بعد تصريحات ترامب.. هل يتكرر سيناريو تهجير الفلسطينيين مجددا؟
تاريخ النشر: 31st, January 2025 GMT
#سواليف
شدد العديد من الكتاب على أن حديث الرئيس الأمريكي دونالد #ترامب وطرحه لفكرة #التهجير الطوعي، ليس مجرد #تهديدات عابرة، بل هي #خطط_مستقبلية تأتي في سياق تفاهمات ووعود قطعها ترامب لرئيس الحكومة الإسرائيلية #نتنياهو وقيادة #الاحتلال المتطرفة، وبناء عليه سيكون #سيناريو_التهجير مطروحا مجددا في المشهد الفلسطيني.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي بانّ قضية التهجير قضية حقيقية وجدية جدا، مضيفا: “الضغط على #الأردن و #مصر ستستعمل فيه كل الوسائل، إن لم نكن في موقع مواجهة التهجير سنجد أنفسنا فيه، هذا كلام ليس للتهويل، بل لمواجهة الحقيقة”.
وشدد عنبتاوي على أنّ ما قاله ترامب ليس مجرد كلام، هذا ضمن رؤيا، وكرجل صفقات سيقوم باستعمال سياسة العصا والجزرة مع مصر والأردن بالعروض المالية والتهديدات الداخلية والتعطيل بإعادة البناء في غزة لتسهيل موضوع التهجير.
مقالات ذات صلة السحب الماطرة تواصل انتشارها وأمطار الخير تتجدد في هذه المناطق 2025/01/31ونبه عنبتاوي بان خطط الاستيطان المستعرة في الضفة الغربية والسعي لتغيير معادلة التوزيع السكاني لصالح المستوطنين هي مقدمة لتثبيت المشاريع الاستيطانية التي ستساهم في زعزعة المنطقة وجعلها مشتعلة لخدمة اهداف الاحتلال .
وبحسب عنبتاوي فان الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة وتجزئها الى مناطق جغرافية وخلق المعازل والكنتونات واعاقة الحركة ما هي الا خطوة في سياق خلق الياس والإحباط وصولا الى تشجيع فكرة الهجرة والرحيل الى الخارج.
ووصف عنبتاوي تهديدات ترامب واطماع الاحتلال بالأمر الخطير الامر الذي يتطلب وجود موقف فلسطيني موحد ورؤية لمواجهة كل تلك التحولات والخطط والمشاريع التي تهجف الى تصفية القضية الفلسطينية والاستفراد بالضفة الغربية بعد ان حُولت غزة الى مكان غير صالح للحياة.
الكاتب والمحلل السياسي ياسر مناع أكد على أنّ الحديث عن التهجير القسري لم يعد مجرد تهديد أو ورقة ضغط، بل أصبح مطروحًا بجدية كخيار قابل للتنفيذ. هناك تقارب واضح بين الرؤية الأمريكية والإسرائيلية بهذا الشأن، حيث تسعيان معًا لإيجاد سبل لتحقيقه.
ولفت مناع الى ان هذا السيناريو يثير قلقًا بالغًا لدى مصر والأردن، اللتين ترفضان استقبال موجات نزوح قسرية، خوفًا من تداعياتها السياسية والأمنية.
وبحسب مناع فان الوقائع على الأرض تشير إلى أن العمليات العسكرية الجارية ليست مجرد ردود فعل، بل أدوات لتنفيذ مشروع سياسي يهدف إلى إعادة تعريف السلطة الفلسطينية وظيفيًا وجغرافيًا.
واكمل:” إسرائيل تسعى إلى تقسيم الضفة الغربية إلى معازل دائمة، مما يجعل السيطرة عليها أكثر سهولة، ويقضي على إمكانية قيام كيان فلسطيني مترابط جغرافيًا، كما يتزايد التهجير الداخلي من المخيمات إلى المدن، ما قد يكون خطوة تمهيدية لتهجير أوسع نطاقًا خارج الأراضي الفلسطينية.
وجدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب امس الخميس ، تصريحاته الداعية إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، قائلا إن “على مصر والأردن قبولهم”.
وفي رد ترامب على أسئلة لصحفيين في البيت الأبيض بشأن القضايا الراهنة، قال ترامب بعد أن سُئل عن إمكانية قبول مصر والأردن للفلسطينيين من غزة “ستفعلان ذلك”، على حد تعبيره.
وأضاف الرئيس الأميركي “لقد قدمنا لهما (مصر والأردن) الكثير، وسوف يقومان بذلك”.
وتوالت ردود فعل مصرية وأردنية رافضة للتهجير منذ اقتراح الرئيس الأميركي، السبت الماضي، نقل فلسطينيي قطاع غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، متذرعًا بـ”عدم وجود أماكن صالحة للسكن في قطاع غزة” الذي دمرته إسرائيل طوال أكثر من 15 شهرا.
وكان الرئيس الأميركي قال قبل أيام إنه يرغب في “تطهير” قطاع غزة، موضحا أنه سيطلب من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ما طلبه من ملك الأردن عبد الله الثاني من السماح بدخول ما يصل إلى 1.5 مليون فلسطيني من غزة إلى الأراضي المصرية.
