَيَّامٌ -تُعَدُّ- قَلَائِلُ”

*****************

قال أحد الحكماء:” من أحب الدنيا فليوطن نفسه على تحمل المصائب، ومحب الدنيا لا ينفك من ثلاث: هم لازم، وتعب دائم، وحسرة لا تنقضي، وذلك أن محبها لا ينال منها شيًئا إلا طمحت نفسه إلى ما فوقه؛ كما في الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام: “لَوْ كانَ لاِبْنِ آدَمَ وادِيانِ مِن مالٍ لابْتَغَى وادِيًا ثالِثًا، ولا يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلَّا التُّرابُ، ويَتُوبُ اللَّهُ علَى مَن تابَ.” صحيح البخاري

*****************

طُبعتْ على كدرٍ وأنت تريدُها … صفواً من الأقذاء والأكدار

ومكلّف الأيَّامٍ ضدَّ طباعها … متطلّبٌ في الماءِ جذوة نار

*****************

قال بعض البلغاء: “الدنيا لا تصفو لشارب، ولا تبقى لصاحب، ولا تخلو من فتنة، ولا تخلو من محنة، فأعرض عنها قبل أن تعرض عنك، واستبدل بها قبل أن تستبدل بك؛ فإن نعيمها يتنقل، وأحوالها تتبدل، ولذاتها تفنى، وتبعاتها تبقى”.

وقال علي رضي الله عنه يصف الدنيا”: أولها عناء، وآخرها فناء، حلالها حساب، وحرامها عقاب، من صحَّ فيها سقم، ومن مرض فيها ندم، ومن استغنى فيها فُتن، ومن افتقر فيها حزن، ومن ساعاها فاتته، ومن قعد عنها أتته، ومن نظر إليها أعمته، ومن نظر بها بصَّرته”.

*****************

قال أبو العتاهية:

هِيَ الدَّارُ دَارُ الْأَذَى وَالْقَذَى … وَدَارُ الْفَنَاءِ وَدَارُ الْغِيَرْ

فَلَوْ نِلْتهَا بِحَذَافِيرِهَا … لَمِتَّ وَلَمْ تَقْضِ مِنْهَا الْوَطَرْ

أَيَا مَنْ يُؤَمِّلُ طُولَ الْخُلُودِ … وَطُولُ الْخُلُودِ عَلَيْهِ ضَرَرْ

إذَا مَا كَبِرْت وَبَانَ الشَّبَابُ … فَلَا خَيْرَ فِي الْعَيْشِ بَعْدَ الْكِبَرْ

*****************

إنِّي رَأَيْتُ عَوَاقِبَ الدُّنْيَا … فَتَرَكْتُ مَا أَهْوَى لِمَا أَخْشَى

فَكَّرْتُ فِي الدُّنْيَا وَعَالَمِهَا … فَإِذَا جَمِيعُ أُمُورِهَا تَفْنَى

وَبَلَوْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا فَإِذَا … كُلُّ امْرِئٍ فِي شَأْنِهِ يَسْعَى

أَسْنَى مَنَازِلِهَا وَأَرْفَعُهَا … فِي الْعِزِّ أَقْرَبُهَا مِنْ الْمَهْوَى

تَعْفُو مَسَاوِيهَا مَحَاسِنَهَا … لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّعْيِ وَالْبُشْرَى

وَلَقَدْ مَرَرْتُ عَلَى الْقُبُورِ فَمَا … مَيَّزْتُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى

*****************

ينبغي للعبد المؤمن بربه إذا نظر إلى زهرة الدنيا فدعته إلى نفسها برونقها البهيج أن يقول لها بلسان الحال: إليك عني يا سريعة الزوال، إنما تصلحين للتشويق إلى دار ليس لساكنها عنها انتقال، أنت خزفٌ فانٍ، وتلك جوهر باق، فلتفرِّقْ بين الدارين عقولُ الرجال.

خلِّ عن منزل الفنا والزوالِ … ثم يمِّمْ نحو الجنابِ العالي

منزلِ الكرامة والأنس والبرْ … رِّ ونيلِ المنى ونيل النوال

تلك والله دارُ قوم شَروَها … بنفيسِ النفوس والأموال

حين زُفّت إليهمُ خطوبها … ثم ساقوا لها المهورَ الغوالي

*****************

من نزل به الشيب فهو بمنزلة الحامل التي تمت شهور حملها، فما تنتظر إلا الولادة، كذلك صاحب الشيب لا ينتظر إلا الموت، فقبيحٌ منه الإصرار على الذنب.

