لجريدة عمان:
2025-06-13@15:08:57 GMT

كيف تتمخض معاداة ترامب للعولمة عن نتائج عكسية؟

تاريخ النشر: 5th, February 2025 GMT

في حين لم يترك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أي مجال للشك حول حبه للتعريفات الجمركية، فإن العالم لا يزال ينتظر ليرى ماذا قد يفعل على وجه التحديد. ذَكَـرَ ترامب الصين وكندا والمكسيك باعتبارها أُولى أهدافه، ولكن يتبقى لنا أن نرى ما إذا كان يريد انتصارا تاما، أو مزيدا من التدابير المشروطة المرتبطة بقضايا السياسة الأخرى (مثل الاستحواذ على شركة تيك توك).

في الوقت الحالي، الأمر الوحيد المؤكد هو أن إدارته ستستخدم التعريفات الجمركية لانتزاع التنازلات حيثما أمكنها ذلك.

غير أن المسألة معقدة؛ لأن التعريفات الجمركية تتفاعل مباشرة مع مكونات أخرى للسياسة الاقتصادية مثل سعر الصرف. نظريا، ينبغي للرسوم الجمركية الأعلى أن تعمل على تقليل الطلب على الواردات وتدفع سعر الصرف إلى الارتفاع، على النحو الذي يجعل السلع الأجنبية أرخص مرة أخرى في نهاية المطاف. لهذا السبب ادّعى ترامب في السابق أن التعريفات الجمركية لا تكلف الأمريكيين أي شيء في حقيقة الأمر، على أساس أن شركاء أمريكا التجاريين هم الذين يدفعون الثمن.

لكن سياسات التجارة وأسعار الصرف تتعامل معها في عموم الأمر وكالات ــ وزارة التجارة ووزارة الخزانة على التوالي ــ وكان الصراع سمة من سمات التفاعلات بينهما على نحو متكرر. في ثلاثينيات القرن العشرين، انتهى الأمر بالعالم إلى انقسام عميق لأن المفاوضين التجاريين زعموا أنهم لا يستطيعون أن يفعلوا أي شيء قبل تثبيت أسعار الصرف، بينما زعم المسؤولون النقديون أن التوصل إلى تسوية لأسعار الصرف يظل في حكم المستحيل إلى أن تشهد التجارة انفتاحا عاما. ومع حدوث ذلك، تصاعدت تدابير الحماية.

ما يزيد الأمور تعقيدا أن آلية أخرى برزت إلى الواجهة منذ ذلك الحين: ميزان المدفوعات. فلأن البلد الذي يعاني من عجز تجاري كبير، مثل الولايات المتحدة، يجب أن يدفع ثمن وارداته على نحو أو آخر، فإنه يعتمد على الأجانب لشراء أوراقه المالية أو الاستثمار في شركاته. تجري هذه التدفقات من الأموال الأجنبية إلى الولايات المتحدة بمستويات بالغة الارتفاع، لأن الأمريكيين لا يدخرون كثيرا. وتستورد البلاد المدخرات من بقية العالم لسداد عجزها التجاري. وإذا لم تفعل ذلك، فسوف يضطر الأمريكيون إلى الإقلال من استهلاكهم، وسوف يترتب على هذا انخفاض مستوى معيشتهم.

تُعَـرِّض الرسوم الجمركية المرتفعة هذا الترتيب للخطر، لأن الولايات المتحدة تحتاج إلى الاستثمار الأجنبي لدفع نموها في المستقبل. وقد أدرك الرئيس السابق جو بايدن أن رأس المال الأجنبي ضروري «لإعادة البناء بشكل أفضل»، وينبغي لترامب أن يعلم أنه لا يستطيع تحقيق «عصره الذهبي» الموعود بدونه. وربما لهذا السبب كان من أوائل ضيوفه في البيت الأبيض ماسايوشي سون من شركة الاستثمار اليابانية العملاقة SoftBank، ورئيس مجلس إدارة شركة أوراكل، والرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، «أصحاب الأموال الطائلة وكبار الشخصيات» وراء مشروع جديد بقيمة 100 مليار دولار (Stargate) لتشييد البنية الأساسية للذكاء الاصطناعي.

يجب أن تكون المفارقة هنا واضحة. ذلك أن محاولة ترامب استعادة السيادة والإيذان بدخول «حقبة جديدة من النجاح الوطني» تعتمد على ذات المزيج من التكنولوجيا والتمويل المحكوم بالعولمة الذي أدى إلى تآكل الطبقة المتوسطة الأمريكية وحوّل كثيرين من الأمريكيين إلى ناخبين لترامب في المقام الأول. لكن الاعتماد على رأس المال العالمي على هذا النحو ليس مجرد مفارقة ساخرة، بل إنه أيضا يجعل أمريكا عُـرضة للخطر. فإذا نضب معين الأموال الأجنبية، ستتحول معجزة ترامب الموعودة إلى كابوس.