ورفض كل من الرئيس المصري وملك الأردن هذا المطلب، حيث وصف السيسي ذلك بأنه ظلم لا يمكن أن تشارك مصر فيه، كما أكد ملك الأردن موقف بلاده “الراسخ” بضرورة “تثبيت الفلسطينيين على أرضهم”.
ورُفضت تصريحات ترامب من عدة جهات دولية، بينها فرنسا وألمانيا وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة.
انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة)اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على WhatsApp (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على Telegram (فتح في نافذة جديدة)النقر لإرسال رابط عبر البريد الإلكتروني إلى صديق (فتح في نافذة جديدة)اضغط للطباعة (فتح في نافذة جديدة)
وسوم : “التهجير الطوعي” إدارة ترامب الطوفان
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف ترامب التهجير تهديدات خطط مستقبلية نتنياهو الاحتلال سيناريو التهجير الأردن مصر فتح فی نافذة جدیدة الرئیس الأمیرکی للمشارکة على مصر والأردن قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
الرئيس ضد الجامعة.. القصة الكاملة للصراع بين ترامب وهارفارد
تشانغ كاي تشي، طالب ماجستير صيني في السنة الدراسية الأولى بكلية الصحة العامة في جامعة هارفارد، كان قد حجز رحلة للعودة إلى الصين لقضاء عطلة الصيف القادمة، لكن قرار إدارة ترامب بمنع جامعته من تسجيل الطلاب الدوليين باغته.
وعلى إثر ذلك ألغى تشانغ خططه بالعودة إلى بلاده، قلقا من أنه لن يتمكن من العودة إلى الولايات المتحدة إذا غادر. قضى تشانغ ليالي عدة بلا نوم، ورغم أن أمر التقييد القضائي المؤقت للقرار بعث في قلبه بعض الراحة، فإن خططه الصيفية لا تزال معطلة في ظل ضبابية المشهد، وفقا لما نقلته عنه صحيفة "وول ستريت جورنال".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2أستاذ بهارفارد: الأمر مع ترامب أشبه بمشاهدة دولة تنتحرlist 2 of 2مستوى جديد من التصعيد بين ترامب وهارفاردend of listيُعد كاي تشي واحدا من بين قرابة 7 آلاف من الطلاب الدوليين في جامعة هارفارد الذين وجدوا أنفسهم عالقين في اشتباك بين جامعتهم وبين الرئيس ترامب وإدارته، ومن المؤكد أن موقفه ازداد تعقيدا بحكم انتمائه إلى 277 ألف طالب صيني في الولايات المتحدة من المرجح أن تُراجَع تأشيراتهم لفحص علاقاتهم بالحزب الشيوعي الصيني، وتحديد إذا ما كانوا يدرسون تخصصات حساسة تخطط الإدارة الأميركية الحالية لحرمان الصينيين من دراستها، وفق تأكيدات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو.
تقدم هذه القصة القصيرة لمحة عن بعض تداعيات المعركة المحتدمة بين ترامب والجامعات الأميركية التي تتصدرها جامعة هارفارد في الوقت الراهن، وهي معركة اشتعلت منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي واتخذت عناوين عدة، بدأت بمزاعم "مكافحة معاداة السامية" وحصار الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في الجامعات الأميركية، لكنها سرعان ما كشفت عن وجوه أخرى تتعلق بالصراع على هوية المجتمع الأميركي وطبيعة العلاقة بين الحكومة والمؤسسات التعليمية.
PRESIDENT TRUMP: “Billions of dollars has been paid to Harvard. How ridiculous is that?… And they have $52 billion as an endowment… Harvard's going to have to change its ways.”
Harvard doesn’t deserve another penny! pic.twitter.com/2zBAeoYIE3
— Proud Elephant ???????????? (@ProudElephantUS) May 23, 2025
إعلان كيف اشتعل الصراع بين ترامب وهارفارد؟بدأ الأمر بعد تولي دونالد ترامب مهام منصبه بفترة وجيزة، حيث وقَّع أمرا تنفيذيا بتشكيل "فرقة عمل" معنية بمعاداة السامية بهدف "استئصال الممارسات المعادية للسامية في المدارس والجامعات".
وبحلول مارس/آذار، أعلن الفريق المُشكَّل أنه سيراجع عقودا تزيد قيمتها على 255 مليون دولار ومنحا متعددة السنوات بقيمة 8.7 مليارات دولار بين الحكومة الفدرالية وجامعة هارفارد والهيئات التابعة لها، بما في ذلك المستشفيات التي يُدرَّس أطباؤها في كلية الطب بجامعة هارفارد، في محاولة لفرض تغيير في مؤسسة عصفت بها الاحتجاجات المناصرة لفلسطين عقب حرب الإبادة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر.
