جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-31@11:49:12 GMT

خريطة بلا بوصلة

تاريخ النشر: 5th, February 2025 GMT

خريطة بلا بوصلة

 

 

د. سعيد الدرمكي

 

تخيل أنك بحّار متمرس، تمتلك خبرة واسعة تؤهلك لقيادة رحلة بحرية طويلة. لديك خريطة، لكنك تفتقر إلى بوصلة تُرشدك إلى وجهتك. في البداية، قد تعتمد على مهاراتك وخبرتك لتوجيه السفينة، لكن مع مرور الوقت، ستدرك أن الخريطة وحدها لا تكفي، وأن غياب البوصلة قد يجعلك تائهًا وسط أمواج متلاطمة ومسارات متداخلة.

وكما هو الحال في البحر، يحدث الأمر ذاته في الحياة والأعمال؛ فبدون رؤية واضحة وتوجيه دقيق، قد يصبح المسار ضبابيًا، وتتحول القرارات إلى مغامرات غير محسوبة، مما يؤدي إلى فقدان الوجهة والانحراف بعيدًا عن الأهداف المنشودة.

ينجم غياب البوصلة عن ضعف الرؤية الاستراتيجية، حيث يؤدي غياب الأهداف الواضحة أو التخطيط طويل الأمد إلى التخبط وفقدان الاتجاه. كما أن الاعتماد على معلومات غير دقيقة والتشبث بالماضي دون مواكبة التطورات يؤدي إلى الجمود، مما يحد من قدرة الأفراد والمؤسسات على التكيف والنجاح.

لا يمكن إغفال التأثيرات الخارجية، مثل الاضطرابات الاقتصادية والتغيرات في سوق العمل، فضلًا عن العوامل الاجتماعية والثقافية، التي قد تسهم في تشويش الرؤية وعرقلة اتخاذ قرارات مستنيرة. لا يقتصر تأثير فقدان البوصلة على الأفراد فقط، بل يمتد ليشمل المؤسسات والمجتمعات بأكملها. فعلى المستوى الفردي، يؤدي ذلك إلى التخبط في القرارات المهنية والشخصية، مما يسبب فقدان الدافع والطموح، ويزيد من الشعور بالإحباط والقلق. أما على الصعيد المؤسسي، فينعكس ذلك في ضعف الأداء الإداري، وفشل المشاريع، وخسارة القدرة التنافسية في السوق بسبب غياب التوجيه الاستراتيجي الفعّال.

على المستوى المحلي، يمكن ملاحظة أن بعض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في سلطنة عُمان التي امتلكت رؤية واضحة واستراتيجية مرنة قد نجحت في مُواجهة التحديات. على سبيل المثال، العديد من المتاجر العُمانية التقليدية التي تبنّت التحول الرقمي وأطلقت منصات إلكترونية لبيع منتجاتها تمكنت من التوسع واستقطاب قاعدة عملاء جديدة، بينما واجهت المتاجر التي اعتمدت فقط على الأساليب التقليدية صعوبات كبيرة في الاستمرار، خاصة مع التغيرات السريعة في أنماط الشراء وزيادة الاعتماد على التجارة الإلكترونية. كذلك، يمكن الإشارة إلى قطاع اللوجستيات والتوصيل؛ حيث استطاعت الشركات التي استثمرت في أنظمة ذكية لإدارة الطلبات وتعزيز خدمات التوصيل أن تحقق نجاحًا ملحوظًا، في حين أن الشركات التي لم تواكب هذه التغيرات وجدت نفسها متأخرة في السوق.

ولإعادة ضبط المسار، من الضروري مراجعة الرؤية والأهداف، وصياغة خطط مرنة قادرة على مواجهة التحديات. كما أن استخدام الأدوات المناسبة، مثل التحليل الاستراتيجي ومراجعة الأداء بشكل دوري، يعزز من فرص النجاح. إلى جانب ذلك، تنمية المهارات الأساسية، كالتفكير النقدي واتخاذ قرارات مبنية على تحليل دقيق، يساعد في بناء قدرة أكبر على التخطيط الاستراتيجي وحل المشكلات بفاعلية.

