غارديان: تصاعد الضغوط على الاتحاد الأوروبي لتعليق اتفاقية المعادن مع رواندا
تاريخ النشر: 4th, February 2025 GMT
أفادت صحيفة الغارديان البريطانية أن الاتحاد الأوروبي يتعرض لضغوط متزايدة لتجميد اتفاقية المعادن المثيرة للجدل مع رواندا، وسط اتهامات بأن هذه الصفقة تسهم في تأجيج النزاع المستمر في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.
ووفقًا لما ذكرته الصحيفة، فقد تصاعدت الدعوات لتعليق الاتفاقية بعد أن تمكن متمردو حركة إم 23، المدعومين من رواندا، من السيطرة على مدينة غوما في إقليم شمال كيفو، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وزيادة المخاوف من اندلاع حرب إقليمية واسعة النطاق.
وأشارت الصحيفة إلى أن الأوضاع في غوما تتدهور بسرعة، حيث يعاني السكان من الجوع، في حين تعطلت عمليات الإغاثة الإنسانية.
في ظل هذه الظروف، تتزعم بلجيكا، التي كانت سابقًا القوة الاستعمارية للكونغو الديمقراطية، الجهود للضغط على الاتحاد الأوروبي لتعليق اتفاقية عام 2024، والتي تهدف إلى تأمين تدفق المواد الخام الضرورية لصناعة الرقائق الإلكترونية وبطاريات السيارات الكهربائية في أوروبا.
وحسب الصحيفة، فقد صرح وزير الخارجية البلجيكي برنارد كوينتين خلال زيارته للمغرب، قائلا "يجب على المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات حقيقية، لأن التصريحات وحدها لم تعد كافية. لدينا وسائل ضغط، وعلينا أن نقرر كيفية استخدامها".
إعلان ضغوط دبلوماسيةوكشفت مصادر دبلوماسية لصحيفة الغارديان أن بلجيكا تمارس ضغوطًا على عدة مستويات داخل أروقة الاتحاد الأوروبي لتعليق الاتفاقية، حيث طرحت هذه القضية خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي.
وتعود جذور الاتفاقية إلى توقيع بروكسل وكيغالي مذكرة تفاهم في فبراير/شباط 2024، والتي تمنح الاتحاد الأوروبي وصولًا مباشرًا إلى موارد خام حيوية مثل القصدير والتنغستن والذهب والنيوبيوم والليثيوم وعدة مواد طبيعية نادرة. كما تعد رواندا أكبر منتج عالمي لمعدن التنتالوم، الذي يستخدم في الصناعات الإلكترونية والمعدات الكيميائية.
وفي إطار هذه الاتفاقية، يقوم الاتحاد الأوروبي في المقابل بضخ استثمارات بقيمة 900 مليون يورو لدعم البنية التحتية في رواندا في مجالات التعدين، الصحة، والتكيف المناخي، وذلك بتمويل من مبادرة "البوابة العالمية" التي أطلقها الاتحاد الأوروبي لمنافسة مشروع "الحزام والطريق" الصيني.
لكن صحيفة الغارديان أفادت بأن هذه الصفقة أثارت غضب رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، الذي وصفها بأنها "استفزاز غير مقبول"، متهمًا رواندا باستغلال موارد بلاده ونهب ثرواتها الطبيعية.
اتهام رواندا بالتورطونقلت الغارديان عن تقارير للأمم المتحدة أن رواندا تدعم حركة "إم 23" بهدف استخراج المعادن الكونغولية وبيعها في الأسواق الدولية، وهو ما تنفيه كيغالي، التي تزعم أن تدخلها في شرق الكونغو الديمقراطية يهدف فقط إلى القضاء على المقاتلين المتورطين في الإبادة الجماعية التي عرفتها رواندا عام 1994.
كما كشفت السفارة الأميركية في الكونغو الديمقراطية، وفقًا لما أوردته الصحيفة، أن "كميات كبيرة" من المعادن الكونغولية، بما في ذلك الذهب والتنتالوم، يتم تهريبها عبر تجار مدعومين من الجماعات المسلحة إلى رواندا وأوغندا، حيث تُباع لمشترين دوليين. وأكدت الأمم المتحدة في تقرير لها أن رواندا تمارس "سيطرة فعلية" على متمردي "إم 23″، الذين يتمتعون بتسليح متقدم وتدريب عالي المستوى.