وقتها، اتهمت وزيرة التعليم ليندا ماكماهون جامعة هارفارد بالفشل في "حماية طلابها من التمييز المعادي للسامية، والترويج لأيديولوجيات مثيرة للانقسام على حساب حرية البحث، ما عرّض سُمعتها لخطر جسيم" بحسب وصفها.
وفي وقت لاحق من شهر أبريل/نيسان، أرسلت الإدارة خطابا تطالب فيه الجامعة باستيفاء 10 متطلبات شملت تغييرات في المناهج الدراسية وحظر قبول الطلاب "المعادين للقيم الأميركية"، وإجراء تدقيق للتحقق من "تنوع وجهات النظر" في الجامعة (حيث تتهم الإدارة الجامعة بالتمييز ضد الأميركيين البيض المحافظين)، ومن جانبها رفضت هارفارد الامتثال لطلبات الإدارة ووصفتها بأنها غير قانونية.
كان رد الإدارة الأميركية قاسيا، ففي البداية، قامت بخفض 2.2 مليار دولار من منح الأبحاث متعددة السنوات، و60 مليون دولار من العقود الممنوحة لهارفارد، معظمها من المعاهد الوطنية للصحة (NIH)، وهي جهات حكومية. كما جمّدت ما يقارب 500 منحة من المعاهد الوطنية للصحة لمؤسسات تابعة لجامعة هارفارد، مثل مستشفى بريغهام والنساء (Brigham and Women’s Hospital) في بوسطن، وهي ثاني أكبر مستشفى تعليمي تابع لكلية الطب في هارفارد.
إعلانأكثر من ذلك، قررت الإدارة منع الجامعة من الحصول على منح فدرالية مستقبلية، كما أوقفت منحا بقيمة 450 مليون دولار من ثماني وكالات فدرالية أخرى.
وأوقفت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) منحا بقيمة 60 مليون دولار للجامعة، فيما حثّ البيت الأبيض جميع الوكالات الفدرالية على إلغاء أي عقود متبقية مع هارفارد، التي تُقدَّر قيمتها بنحو 100 مليون دولار، وبذلك وصل إجمالي الأموال الفدرالية المجمّدة للجامعة إلى أكثر من 3.2 مليارات دولار.
لم تقف الأمور عند هذا الحد، حيث تهدد الإدارة بإلغاء إعفاء جامعة هارفارد من الضرائب ومعاملتها بوصفها كيانا سياسيا، وهي خطوة من شأنها أن تُخضِع أغنى جامعة في البلاد لضريبة دخل فدرالية باهظة جدا. وفي منشور له على موقع "تروث سوشيال" بتاريخ 15 أبريل/نيسان كتب ترامب: "ربما يجب على هارفارد أن تفقد إعفاءها الضريبي وتُفرَض عليها الضرائب بوصفها كيانا سياسيا إذا استمرت في الترويج لـ(المرض) السياسي والأيديولوجي والإرهابي".
كما تدرس الإدارة فرض قيود على المنح والتبرعات (الأجنبية) للجامعة بدعوى تقديمها إفصاحات "غير كاملة وغير دقيقة حول مصادر دخلها".
وأخيرا جاء الفصل الختامي بقرار إدارة ترامب في 22 مايو/أيار الماضي بإلغاء امتياز جامعة هارفارد بتسجيل الطلاب الدوليين الذين يُشكِّلون 27% من عدد طلاب الجامعة (نحو 6800 طالب)، ما يهدد فقدان مئات الملايين من الدولارات سنويا من العائدات التي يوفرها هؤلاء الطلاب، ويضع الاستقرار المالي والأكاديمي للجامعة على المحك.
لماذا هارفارد تحديدا؟حسنا، هارفارد هي البداية، أو على وجه الدقة هي النموذج الأكبر والأبرز، وهي مثال عملي تضربه إدارة ترامب للجامعات الأميركية على عواقب "عصيان" التعليمات، هذا المثال يأتي مع الجامعة الأقوى والأكثر نفوذا واستقلالا ماليا والأرفع سُمعة على المستوى العالمي، أي إن المقصود ليس جامعة هارفارد بالتحديد، ولكن نظام التعليم الجامعي في الولايات المتحدة الذي يرغب ترامب في إعادة تشكيله بصورة جذرية، وهذا ما أشار إليه أكثر من جهة إعلامية أميركية، ومنها مجلة "فوكس" (Vox).
إعلانفي الحقيقة، لم تكن هارفارد الجامعة الأولى التي سقطت فوقها مطارق ترامب. لقد نالت جامعة كولومبيا في نيويورك الضربة الأولى في مارس/آذار الماضي، حين أوقفت إدارة ترامب 400 مليون دولار من الأموال الفدرالية المخصصة للجامعة التي انطلقت منها شرارة الاحتجاجات الطلابية المطالبة بوقف الحرب على غزة، بزعم "تقاعسها عن مكافحة معاداة السامية"، و"عدم حمايتها الطلاب اليهود طوال المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين".