أيُّ شيءٍ تريدُ مني الذنوبُ … شَغُفتْ بي فليس عني تغيبُ

ما يضرُّ الذنوبَ لو أعتقتني … رحمةً بي فقد علاني المشيبُ

*****************

يقول تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم: ٥٤]. قال ابن كثير: ” ينبه تعالى على تنقل الإنسان في أطوار الخلق حالاً بعد حال؛ فأصله من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة، ثم يصير عظاماً، ثم تكسى العظام لحماً، وينفخ فيه الروح، ثم يخرج من بطن أمه ضعيفاً نحيفاً واهن القوى، ثم يشبّ قليلاً قليلاً حتى يكون صغيراً، ثم حدثاً ثم مراهقاً شاباً- وهو القوة بعد الضعف- ثم يشرع في النقص فيكتهل ثم يشيخ ثم يهرم- وهو الضعف بعد القوة- فتضعف الهمة والحركة والبطش، وتشيب اللِمّة، وتتغير الصفات الظاهرة والباطنة؛ ولهذا قال تعالى: {ثُمّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوّةٍ ثُمّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً} أي: يفعل ما يشاء ويتصرف في عبيده بما يريد }وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ  .{

*****************

أيُّها المبتَنِي الحُصُونَ وقد شابَ واكتَهَلْ

أخبَرَ الشَّيْبُ عنكَ أنكَ في أخِرِ الأجَلْ

*****************

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى، وطول الأمل؛ فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة، ألا وإن الدنيا قد ترحلت مدبِرة، ألا وإن الآخرة قد ترحلت مقبِلة، ولكل واحد منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل”.

*****************

قال ابن القيم: ” وكلما صح القلب من مرضه ترحّل إلى الآخرة، وقرب منها، حتى يصير من أهلها، وكلما مرض القلب واعتل آثرَ الدنيا واستوطنها، حتى يصير من أهلها”.

*****************

قال الفضيل لرجل: “كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة، قال له: أنت من ستين سنة تسير إلى ربك! يوشك أن تبلغ، فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال الفضيل: من علم أنه لله عبد، وأنه إليه راجع، فليعلم أنه موقوف، وأنه مسؤول، فليعد للمسألة جوابًا، فقال له الرجل: فما الحيلة؟ قال: يسيرة، قال: ماهي؟ قال: تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى؛ فإنك إن أسأت فيما بقي أُخذت بما مضى وما بقي”.

*****************

قال ابن الجوزي: ” الواجب على العاقل أخذ العدة لرحيله؛ فإنه لا يعلم متى يفجؤه أمرُ ربه، ولا يدري متى يُستدعى؟ وإني رأيت خلقاً كثيراً غرهم الشباب، ونسوا فقد الأقران، وألهاهم طول الأمل.

*****************

مَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ مُدْرِكُهُ … وَالْقَبْرَ مَسْكَنُهُ وَالْبَعْثَ مُخْرِجُهُ

وَأَنَّهُ بَيْنَ جَنَّاتٍ سَتُبْهِجُهُ … يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ نَارٍ سَتُنْضِجُهُ

فَكُلُّ شَيْءٍ سِوَى التَّقْوَى بِهِ سَمْجٌ … وَمَا أَقَامَ عَلَيْهِ مِنْهُ أَسْمَجُهُ

تَرَى الَّذِي اتَّخَذَ الدُّنْيَا لَهُ وَطَنًا … لَمْ يَدْرِ أَنَّ الْمَنَايَا سَوْفَ تُزْعِجُهُ”

*****************

إذا وُلِد الإنسان من بطن أمه إلى هذه الدنيا فله ثلاثة منازل يسكنها: منزل في الدنيا، ومنزل في القبر، ومنزل في الآخرة: إما في الجنة، وإما في النار. فمَن أحسن العمل في منزله الأول أُحسِن له الجزاء في منزله الثاني والثالث، ومن أساء لقيَ جزاء عمله السيء في ثاني منازله وثالثها.

إن الإنسان في دار الدنيا هو في دار تكليف ينتقل بعدها إلى دار جزاء، فأول ما يلقى جزاء عمله في قبره؛ فإن القبر أول منازل الآخرة، ومنه تبدأ رحلة النعيم والهناء، أو العذاب والشقاء، فمن نال النعيم فيه فهو بشرى حسنة لما بعده، ومن بقي معذبًا فيه فما بعده هو أشد عليه.