ومن الأمثلة البارزة على أهمية امتلاك بوصلة واضحة في عالم الأعمال، تجربة نوكيا؛ إذ فقدت نوكيا مكانتها الرائدة في صناعة الهواتف المحمولة عندما تمسكت باستراتيجياتها التقليدية ورفضت التكيف مع التحولات الرقمية؛ مما أدى إلى تراجعها أمام منافسين مثل أبل وسامسونج. لكنها استعادت موقعها بعد إعادة توجيه رؤيتها نحو قطاع الشبكات والاتصالات.

بالمثل، بدأت نتفليكس كخدمة تأجير أقراص DVD، لكنها سرعان ما أدركت أن مستقبل الترفيه يكمن في البث الرقمي. على عكس منافستها بلاكباستر، التي فشلت في مواكبة التطورات وانتهت بالإفلاس، نجحت نتفليكس في تحويل مسارها لتصبح إحدى أكبر منصات البث العالمية، مما يعكس أهمية التكيف السريع واتخاذ قرارات استراتيجية مستنيرة.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف يمكن للأفراد تطبيق هذه المبادئ في حياتهم اليومية؟ وكيف يمكن للشركات تصحيح المسار وتحقيق النجاح المرجو رغم العثرات؟ الواقع أن امتلاك رؤية واضحة ومرنة أصبح ضرورة لا غنى عنها في عالم سريع التغير؛ فالبيانات الدقيقة والمعلومات الموثوقة تؤدي دورًا جوهريًا في اتخاذ القرارات الصحيحة. ومع ذلك، لا يكفي التخطيط وحده لضمان النجاح، فبدون بوصلة قيمية وتوجيهية، يظل المسار محفوفًا بالمخاطر. إن القدرة على التكيف والمرونة ليست مجرد مهارات إضافية؛ بل هي عوامل أساسية لضمان الاستمرارية وتحقيق التقدم في عالم مليء بالتحديات.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بين الجوع والفوضى.. خريطة توزيع المساعدات الأمريكية في غزة

(CNN) – اندلعت فوضى في موقع توزيع مساعدات في غزة، الثلاثاء، تديره جماعة مثيرة للجدل مدعومة أمريكيًا، حيث هرع آلاف الفلسطينيين اليائسين لاستلام الإمدادات الغذائية، وأطلقت القوات الإسرائيلية طلقات تحذيرية في الهواء، وانسحب المقاولون الأمريكيون المشرفون على الموقع لفترة وجيزة.

ودفع الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 11 أسبوعًا على المساعدات الإنسانية سكان القطاع، الذين يزيد عددهم عن مليوني فلسطيني، نحو المجاعة وأزمة إنسانية متفاقمة، مع استئناف أول دفعة من المساعدات الإنسانية تدريجيًا إلى القطاع المحاصر الأسبوع الماضي.

وأظهرت مقاطع فيديو من موقع التوزيع في تل السلطان، الذي تديره مؤسسة غزة الإنسانية، حشودًا كبيرة تقتحم المرافق، وتدمر بعض الأسوار، ويبدو أنها تتسلق حواجز مصممة للسيطرة على تدفق الحشود.

وأفاد مسؤولون صحيون فلسطينيون، الأربعاء، بمقتل شخص بالرصاص وإصابة 48 آخرين خلال الفوضى، وأضافوا أن القتيل توفي متأثرًا بإصاباته الخطيرة في مستشفى الصليب الأحمر الميداني في رفح.

وأعلن صندوق الإغاثة الإنسانية العالمي لاحقًا، الأربعاء، أن موقع توزيع ثانٍ افتُتح ووزّع 8 شاحنات محملة بالأغذية في رفح جنوب غزة "دون حوادث"، وأضاف أن الموقع الأول في تل السلطان أُعيد افتتاحه، الأربعاء أيضًا، بعد إعادة تزويده بالمساعدات.

وقال وفيق قديح، الذي وصل إلى موقع تل السلطان، الثلاثاء، على أمل الحصول على مساعدات: "يريدون النظام، لكن لن يكون هناك نظام لأن هؤلاء أناس يائسون يريدون الأكل والشرب"، مضيفا أن "الجيش الإسرائيلي كان يطلق النار في الهواء، وتراجع الأمريكيون وعمالهم، مما جعل توزيع المساعدات على الناس مستحيلاً".