وبعد تهديد الإدارة 60 جامعة بالمصير ذاته، أرسلت إدارة ترامب في 13 مارس/آذار مذكرة إلى كولومبيا وحدها فيها عدد من الشروط الواجب استيفاؤها في غضون 7 أيام للنظر في مسألة الإفراج عن الأموال مستقبلا. وقد رفعت كولومبيا الراية البيضاء مبكرا ووافقت على معظم مطالب الإدارة، ومنها محاصرة الاحتجاجات الجامعية وحظر ارتداء الأقنعة فيها، وتوظيف 36 ضابط شرطة جديد في الحرم الجامعي ومنحهم صلاحية طرد واعتقال المحتجين، وتسليم بيانات الطلاب للحكومة الفدرالية.
كذلك قامت كولومبيا بتعيين نائب عميد يتمتع بسلطة واسعة للإشراف على قسم دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا، ومركز الدراسات الفلسطينية، كما أكدت بأنها ستقوم بإعادة مراجعة تعريف معاداة السامية داخليا، بالإضافة إلى توسيع هيئة التدريس في معهد الدراسات الإسرائيلية واليهودية.
على المستوى الشكلي، ما يريده ترامب هو "الامتثال" الذي رفضت الجامعة العريقة تقديمه للإدارة حتى الآن (يرى مسؤولو الإدارة أن الجامعة تراوغ في تقديم متطلبات الإفصاح التي تفرضها).
إعلانأما على المستوى الموضوعي، وكما يظهر من تصريحات ترامب وأفراد إدارته، فإن مشكلة ترامب مع جامعات النخبة تتجاوز الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل (تجاوبت هارفارد بالفعل مع الكثير من مطالب الإدارة في هذا الملف، مثل تعليق عمل لجنة التضامن مع فلسطين، والصمت على إلغاء تأشيرات عدد من الطلاب، ناهيك برفض المطالب بقطع العلاقات التجارية والأكاديمية مع الكيانات المتورطة في العدوان والمستفيدة منه).
حيث يرى الرئيس أن هذه الجامعات، التي تخرّج قطاعا مؤثرا من الطبقة السياسية والتكنوقراط المرموقين والجنرالات والقضاة والمديرين التنفيذيين وحتى المشرّعين في البلاد، باتت مرتعا لأفكار "اليسار الليبرالي"، وأن إدارتها وسياساتها وحتى مناهجها التعليمية تميز بشكل واضح ضد اليمين المحافظ.
وبشكل خاص، تنظر الإدارة بعين الارتياب إلى برامج التنوع والشمول التي تتبنّاها جامعات النخبة الأميركية.
تختلف هذه البرامج بشكل واضح، لكن الكثير منها ينتمي إلى مجموعة من المعايير التي تطبّقها المؤسسات العلمية الأميركية منذ إصدار قوانين الحقوق المدنية في منتصف الستينيات من القرن الماضي، لضمان إعطاء الأقليات فرصة للارتقاء العلمي والمهني وإصلاح ما أفسدته السياسات العنصرية السابقة. لكن العديد من هذه البرامج تعطي فرصا تمييزية على أساس "الهويات الجنسية المستحدثة"، وهي مسألة تثير الكثير من الجدل في الولايات المتحدة حاليا بين الليبراليين والمحافظين.
على سبيل المثال، تشير الادعاءات الصادرة عن الحكومة الأميركية إلى وجود خلل في المعايير "العِرقية" و"الجنسية" لسياسات التوظيف في الجامعة، يظهر في ارتفاع أعداد أعضاء هيئة التدريس من ذوي البشرة الملونة، والنساء، وأصحاب الهويات الجنسية غير التقليدية (المثليين والمتحولين جنسيا ومزدوجي التوجه الجنسي)، مقابل انخفاض عدد الرجال البيض في الوظائف الدائمة.
إعلانيتوافق ذلك مع نتائج استطلاع أجرته صحيفة "هارفارد كريمسون" الطلابية عام 2023 خلص إلى أن 2.5 % فقط من أعضاء هيئة التدريس يُعرّفون أنفسهم بأنهم محافظون؛ بينما يُعرّف أكثر من ثلاثة أرباعهم أنفسهم بأنهم ليبراليون. في السياق ذاته، تُجري وزارة التعليم تحقيقات أيضا بشأن ما إذا كانت جامعة هارفارد تمارس ما تُسميه "التمييز العنصري ضد الطلاب المتقدمين للدراسة الجامعية".
هذه السياسات يراها ترامب وأنصاره انحرافا عن المهمة الأصلية للجامعات الأميركية التي يمتلك معظمها للمفارقة جذورا مسيحية محافظة، وتلقّت لعقود طويلة الدعم من الكنائس، ودرّس فيها رجال الدين.