*****************

أتيتُ القبورَ فساءلتُها … فأين المعظَّم والمحتقرْ؟

وأين المُدلُّ بسلطانه؟ … وأين القويُّ إذا ما قدرْ

تفانَوا جميعًا فما مخبر … وماتوا جميعًا ومات الخبر

فيا سائلي عن أناس مضوا … أما لك فيما ترى معتبَر؟

تروح وتغدو بناتُ الثّرى … فتمحو محاسنَ تلك الصّور

*****************

سبق العلمُ بنبوة موسى عليه السلام وإيمان آسية، فسيقَ تابوتُه إلى بيتها، فجاء طفل منفرد عن أم إلى امرأة خالية عن ولد. فلله كم في القصة من عِبرة! كم ذبح فرعون في طلب موسى من ولد، ولسان القدر يقول: لا نربيه إلا في حجرك!

*****************

 ما مضى من الدنيا أحلام، وما بقي منها أمانٍ، والوقت ضائع بينهما.

*****************

الدنيا لا تساوي نقل أقدامك إليها، فكيف تعدو خلفها؟!.

*****************

 الطريق إلى الله خالٍ من أهل الشك، ومن الذين يتبعون الشهوات، وهو معمور بأهل اليقين والصبر، وهم على الطريق كالأعلام: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: ٢٤] (الفوائد لابن القيّم).

*****************

لله ملك السماوات والأرض واستقرض منك حبة، فبخلت بها، وخَلق سبعة أبحر وأحب منك دمعة فقحطتَ عينك بها!

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: بستان زهرة فی الد ى الله

إقرأ أيضاً:

داء القلق

 

د. صالح بن ناصر القاسمي

ماذا عساه أن يواجه الإنسان وهو يبدأ مسيرته على وجه البسيطة؟ فمنذ أن تبدأ صرخته الأولى في فضاء الحياة، وهو يعيش حالة من الترقب والقلق، دائم الالتصاق بأمه التي يشعر معها بالأمان والاطمئنان.  حيث يولد الإنسان وهو محمل بغرائز طبيعية، في مقدمتها حب الحياة، وإلا فما هو تفسير أن يمتلك الطفل ردة فعل مباشرة حين يسمع صوتًا غريبًا بالقرب منه؟ جميعنا لاحظنا ذلك مراراً وتكراراً مع أطفالنا، بل نعايشه بأنفسنا رغم أننا نمتلك رصيدًا من الأعوام، نخشى فيه على ذواتنا من أي تهديد خارجي، ونتفاعل بردة فعل تناسب الموقف المعاش.

ولا زلت أذكر، ونحن في مقاعد الدراسة الجامعية، أن أحد المدرسين ضرب بيده على الطاولة بينما كان يشرح لنا كيف أن الإنسان لديه ردة فعل طبيعية تجاه التهديدات الخارجية. فما كان منَّا إلا أن تحركنا تلقائيًا، وتملكنا الخوف، وكان ذلك مثالًا حيًّا لا تزال تفاصيله حاضرة في ذهني، كأنها حدثت للتو.

 كثيرة هي الأشياء التي تجعل الإنسان يعيش داء القلق: الخوف من المستقبل، القلق بشأن تأمين المعاش، الخوف من تربية الأبناء، وغير ذلك الكثير من الهواجس. بل وأحيانًا يعيش الإنسان حالة من القلق والخوف من أمور لا يستطيع حتى أن يحدد مصدرها، فكثيرًا ما يخبرنا أصدقاؤنا أنهم يمرون بحالة قلق لا يعرفون سببها. وهذا ما يزيد من خطورة هذا الداء، أنه متسلل، لا يأتي من باب واضح، بل يتسلل من النوافذ الصغيرة المهملة في زوايا النفس.

ومع تدرج الإنسان في مراحل حياته، يبدأ الصراع مع العديد من الأدواء، في مقدمتها الأمراض الجسدية. ومع ذلك، فإن تلك الأوجاع غالبًا لا تجعله يعيش حالة من القلق الشديد، لأنه يشعر بأن لكل داء دواء، وأن هناك دائمًا أملًا في الشفاء. أما إذا أصيب الإنسان بداء القلق، وتمكن منه حتى تغلغل في نفسه، وسيطر على روحه وأفكاره، فهنا فقط تبدأ المأساة الحقيقية.

إذ إن أي داء يصيب الجسد، فإن الروح تسنده لتجاوز المرض، أما إذا أصيبت الروح، فإن الجسد حينها لا يقدم عونًا، بل يصبح عاجزًا، ويصيبه الوهن، ويغدو عرضةً للأمراض والانهيار. ولهذا، فإن الكثير من الدراسات الطبية الحديثة أكدت العلاقة الوثيقة بين الصحة النفسية والجسدية، فكل اضطراب في الأولى قد يُترجم في الثانية على شكل أمراض عضوية ملموسة.