وقال العديد من السكان الذين يحاولون الحصول على المساعدات لشبكة CNN إنهم ممتنون للطعام الذي تلقوه، لكنهم أبرزوا صعوبات المشي لمسافات طويلة للوصول إلى مركز التوزيع، والطوابير التي استمرت لساعات والارتباك العام، حيث قال أبو رمزي: "المكان بعيد جدًا، وقد عانينا حتى وصلنا، أنا متعب ومنهك، كيف يمكنهم توفير الطعام لكل هؤلاء الناس؟ هناك الكثير من الناس هنا؛ ولن يتمكن الأمن من السيطرة عليهم جميعًا".

وقال مسؤول دبلوماسي إن الفوضى في الموقع "لم تكن مفاجأة لأحد".

وأقرت مؤسسة غزة الإنسانية بالفوضى، قائلةً إن "فريق مؤسسة غزة الإنسانية تراجع للسماح لعدد قليل" من الفلسطينيين بتلقي المساعدات بأمان، وأضافت: "تم ذلك وفقًا لبروتوكول مؤسسة غزة الإنسانية لتجنب وقوع إصابات"، في حين أكد مصدر أمني أن المتعاقدين الأمنيين الأمريكيين على الأرض لم يطلقوا أي رصاص، وأن العمليات ستُستأنف في الموقع، الأربعاء.

وأعلن الجيش الإسرائيلي أن قواته أطلقت طلقات تحذيرية في المنطقة خارج المجمع، وأن الوضع أصبح تحت السيطرة، ونفى إطلاق نيران جوية باتجاه الموقع.

وقال مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، أمجد الشوا: "لقد حذرنا من فشل ذريع.. إذا كانت إسرائيل تعتقد أن هذا الأسلوب بالتوزيع سينجح عبر الحصار وتأجيج المجاعة التي تنتهك المبادئ الإنسانية، فهي مخطئة".

وصرحت مؤسسة غزة الإنسانية أنها وزعت حوالي 8000 صندوق غذائي، بإجمالي 462000 وجبة في غزة حتى الآن، وأضافت أن تدفق الوجبات سيزداد يوميًا، بهدف إيصال الطعام إلى 1.2 مليون شخص - أي ما يعادل 60% من سكان غزة بحلول نهاية الأسبوع.

وأعلنت المؤسسة أنها بدأت العمل، الاثنين، إلا أن صورًا نشرتها أظهرت عددًا قليلًا من الأشخاص يحملون صناديق مساعدات، بينما كانت الصناديق موضوعة على منصات في ساحة فارغة، وتُجهز المؤسسة ثلاثة مواقع إضافية لتوزيع المساعدات، اثنان منها في جنوب غزة وواحد في وسطها، وتقع جميع المواقع في الجنوب ضمن منطقة خضعت لأمر إخلاء شامل قبل يوم واحد.

ولا توجد مواقع توزيع في شمال غزة - وهي نقطة انتقاد يوجهها العديد من خبراء الإغاثة، وقد حذرت الأمم المتحدة سابقًا من أن وجود المواقع الأولية في جنوب ووسط غزة فقط قد يُنظر إليه على أنه يُشجع هدف إسرائيل المعلن المتمثل في إجبار "جميع سكان غزة" على مغادرة شمال القطاع، كما قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس في وقت سابق من هذا الشهر.

ويصادف، الأربعاء، مرور 600 يوم على حرب إسرائيل ضد حماس في أعقاب هجمات 7 أكتوبر القاتلة، ولا تُظهر العمليات العسكرية أي بوادر على التراجع رغم الإدانة الدولية المتزايدة، بما في ذلك من العديد من حلفاء إسرائيل.

وصرح مسؤول عسكري إسرائيلي لشبكة CNN في وقت سابق من هذا الأسبوع بأن إسرائيل تخطط لاحتلال 75% من غزة في غضون شهرين كجزء من هجومها الجديد على القطاع المحاصر.

وفي حال تنفيذ هذه الخطط، فإنها ستجبر أكثر من مليوني فلسطيني على النزوح إلى ربع مساحة القطاع الساحلي المدمر بالفعل، والمحاصر بالقوات الإسرائيلية من جميع الجهات تقريبًا.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد صرح في وقت سابق من هذا الشهر بأنه سيتم تهجير جميع السكان إلى جنوب غزة.