الأكثر من ذلك أن هذه السياسات لا تؤثر على الجامعات فقط، ولكنها تُلقي بأصدائها على البيروقراطية الأميركية التي يرى ترامب أنها باتت "أكثر ليبرالية" و"أقل محافظة"، ومن ثم فإن محاولات ترامب لإعادة تشكيل المشهد التعليمي جزء لا يتجزأ من حملته لـ"تغيير" البيروقراطية الأميركية وتدمير مراكز القوة المؤسسية اليسارية في البلاد، ومنها وسائل الإعلام الرئيسية ومؤسسات التعليم العالي الكبرى، وهو ما عبَّر عنه نائب الرئيس جيه دي فانس في مقابلة في فبراير/شباط 2024 ملخّصا الدافع السياسي وراء استهداف الجامعات بشكل واضح للغاية: "يجب علينا أن نعمل على إصلاحها بشكل عدواني بطريقة تجعلها أكثر انفتاحا على الأفكار المحافظة".
بخلاف ذلك، يرى ترامب الجامعات الأميركية، وبشكل أكثر تحديدا برامج دراسة الطلاب الأجانب، نافذة للاختراق الأجنبي، ولا أدل على ذلك من اتهام وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم لجامعة هارفارد بالتعاون مع الحزب الشيوعي الصيني من خلال استضافة وتعليم أعضائه، ليعلن وزير الخارجية بعدها البدء في إجراءات إلغاء تأشيرات الطلاب الصينيين المرتبطين بالحزب الشيوعي أو أولئك الذين يدرسون في مجالات "حساسة". ويُعد "التمويل الفدرالي" هو السلاح الأهم للرئيس وإدارته في معركتهم المحتدمة ضد جامعات النخبة القوية.
للجواب عن هذا السؤال علينا أن نتعرف سريعا على هيكل نظام التعليم الأميركي الفريد إلى حدٍّ ما. بادئ ذي بدء، لا تمتلك الولايات المتحدة أي "جامعات وطنية" (الجامعة الوطنية هي تلك التي تأسست بواسطة الحكومة الفدرالية وتتلقى التمويل منها)، وذلك رغم محاولة العديد من الرؤساء في الفترة المبكرة من عمر الاستقلال الأميركي فعل ذلك، وعلى رأسهم أندرو جاكسون (الرئيس السابع للولايات المتحدة) على سبيل المثال، والسبب الرئيسي في ذلك هي المخاوف من فرض الحكومة المركزية سيطرة واسعة على التعليم.
إعلانبدلا من ذلك ظهرت "الجامعات العامة" التي تتلقى تمويلا من حكومات الولايات، مثل جامعات ميتشغان وتكساس وفرجينيا وكاليفورنيا وغيرها، لكن الجامعات الأكبر والأوسع شهرة والأكثر تميزا أكاديميا كانت من "الجامعات الخاصة"، وفي مقدمتها الجامعات الثمانية الأشهر في الساحل الشرقي للولايات المتحدة، وهي جامعات براون وكولومبيا وكورنيل وكلية دارتموث وهارفارد وبرينستون وبنسلفانيا وجامعة ييل، وجميعها جامعات عريقة يعود تاريخ تأسيسها إلى ما قبل الاستقلال الأميركي عام 1776، باستثناء جامعة كورنيل فقط التي تأسست عام 1865.
على مدار عمرها الطويل، جمعت هذه الجامعات الأموال من مصادر خاصة، في مقدمتها التبرعات، إضافة إلى المصروفات الدراسية التي يدفعها الطلاب (المحليون والدوليون)، وتنافست فيما بينها لجذب الطلاب ومصادر التمويل، ما جعلها خاضعة تماما لقواعد السوق الحر، وهي القواعد التي أجبرت عشرات الكليات والجامعات على الإغلاق. ولكن بحلول زمان الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين، قررت الحكومة الفدرالية التدخل لمنع إغلاق الجامعات والكليات الكبرى، ومنحتها تمويلا فدراليا للبقاء على قيد الحياة.
تعززت هذه السياسة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبشكل أخص خلال سنوات الحرب الباردة. وقتها، ظهر إلى النور نموذج "الجامعات البحثية" (التي تتوسع في خدمات البحث العلمي بجانب التعليم) عندما استعان الجيش بالكليات والجامعات الكبرى من أجل إجراء الأبحاث حول التقنيات العسكرية المهمة.
وبحلول عام 1958، أقرّ الكونغرس قانون التعليم الدفاعي الوطني ردا على إطلاق الاتحاد السوفياتي أول قمر صناعي في العالم باسم "سبوتنيك"، وانطلقت مع هذا الحدث استثمارات أميركية ضخمة في العلوم والتكنولوجيا. مهّد هذا التمويل الطريق لشراكة طويلة الأمد، ساهمت من خلالها الحكومة الفدرالية في تحويل الجامعات الأميركية إلى مراكز عالمية للبحث والابتكار واستقطاب المواهب من مختلف أرجاء العالم.
إعلانوللوقوف على حجم هذا التمويل، تشير بيانات عام 2023 إلى أن الكليات والجامعات الأميركية أنفقت زهاء 109 مليارات دولار على البحث والتطوير، 60 مليار دولار منها، أو ما يقرب من نسبة 55%، قدمتها الحكومة الفدرالية، وفقا لبيانات المؤسسة الوطنية للعلوم. وعلى نطاق أوسع، تشير بيانات وزارة التعليم إلى أن إجمالي حجم التمويل الفدرالي لقطاع التعليم العالي بلغ أكثر من 160 مليار دولار.