إعلان دعوات أوروبية لتجميد الاتفاقوفي السياق ذاته، نقلت الغارديان عن هيلدي فوتمانس، عضو البرلمان الأوروبي عن بلجيكا، دعوتها إلى فرض عقوبات، وتجميد مساعدات التنمية، وتعليق الاتفاقية فورًا بسبب الأدلة المتزايدة على دعم رواندا للمتمردين. كما طالب 15 عضوًا آخر في البرلمان الأوروبي، يمثلون أحزابًا مختلفة، بتعليق الاتفاقية، مشيرين في رسالة إلى أن الصفقة تمنح "شرعية غير مبررة" للنظام الرواندي رغم دوره في النزاع. وجاء في الرسالة "لا يجب أن يكون الاتحاد الأوروبي متواطئًا في الكارثة الإنسانية التي تتكشف في شمال كيفو".
ونقلت الصحيفة عن إميلي ستيوارت، الباحثة في منظمة "غلوبال ويتنس" المختصة بقطاع المعادن، تأكيدها على وجود "ضرورة أخلاقية واضحة" لتعليق الاتفاقية، محذرة من أن "التوسع العالمي في التعدين قد يؤدي إلى تفاقم النزاعات وتشجيع الفاعلين العنيفين".
وأوضحت الغارديان أن المواقف الدولية إزاء الأزمة تتفاوت، حيث اقترحت المملكة المتحدة تعليق مساعداتها المالية لرواندا، في حين ألغت ألمانيا اجتماعاتها مع المسؤولين الروانديين، مشيرة إلى أنها تبحث مع شركائها اتخاذ "تدابير إضافية".
وعلى الرغم من تصاعد الضغوط، فلا تزال المفوضية الأوروبية تدافع عن الاتفاقية، حيث صرح متحدث رسمي باسمها أن "المواد الخام ضرورية للتحول الأخضر والرقمي في أوروبا والعالم"، مشددًا على أن "الاتحاد الأوروبي يهدف إلى تعزيز الشفافية وتتبع المصادر بشكل أكثر صرامة".
وبحسب الغارديان، فإن الجدل حول الاتفاقية لا يزال مستمرًا، في ظل انقسام المواقف بين المطالبين بتجميدها والداعمين لاستمرارها بدعوى الحاجة إلى المعادن في تحقيق أهداف الاتحاد الأوروبي الطموحة في مجالي الطاقة والتكنولوجيا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الکونغو الدیمقراطیة الاتحاد الأوروبی
إقرأ أيضاً:
الاتحاد الأوروبي يبحث فرض حظر شامل على استخدام المواد الكيميائية الأبدية
"د ب أ, "إي إن آر": تتصاعد المخاوف في أنحاء أوروبا بشأن استخدام "المواد الكيميائية الأبدية" السامة، التي أظهرت دراسات أنها موجودة في دمائنا، وغذائنا، ومياهنا، وفي الغالب بمستويات غير آمنة.
وعلى مدار السنوات الأخيرة، شهدت عدة دول أوروبية فضائح تتعلق بتصريفات صناعية "البيرفلورو ألكيل والبولي فلورو ألكيل "المواد الكيميائية الألكيلية المشبعة بالفلور ومتعددة الفلور "بي إف أيه إس"، في التربة والمجاري المائية، مما أثار مخاطر صحية جسيمة للمجتمعات المجاورة.وتعرف هذه المواد باسم "المواد الكيميائية الدائمة".
ووسط تنامي الضغوط العامة، تضطر الحكومات إلى التحرك. ولكن ما مدى فعالية جهودها وهل هي كافية؟ ما هي المواد الكيميائية الأبدية؟ المواد الكيميائية الأبدية عبارة عن مجموعة تضم أكثر من 10 آلاف مادة كيميائية صناعية، تستغرق أمدا طويلا للغاية كي تتحلل، حيث إنها تتكون من سلسلة من ذرات الكربون المرتبطة بالفلور، مما يجعلها مقاومة للشحوم والزيوت والماء والحرارة. وقد استخدمت لأول مرة في أربعينيات القرن الماضي، وتستخدم الآن في مئات المنتجات، بما في ذلك أواني الطعام غير اللاصقة، وتغليف المواد الغذائية، والأقمشة المقاومة للماء، والسجان، ومنتجات التنظيف، والدهانات، ورغوات إطفاء الحرائق..
ورغم فوائد هذه المواد، فإن التعرض لها، حتى بمستويات منخفضة على مدار الوقت، يرتبط بمجموعة من المخاطر الصحية: تلف الكبد، وارتفاع نسبة الكوليسترول، وضعف الاستجابة المناعية، وانخفاض وزن المواليد عند الولادة، وأنواع عديدة من السرطان.
هل توجد المواد الكيميائية الأبدية في دمنا؟
بحثت الوكالة الأوروبية للبيئة سلسة من الدراسات حول مستويات مواد "بي إف أيه إس" في دم من هم في سن المراهقة بتسع دول.
