كيف يعكّر التعرض القصير للهواء الملوث صفو عقلك ويبطئ تفكيرك؟
تاريخ النشر: 7th, February 2025 GMT
كشف الباحثون من جامعتي برمنغهام ومانشستر، خلال ورقة بحثية، نُشرت بمجلة Nature Communications أنّ: "الانتباه الانتقائي والتعرف على المشاعر تأثرا سلبا بتلوث الهواء، بغض النظر عمّا إذا كان الأشخاص يتنفسون بشكل طبيعي أو من خلال أفواههم فقط".
وأوضح العلماء، خلال الدراسة نفسها، أنّ: "التعرض لبضع ساعات فقط لتلوث الهواء يقلّل من التركيز، ويجعل من الصعب قراءة المشاعر، ويضعف الانتباه الانتقائي.
كذلك، كشفت الدراسة الجديدة أنّ: "التعرّض القصير الأمد لتلوث الهواء بالجسيمات يمكن أن يقلّل من قدرة الشخص على التركيز وتفسير المشاعر، ما يجعل المهام اليومية، مثل التسوق، أكثر صعوبة".
وبحسب الورقة البحثية ذاته، قد وجد العلماء أنّ: التعرض القصير حتى لمستويات عالية من الجسيمات يمكن أن يضعف التركيز، ويزيد من تشتيت الانتباه، ويؤثر على السلوك الاجتماعي. وللتحقق من هذه التأثيرات، عرَّض الباحثون المشاركين إما للهواء الملوث، الناتج عن دخان الشموع، أو الهواء النظيف.
إثر ذلك، قاموا باختبار القدرات المعرفية قبل وبعد أربع ساعات من التعرض، وقاسوا الذاكرة العاملة، والانتباه الانتقائي، والتعرف على المشاعر، وسرعة الحركة النفسية، والانتباه المستمر.
وفي السياق نفسه، اقترح الخبراء أن الالتهاب الناجم عن التلوث قد يكون مسؤولا عن هذه العيوب، مشيرين إلى أنه: "حين تأثر الانتباه الانتقائي والتعرف على المشاعر، فإن الذاكرة العاملة لم تتأثر. وهذا يشير إلى أن بعض وظائف المخ أكثر مرونة في التعرض للتلوث على المدى القصير".
إلى ذلك، علّق المؤلف المشارك من جامعة برمنغهام، توماس فاهيرتي: "تقدم دراستنا أدلة دامغة على أن التعرض القصير الأمد للجسيمات يمكن أن يكون له آثار سلبية فورية على وظائف المخ الأساسية للأنشطة اليومية، مثل التسوق الأسبوعي في السوبر ماركت".
كذلك، علّق المؤلف المشارك في الدراسة من جامعة برمنغهام، فرانسيس بوب، بالقول: "إنّ جودة الهواء الرديئة تقوض التطور الفكري وإنتاجية العمال، مع عواقب اجتماعية واقتصادية كبيرة في عالم عالي التقنية يعتمد على التميز المعرفي".
وتابع بوب: "يؤثّر انخفاض الإنتاجية على النمو الاقتصادي، ما يسلّط الضوء بشكل أكبر على الحاجة الملحة إلى لوائح أكثر صرامة لجودة الهواء وتدابير الصحة العامة لمكافحة الآثار الضارة للتلوث على صحة الدماغ، وخاصة في المناطق الحضرية شديدة التلوث".
وبحسب الدراسة، فإن الأداء المعرفي يشمل على مجموعة متنوعة من العمليات العقلية الحاسمة للمهام اليومية. على سبيل المثال، يساعد الانتباه الانتقائي في اتخاذ القرار والسلوك الموجه نحو الهدف، مثل تحديد أولويات العناصر الموجودة في قائمة التسوق الخاصة بك في السوبر ماركت، مع تجاهل المنتجات الأخرى ومقاومة عمليات الشراء الاندفاعية.
أيضا، تعمل الذاكرة العاملة كمساحة عمل مؤقتة لحفظ المعلومات والتلاعب بها، وهي حيوية للمهام التي تتطلب المعالجة والتخزين المتزامنين، وهي ضرورية للمهام التي تتطلب تعدد المهام، مثل التخطيط لجدول زمني أو إدارة محادثات متعددة.