تقدم الحكومة هذه التمويلات من خلال قنوات متعددة، أبرزها منح الأبحاث العلمية التي تقدمها مؤسسات مثل المعاهد الوطنية للصحة (NIH)، ومؤسسة العلوم الوطنية (NSF)، ووزارة الطاقة (DOE)، ووكالة أبحاث الدفاع المتقدمة (DARPA)، ووكالة الفضاء (NASA)، وغيرها.
وهناك أيضا المساعدات الطلابية لذوي الدخل المحدود مثل برنامج "بيل غرانتس" (Pell Grants)، وبرامج التمويل للكليات التي تخدم فئات مجتمعية محرومة مثل الكليات والمعاهد المرتبطة تاريخيا بذوي البشرة السمراء، وهي التي أُسِّست لخدمة الأميركيين من أصل أفريقي وتُعرف بـ"HBSUs"، ومن أمثلتها جامعة هاورد في العاصمة واشنطن، وكلية سبيلمان في جورجيا، وجامعة هامبتون في فرجينيا، وجامعة كالفن في كارولينا الجنوبية، وغيرها.
ما مدى اعتماد الجامعات على التمويل الحكومي؟تختلف هياكل التمويل كثيرا بين الجامعات العامة وجامعات النخبة الخاصة. وفق بيانات عام 2023، يأتي أكثر من نصف إيرادات الكليات والجامعات العامة الأميركية من مصادر حكومية (إجمالي 53%)، منها 18% تأتي من الحكومة الفدرالية/المركزية، بواقع 68.9 مليار دولار، مقابل نسبة 35% من التمويل تأتي من حكومات الولايات والحكومات المحلية (المدن) وباقي المخصصات المالية الحكومية، بإجمالي 137 مليار دولار. أما باقي التمويلات (غير الحكومية) فيأتي أغلبها من الرسوم الدراسية (بنسبة 21%)، والخدمات والمبيعات والمصادر الأخرى (بنسبة 14%).
إعلانتختلف الصورة بشكل كبير في الجامعات الخاصة، التي تمتلك هياكل تمويلية أكثر فرادة وتميزا. وتُعد الأوقاف الجامعية تحديدا ركنا مهما في هياكل التمويل تلك، وهي صناديق استثمار دائمة تُدرّ عوائد تُساعد في تمويل الجامعات. تُنشأ الأوقاف عندما يُقدِّم المانحون هبةً يرغبون في استمرارها لغرض محدد ولأجل طويل. تُستَثمر هذه الهبات المالية، ويضع المانحون (مع المنظمة التي يهبون لها الأموال) مسارات لكيفية استثمار عائدات أموالهم، سواء في برامج دعم الطلاب غير القادرين (وهو المسار الرئيسي لإنفاق عائدات الأوقاف)، أو تطوير المباني والمنشآت أو البرامج الأكاديمية، أو غير ذلك.
تمتلك الجامعات الأميركية الكبرى أوقافا ضخمة تناهز ميزانيات دول بأسرها. على سبيل المثال، تُقدَّر قيمة أوقاف جامعة هارفارد بنحو 52 مليار دولار، وجامعة ييل بـ41 مليار دولار، وجامعة ستانفورد بـ38 مليار دولار، وجامعة كورنيل بـ11 مليار دولار. وللمفارقة، فإن الرابطة الوطنية للجامعات الأميركية (NACUBO) قدَّرت إجمالي وقف جامعة أكسفورد البريطانية بجميع كلياتها الـ43 والجامعة المركزية، وهو الوقف الأكبر في أوروبا، بـ8.3 مليارات جنيه إسترليني (نحو 11 مليار دولار).
وبخلاف الأوقاف، يمكن للجامعات الحصول على منح كبيرة لأغراض خاصة، سواء من الأفراد أو المؤسسات، كما تحصل الجامعات المرموقة على دخول كبيرة من الرسوم الدراسية، خاصة من الطلاب الدوليين الذين لا يحصلون على المنح غالبا. كذلك تحصل الجامعات على الأموال من خلال عائدات استثمارية في بعض المشروعات ومن رسوم الخدمات التي تقدمها، سواء كانت خدمات دراسية مثل المطبوعات والدورات التدريبية أو الخدمات الأخرى مثل الرعاية الصحية في المستشفيات الجامعية وغيرها.
لنأخذ جامعة كولومبيا مثالا، بلغت الإيرادات التشغيلية للجامعة في السنة المالية الماضية (2024) نحو 6.6 مليارات دولار أميركي. وكانت أكبر ثلاثة مصادر دخل لها هي إيرادات رعاية المرضى في المرافق الطبية التابعة للجامعة (بنسبة 27% – تعادل 1.8 مليار دولار)، والرسوم الدراسية بعد خصم المساعدات المالية المقدمة للطلاب (بنسبة 23% – تعادل 1.5 مليار دولار)، والمنح والعقود الحكومية (بنسبة 20% – تعادل 1.3 مليار دولار). في حين قُدِّر إجمالي مساهمات المنح والتبرعات وعوائد الاستثمارات مجتمعين بنسبة 22% (نحو 1.45 مليار دولار).