وكتب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في وقت سابق من هذا الشهر في وثيقة حصلت عليها شبكة CNN أن آلية مساعدات مؤسسة غزة الإنسانية "تبدو غير مجدية عمليًا، وتتعارض مع المبادئ الإنسانية، وستُسبب مخاطر أمنية جسيمة، كل ذلك في ظل إخفاقها في الوفاء بالتزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي".

وفي إحاطة صحفية، الثلاثاء، صرّح مسؤول عسكري إسرائيلي بأن الآلية الجديدة والقديمة التابعة للأمم المتحدة تعملان الآن، في حين قال منسق أعمال الحكومة في المناطق (COGAT) إن 95 شاحنة دخلت غزة، الثلاثاء.

وكانت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) قد أعلنت في وقت سابق استعدادها، بالتعاون مع منظمات إنسانية أخرى، "لتوزيع كميات كافية من المساعدات حالما يُسمح لنا بذلك".

وأدان المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، مشاهد الفوضى التي وقعت، الثلاثاء، عند نقطة توزيع المساعدات، واصفًا إياها بأنها "مهينة" و"غير آمنة"، مضيفا: "رأينا أمس صورًا صادمة لأشخاص جياع يدفعون الأسوار، في حاجة ماسة للغذاء، كانت حالة من الفوضى، مهينة، وغير آمنة.. هذا إهدار للموارد، وصرف للانتباه عن الفظائع".

وانتقد المتحدث باسم مكتب تنسيق المساعدات التابع للأمم المتحدة، ينس ليرك، خطة مساعدات مؤسسة غزة الإنسانية، واصفًا إياها بأنها "صرف للانتباه عما هو مطلوب بالفعل، وهو إعادة فتح جميع المعابر المؤدية إلى غزة، وتوفير بيئة آمنة داخلها، وتسريع تسهيل الحصول على التصاريح والموافقات النهائية على جميع إمدادات الطوارئ الموجودة خارج الحدود".

كما أعرب دبلوماسيون آخرون من خارج الأمم المتحدة عن قلقهم إزاء دور مؤسسة غزة الإنسانية، وانتقدت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، خطة المساعدات، واصفة إياها بأنها محاولة لتسليح المساعدات الإنسانية، حيث قالت: "لقد كنا واضحين تمامًا في رفضنا لأي نوع من خصخصة توزيع المساعدات الإنسانية، لا يمكن تسليح المساعدات الإنسانية"، مضيفة: "تجاوز الأمم المتحدة في إيصال المساعدات يُقوّض المبادئ الإنسانية".

ورفضت إسرائيل والولايات المتحدة الكشف عن أسماء المنظمات الإنسانية المشاركة في الآلية الجديدة المثيرة للجدل، لكن صورًا من مؤسسة الرحمة العالمية أظهرت صناديق كُتب عليها "رحمة العالمية"، وهي منظمة غير ربحية مقرها ميشيغان، تقول إنها تُقدّم "المساعدات لأكثر المجتمعات ضعفًا في العالم".

أمريكاإسرائيلالأراضي الفلسطينيةانفوجرافيكغزةقطاع غزةنشر الخميس، 29 مايو / أيار 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

مقالات مشابهة

  • الإسكان: الإعفاء من 70% غرامات التأخير لهذه الشقق والفيلات
  • رونالدو يشترط وجود ضمانات لتجديد عقده مع النصر
  • في خطبة يوم الحج الأكبر، رئاسة الشؤون الدينية بالحرمين تخاطب العالم بـ 35 لغة
  • عاجل.. وزير البترول: الالتزام بآلية واضحة لسداد الفواتير الشهرية المستحقة للشركاء الأجانب
  • أنغام وكاريوكي.. خريطة حفلات عيد الأضحى 2025
  • وزارة التربية تُشدد: التشويش في قاعات الامتحان قد يؤدي إلى إلغاء المادة للمخالفين
  • إنفجار إطار مقطورة يؤدي لإحتراقها على طريق الراشدية
  • تساقط الشعر.. هل يمكن إيقافه نهائيًا؟
  • بين الجوع والفوضى.. خريطة توزيع المساعدات الأمريكية في غزة
  • السيد القائد: من المقامات التي جاءت في القرآن عن النبي إبراهيم عرض دلالات وبراهين واضحة لما يدعو قومه إليه لعبادة الله وحده