وأكدت الدراسة، أن الإدراك الاجتماعي والعاطفي، الذي يتضمن اكتشاف وتفسير المشاعر في الذات والآخرين، يساعد في توجيه السلوك المقبول اجتماعيا. على الرغم من أن هذه مهارات معرفية منفصلة، إلا أنها تعمل معا لتمكين الإنجاز الناجح للمهام سواء في العمل أو في جوانب أخرى من الحياة.
وفي سياق متصل، سلّطت الدراسة، الضوء، على الحاجة إلى مزيد من البحث لفهم المسارات التي يؤثر بها تلوث الهواء على الوظائف الإدراكية واستكشاف التأثيرات طويلة المدى، وخاصة على الفئات السكانية المعرضة للخطر مثل الأطفال وكبار السن.
من جهته، علّق المؤلف المشارك من جامعة مانشستر، غوردون ماكفيغانز، بالقول: "تُظهر هذه الدراسة أهمية فهم تأثيرات تلوث الهواء على الوظائف الإدراكية والحاجة إلى دراسة تأثيرات مصادر التلوث المختلفة على صحة الدماغ لدى كبار السن المعرضين للخطر في المجتمع".
تجدر الإشارة إلى أن الدراسة تعدّ الأولى التي تتلاعب تجريبيا بمسارات استنشاق تلوث الهواء بالجسيمات الدقيقة، ما يوفر رؤى قيمة حول كيفية تأثير المسارات المختلفة على الوظائف الإدراكية. ويؤكد الباحثون على الحاجة إلى مزيد من التحقيق في التأثيرات طويلة المدى والتدابير الوقائية المحتملة.
على مستوى العالم، يعد تلوث الهواء عامل الخطر البيئي الرئيسي على صحة الإنسان، ما يزيد من الوفيات المبكرة. إذ أن التأثيرات الضارة لجودة الهواء الرديئة على جهاز القلب والأوعية والجهاز التنفسي معروفة على نطاق واسع، وترتبط بحالات التنكس العصبي مثل التصلب المتعدد ومرض الزهايمر ومرض باركنسون.
كذلك، إن جسيمات PM2.5 هو الملوث الجوي الأكثر مسؤولية عن التأثيرات على صحة الإنسان حيث تم نسب حوالي 4.2 مليون حالة وفاة إلى هذا الحجم من الجسيمات وحدها في عام 2015.
وتوصي منظمة الصحة العالمية بأن تكون الحدود السنوية والحدود على مدار 24 ساعة أقل من 15 ميكروغرام للمتر المكعب من الهواء و5 ميكروغرام للمتر المكعب على التوالي.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحة طب وصحة طب وصحة تلوث الهواء الصحة العالمية الصحة العالمية تلوث الهواء الجهاز التنفسي المزيد في صحة طب وصحة طب وصحة طب وصحة طب وصحة طب وصحة طب وصحة سياسة سياسة صحة صحة صحة صحة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تلوث الهواء یمکن أن على صحة
إقرأ أيضاً:
جلال كشك.. الذي مات في مناظرة على الهواء مباشرة وهو ينافح عن رسول الله
يقدّم الكاتب والباحث المصري جمال سلطان في هذا المقال، الذي تنشره "عربي21" بالتزامن مع نشره على صفحته في فيسبوك، قراءةً حميمة ومكثّفة في سيرة واحد من أكثر المثقفين العرب إثارة للجدل وحضورا في معارك الوعي خلال النصف الثاني من القرن العشرين: محمد جلال كشك.
فمن خلال استعادة شخصية كشك وتجربته الفكرية وتقلباته وتحولاته وصراعاته، لا يكتب سلطان مجرد شهادة شخصية، بل يعيد تفكيك مشهد ثقافي وسياسي كامل، كانت فيه مصر ـ والعالم العربي ـ تتشكل تحت وطأة الإيديولوجيات الكبرى، والمشاريع السلطوية، وصدامات الهوية، ومحاولات التأريخ والهيمنة على الذاكرة.
تتكشّف في هذه السطور صورة كاتب عركته التجارب، واشتعل بالأسئلة، وامتلك جرأة لا تلين في مواجهة ما اعتبره زيفا أو تزويرا للوعي، حتى آخر لحظة في حياته.
