في القرن السابع عشر، وسط بلاط لويس الرابع عشر الباذخ وحياة النبلاء المترفة، برز اسم مدام دي سيفينيه (Madame de Sévigné) كواحدة من أبرز الشخصيات الأدبية في فرنسا، ليس من خلال الروايات أو المسرحيات، بل عبر فن الرسائل، الذي أتقنته ببراعة جعلت منها أيقونة أدبية خالدة.

من هي مدام دي سيفينيه؟

وُلدت ماري دو رابوتان-شانتال، ماركيزة دي سيفينيه، عام 1626 لعائلة أرستقراطية فرنسية.

فقدت والديها في سن مبكرة، وتلقت تعليمًا متميزًا جعلها على دراية بالأدب والفكر السائد في عصرها. تزوجت من ماركيز دي سيفينيه، الذي قُتل في مبارزة عام 1651، تاركًا إياها أرملة شابة في الخامسة والعشرين من عمرها. بعد وفاة زوجها، كرست حياتها لتربية طفليها، خصوصًا ابنتها فرانسواز، التي كانت محور رسائلها.

رسائل صنعت مجدها

بدأت مدام دي سيفينيه كتابة الرسائل إلى ابنتها بعد زواج الأخيرة وانتقالها إلى جنوب فرنسا عام 1671. كانت هذه الرسائل مليئة بالمشاعر، حيث عبرت فيها عن حبها العميق لابنتها وافتقادها لها، لكنها لم تقتصر على العواطف فقط، بل قدمت وصفًا حيًا ودقيقًا لحياة المجتمع الفرنسي في ذلك العصر.

تناولت في رسائلها أخبار البلاط الملكي، الفضائح، الشؤون السياسية، والأحداث الكبرى مثل محاكمة نيكولا فوكيه، وزير مالية لويس الرابع عشر، وسقوط مدام دو مونتيسبان، إحدى عشيقات الملك. بأسلوبها الساخر والذكي، نجحت في رسم صورة دقيقة للمجتمع الفرنسي آنذاك، مما جعل رسائلها مرجعًا تاريخيًا وأدبيًا فريدًا.

لماذا اشتهرت رسائلها؟

لم تكن رسائل مدام دي سيفينيه مجرد خطابات شخصية، بل تميزت بأسلوبها البسيط والعفوي الممزوج بالحكمة والفكاهة. لم تكن تسعى للنشر، لكنها كتبت كما لو كانت تحكي قصة يومية، مما جعلها قريبة من القارئ. وبعد وفاتها عام 1696، نُشرت رسائلها وأصبحت نموذجًا أدبيًا يحتذى به في فن الرسائل.

إرث أدبي خالد

اليوم، تُعتبر رسائل مدام دي سيفينيه من أهم الأعمال الكلاسيكية في الأدب الفرنسي، حيث تعكس ببراعة روح القرن السابع عشر. تُدرّس نصوصها في المدارس والجامعات، ويُستشهد بها كمثال على الأسلوب الأدبي الرشيق الذي يجمع بين العاطفة والفكر العميق.

رغم مرور أكثر من ثلاثة قرون على وفاتها، لا تزال مدام دي سيفينيه تُقرأ ويُحتفى بها، وكأن رسائلها لم تفقد بريقها أبدًا.


 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: فرنسا الرسائل البلاط الملكي أرستقراطية المزيد

إقرأ أيضاً:

بارزاني والسفير الفرنسي يبحثان العلاقات الثنائية وتطورات الأوضاع السياسية

بارزاني والسفير الفرنسي يبحثان العلاقات الثنائية وتطورات الأوضاع السياسية

مقالات مشابهة

  • فوبيا الهاتف.. لماذا يتجنب أبناء الجيل زد الرد على المكالمات؟
  • خطابات إعجاب بهتلر بين آلاف الرسائل المسربة للحزب الجمهوري بأمريكا
  • لجنة التوعية الطلابية بالشريعة والقانون في أسيوط تعقد لقاء لتعزيز الأدب الجامعي
  • هيئة الأدب والنشر والترجمة تدشّن جناح المملكة في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب 2025
  • "ورشة إعداد الناقد 4" فى مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية
  • هل يصبح شات جي بي تي تطبيقًا لكل شيء؟
  • بارزاني والسفير الفرنسي يبحثان العلاقات الثنائية وتطورات الأوضاع السياسية
  • رئيس الوزراء الفرنسي يقترح تعليق إصلاح نظام التقاعد
  • جاكلين سعد: قمة شرم الشيخ جسّدت رسالة مصر الخالدة للعالم.. السلام هو الطريق للمستقبل
  • مرحة وغير مثالية.. استكشف أبرز ما ميّز إطلالات أيقونة الموضة ديان كيتون