وخلصت الوكالة إلى أن 3ر14% من هؤلاء المراهقين لديهم نسب تركيز أعلى من المستويات المقبولة، مع تباين كبير: من 3ر1% في إسبانيا إلى 8ر3ر2% في فرنسا. فرنسا رائدة في مجال التشريع
أدخلت فرنسا بعضا من أكثر اللوائح صرامة في أوروبا فيما يتعلق بالمواد الكيميائية الأبدية، حيث يحظر قانون جرى تمريره في فبراير استخدام هذه المواد في مستحضرات التجميل والملابس والأحذية وشموع التزلج اعتبارا من عام 2026، مع حظر أوسع نطاقا استخدامها في المنسوجات، يدخل حيز التنفيذ في .2030 كما يقضي القانون بتطبيق مراقبة منتظمة على هذه المواد في مياه الشرب، حيث أطلقت الحكومة الأسبوع الماضي خريطة عامة على الإنترنت تظهر مواد "بي إف أيه إس"، في المياه بجميع أنحاء البلاد.
وفي منطقتي موز وأردين، جرى حظر استهلاك مياه الصنبور بعد اكتشاف مستويات غير طبيعية من هذه المواد الشهر الماضي.
اندلع غضب شعبي في منطقة والونيا ببلجيكا في عام 2023 إثر كشف تحقيقات أجرتها محطة "آر تي بي إف" التلفزيونية المحلية، تجاهل التحذيرات بشأن حدوث تلوث بمواد "بي إف أيه إس" على مدار سنوات.
وكان الجيش الأمريكي، الذي يعمل من قاعدة في مدينة شيفر الصغيرة، أشار في 2017 إلى وجود مستويات عالية من المواد الكيميائية الدائمة في المياه المحلية، عقب حادثة تتعلق برغوة إطفاء الحرائق، وهي مادة يجرى تصنيعها باستخدام كميات كبيرة من مواد "بي إف أيه إس".
وأوصت القاعدة الأمريكية موظفيها بشرب المياه المعبأة في زجاجات - ولكن السكان المحليين ظلوا في الظلام لسنوات، حتى بعد أن تم إبلاغ الحكومة الإقليمية بالمشكلة في عام .2018
وتم إجراء اختبارات دم على نطاق واسع بشيفر في أوائل عام 2024، ثم امتدت إلى المناطق المجاورة لاحقا.
وقالت السلطات إنه جرى أخذ عينات دم من قرابة 1300 شخص في حوالي 10 بلديات للتأكد من تعرضهم للمواد الكيميائية خلال الأسابيع الأخيرة، وذلك في إطار حملة جديدة أطلقت في يونيو الماضي.
كما تعهدت حكومة والونيا بتطبيق معايير الاتحاد الأوروبي الخاصة بمياه الشرب قبل عام من الموعد المحدد، بحلول عام .2025
وفي منطقة فلاندرز، توصلت شركة "إم 3"، العملاقة للمواد الكيميائية إلى اتفاق مع الحكومة في 2022، لمعالجة الموقف، بقيمة 571 مليون يورو (664 مليون دولار)، إثر الربط بين التلوث الواسع النطاق والمواد الكيميائية الأبدية، بمصنعها في زويندريخت، بالقرب من أنتويرب. إيطاليا... السجن لملوثي البيئة
واجهت إيطاليا، في شهر يونيوالماضي، مشاكل مماثلة مع الشركات الكبرى، ومواد "بي إف أيه إس". وقضت محكمة إيطالية بالسجن 17 عاما بحق مسؤولين تنفيذيين في مصنع كيميائي، بسبب تلويثهم المياه التي يستخدمها مئات الآلاف بهذه المواد.
وأدين نحو 11 مسؤولا تنفيذيا في شركات، تشمل ميتسوبيشي اليابانية، ومجموعة المستثمرين الكيميائيين الدوليين- ومقرها لوكسمبورج- بتلويث قرابة 200 كيلومتر مربع من مياه الشرب والتربة من خلال مصنع ميتيني، في مدينة تريسينو بشمال شرق البلاد. هولندا: الجميع "مواد كيميائية أبدية" في دمائهم خلصت دراسة وطنية أجراها "المعهد الوطني للصحة العامة في هولندا"، إلى وجود مواد "بي إف أيه إس"، في جميع عينات الدم الـ 1500 التي تم اختبارها، مع تجاوز كل حالة تقريبا الحدود الآمنة الصحية. وخلص المعهد إلى أنه "لا توجد إمكانية لتجنب التعرض للمواد الكيميائية الأبدية تماما. فهذه المواد موجودة في جميع أنحاء هولندا - في التربة والغذاء ومياه الشرب".