طاقة صحفية وفكرية مذهلة
كنت في شبابي مغرما بالكاتب الراحل الكبير محمد جلال كشك، وما زلت، كان الرجل طاقة صحفية وفكرية مذهلة، ولديه صبر ودأب على القراءة والكتابة بشكل تحار فيه العقول، ويكفي أنه كان يقرأ كتب الراحل الكبير أيضا محمد حسنين هيكل ويجري مقارنات صبورة بين ما يكتبه هيكل في النسخة الانجليزية التي تصدر للتسويق الخارجي وما يكتبه في النسخة العربية ، ليكشف عن تناقضات في الروايتين، وهو جهد صعب للغاية، كما كان كتابه المهم "ودخلت الخيل الأزهر" أهم موسوعة حديثة في تسجيل جرائم الغزو الفرنسي لمصر، والعملاء الذين خدموه في الداخل، والكتاب أثار ضجة في حينه، كما كان كتاباه: كلمتي للمغفلين، وثورة يوليو الأمريكية، من أخطر الكتب التي صدرت عن تجربة ثورة يوليو وعبد الناصر، وهو ما قلب عليه القوميين والناصريين بشدة، وهو كان يبادلهم كراهية بكراهية وله كتابات أخرى في هذه المعارك .
لذلك كانت سعادتي كبيرة عندما قدمتني له الكاتبة الكبيرة صافي ناز كاظم، خاصة عندما قرأ كتابا لي صدر في أول التسعينات الماضية "أزمة الحوار الديني"، وأبدى إعجابه الشديد به، وكان مندهشا أن كاتبا شابا يكتب بتلك اللغة والمعلومات، ودعاني لزيارته في شقته بالزمالك وأكرمني كرما حاتميا مما جعلني أحكي تلك "العزومة" الفاخرة لصافي ناز على سبيل التباهي بأنها أتتني من كاتب كبير في قيمة وقامة جلال كشك، فلما بلغه كلامي وغزلي في العزومة غضب، واعتبر أن "العزومة" وما فيها من أسرار البيوت وأنني بذلك لم أحترم بروتوكل الزيارات، فلم يكررها ثانية، وبصراحة كان محقا في ذلك وقد تعلمت من هذا الموقف فيما بعد، لكني وقتها خسرت الكثير من الحمام المحشي والمشوي وخلافه، رغم أنه ـ رحمه الله ـ لم يكن يأكل إلا قليلا بسبب إصابته بالسكر والكوليسترول وأمراض أخرى اجتمعت عليه .
شهدت أفكار محمد جلال كشك تحولات، مثل تحولات عبد الوهاب المسيري وعادل حسين وطارق البشري وجيل كبير من المثقفين المصريين، بدأ حياته الفكرية والسياسية ماركسيا وكان من مؤسسي الحزب الشيوعي، ثم تركه وتركهم وقدم نقدا عنيفا للماركسية ومنظماتها في الستينيات ونشر سلسلة مقالات أزعجت الاتحاد السوفيتي، حتى ردت عليه صحيفة البرافدا واعتبرت أن وجود جلال كشك في الصحافة المصرية هو إساءة للاتحاد السوفييتي، وكانت علاقات عبد الناصر وقتها قد توثقت بموسكو، فأوقفه عبد الناصر عن الكتابة وعن العمل كلية ثلاث سنوات كاملة، ولم يعد إلا بعد النكسة، فعاد إلى مؤسسة أخبار اليوم، ثم ترك مصر كلها وهاجر، وقضى حقبة من حياته في بيروت في حالة لجوء اختياري بعد مضايقات عصر السادات، حتى كانت الثمانينيات حاسمة في توجهه إلى الفكرة الإسلامية، والانحياز للإسلام كحضارة وهوية للأمة وشرط لنهضتها.