يختلف هيكل تمويل جامعة هارفارد نسبيا حتى بالمقارنة مع جامعة كولومبيا، والسبب الرئيسي في ذلك هو الوقف الضخم للجامعة (52 مليار دولار) الذي أدرّ على الجامعة عائدات بقيمة 2.4 مليار دولار في عام 2024، بما يعادل نسبة 38% من نفقاتها التشغيلية البالغة 6.4 مليارات دولار. وعموما، فإن دخل جامعة هارفارد من الأوقاف وجميع أشكال التبرعات الأخرى يغطي 45% من نفقاتها.
إعلانبعد ذلك تأتي الرسوم الدراسية التي توفر 21% من نفقات الجامعة (بما يعادل 1.3 مليار دولار تقريبا)، تأتي حصة كبيرة منها من الطلاب الدوليين الذين يدفع معظمهم كامل الرسوم الدراسية (تصل إلى 100 ألف دولار سنويا). أما نصيب الحكومة الفدرالية من التمويل فبلغ 11% (يعادل 700 مليون دولار) موجهة لتمويل الأبحاث المدعومة فدراليا.
ظاهريا، يوحي ذلك الهيكل التمويلي أن الجامعة تمتلك حرية مالية للتغلب على الضربات المتعلقة بنقص التمويل الفدرالي، وهذا صحيح إلى حدٍّ ما، لكن المشكلة أن هذه البرامج الفدرالية غالبا ما تكون متعددة السنوات، ما يعني إيقاف أبحاث في مراحل متقدمة بالفعل.
وقد حذّرت هارفارد على موقعها الإلكتروني من أن غياب التمويل الفدرالي سيعني توقف الأبحاث المتطورة في أمراض مثل السرطان وأمراض القلب والسكري، وسيفتقر الباحثون إلى الموارد اللازمة لإنهاء المشاريع الجارية أو تمويل مشاريع جديدة. أكثر من ذلك، تلقت بعض مختبرات هارفارد، بما في ذلك مختبر يعمل على تطوير الأعضاء البشرية القائمة على الرقائق، الذي يُحاكي وظيفة الأعضاء، أوامر بوقف العمل في أعقاب جهود إدارة ترامب لخفض التمويل.
وإضافة إلى ما سبق، يهدد وقف الطلاب الدوليين بفقدان المزيد من العائدات. وحتى لو نجحت الأوامر القضائية أو أي تسوية أخرى في دفع الإدارة إلى التراجع عن موقفها، فإن الطلاب سيكونون مترددين في دفع الأموال ووضع مستقبلهم على المحك في مواجهة قرارات حكومية متقلبة. وتُعد تلك ضربة هائلة لسمعة جامعة هارفارد والجامعات الأميركية عموما في سوق التعليم الدولي من المؤكد أنها ستؤثر على قدرتها التنافسية، واستقطابها للعقول اللامعة. وعلى المدى الطويل سوف يعني ذلك تراجعا في المستوى الأكاديمي للجامعات، وفي إسهاماتها البحثية ونسب الأبحاث الجديدة والعقول اللامعة التي تُخرّجها.
إعلانوحتى أموال الوقف الكبيرة لن تكون كافية لتعويض هذه الأضرار، نظرا لحقيقة أن الأوقاف غالبا ما تكون مشروطة بمسارات إنفاق محددة، معظمها يتعلق بدعم الطلاب غير القادرين وإنشاء البنية التحتية وتطويرها، ومع اشتداد المعارك والصراعات التي تحيط بالجامعة، ربما يبدأ المانحون أنفسهم في تقليص مساهماتهم. كما أن ترامب لا يزال يمتلك العديد من أوراق الضغط على الجامعة مثل مسألة الضرائب والمساعدات الفدرالية للطلاب التي يمكن حرمان هارفارد منها أيضا.
في الواقع، كانت جامعة هارفارد تعاني بالفعل من مشكلات كثيرة على مستوى السمعة حتى قبل قرارات ترامب، لا سيما فيما يتعلق بحرية التعبير والحرية الأكاديمية في حرمها الجامعي. فقد سجلت الجامعة نتائج سيئة للغاية في العامين الماضيين على التوالي في تصنيفات حرية التعبير في الجامعات التي أصدرتها مؤسسة الحقوق الفردية والتعبير "FIRE". وخلصت استطلاعات المؤسسة إلى أن 67% من طلاب هارفارد قالوا إن من الصعب إجراء حوار صريح وصادق حول "الصراع الإسرائيلي الفلسطيني"، في حين أكد 84% من أعضاء هيئة التدريس أنهم يجدون صعوبة في التحدث بصراحة وصدق حول هذا الموضوع.
لكن موقف إدارة جامعة هارفارد تجاه القضية الفلسطينية والقيود المفروضة عليها لم يمنع ترامب من وصمها بـ"معاداة السامية"، في ظل تصاعد الاحتجاجات في أروقتها، وفي عموم الجامعات الأميركية.
