إسحق أحمد فضل الله يكتب: حوارات
تاريخ النشر: 13th, August 2025 GMT
والبطولة. تعريفها في العالم العجيب… عجيب. وفي يابان القرن الماضي، أحد القادة حين يقع تحت حصار طويل… وجوع… يقتل عشيقته ويجعل جنوده يقتلون نساءهم ويأكلون لحومهن. واعتبروه بطلاً. ليبقى السؤال: ما هي البطولة… في التاريخ حشد من الأسئلة لا يجيب عليها إلا الإسلام.
(2)
وفي ألمانيا الستينات كان التنافس مهتاجاً بين شاب وشابة، والناس يصبحون يوماً ليجدوا أن الشركة التي تقود الدعاية للفتاة تغطي اللافتات الضخمة بصورة ضخمة للفتاة… عارية الصدر… وتكتب تحتها: “نحن لا نخفي شيئاً”.
واليوم التالي، الصورة كان مكتوباً تحتها: “غداً صورة كاملة”، يعني دون ثياب. والناس صباح اليوم ذاك خرجوا قبل الشمس، والصورة كانت هناك كاملة، لكن… المهم أنه لما أراد مدير الدعاية أن يكرر الأمر هذا لمرشحة عام ألفين، اعترضوا، وقالوا: “من يهمه الآن أن ينظر إلى صورة عارية…”.
والحكاية نعود إليها لأنها ترسم خطوات العالم، وما وصل إليه. وأيام مذبحة رواندا (التي صنعتها فرنسا كما أعلنت ذلك وزيرة خارجية رواندا) كانت المذبحة تهدر، وأخبارها في ركن صغير من الصحف… فالصحف والتلفزيون والشعب كله كانت عيونه معلقة بـ(قطة) علقت على مساحة صغيرة في الطابق العاشر، وتعذر الوصول إليها.
وساعات وساعات وأعمال بطولية تقوم بها الشرطة تحت العيون والأنفاس المخنوقة… والقطة ينقذونها، والشعب يتنفس…
الآن أطفال غزة… والعالم… والمشهد الذي يتكرر. العالم هو هذا، أيها الأئمة… الكتابة ليست استمتاعاً بالعجز وصديد العجز، الكتابة الآن تعني رسالة للأحفاد تقول لهم: “حقيقة العدو هي هذا… حتى لا تنغمسوا مثلنا في مستنقع الخديعة، والظن الأبله أن التلاقي ممكن”.
(3)
في الجدال حول الاتفاقيات القادمة والسابقة، قال الجدال: في مسرحية شكسبير، العقد يسمح لليهودي بقطع رطل لحم من صدر أنطونيو بعد أن فشل في تسديد الدين. والمحكمة تقول: نعم. والمحامي يقول: “نعم… رطل من اللحم لك أيها اليهودي، لكن ليس في العقد السماح لك بسكب قطرة من دم المدين هذا… فإن انسكبت قطرة فقدت أنت كل شيء”.
الاتفاقيات التي نعقدها مع العدو، إن كانت مكتملة، فهذه تهمة ضدنا، تتهمنا بسوء النية وعدم الثقة بالآخرين. راجع شروط الاتفاقية التي تطلب الدولة تلك توقيعها. الاتفاقية الرقيقة تسمح لنا بالاحتفاظ بجلودنا… حتى حين. والباقي للدعم.
يبقى أن نعيد، للذين لم يشهدوا منتصف القرن الماضي، حكايات الاتفاقيات… وحكايات العالم.
وبعد حرب ٦٧، الأمم المتحدة تحكم بأن على إسرائيل الانسحاب من الأراضي المصرية.
واللعبة تبدأ…
ومصر تقول إن الحكم يقول: على إسرائيل الانسحاب من (الأراضي) المحتلة.
وإسرائيل تقول إن الحكم يقول: على إسرائيل الانسحاب من (أراضٍ) محتلة.
والغباء وحده هو من لا يفهم أن الأمر لا صلة له باللغة، الأمر هو أن إسرائيل ما يهمها هو أن (الغلاط) يبقيها محتلة. وماذا تريد غير ذلك؟
وأيام الستينات كان الجدل حول الشريعة في السودان هو:
الصادق يقول: الشريعة (مصدر) أساسي للدستور.
والإسلاميون يقولون: الشريعة هي (المصدر) الأساسي للدستور.
والدستور يُجمّد.
والخدعة هناك… حيث التجميد هو المطلوب.
الأمر لا صلة له باللغة، بل بالعالم يومها.
إسحق أحمد فضل الله
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
د. حسن محمد صالح يكتب: خاطرة .. البلد ضيقة يا أهل السودان
يقولون وفي عيونهم بريق الماس كما قال أستاذنا في المرحلة الثانوية يوسف ماكن عليه رحمة الله:
السودان بلد شديد التنوع بناء على دراسات المستشرقين والغربيين التجزيئية والانطباعية
والانتقائية وهي تبعيضية باعتراف الدارسين أنفسهم.