لم يمكث جلال كشك بعدها سوى ثلاثة أشهر فقط، وكان من كرم الله عليه أن مات بأزمة قلبية وهو في مناظرة على الهواء ضد نصر حامد أبو زيد يدافع فيها عن رسول الله في وجه خطابات علمانية وغربية متطرفة، فقبضت روحه وهو على هذه الحال.كان جلال كشك يجمع بين الجدية والصرامة في الكتابة وبين خفة الظل والصراحة في المواجهة، وعندما ابتلي في سنواته الأخيرة بسرطان البروستاتا، كان يتردد على لندن للعلاج والفحص، وفي آخر زيارة طبية، أجرى التحاليل، فقال له الطبيب أن أمامه ما بين ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر فقط في الدنيا ثم يموت، ويومها كتب مقالا مؤثرا للغاية في مجلة أكتوبر، وكان لها شأن في تلك الأوقات، كان عنوانه "أنعي لكم نفسي"، وحكى فيه ما جرى وأنه ينتظر الموت خلال ستة أشهر على الأكثر، هي كل ما بقي له من الدنيا، ويودع قراءه، ورغم الحزن والمفاجأة، إلا أنه لم يتخل عن خفة ظله في هذا المقال، فحكى فيه أنه بعد أن تسلم من المستشفى اللندني التحليل الذي يؤكد قرب وفاته، فوجئ باتصال يأتيه من شركة أمريكية متخصصة في "دفن الموتى"، وقالوا له: مستر جلال نحن لدينا تجهيزات راقية للجنازات، ومقابر مميزة وبأسعار مناسبة ويمكن أن نحجز لك مقبرة تسرك!!، وراح في المقال يلعن سلسفيل جدودهم، ولم يمكث جلال كشك بعدها سوى ثلاثة أشهر فقط، وكان من كرم الله عليه أن مات بأزمة قلبية وهو في مناظرة على الهواء ضد نصر حامد أبو زيد يدافع فيها عن رسول الله في وجه خطابات علمانية وغربية متطرفة، فقبضت روحه وهو على هذه الحال.
كان جلال كشك شرسا في معاركه الفكرية، موسوعي الثقافة، قوي الحجة، حاضر الذهن، صاحب جلد وصبر غير عادي على البحث والكتابة، لذلك كان مزعجا جدا لأكثر من تيار فكري ، وبشكل خاص كان مكروها من الأقباط المتطرفين، ومن استصحبوا الوعي الطائفي من المثقفين في كتاباتهم عن تاريخ مصر، ولذلك كان يكرهه بشدة الناقد المعروف لويس عوض وكذلك غالي شكري ، خاصة وأنه في كتابه "ودخلت الخيل الأزهر" كشف عن دور "المعلم يعقوب" والفيلق القبطي الذي شكله للقتال بجوار الجيش الفرنسي الذي احتل مصر، وكان لويس عوض يثني في كتاباته على "المعلم يعقوب" عميل الاحتلال الفرنسي ويعتبره بطلا .
أيضا، يكرهه الناصريون بشدة، لأنه صاحب أهم الكتب التي كشفت عن الدعم الكبير الذي قدمته المخابرات الأمريكية "CIA"، لانقلاب ضباط حركة يوليو 1952 بقيادة جمال عبد الناصر، وكان كتاباه "كلمتي للمغفلين"، و"ثورة يوليو الأمريكية" أشبه بزلزال ضرب الوعي الخرافي الذي سوقته آلة الدعاية الناصرية على مدار عقود، وذلك بسبب ما حواه الكتاب من وثائق وأدلة دامغة على الاتصالات واللقاءات السرية التي كانت تجري بين عبد الناصر وبعض ضباطه وبين السفارة الأمريكية، والترتيبات الأمريكية لدعم وحماية انقلاب الضباط ومنع جيش الاحتلال الانجليزي من التدخل، حيث كان جيشهم يرابط في منطقة القناة، على بعد ساعة واحدة من القاهرة.
أيضا، كان يحظى بكراهية شديدة من محبي الأستاذ محمد حسنين هيكل، ومجاذيبه، لأنه القلم الوحيد الذي جرؤ على إهانة هيكل وإحراجه، بل وإعلان احتقاره وتحديه، في مقالات كثيرة، وفي كتب أيضا، وكشف تناقضاته، كما كشف تمريره لمعلومات غير صحيحة على الإطلاق، وتعتبر تضليلا للرأي العام، وكان له صبر عجيب في تتبع هيكل وإحراجه، ولذلك كان الناصريون وأنصار هيكل أكثر من شنعوا على جلال كشك، وأطلقوا حوله الشائعات والشبهات، ورموه بالاتهامات المرسلة والسخيفة والكاذبة التي يسهل إطلاقها على أي أحد، بدون أي دليل، محض كراهية وبهتان وتصفية مرارات عالقة في النفوس.
تتفق أو تختلف مع جلال كشك ، الذي توفاه الله في العام 1993 ، إلا أنك لا يمكن أن تتجاهل أن الثقافة العربية والصحافة العربية خسرت بموته قلما جبارا، وطاقة لا تكل ولا تمل من إثارة المعارك الفكرية والصحفية التي أحدثت استنارة حقيقية في جيل بكامله من المثقفين المصريين والعرب أراد البعض لهم أن يرسفوا في أغلال الزيف والبهتان، يرحمه الله .