وسوف ينطلق أحد أجراس الإنذار المبكر إذا تنامى قلق أسواق السندات بشأن قدرة أمريكا على سداد الديون الضخمة التي تراكمت عليها. فمنذ عام 2022، عندما دخلت رئيسة الوزراء البريطانية ليز تروس في مقامرة مماثلة على النمو، عادت سوق السندات كقوة لا يستطيع حتى الأمريكيون تجاهلها. الواقع أن «الامتياز الباهظ» المتمثل في إصدار عملة الاحتياطي العالمي الرئيسية لا يعني أنك تستطيع أن تفعل كل ما يحلو لك. فقد تتغير معنويات السوق، وعندما يحدث ذلك فإنه يكون عادة مُـفاجئا وشديد المأساوية ــ كما حدث في عام 1931 أو عام 1971. وقد تقع المصداقية ضحية للريبة والشك بين عشية وضحاها، وخاصة في عالم حيث استُـخدِم الدولار الأمريكي كسلاح لتحقيق غايات سياسية عديدة.

التمويل الأجنبي أيضا قد يتراجع إذا بدا على نحو مفاجئ أن المستقبل المشرق الموعود كان موضع مُـبالَـغة، أو إذا كانت التكنولوجيا مخيبة للآمال. ويساور القلق كثير من المستثمرين بالفعل إزاء تقييمات أسهم التكنولوجيا الشديدة الارتفاع اليوم والتي ربما تشير إلى فقاعة. يتطلب مثل هذا الرهان الضخم على محرك جديد محتمل للنمو استثمارات ضخمة، ولكن إذا انفجرت الفقاعة، فسوف تتحول مشاريع عديدة إلى أصول عالقة.

بيد أن سببا آخر قد يؤدي إلى انتهاء التمويل الأجنبي يتمثل في تدخل بعض حكومات بعينها لمنع مواطني بلدانها وشركاتها من الاستثمار في الولايات المتحدة. وهذه استجابة محتملة لحرب تجارية جديدة أو نظام دولاري قوي. فإذا لم يكن من الممكن بيع النبيذ الفرنسي، أو السيارات الألمانية، أو السيارات والطائرات والألواح الشمسية الصينية بشكل تنافسي في أمريكا، فقد تبدأ هذه الحكومات في تقييم خياراتها، وقد تواجه شخصيات مثل سون مزيدا من العقبات في محاولة جلب الوظائف والاستثمار إلى الولايات المتحدة.

في الواقع، تتمثل إحدى أسهل الطرق التي قد يتسنى بها للحكومات التأثير على تدفقات رأس المال عبر الحدود في مراجعة كيفية فرض الضرائب على الاستثمارات الأجنبية. ومع شكوى شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة بالفعل لترامب بشأن المعاملة الضريبية السلبية التي تتلقاها في أماكن أخرى، وخاصة في أوروبا، قد تتحول السياسة الضريبية إلى قضية أخرى تُـستَـخدَم كسلاح. من الواضح أن الحد الأدنى للضريبة العالمية على الشركات العالمية والتي جرى التفاوض عليها من قِـبَـل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أصبحت تحت التهديد، حيث يبدو أن ترامب والجمهوريين في الكونجرس حريصون على خفض ضرائب الشركات قدر المستطاع.

إذا فعلوا ذلك، فقد يتوفر لدى الأوروبيين مزيد من الأسباب للرد بزيادة الضرائب ليس فقط على الشركات الأجنبية في أوروبا، بل وأيضا على استثمارات شركاتهم ومواطنيهم في الولايات المتحدة. وقد يؤدي هذا إلى إعادة بعض الأموال الأوروبية إلى أوروبا، بينما يزيد من الصعوبة التي تواجهها الولايات المتحدة في محاولة موازنة حسابها الجاري.

من الواضح أن الموضات الاقتصادية تنتقل بالعدوى. وهي مسألة وقت فقط قبل أن يتبع شخص ما منطق ترامب ويقدم خطة «لجعل أوروبا عظيمة مرة أخرى». وقد تكون أزمة الديون الأمريكية هي النتيجة الضارة المترتبة على الحملة التي تشنها إدارته ضد العولمة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

الولايات المشتعلة.. هل يقود قرار ترامب بطرد المهاجرين أمريكا نحو المجهول؟

في مشهد يعكس تصاعد التوترات الداخلية داخل الولايات المتحدة، تفجّرت موجة من الاحتجاجات وأعمال الشغب في مدينة لوس أنجلوس، على خلفية قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بطرد المهاجرين غير الشرعيين، لاسيما من دول أمريكا اللاتينية. هذا القرار، الذي أثار جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والحقوقية، فتح الباب أمام مواجهة جديدة بين الإدارة الفيدرالية وعدد من حكّام الولايات، وسط انقسام حاد داخل المشهد الأمريكي الداخلي. 

وفي هذا السياق، قدّم الدكتور أحمد العناني، المحلل السياسي، قراءة تحليلية لأبعاد هذه الأزمة المتفاقمة، وتداعياتها السياسية والدستورية.