ماذا يفعل الاتحاد الأوروبي؟
قدمت هولندا والدنمارك وألمانيا والنرويج والسويد اقتراحا للوكالة الأوروبية للمواد الكيميائية في عام 2023، يدعو إلى فرض حظر شامل على المواد الكيميائية الأبدية. والاقتراح قيد المراجعة حاليا من قبل اللجان العلمية الأوروبية، ومن المقرر أن تنتهي المراجعة في عام .2026 وأكدت المفوضية الأوروبية في خطة عملها الخاصة بصناعة الكيماويات، والتي نشرتها في يوليو الماضي، أنها "ملتزمة بتقديم اقتراح في أقرب وقت ممكن" عندما تتلقى المراجعة " بهدف عام، هو خفض الانبعاثات الناجمة عن مواد "بي إف أيه إس" إلى الحد الأدنى".
وأوضحت المفوضية أنها سوف تبحث حظر الاستخدامات الاستهلاكية لهذه المواد، ولكن إذا لم يتم العثور على بدائل للاستخدامات الصناعية الحيوية لها، فقد يسمح باستخدامها.
كما التزمت ببذل جهود حاسمة لتنظيف المواقع الملوثة بالفعل على أساس مبدأ "الملوث يدفع"، أو بأموال عامة حال عدم العثور على كيان مسؤول عن التلوث ، ومن الممكن كذلك وضع إطار عمل لرصد المواد الكيميائية الأبدية على مستوى الاتحاد الأوروبي لجمع البيانات ورسم خرائط لمناطق التلوث.
وفي ألمانيا، أعرب وزراء الاقتصاد في عدة ولايات عن معارضتهم لحظر هذه المواد، شكل تام. وقالت وزيرة الاقتصاد في ولاية بادن-فورتمبيرج، نيكول هوفمايستر-كراوت، من الحزب الديمقراطي المسيحي، المحافظ، إنه على الرغم من أن التبعات على صحة الإنسان معروفة جيدا، من شأن فرض حظر أن يدمر قطاعات إنتاجية بأكملها في الاتحاد الأوروبي.
وأضافت أن ذلك سوف تكون له تداعيات واسعة على برنامج واسع النطاق لخفض أنشطة التصنيع. وقال كلاوس روهي مادسن، وزير الاقتصاد في ولاية شليسفيج-هولشتاين، إنه ينظر بقلق أيضا إلى لوائح الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالمواد الكيميائية.
وأوضح: "إن اللوائح تسبب أضرارا جسيمة للصناعات الكيميائية وسلاسل القيمة التي تعتمد عليها من خلال التكاليف التي تزداد باستمرار، والغموض الواسع في التخطيط، وتراكم الابتكارات والاستثمارات". وهناك بعض القواعد المطبقة بالفعل على مستوى الاتحاد الأوروبي، مثل وضع حد أقصى لمستويات مواد "بي إف أيه إس"، في مياه الشرب بداية من عام 2026 والقيود المفروضة على مجموعة فرعية معينة من هذه المواد.
لم تتأثر جميع الدول بنفس القدر
وتشير بعض دول الاتحاد الأوروبي إلى انخفاض كبير في تعرضها لمخاطر المواد الكيميائية الأبدية. وفي سلوفينيا، يقول المختبر الصحي الوطني إن البلاد تفتقر إلى الصناعات الثقيلة التي تستخدم هذه المواد الكيميائية، وعثر على مستوى تلوث ضئيل في الاختبارات السابقة.
ولكن جمعية حماية المستهلك السلوفينية عثرت على مواد كيميائية أبدية في ما يقرب من ثلث المنتجات اليومية التي اختبرتها، وبينها بعض المواد المحظورة في الاتحاد الأوروبي.
وتعتزم سلوفينيا الشروع في مراقبة منهجية للمياه عام .2026
وقد كانت بلغاريا ضمن الدول التي سجلت، في عام 2022، أقل نسبة من المسطحات المائية التي تجاوزت معايير الجودة البيئية لمادة " سلفونات البيرفلوروكتان" (بي إف أو إس)، وهي من المواد الكيمائية الأبدية، وفقا لوكالة البيئة الأوروبية.
ومع ذلك، تشير نتائج إضافية إلى المواد الكيميائية الأبدية في الأنهار ومصادر المياه الأخرى.
وفي الوقت الذي يبحث فيه الاتحاد الأوروبي فرض حظر محتمل على مواد "بي إف أيه إس"، تظهر التداعيات الحقيقية لهذه المواد على البشر والبيئة.