كيف ستكون نتائج المواجهة؟حتى الآن، لجأت هارفارد إلى القضاء مرتين لمواجهة قرارات ترامب. في المرة الأولى، اختصمت الجامعة قرار تعليق 2.2 مليار دولار من المخصصات الفدرالية بدعوى أنه غير دستوري. بررت الإدارة إجراءاتها بالاستناد إلى الباب السادس من قانون الحقوق المدنية، وهو القانون الفدرالي الذي يحظر على الكليات والجامعات التمييز على أساس العِرق أو اللون أو الأصل القومي.
ومع ذلك، فإن التطبيق السليم للباب السادس يتطلب إجراء تحقيق، ومحاولة التفاوض على حل، وجلسة استماع رسمية، وإخطار الكونغرس قبل 30 يوما من سحب الأموال، وبالطبع فإن إدارة ترامب لم تتبع هذه الخطوات.
إعلانفي المرة الثانية، لجأت هارفارد إلى القضاء لتعليق قرار إيقاف قبول الطلاب الدوليين، وحصلت على تعليق مؤقت للقرار لمدة أسبوعين من محكمة في بوسطن، ثم على تمديد للتعليق. في غضون ذلك، أبدت إدارة ترامب مرونة نسبية في التفاوض حول قرارها، وأمهلت الجامعة 30 يوما للطعن على القرار، قبل أن يصرّح ترامب برغبته أن تضع هارفارد حدا أقصى 15% لنسبة الطلاب الدوليين من أجل إتاحة المزيد من المقاعد للأميركيين الراغبين في الالتحاق بالجامعة.
على عكس ما يبدو إذن، لا يخوض ترامب معركة صفرية ضد هارفارد، بقدر ما يشن حرب استنزاف ضد الجامعة عبر رفع سقف المطالبات ثم خفضها جزئيا بما يسمح له بإعادة تشكيل البيئة الأكاديمية برُمّتها.
لربما يوقف القضاء أيضا قرارات ترامب بتعليق بعض المنح الفدرالية، لكن بعد أن تكون القرارات آتت أُكلها جزئيا بهز مجتمعها الأكاديمي وإجباره على إجراء تخفيضات في الموازنة وتعليق بعض المشروعات البحثية. وحتى إذا عادت المنح بعد ذلك، فسوف تكون الجامعة خسرت الكثير بالفعل بسبب حالة عدم اليقين حول أعمالها وعلاقتها المضطربة بالحكومة الأميركية.
على الأرجح، سوف تستمر المعركة بين الشد والجذب لحين التوصل إلى تسوية تفاوضية تحقق لترامب وإدارته جزءا معتبرا من مطالبهم لكنها لن تسحق إرادة الجامعات بشكل كامل، وبمجرد أن تخضع هارفارد لهذه التسوية فإن جامعات النخبة الأخرى سوف تتبعها أو تفعل ذلك معها على الأغلب، وبعد ذلك سوف يأتي أمر 2600 جامعة وكلية تقدم البرامج الجامعية ذات السنوات الأربع بطول الولايات المتحدة وعرضها.
بيد أنه في خضم هذه المعركة، يمكن القول إن ترامب وإدارته يطلقون النار على أقدامهم، ليس فقط بتدمير سمعة ومقدرات الجامعات الأميركية التي تُعد مصدرا رئيسا للقوة الناعمة للبلاد، ولكن عبر المخاطرة بخسارة قرابة 44 مليار دولار من الأموال التي يضخها الطلاب الدوليون سنويا في الاقتصاد الأميركي، التي تدعم أكثر من 378 ألف وظيفة وفق بيانات حديثة صادرة عن رابطة المعلمين الدوليين.
إعلانوعلى المدى الأطول، تخاطر الولايات المتحدة بفقدان مليارات الدولارات من القيمة المضافة إلى الأسواق الأميركية التي يوفرها الخريجون الأجانب سنويا. ووفقا لتقرير صادر عن المؤسسة الوطنية للسياسة الأميركية، فإن ما يقرب من 25% من الشركات الأميركية التي تبلغ قيمتها مليار دولار على الأقل كان لها مؤسس التحق بجامعة أميركية طالبا دوليا.
وتبقى الخسارة الأكبر، التي لن يمكن قياس حجمها بدقة الآن، هي عزوف العقول النابهة من بين أكثر 1.1 مليون طالب أجنبي يدرسون في الجامعات الأميركية (وفق بيانات 2024). هؤلاء الأشخاص قدّموا إسهامات لا تُقدَّر بثمن في جميع القطاعات الأميركية، من التقنية والذكاء الاصطناعي إلى العسكرية والأمن القومي مرورا بالهندسة والزراعة والطب وغيرها. وقد بدأت العديد من الدول بالفعل في طرح امتيازات لاستقطاب هؤلاء الطلاب، مستغلةً أكبر موجة هجرة عكسية محتملة للعقول من الجامعات الأميركية إلى سائر العالم.