هؤلاء أفضل منهم من يقول من عامة الناس: البلد ضيقة. أو السودان ضيق بناءا على علاقات اجتماعية وأنساب ومصاهرات وصداقات صنعتها ظروف السودان وأحوال أهله في مدنهم وقراهم مدارسهم ومعاهدهم وجامعاتهم وأسواقهم.
هناك من أستفاد من هذه البلد الضيقة الحنونة عندما كان لا حول له ولا قوة، ولكن عندما شب عن الطوق طفق يذكر الهامش والتهميش والظلم الاجتماعي والجلابة ودولة ١٩٥٦م لأن كل هذه المزايدات والتطاول يمكن أن تفسح له في المنظمات وجماعات حقوق الإنسان المغلفة بالماسونية والمؤلفة لكي تفت من عضد الشعوب ووحدتها وتماسكها.
رحم الله الراحل والمفكر الدكتور حسن عبد الله الترابي الذي ظل يقول: (أهل السودان). ومن قبله قالها الشهيد عبد القادر ود حبوبة. أهل السودان وصف مناسب للشعب السوداني وطبيعته المستعصية على الفهم لمن لا يعرف السودان أو يتأمل في علاقة أفراده وجماعته.
قبل عدة سنوات وقع حادث قتل بين قبيلتين وبرز سؤال هل يمكن لأهل القتيل أن يعفوا عن القاتل؟. وكان الجواب هو أنهم سيعفون لأنهم حصلوا قبل عدة سنوات على عفو لأحد أبنائهم لقتله أحد أفراد القبيلة الأخرى.
علي ود منصور رحمة الله كان يتناول إفطاره من وجبة العصيدة عندما دخلنا عليه قال لنا أنه أحب هذه العصيدة التي تحضرها جاراتهم من بنات أهلنا النوبة في جنوب كردفان، نزحن بسبب الحرب المفروضة على الشعب السوداني من الخارج ووجدن مع أطفالهن أريحية وكرم أهلنا المسيكتاب شمال شندي، وتم فتح البيوت لهم مجانا وتأسيسها من كل شئ: الجيران كل بيت يحضر سرير ومرتبة وكرسي ومواد غذائية. نساء نازحات يذهبن منذ الصباح الباكر إلى ناس الحواشات ويحصلن على الخضروات والفواكه مجانا ثم يعدن. وترى التداخل والزيارات والقهوة النهارية. وعندما توفيت دار الجلال عليها رحمة الله في أيام الحرب عند أهلها بشندي جاراتها في حي الراشدين بأمبدة حضرن من الراشدين لأداء واجب العزاء في نهر النيل على الرغم من الحصار الذي تفرضه مليشيا الجنجويد واعتقال المواطنين في بيوتهم على أساس عرقي. أنا لدي عشق وحب لأهلنا النوبة ليس لأني عشت في الدلنج أو كادوقلي أو حتى الدبيبات محلية الفوز ديار صديقنا يوسف عبد المنان، ولكن ابن النوبة الأصيل ميرغني عيسى موسى المتصوف على الطريقة التجانية المقيم ويعمل بسودري شمال كردفان تربطه صداقة بشقيقي الأكبر كنت أقيم في منزله مع أسرته أمه وزوجته وأطفاله وأنا واحد منهم في العطلات المدرسية.
من السهل أن يقول أحدهم المشكلة في النخب التي استأثرت بالسلطة وهمشت الآخرين، ولكن تلك النخب أدركت أهمية التعليم وتم بناء المدارس على قلتها في كل السودان.
الفاشر الثانوية وخورطقت وحنتوب التي تزامل فيها حمد علي التوم من بادية الكبابيش مع الجزولي دفع الله من الجزيرة. والخرطوم الجديدة. الأميرية أم درمان وشندي الثانوية وعطبرة الثانوية التي تخرج منها بروفيسر التجاني حسن الأمين من أقصى غرب السودان وما زال الحبل على الجرار وكل سوداني في أي مكان له نفس الحقوق بلا استثناء. ومن ثم تساوى الناس وتساوت ظروفهم وأحوالهم بسبب العولمة والتنمية المتوازنة على قلتها ولكن هناك من يقوم بتدمير ماهو موجود من مدارس وجامعات كما يفعل الجنجويد الذين يزعمون أنهم يحاربون دولة الجلابة والكيزان وهم بذلك يدمرون ممتلكات الشعب السوداني الخاصة والعامة. ولكن الشعب السوداني يعلم منذ أيام منقو هناك من يريد أن يفصله وقد فعلها في الأولى، ولكنه لن يفعلها في الثانية:
أوصيكم علي السيف السنين أسعوه
أوصيكم علي ضيف الهجوع عشوه
بوصيكم علي الزول أن وقع شيليوه
د. حسن محمد صالح
إنضم لقناة النيلين على واتساب