ومن الملاحظ أيضًا أن الأمراض النفسية، وعلى رأسها داء القلق، أصبحت أكثر انتشارًا في المجتمعات المعاصرة. ويعود ذلك إلى نمط الحياة المتسارع وضغوطها، وصعوبة التأقلم معها، مما يؤدي إلى تجاوب مباشر وسريع مع كل مثير، فينتقل القلق ويتعمق في النفوس، ويتحول من شعور عابر إلى نمط تفكير مزمن.

ولا شك أن الأمر، في أوله وآخره، مرتبط بالحالة الإيمانية للإنسان. فمتى ما كان الإنسان قوي الإيمان، كان أقل عرضة للإصابة بداء القلق، لأنه موقن أن مصيره بيد الله، وأنه المدير والمسيّر لأحواله، وأن كل ما يصيبه ما هو إلا ابتلاء واختبار. كما قال تعالى:

"قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" (التوبة: 51)

فالآية الكريمة وصفت حال المؤمنين الحقيقيين الذين تمكن الإيمان من نفوسهم. وهو خط الدفاع الأول الذي يحميهم من داء القلق. وفي الحديث الشريف عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا" (رواه الترمذي).

ولعل من أعظم الشواهد على صدق التوكل، ما وقع لأبي بكر الصديق رضي الله عنه يوم الهجرة، عندما كان مع النبي –صلى الله عليه وسلم- في غار ثور، وكانت قريش تلاحقهم، حتى وصلت إلى باب الغار، واقتربت الخُطى، فهتف أبو بكر: "يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا!"، فجاءه الرد الحاسم من النبي عليه الصلاة والسلام:

"يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟" (رواه البخاري ومسلم)

إنها لحظة مفصلية في تاريخ التوكل البشري. فالخطر محدق، والقلق مشروع، لكن اليقين بالله كان أقوى من كل مظاهر الخوف. ذلك الموقف يُعلّمنا أن الطمأنينة ليست في غياب التهديد، بل في حضور الله في قلوبنا، يقينًا لا يهتز، وثقة لا تنكسر.

فإذا كان أكثر ما يقلق الإنسان هو رزقه، وهو يعلم يقينًا أن رزقه بيد الله وحده، فلم القلق؟ يعيش حينها ببساطة، بل بسعادة واطمئنان. ولهذا، علينا أن نوقن أن داء القلق لا يصيب إلا من كان في إيمانه خلل، وعليه أن يراجع نفسه، فالدواء الحقيقي مرهون بها، لا بغيرها.

ومن المهم أن نلتفت إلى ضرورة بناء توازن نفسي، من خلال تهذيب النفس، وترويض الفكر، وتوجيهه نحو ما ينفع. فالعقل إذا تُرك ليتأمل المخاوف وحده، صنع منها وحشًا وهميًا يهابه صاحبه كل يوم. ولكن متى ما تم إشباع الروح بطمأنينة الإيمان، واليقين، والذكر، خمدت نيران القلق، وانزاحت غيوم الخوف.

فيا من أنهكه القلق، وتاه في دروب الهواجس، تذكّر أن الحياة لا تعطي أمانها لمن يركض خلف الظنون، بل لمن وقف بثبات على أرض الإيمان. لا تجعل يومك ساحة معركة بينك وبين ما لم يحدث بعد. فالقلق لا يغير المستقبل، بل يسرق منك الحاضر لحظة بلحظة. قاومه بالتوكل، واجه ظلاله باليقين، وعلّم قلبك أن لا يرتجف إلا من خشية الله، لا من غموض الغد.

ولعل أجمل انتصار تحققه في معركتك مع القلق، هو أن تبتسم وسط ضجيج الخوف، وأن تقول لنفسك بثقة: "أنا لست وحدي، فرب السماء يدبر أمري."

ومن هنا، تبدأ رحلة السلام.

 

مقالات مشابهة

  • ” العدوان  الصهيوأمريكي على إيران “3” الدنيا دولابٌ والزمنُ دوَّارٌ
  • داء القلق
  • «إن شاء الله الدنيا تتهد».. سلمى أبو ضيف تستعد للاحتفال بالعرض الخاص لفيلمها الجديد
  • «الدنيا قامت مقعدتش».. شوبير يكشف كواليس خروج لاعبي الأهلي من المعسكر
  • الدنيا دولابٌ والزمنُ دوَّارٌ
  • طهران تحت النار: كيف تحولت المساحات الرقمية إلى ملاجئ لشباب إيران
  • رحمة أحمد فرج تكشف لـ «الأسبوع» تفاصيل مشاركتها في «عهد أنيس»
  • مش كل مرة الدنيا متآمرة.. صبري فواز يعلق على هزيمة الأهلي من بالميراس
  • من كل بستان زهرة – 102-
  • نسألُك العفوَ والعافيةَ في الدنيا والآخرةِ.. أذكار الصباح اليوم الجمعة 20 يونيو