تصاعد التوتر في الداخل الأمريكي

أكد الدكتور أحمد العناني، المحلل السياسي، أن تطبيق قرار طرد المهاجرين غير الشرعيين، لا سيما من دول أمريكا اللاتينية، يمثل تنفيذًا مباشرًا لتعهد انتخابي قطعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحت شعار "أمريكا أولًا". وأضاف أن ترامب يسعى إلى تقليص أعداد المهاجرين القادمين من دول مثل المكسيك وغيرها من دول أمريكا اللاتينية، خاصة أولئك المقيمين في ولايات بعينها.

وأضاف العناني في تصريحات لـ “صدى البلد”، إلى أن هذا القرار أثار موجة من الغضب والاحتجاجات العنيفة داخل الولايات المتحدة، إذ يراه المهاجرون قرارًا مجحفًا، وتضامنت معهم في ذلك أطراف عديدة داخل المجتمع الأمريكي، أبرزها أعضاء من الحزب الديمقراطي، ومؤسسات حقوقية، بل وبعض الشركات متعددة الجنسيات التي ترى في القرار تعديًا على المبادئ الإنسانية وتهديدًا للاستقرار الاجتماعي.

وأبرز الدكتور العناني أن الأزمة اشتدت بعد لجوء ترامب إلى نشر الحرس الوطني في عدد من الولايات، وعلى رأسها كاليفورنيا، معتبرًا أن هذا الإجراء يُعد تجاوزًا دستوريًا لصلاحيات حكّام الولايات، مما دفع حاكم ولاية كاليفورنيا للتصريح بأن ترامب تخطى حدود القانون الفيدرالي، خاصة وأن الصلاحيات الأمنية في الولايات متروكة دستوريًا لحكامها وليس للرئاسة.

واعتبر العناني أن ما تشهده الولايات المتحدة اليوم من اضطرابات هو منعطف حاد في تاريخها، مؤكدًا أن شخصية ترامب وتصميمه على المضي في قراراته التصعيدية، تجعلان من التراجع أمرًا مستبعدًا. بل على العكس، يرى أنه سيزيد من وتيرة التصعيد في مواجهة الاحتجاجات، رغم تصاعد حالة الغليان الشعبي واتساع رقعة المتضامنين.

وفي السياق ذاته، أشار العناني إلى أن الأزمة تعكس حالة من الانقسام العميق داخل النخبة السياسية الأمريكية، حيث يهاجم عدد من أعضاء الحزب الديمقراطي قرارات ترامب، سواء تلك المتعلقة بالهجرة أو بسياساته الاقتصادية، كفرض الرسوم الجمركية على الصين، وهو ما أدى إلى تباطؤ الأسواق العالمية وارتفاع معدلات التضخم داخل الولايات المتحدة.

وأضاف أن هذا التصعيد السياسي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي لا ينفصل عن السياق الانتخابي، حيث يسعى الديمقراطيون إلى استغلال أخطاء ترامب المحتملة، سواء في الداخل أو في السياسات الخارجية، لتعزيز فرص مرشحهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وختامًا، حذر الدكتور أحمد العناني من خطورة تصاعد هذا الصراع الداخلي، مشيرًا إلى أن استمرار الاحتجاجات العنيفة قد يؤدي إلى اضطرابات تهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي في الولايات المتحدة، وربما تُحدث تحولات عميقة على غرار ما جرى في التجربة السوفيتية. وفي الوقت نفسه، يرى أن ترامب لن يتراجع، بل سيواصل الاعتماد على الأدوات الأمنية، كالحرس الوطني، لتنفيذ سياساته، الأمر الذي يتطلب تدخلاً عاجلاً من البيت الأبيض لمعالجة الأزمة بشكل جذري قبل أن تتفاقم أكثر.

طباعة شارك لوس أنجلوس ترامب دونالد ترامب

مقالات مشابهة

  • ترامب يؤكد وقوف الولايات المتحدة بجانب إسرائيل في عدوانها على إيران
  • الصين تؤكد التوصل إلى اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة
  • معركة الرسوم الجمركية تهدأ مؤقتاً.. ماذا يعني الاتفاق الأمريكي الصيني للأسواق؟
  • كاتب أميركي: الولايات المتحدة لم تعد بلدا مستقرا
  • الولايات المشتعلة.. هل يقود قرار ترامب بطرد المهاجرين أمريكا نحو المجهول؟
  • خبيرة علاقات دولية: الولايات المتحدة على أعتاب اضطرابات داخلية وقد تواجه سيناريو حرب أهلية
  • اتفاق أمريكي صيني بشأن الرسوم الجمركية.. هذه تفاصيله
  • هل انتهت أزمة الرسوم الجمركية؟ ترامب يعلن عن اتفاق شامل مع الصين
  • حول الرسوم الجمركية.. ترامب يعلن عن اتفاق مع الصين بانتظار موافقة الرئيس شي جين بينج
  • عاجل | بلومبيرغ عن مصادر: الولايات المتحدة والصين تؤكدان التوصل إلى توافق لتنفيذ اتفاق جنيف بشأن الرسوم الجمركية